9Marksمقالات

متى يجب استخدام التأديب الكنسي؟ وكيف يجب مواجهة الخطية؟

غالبية التأديب الكنسي يجب أن تتم على مدار أيام الأسبوع، وليس فقط يوم الأحد في الكنيسة، لكن ذلك لا يعني أن يلاحق أعضاء الكنيسة بعضهم البعض بغرض التقويم المستمر، قد يبدو هذا مخيفًا! إذًا، المعنى المقصود ببساطة هو، أن يتميز شعب الكنيسة بالجوع للقداسة، فيصبح الأعضاء يطلبون التقويم، لا أن يختبأوا منه، لأن الهدف هو النمو الروحي، مثال:

“مرحبًا فلان، هل لديك أي ملاحظة بخصوص قيادتي للاجتماع اليوم؟ ما الذي كان بإمكاني فعله بشكل أفضل؟”

“مرحبًا فلان، أريد أن أخبرك أنه بإمكانك أن تقدم لي النصيحة عن زواجي، وكيف ترى محبتي لزوجتي.. ربما كأنسان عادي لا أريد ذلك، لكن أي ملاحظة لديك، أرجو أن تخبرني بها، أخبرني كيف تراني كأب..”

غالبًا يتم التمييز بين التأديب التأسيسي والتأديب التقويمي، الأول يعني التعليم، بينما الثاني يعني تقويم الخطأ، لكن الاثنان يسيران جنبًا إلى جنب بشكل واضح، من الصعب تطبيق أحدهما بدون الآخر، وفي حياة الكنيسة يجب تطبيقهما ليس فقط أيام الآحاد، لكن على مدار الأسبوع، هنا يمكن أن تصف التأديب كنوع من عملية التلمذة، ومتى تحدث التلمذة أو التأديب؟ على مدار الأسبوع.

السؤال الأصعب

لكن هنا نأتي للسؤال الأصعب، متى نأخذ التأديب من مرحلة المواجهة بين واحد إلى اثنين أو ثلاثة إلى الكنيسة بأكملها؟

لا توجد طريقة محددة لذلك، كل حالة يجب أن يُحكم فيها بناءً على معطياتها الخاصة، على سبيل المثال: بعض المواقف رأى فيها شيوخ الكنيسة أن هناك حاجة إلى العمل عليها لفترة طويلة، وفي مواقف أخرى عملنا فيها لأشهر أو حتى سنوات، ولم نقرر مطلقًا نقل المشكلة إلى المستوى التالي.

هكذا يكون الحال غالبًا، عندما يعمل معنا الأشخاص المعنيون بالمشكلة على محاربة خطاياهم، أتذكر ذات مرة أن شيوخ مجلس الكنيسة لدينا تعاملوا مع زوجين على مدار أربع أو خمس سنوات، وهي مدة كبيرة لدرجة أن الشيوخ الذين بدأوا في عملية تقديم المشورة للزوجين، خرجوا من المجلس لانتهاء مدة خدمتهم به، ودخل إلى المجلس شيوخ آخرين كان لا بُد من إطلاعهم على الموقف، وحدث هذا الانتقال مرتين خلال فترة مشاكل الزوجين، ومع ذلك لم يتم حرمان أي من الزوجين علنًا.

السؤال الأسهل قليلًا

والآن لدينا سؤال أسهل قليلاً بحاجة لإجابة -على الأقل من الناحية النظرية-  ما هي الخطايا التي تستدعي المكاشفة العامة والحرمان الكنسي؟ للإجابة على هذا السؤال، كان الجيل الأقدم من الكتَّاب يجمعون في كثير من الأحيان قوائم بالخطايا من نصوص الكتاب المُقدَّس، مثل تلك الموجود في رسالة كورنثوس الأولى الإصحاح الخامس والسادس: “وَأَمَّا الآنَ فَكَتَبْتُ إِلَيْكُمْ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ مَدْعُوٌّ أَخًا زَانِيًا أَوْ طَمَّاعًا أَوْ عَابِدَ وَثَنٍ أَوْ شَتَّامًا أَوْ سِكِّيرًا أَوْ خَاطِفًا، أَنْ لاَ تُخَالِطُوا وَلاَ تُؤَاكِلُوا مِثْلَ هذَا” (1 كورثنوس 5: 11)، هنا يأتي السؤال: إذا تمسكنا بهذه القوائم فقط، فهل هذا يعني أنه يجب علينا طرد الجشع دون مخترق القانون؟ النصابين دون القتلة أو المتحرشين بالأطفال؟ لم يأتي هنا ذكر لمخترقي القانون والقتلة والمتحرشين بالأطفال في هذه الأنواع من القوائم.

لا أعتقد أننا يجب أن نتعامل مع هذه القوائم على أنها شاملة، يبدو هذا واضحًا من وصف بولس لنوع الخطايا التي يجب أن نتوقعها لتمييز الأشخاص الذين يظلون غير مؤمنين وغير نادمين، انظر ماذا يقول: “أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الظَّالِمِينَ لاَ يَرِثُونَ مَلَكُوتَ اللهِ؟ لاَ تَضِلُّوا: لاَ زُنَاةٌ وَلاَ عَبَدَةُ أَوْثَانٍ وَلاَ فَاسِقُونَ وَلاَ مَأْبُونُونَ وَلاَ مُضَاجِعُو ذُكُورٍ، وَلاَ سَارِقُونَ وَلاَ طَمَّاعُونَ وَلاَ سِكِّيرُونَ وَلاَ شَتَّامُونَ وَلاَ خَاطِفُونَ يَرِثُونَ مَلَكُوتَ اللهِ” (1 كورنثوس 6: 9-10).

لذا، أعتقد أن الإجابة المختصرة على السؤال السابق هي، فقط تلك الخطايا الخارجية، والخطيرة، والتي لا يقدَّم عنها توبة، هنا تستدعي المكاشفة العلنية والحرمان الكنسي، والخطية يجب أن تكون كل هذه الأشياء الثلاثة، وليست واحدة أو اثنتين فقط.

  1. 1. يجب أن تكون الخطية خارجية

أولاً، يجب أن تكون الخطية شيئًا يمكنك رؤيته بعينيك أو سماعه بأذنيك، لا يمكن أن تكون شيئًا تشك بوجوده في قلب الشخص، يسرد بول “الجشع”ضمن القائمة السابقة من الخطايا، لكنك لا تستطيع أن تتهم أحدًا بأنه جشع ثم تحرمه من الكنيسة إذا لم يكن لديك دليل خارجي على الجشع. في نظام المحاكم العلماني هناك قيمة كبيرة لأهمية الأدلة. فهل يجوز أن تكون الكنائس أقل حذرًا؟ عدالة يسوع تعتمد على الحقيقة وليس إرضاء الجماعة.

لاحظ أنني قلت “خارجية” وليس “عامة”، على سبيل المثال، “الزنا” ليس علنيًا، بالطبع هو أمر خاص، لهذا قلت خطية “خارج” الإنسان.

  1. 2. الخطية يجب أن تكون خطيرة

قد يكون القلق والخوف والتوتر خطايا، لكن لا أعتقد أنها تستدعي المكاشفة العلنية والحرمان الكنسي.

على سبيل المثال، إذا وجدت أخًا يؤِّلف قصةً، لكنه أنكرها فيما بعد، فقد يكون مخطئًا. لكنني لن أتعامل معه على الملأ، يقول لنا بطرس:”الْمَحَبَّةَ تَسْتُرُ كَثْرَةً مِنَ الْخَطَايَا” (1 بطرس 4: 8). من المؤكد أن إحدى السمات الرئيسية للكنيسة القويمة، هي الرغبة في التغاضي عن العديد -بل وحتى معظم- الخطايا التي يقع فيها إخوتنا الأعضاء في الكنيسة.

إذن ما الذي يعتبر خطية كبيرة وخطيرة؟ إنها الخطية التي من الصعب أن تجعلك تستمر في الاعتقاد بأن هذا الشخص يحمل روح الله وأنه مؤمن بالفعل -على الأقل إذا رفض التوبة-  تذكَّر ماذا تعني عضوية الكنيسة، هي تأكيد الكنيسة على اعتراف الشخص بإيمانه. الخطية الخطيرة إذًا هي الخطية التي تجعل من الصعب على الخاطي -إن لم يكن من المستحيل- أن يصمد أمام مراقبة الناس لسلوكه ويستمر في تأكيد مصداقية إعلانه الإيمان. يمكنني إذًا أن استمر بضمير مستريح، في تأكيد إيمان شخص ينكر أنه بالغ في سرد قصة ما؛ لكن لا يمكنني أن أفعل ذلك بضمير مستريح لشخص يستمر في الزنا، أو الإساءة اللفظية، أو السُكّر، وما إلى ذلك.

إذًا هل وجود معايير لتحديد ما هي الخطية “الخطيرة” أمر هام إلى حد ما؟ نعم، والسبب هو أنه قد تكون هناك خطية تستدعي الحرمان الكنسي في حالة ما، بينما في حالة أخرى قد لا تستدعي ذلك، ويعود ذلك لمجموعة من العوامل والظروف. كم سيكون من السهل على الكتاب المقدس أن يعطينا سوابق قضائية دقيقة للتعامل مع أي موقف يمكن أن يحدث!  كما هو الحال عندما يريدنا الرب أن نطلب منه الحكمة وأن نسير في الإيمان. بالمناسبة، هذا سبب آخر يجعل الكنائس تتطلع إلى تنشئة أكبر عدد ممكن من الشيوخ، حتى لا  يضطر شخص أو اثنين لتحمل مسؤولية التفكير في هذه الأمور الصعبة قبل إحضارها للمكاشفة أمام الكنيسة.

  1. الخطية التي لا يقدَّم عنها توبة

إذا تمت مواجهة الشخص بخطيته-سواء اعترف بها أم لا،  وسواء قال إنه سيتوقف أم لا- فهو في النهاية يرفض التخلي عنها، ومستمر في العودة إليها. سواء يستطيع (أو لا) أن ينفصل عنها، فهو مثل الأحمق يتمرغ في حماقته.

كيف نواجه الخاطي بخطيته؟

كانت هناك أوقات عندما قَلِب يسوع طاولات الصيارفة بغضب، كانت هناك أوقات تحدَّث فيها الرسل علانية بلهجة حادة تجاه أفراد معينين (مثل حديث بطرس لسيمون الساحر في أعمال الرسل أصحاح 8،  أو حديث بولس في كورنثوس الأولى، أصحاح 5). وقد تكون هناك حالات مثل هذه -لكنها نادرة- يجب فيها أن يكون تقويم أحد الإخوة على نفس الدرجة من الشدة.

في غالبية الحالات، يجب أن يتحلى أسلوب المواجهة أو المسائلة بالصفات التالية:

  1. 1. أن يكون سري: بحسب إنجيل متى، إصحاح 18، يجب أن نجعل الدوائر صغيرة قدر الإمكان.
  2. اللُّطف: يحثُّنا بولس أن نسترد الناس بلطف “أَيُّهَا الإِخْوَةُ، إِنِ انْسَبَقَ إِنْسَانٌ فَأُخِذَ فِي زَلَّةٍ مَا، فَأَصْلِحُوا أَنْتُمُ الرُّوحَانِيِّينَ مِثْلَ هذَا بِرُوحِ الْوَدَاعَةِ”. (غلاطية ٦: ١)
  3. 3. اليقظة: في نفس الآية يضيف بولس: “نَاظِرًا إِلَى نَفْسِكَ لِئَلاَّ تُجَرَّبَ أَنْتَ أَيْضًا”، ويقول أيضًا يهوذا: “23وَخَلِّصُوا الْبَعْضَ بِالْخَوْفِ، مُخْتَطِفِينَ مِنَ النَّارِ، مُبْغِضِينَ حَتَّى الثَّوْبَ الْمُدَنَّسَ مِنَ الْجَسَدِ.” (يهوذا ٢٣) الخطية خادعة، من السهل أن تُمسَك بالخطية، حتى عندما تحاول مساعدة الآخرين.

4.الرحمة: يقول يهوذا: “ارحموا” و “خلصوا” (الآيات ٢٢ ، ٢٣). يجب أن تكون نبرة صوتك رحيمة ومتفَّهمة، وليست نبرة متعالية بالبر الذاتي، كما لو أنك لن تكون أبدًا عرضة للسقوط بنفس الطريقة.

  1. 5. الحيادية: لا يجب أن نحكم مسبقًا، بل نعمل على سماع كلا الجانبين من القصة “أُنَاشِدُكَ أَمَامَ اللهِ وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ وَالْمَلاَئِكَةِ الْمُخْتَارِينَ، أَنْ تَحْفَظَ هذَا بِدُونِ غَرَضٍ، وَلاَ تَعْمَلَ شَيْئًا بِمُحَابَاةٍ (1 تيموثاوس 21:5).
  2. الوضوح: بالتأكيد المواجهة السلبية العدوانية أو الساخرة، غير مطلوبة لأنها لا تخدم الغرض. عوضًا عن ذلك، يجب أن تكون على استعداد لتبدو متواضعًا وواضحًا للغاية، خاصة إذا كنت ستطلب من الشخص المخطىء أن يكون متضعًا أثناء اعترافه بخطيته. في بعض الأحيان، يمكن أن يخدم الأسلوب البسيط واللطف في أن يخرج الشخص ما بداخله. لكن يجب ألاَّ يؤثر هذا الأسلوب على مدى الوضوح أثناء المواجهة. وكلما أصبحت الدوائر أوسع، يجب أن تكون أوضح. وأهم شيء،يجب تحذير الناس”أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ خَمِيرَةً صَغِيرَةً تُخَمِّرُ الْعَجِينَ كُلَّهُ؟”(1 كورنثوس 5: 6).

7.الحسم: من جهة أخرى، عندما نصل للخطوة الأخيرة من التأديب -الحرمان أو الإقصاء- يجب أن يكون تأخذ الكنيسة بأكملها موقفًا حاسمًا: “إِذًا نَقُّوا مِنْكُمُ الْخَمِيرَةَ الْعَتِيقَةَ، لِكَيْ تَكُونُوا عَجِينًا جَدِيدًا كَمَا أَنْتُمْ فَطِيرٌ” (1 كورنثوس 5: 7) ؛ “اَلرَّجُلُ الْمُبْتَدِعُ بَعْدَ الإِنْذَارِ مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ، أَعْرِضْ عَنْهُ” (تيطس 3: 10) يجب أن يكون واضحًا أن الفرد لم يعد عضوًا في الكنيسة أو مرحبًا به في مائدة الرب.

الحكمة مطلوبة دائمًا في مسائل التقويم والتأديب، لأنه لا يوجد حالتان متشابهتان. ليس من السهل أن تقول، “حسنًا، مع هذا الشخص فعلنا هكذا”، وانتهى الأمر، بينما يوجد الكثير لنتعلمه من المواقف السابقة، يجب علينا أخيرًا الاعتماد على مبادئ كلمة الله، وإرشاد الروح القدس، والفحص الدقيق لخصائص وخصوصية كل موقف.

(ملحوظة المحرر: هذا المقال مقتبس من كتاب “فهم نظام التأديب الكنسي” للكاتب جوناثان لي مان، 2016) 

بقلم/ جوناثان ليمان

تم ترجمة هذا المقال بالتعاون مع هيئة 

9Marks 

يمكنك قراءة المقال باللغة الإنجليزية من خلال هذا الرابط 

https://www.9marks.org/article/when-do-you-practice-church-discipline-and-how-do-you-do-it/

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى