9Marksمقالات

التقليل الرعوي من العقيدة السليمة للتوبة

عقيدة التوبة السليمة تمنحك قوة رعوية

توضيح شخصي

اسمحوا لي أن أبدأ مباشرةً بالتوضيح بمثال شخصي، ذات مرة، اعترفتُ لصديق لي عن شهوة خاطئة، وشرحت له مدى إحباطي، بسبب معرفتي بما يقوله الكتاب عن هذا الخطأ، لكن جزءًا مني كان يميل إلى تبرير ذلك، لأنني كنت أشعر بأن هذه الشهوة

 “مُتغللة في نسيج شخصيتي” و أصبحت “جزءًا قريبًا جدًالنفسي”، هذه كانت العبارات التي استخدمتها لأشرح له مدى تعلُّقي بهذه الشهوة.

لكن صديقي هذا أجابني بلطف وبساطة بما  يقوله الكتاب في رسالة أفسس الإصحاح الرابع ” تَخْلَعُوا مِنْ جِهَةِ التَّصَرُّفِ السَّابِقِ الإِنْسَانَ الْعَتِيقَ الْفَاسِدَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِ الْغُرُورِ” (أفسس 4: 22)، ثم قال: هكذا هو إنسانك الداخلي العتيق، نعم، هذا حقيقي، مثل هذه الشهوات ربما تكون متغلغلة وشديدة الجاذبية لكل إنسان، هذا هو إنسانك العتيق الفاسد يا جوناثان فماذا تتوقع؟! عندها أدركت أن هذه الشهوات هي أنا.

لكن صديقي هذا هتف بي قائلًا: مازالت هناك أخبار سارة لك.. ثم أكمل ما بدأه من رسالة أفسس “وَتَتَجَدَّدُوا بِرُوحِ ذِهْنِكُمْ، وَتَلْبَسُوا الإِنْسَانَ الْجَدِيدَ الْمَخْلُوقَ بِحَسَبِ اللهِ فِي الْبِرِّ وَقَدَاسَةِ الْحَقِّ” (أفسس 4: 23).

 قلتُ له: إنتظر لحظة، أنا الآن لابسًا إنسانًا جديدًا، أليس كذلك؟ بالتأكيد مازال بداخلي الإنسان القديم، لكن يوجد أيضًا الإنسان الجديد. وهذا الجديد مخلوق على صورة الله.

باختصار، ذكَّرني صديقي العزيز باختبار توتبي من خلال اقتباس كلمات مختارة من كلمة الله، وحين كان مزاجي سيئًا في ذلك اليوم، ومليئًا بالإحباط بسب عجزي عن امتلاك ما أرغب به، أعادت لي تذكِرته هذه البهجة، ومنحتني الأمل.

موضعان للقوة الرعوية

هل ترى كيف أنالقوة الرعوية توجد في الفهم الصحيح للتوبة؟ في الحقيقة والوعداللذان في الخليقةالجديدة؟

  1. فهمك الصحيح لعقيدة التوبةيمنحك القدرة على تشجيع إخوتك وأخواتك المقيَّدين بالخطية، أن يعيشوا في المسيح. ربما تكون خطية إدمان،أو ربما شعور بالكراهية تجاه أخ أو أخت في الكنيسة، ربما شعور باليأس يصعُب اكتشافه.أيًا كان، في كثير من هذه الحالات، الخطية -وهي كاذبة- تتظاهر بأن الوقوع بها حتميًا. وترتدي أقنعة عديدة مثل: هذا “حقيقي” أو “أصيل” أو “فقط ما أشعر به” أو “طبيعي”، لكن عقيدة التوبة الصحيحة تكشف الكذب في كل هذه المواقف. نعم، قد تكون مشاعرك طبيعية، لكنها ليست كذلك إذا كنت مقيدًا بها، أما الإيمان المسيحييجعلك حرًا.

يشعر الإنسان بأن الخطية تقيده وتحدُّه، لكن عقيدة التوبة المسيحية تجعل الإنسان يدرك أن الأمر ليس كذلك، حتى حين تطول فترة الحرب، وحتى عندما يبدو الأمر كما لو كان يتقدم خطوتين ثم يتراجع خطوة أو أكثر، قوة التغيير تأتي من إدراك الإنسان بما فعله المسيح ليجعل منه إنسانًا جديدًا.

  1. فهمك الصحيح لعقيدة التوبة يعطيك القدرة لتأكِّد للمؤمنين بأن لهم حياة جديدة ومختلفة، حياة من نوع آخر، الإيمان المسيحي يجعلنا نعيش الحياة على مثال “الابن” الذي خُلِقنا من جديد على شبهه، أي نعيش حياة القداسة، والمحبة، والاتحاد مع جماعة المؤمنين، إنها حياة الألم، لكنها أيضًا تجعلنا نختبر الرجاء والقوة في قيامة المسيح في وسط المعاناة.

والشيء الرائع هنا هو،أن هذه التأكيدات لا تنتمي إلى ما يسمى بحتميات العهد الجديد (أي الالتزام بمتطلبات الإيمان) فقط، مثل أن يُطلب منك هكذا: “اذهب وكن قدوسًا واتحد مع المؤمنين”، بل إن هذه التأكيدات تنتمي إلى الدلائل (أي ما تشير إليه حالتك): “هذا ما أنت عليه”. أنت إنسان جديد، وهذاالإنسان الجديد، هو  واحدمع القديسين ومقدَّس مثل الابن.

الخلفية الثقافية

هناك خلفية ثقافية لكل هذا تستحق أن نستوعبها،وثقافتنا الحالمة تفضِّل الحقيقي والطبيعي والأصلي،لقد أصبح اكتشاف الذات والتعبير عن الذات أعظم وأهم الأعمال الأخلاقية الآن، وقد تسربت هذه الأفكار إلى الكنائس وأعادت صياغة أفكارنا حول التوبة والعضوية وطبيعتنا الجديدة في المسيح. سيقول بعض القسوس: “إننا جميعًا مجرد باحثون عن الله، نحن جميعًا في رحلة بحث، هذا يعني أنك تخطو خطوة، ثم خطوة تلو الأخرى.

ولكن فات هؤلاء القسوس في انسياقهم وراء هذه الأفكار، هو فكرة الانفصال الحاسم عن الماضي، الخلاص من قتامة الظلام، منالموت للقيامة. رحلة الاكتشاف هذه شيء مختلف تمامًا عن الدفن والقيامة مع المسيح، الطبيعةالقديمة والخليقةالجديدة.

من الأمور المسلَّم بها، هو أن رحلة الحياة تغيِّرنا، نحن نتطور من خلال رحلة الحياة، ويمكن تشبيه النمو الروحي بالتحول من اليرقات إلى الفراشات، لكن قد يشبه أكثر شكل السهم الصاعد على الرسم البياني، ليس المقصود هنا أن مثل هذه التشبيهات ليس لها علاقة بالنموالروحي، لكن على العكس، يجب ألاَّ ننسى ما يعلِّمه لنا العهد الجديد عن منتهى الأيام التي تحدث في التاريخ الآن،الآن أنت خليقة جديدة، هذا هو التحول للتوبة.

الجلوس مع المدمن!

إذا جلست مع هؤلاء: مدمن، أو ضحية خيانة زوجية، أو مع شخص نُصِّب شماسًا فأحدث انقسامًا في الكنيسة، أو مع زوجان شابَّان لا يحتملا الوقوف معًا للترنيم في الكنيسة، ما هي مهمتك؟ مهمتك هي أن تذكِّر هؤلاء جميعًا بأنهم مسيحيون مؤمنون.

ربما تنصحهم بالعود للمعمودية كما فعل بولس في رسالة رومية الإصحاح السادس –لقد دفنوا ثم قاموا-  فهل يريدون حقًا الاستمرار في خطاياهم، أم يبحثون عن الحرية؟ هل يبحثون عن قوة الغفران، أم يصرِّون على طريقهم كما يفعل أهل العالم؟ وكيف يفعلون ذلك؟ لقد ماتوا عن الخطية، وهم الآن مقامون في الحياة الجديدة التي في المسيح.

مهمتك الرعوية، بطريقة أو أخرى، هي أن تجد الكلمات وتسأل أسئلة تمكِّن المؤمن الذي مازال مستمرًا في خطاياه، ليفهم معنى الكلام كما يجب، ليستوعب أنه الآن خليقة جديدة في المسيح.

خلاصة القول، عِظ، علِّم، رنّْم، وسبِّح الله في الصلاة، وفي إرشاد الناس للعقيدة السليمة في التوبة، هذه قوة تمّْ التقليل من شأنها، وكلما فهمها شعب كنيستك جيدًا، كلما صار لديك قوة لتقويمهم. ليس هذا فحسب، بل أيضًا سيكون لهم مثل هذه القوة ليقعنوا ويشدِّدوا واحدهم للآخر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى