Desiring Godمقالات

قد يكون الضعف هو أعظم نقاط قوَّتك

ما مقدار جودة استثمارك لنقاط الضعف التي أُعطيت لك؟

ربما لم يسبق أن سألك أحد هذا السؤال من قبل. وربما يبدو غير منطقي. على أي حال، يستثمر الناس الممتلكات لكي يزيدوا من قيمتها. لكنهم لا يستثمرون العوائق، بل يحاولون أن يمحوا أو يقلِّلوا أو حتى يخفوا العوائق. من السهل علينا أن نرى نقاط قوَّتنا كممتلكات أو أصول نستثمرها. ولكن معظمنا يعتبرون نقاط ضعفنا بالطبيعة وكأنها عوائق –عيوب ينبغي الوصول بها إلى الحد الأدنى أو تغطيتها.

ولكن الله، في عنايته، يمنحنا نقاط ضعفنا تمامًا كما يمنحنا نقاط قوَّتنا. في تدبير الله، حيث أكثر عائد استثمار يقدِّره هو “ٱلْإِيمَانُ ٱلْعَامِلُ بِٱلْمَحَبَّةِ” (غلاطية 5: 6)، تصبح نقاط الضعف ممتلكات –بل ويمكننا حتى أن نسمِّيها وزنات– ينبغي أن نكون وكلاء عليها، لكي تُستثمر. وقد لا تكون أكثر ممتلكاتك التي أعطاها لك الله من حيث القيمة لكي تكون وكيلًا عليها هي نقاط القوَّة، بل نقطة ضعف معيَّنة.

ولكن إن كنَّا سنقدِّر نقاط الضعف كممتلكات، نحتاج أن نرى بوضوح أين يعلِّم الكتاب المُقدَّس بهذا. يمدنا الرسول بولس بأوضح مفهوم لاهوتي يخص قيمة الضعف التي لا تُقدَّر بثمن. لقد وجدت أن 1 كورنثوس 1: 18-2: 16، وكل الرسالة الثانية إلى أهل كورنثوس، مفيدة بشكل هائل في فهم الدور الذي لا يُعوَّض الذي يلعبه الضعف في تقوية إيمان وشهادة المسيحيِّين كأفراد، والكنائس ككل.

المفارقة الكامنة في قوَّة الضعف

يظهر أشهر تصريح قاله بولس بشأن القوة الروحيَّة للضعف والتي تمثِّل مفارقة في 2 كورنثوس 12. إذ يخبرنا عن اختباره المثير بأنه “اخْتُطِفَ إِلَى الْفِرْدَوْسِ”، حيث تلقَّى إعلانات غامرة تفوق الوصف (2 كورنثوس 12: 1-4). ولكن نتيجة لهذا،

وَلِئَلاَّ أَرْتَفِعَ بِفَرْطِ الإِعْلاَنَاتِ، أُعْطِيتُ شَوْكَةً فِي الْجَسَدِ، مَلاَكَ الشَّيْطَانِ لِيَلْطِمَنِي، لِئَلاَّ أَرْتَفِعَ. مِنْ جِهَةِ هذَا تَضَرَّعْتُ إِلَى الرَّبِّ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ أَنْ يُفَارِقَنِي. فَقَالَ لِي: «تَكْفِيكَ نِعْمَتِي، لأَنَّ قُوَّتِي فِي الضَّعْفِ تُكْمَلُ». فَبِكُلِّ سُرُورٍ أَفْتَخِرُ بِالْحَرِيِّ فِي ضَعَفَاتِي، لِكَيْ تَحِلَّ عَلَيَّ قُوَّةُ الْمَسِيحِ. لِذلِكَ أُسَرُّ بِالضَّعَفَاتِ وَالشَّتَائِمِ وَالضَّرُورَاتِ وَالاضْطِهَادَاتِ وَالضِّيقَاتِ لأَجْلِ الْمَسِيحِ. لأَنِّي حِينَمَا أَنَا ضَعِيفٌ فَحِينَئِذٍ أَنَا قَوِيٌّ. (2 كورنثوس 12: 7-10)

في هذه العبارات القليلة، يعيد بولس صياغة الأسلوب الذي يجب على المسيحيِّين أن يروا به الضعفات بالكامل، حتى تلك شديدة الإيلام والتي قد يبدو أنها تعوق دعوتنا، والتي تسعى قوى الظلام إلى استغلالها. ما قد يبدو لنا لأول وهلة أنه عائق مكلِّف يتبيَّن أنه ميزة قَيِّمة مُعطاة من الله.

الضعف والخطيَّة

قبل أن نتوغَّل في دراستنا، نحتاج أن نوضِّح أن بولس لم يشمل الخطيَّة في وصفه للضعف هنا. الكلمة اليونانيَّة التي يستخدمها بولس هي “أسثينيا” (astheneia)، وهي أكثر كلمة شائعة تعني “ضعف” في العهد الجديد. يشرح جي. آي. باكر، في دراسته المفيدة لرسالة كورنثوس الثانية، “الضعف هو الطريق” (Weakness Is the Way)، كلمة “أسثينيا” على هذا النحو:

 الفكرة من البداية للنهاية هي فكرة عدم الكفاية أو عدم الأهليَّة. إننا نتكلَّم عن ضعف جسدي [يشمل المرض والعجز] … الضعف الفكري … الضعف الشخصي … موقف ضعيف عندما يفتقر المرء إلى الموارد المطلوبة ولا يقدر أن يحرِّك الأوضاع إلى الأمام أو يؤثِّر على الأحداث بالشكل المرغوب … الضعف في العلاقات عندما يفشل الأشخاص الذين يُفترض بهم أن يقودوا أو يرشدوا في القيام بدورهم –آباء ضعفاء، رعاة ضعفاء، وهكذا. (13-14)

ولكن عندما يتحدَّث بولس عن الخطيَّة، نرى أن بذهنه ما يفوق الكفاية والأهليَّة. الكلمة اليونانيَّة المترجمة “خطيَّة” التي عادة ما يستخدمها هي “همارتيا” (hamartia)، والتي تشير إلى شيء يجلب الذنب على المرء أمام الله. تحدث الـ “همارتيا” عندما نفكِّر، أو نتصرَّف، أو نشعر بطرق تتعدَّى الحدود، بما ينهى عنه الله.

رغم أن بولس كان يعي أن الـ “همارتيا” يمكن أن تؤدِّي إلى “أسثينيا” (1 كورنثوس 11: 27-30) والـ “أسثينيا” يمكن أن تؤدِّي إلى “همارتيا” (متى 26: 41)، فإنه، وبشكل واضح، لم يعتقد أن “الضعف” مرادف “للخطيَّة”. لأنه وبخ من تفاخروا بأن خطاياهم أظهرت قوَّة وعظمة نعمة الله (رومية 6: 1-2). لكنه افتخر “بسرور” بضعفاته لأنها تظهر قوَّة وعظمة نعمة الله (2 كورنثوس 12: 9).

في الخطيَّة، نتحوَّل عن الله إلى الأوثان، وهو ما يهين الله، ويدمِّر الإيمان، ويشوِّه صورة الله في عيون الآخرين. ولكن الضعف يميل إلى زيادة اعتمادنا الواعي على الله، وهو ما يمجِّده، ويقوِّي إيماننا، ويعلن قدرته بطرق لا تقدر قوَّتنا أن تفعلها البتَّة.

وهذه هي القيمة المفاجئة لضعفاتنا: أنها تعلن قوَّة الله فينا بطرق لا تفعلها نقاط قوَّتنا. وهذا ما كان يسوع يقصده عندما قال لبولس: “قُوَّتِي فِي الضَّعْفِ تُكْمَلُ” (2 كورنثوس 12: 9) – “تُكمل” يعني تُنجز بالكامل أو تتم. نقاط ضعفنا هي أمور لا غنى عنها لأن الله يعلن كمال قدرته من خلالها.

أصول متنكِّرة في صورة عوائق

عند هذه النقطة، قد تفكِّر: “أيًّا كانت شوكة بولس، فنقطة ضعفي ليست مثلها”. هذا صحيح. هذا ما نظنه جميعًا.

لدي نقطة ضعف تشبه الشوكة، ويعرفها فقط أقرب المُقرَّبين إليَّ. إذا شاركتك بها، فقد تتفاجأ. إنها تلازمني يوميًّا بينما أسعى لتنفيذ مسؤوليَّاتي تجاه عائلتي ودعوتي وخدمتي. وهي تجعل تقريبًا كل شيء أصعب وعادة ما تدفعني حتى أشعر بالحنق. وهي ليست ضعفًا رومانسيًّا، وقطعًا ليست أمرًا بطوليًّا. إنها تذلني بطرق محرجة، وليست نبيلة. وأكثر ما يؤلمني، هو أنني أقدر أن أرى كيف تجعل حياة من أعيش وأعمل معهم أصعب من نواحٍ معيَّنة. وكثيرًا ما بدت لي عائقًا. وقد تضرَّعت إلى الرب، بدموع، حتى يزيلها أو يمنحني مزيدًا من القوَّة حتى أتغلَّب عليها. ولكنها ما زالت موجودة.

رأى بولس كذلك، في البداية، أن ضعفه عائقًا محزنًا وتضرَّع بشكل متكرِّر حتى يتخلَّص منه. ولكن ما أن فهم مقاصد المسيح منه، حتى رآه بنور جديد تمامًا: ملكيَّة لا تُقدَّر بثمن متنكِّرة في صورة عائق. وافتخر بأعماق معرفة الله وحكمته ونعمته كليَّة القدرة.

لقد كنت أبطأ من بولس في أن أتعلَّم أن أرى شوكتي كشيء ثمين أمتلكه (وللأمانة، لا زلت أتعلَّم هذا). ولكنني أرى على الأقل بعض النواحي التي قوَّاني فيها هذا الضعف. فقد أجبرني على أن أعيش يوميًّا بإيمان يعتمد على نعمة الله. كما زاد امتناني من أجل من وضعهم الله من حولي ممَّن لديهم نقاط قوَّة في النواحي التي أنا ضعيف فيها. وإذ أنا منزعج من ضعفي، أميل بالأكثر إلى أن أتعامل بلطف وصبر مع من يصارعون مع نقاط ضعف تختلف عن نقطة ضعفي (العبرانيِّين 5: 2). وأستطيع أن أرى الآن أنها قد زيَّنت الكثير ممَّا كتبت على مدى السنين، بأفكار ثاقبة معيَّنة، أشك في أنها كان من الممكن أن ترد على ذهني بطريقة أخرى. بعبارة أخرى، أرى طرقًا أعلن بها الله عن قوَّته بشكل أكمل من خلال ضعفي المحيِّر.

حقيقة أننا لا نعرف ماذا كانت شوكة بولس هو دليل على حكمة الله. لأننا إذا عرفنا، لكان من المحتمل أن نقارن نقاط ضعفنا بنقطة ضعفه ونستنتج أن نقاط ضعفنا ليس لها مثل هذه القيمة الروحيَّة. وكنَّا سنصبح مخطئين عندئذ.

وكلاء على وزنات مدهشة

قال بولس إن ضعفه، شوكته التي “فِي الْجَسَدِ”، قد “أُعْطِيت” له (2 كورنثوس 12: 7). ومن الذي أعطاها؟ أيًّا كان الدور الذي لعبه إبليس، في ذهن بولس كان إبليس شخصًا ثانويًّا. لقد قبل بولس هذا الضعف، وكذلك “الشَّتَائِمِ وَالضَّرُورَاتِ وَالاضْطِهَادَاتِ وَالضِّيقَاتِ” (2 كورنثوس 12: 10)، كأملاك مُعطاة له من ربه. وكـ “وُكَلاَء سَرَائِرِ اللهِ” (1 كورنثوس 4: 1)، اعتبر نقاط ضعفه جزءًا حاسمًا من ملف الأصول الذي ائتمنه سيِّده عليه. وهكذا، صمَّم على استثمارها جيِّدًا لكي ما يرى سيِّده أكبر عائد ممكن.

إن كنت تعرف المَثَل الذي قاله يسوع عن الوزنات جيِّدًا (متى 25: 14-30)، فقد تدرك أنني أعتمد على التصوير الموجود به. لقد أعطى يسوع لكل واحد منَّا “وزنات” مختلفة لنكون وكلاء عليها، أصول لها قيمة هائلة في الملكوت، “كُل وَاحِدٍ عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ” (متى 25: 15). وهو يتوقَّع أن نستثمرها بصورة جيِّدة بينما ننتظر عودته.

بعض هذه الوزنات عبارة عن نقاط قوَّة وقدرات منحها لنا ربنا. ولكن بعضها عبارة عن نقاط ضعف، أوجه قصورنا ومحدوديتنا، والتي منحها لنا هي أيضًا. وقد منحنا نقاط الضعف تلك ليس فقط ليزيد فينا كنز الاتضاع الذي لا يُقدَّر بثمن والذي يمكننا أن نشاركه مع غيرنا (2 كورنثوس 12: 7)، بل وكذلك لنزيد قوَّتنا في أهم جوانب كياننا: الإيمان والمحبة (2 كورنثوس 12: 10).

لكن نقاط ضعفنا لا تُمنح لنا كأفراد فحسب؛ بل إنها معطاة للكنيسة أيضًا. وأوجه قصورنا بقدر قدراتنا، هي أمور حاسمة في تصميم المسيح ليجهِّز جسده بحيث يعمل بشكل سليم و “يُحَصِّلُ نُمُوَّ الْجَسَدِ لِبُنْيَانِهِ فِي الْمَحَبَّةِ” (أفسس 4: 16). تجعلنا نقاط ضعفنا نعتمد على بعضنا بعضًا بطرق لا تحقِّقها نقاط قوَّتنا (1 كورنثوس 12: 21-26). وهو ما يعني أنها مُعطاة للكنيسة لنفس السبب التي أُعطيت لأجله لنا كأفراد: بحيث تنمو الكنيسة وتصبح قويَّة في الإيمان (1 كورنثوس 2: 3-5) والمحبَّة (1 كورنثوس 13) –وهما سمتان تعلنان بشكل فريد حقيقة يسوع وقدرته للعالم (يوحنا 13: 35).

لا تدفن نقاط ضعفك

يومًا ما، عندما يعود سيِّدنا، سوف يطلب منَّا أن نعطي حسابًا عن الوزنات التي ائتمننا عليها. بعض هذه الوزنات ستكون نقاط ضعفنا. ونحن لا نريد أن نقول له إننا قد دفنَّاها. فقد يتَّضح أن أكثر الوزنات قيمة في ملف استثمارنا هو ضعفنا.

وإذإنه “يُسْأَلُ فِي الْوُكَلاَءِ لِكَيْ يُوجَدَ الإِنْسَانُ أَمِينًا” (1 كورنثوس 4: 2)، فسيكون من الحكمة أن نمتحن مقدار أمانتنا في إدارة وزنات ضعفنا. إذن، إلى أي مدى أنت جيِّد في استثمار نقاط الضعف التي أُعطيت لك؟

بقلم جون بلوم

تم ترجمة هذا المقال بالتعاون مه هيئة 

Desiring God

يمكنك قراءة المقال باللغة الإنجليزية من خلال الرابط التالي 

https://www.desiringgod.org/articles/weakness-may-be-your-greatest-strength

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى