Desiring Godمقالات

هناك شخص ينصت لمعاناتك

من المرجح تمامًا أنه لم تلمس أية ترنيمة جدران هذه الزنزانة أو تسللت ودخلت عبر قضبانها. كانت أصوات الآنين، والشتم، والصراخ، هي الأصوات المعتادة التي تتصاعد من قلب السجن المظلم، وليس الترانيم.

وبصفة خاصة ليس في منتصف الليل. فقد كانت هذه ساعة الكآبة، أول رواق طويل في قصر الليل الكبير، ظلام بدون أقل بشارة لقدوم الفجر.

لا يمكن أن يكون السجناء الآخرون قد أخطأوا في تمييز الصوت. استيقظ البعض على نغمة غريبة، واثقين من أنهم تائهين في حلم ما. آخرون، وهم يستشفِّون الملاحظات الأولى، استلقوا متسائلين عما إذا كان الجنون قد استولى على الرجُلين. لقد استولى الجنون على الكثير من الرجال المقيدين من قبل. لكن هذه لم تكن نبرات صرخات الجنون.

شق منتصف الليل طريقه وحده، ومع هذا استمر الرجال: مضروبون، ملطخون بالدماء، مقيدون -ويرنمون.

كيف يمكنهم أن يرنموا؟

لقد جعلت أحداث ذلك اليوم ترنيمة بولس وسيلا أكثر إثارة للدهشة. فقد هاجمت مجموعة من الغوغاء الاثنين المبشرين بعد أن أخرج بولس روحًا شريرًا من جارية (أعمال الرسل 16: 16-21). وإذ استغنى قضاة المدينة عن الإجراءات القانونية، جردوا الرجال من ملابسهم وأشرفوا على ضربهم علنًا قبل تسليمهم إلى سجان المدينة، الذي “أَلْقَاهُمَا فِي السِّجْنِ الدَّاخِلِيِّ، وَضَبَطَ أَرْجُلَهُمَا فِي الْمِقْطَرَةِ” (أعمال الرسل 16:24).

حل الظلام، ثم ارتفع ذلك الصوت الغريب:

وَنَحْوَ نِصْفِ اللَّيْلِ كَانَ بُولُسُ وَسِيلاَ يُصَلِّيَانِ وَيُسَبِّحَانِ اللهَ، وَالْمَسْجُونُونَ يَسْمَعُونَهُمَا. (أعمال الرسل 16:25)

يمكننا أن نفهم أنهما كانا يُصلِّيان. من منا لن يصرخ طلبًا للنجاة من زنزانة ظالمة كهذه؟ ولكن لم يصلِّ بولس وسيلا فحسب، بل ورنما أيضًا. قاموا بضبط نبضات قلبيهما الموجوع ينمع ترنيمة ما، وقابلا ظلمة منتصف الليل بلحن.

وبينما فعلا ذلك، انضما إلى جوقة عظيمة من القديسين الذين رنموا بالإيمان وليس بالعيان. فانضما إلى الملك يهوشافاط الذي دخل الحرب رافعًا التسابيح (2 أخبار الأيام 20: 20-21). كما انضما إلى إرميا، الذي أعطى نغمة لأمر مراثيه (مراثي إرميا 1-5). كما انضما إلى كُتَّاب المزامير الواحد تلو الآخر الذين، رغم شعورهم بالضيق والنسيان، رفعوا “ترنيمة في الليل” (مزمور 77: 6).

مرارًا وتكرارًا، يقابل قديسو الله الحزن ليس فقط بالصلاة، ولكن أيضًا بالترنيم. فما الذي رآه بولس وسيلا إذن والذي حرر قلبيهما ليرنما؟

“إلهنا هو السيد”

من ناحية، كان يوم بولس وسيلا صورة من الفوضى الكاملة. تم الافتراء على قوتهما الروحية. داس الغوغاء إنجيلهم،وقد أسكت الظلم براءتهما. لقد بدوا وكأنهما ضحيتان عالقتان في فوضى عالم بلا رحمة وبلا هدف.

لكن لم تكن هذه وجهة نظرهما. بالنسبة لبولس وسيلا، استقرت أحزان اليوم كلها في يد الله صاحب السيادة. لقد دعاهما الله إلى فيلبي من خلال رؤيا في منتصف الليل (أعمال الرسل 16: 9-10). هل كان الآن أقل سيادة في السجن في منتصف الليل؟ لقد استخدمهما الله في فيلبي لخلاص ليديا وأسرتها (أعمال الرسل 16: 11-15). فهل نبذهما الآن؟ كلا، لا يمكن للسجن أن يحبط خطط الله ولا يبعدهما عن عينيه. وقد كانا متأكدين من هذا.

بعد سنوات، يُذكر بولس، وهو محبوس في سجن آخر، كنيسة فيلبي بسيادة الله المدهشة:

ثُمَّ أُرِيدُ أَنْ تَعْلَمُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنَّ أُمُورِي قَدْ آلَتْ أَكْثَرَ إِلَى تَقَدُّمِ الإِنْجِيلِ، حَتَّى إِنَّ وُثُقِي صَارَتْ ظَاهِرَةً فِي الْمَسِيحِ فِي كُلِّ دَارِ الْوِلاَيَةِ وَفِي بَاقِي الأَمَاكِنِ أَجْمَعَ.(فيلبي 1: 12-13)

علم الله بولس وسيلا أن يُشاهدا مقاصده الصالحة أينما نظرا، حتى عندما نظرا عبر قضبان زنزانة السجن. وقد علمهما ليس فقط أن ينظرا تلك المقاصد، بل وأن يرنما عنها. وهذا هو ما يفعله معنا.

حتى بغض النظر عن الكلمات، فإن فعل الترنيم ذاته في حزن يتحدى عدم الإيمان الذي لا يرى أي معنى في هذا الألم. ترسل الأغاني إيقاعًا وترتيبًا وتناغمًا وتدرجًاإلى قلب المعاناة التي لا نفهمها بعد -ولذا فهي تشهد، حتى في عمق ارتباكنا، بأن إلهنا لا يزال هو السيد.

“إلهنا سينجي”

إن كان الله هو الملك، فيمكنه أيضًا أن يُنقذ، بغض النظر عن مدى تأمين السجن أو مدى ثبات السلاسل. ووسط ترنيمة بولس وسيلا، “حَدَثَ بَغْتَةً زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ حَتَّى تَزَعْزَعَتْ أَسَاسَاتُ السِّجْنِ، فَانْفَتَحَتْ فِي الْحَالِ الأَبْوَابُ كُلُّهَا، وَانْفَكَّتْ قُيُودُ الْجَمِيعِ”(أع 16: 26). يبدو أن السلطات الفيلبية لم تكن تعلم أن إله بولس وسيلا قد حطم ذات مرة سجنًا أقوى بكثير من سجنهم.

ولكن لاحظ أن الرجلين لم يرنما بعد أن زلزل الله الأرض، ولكن قبل ذلك. لماذا؟ لأنهما رسخا أعمق أفراحهما في خلاص أعمق. تأمل فيما يكتبه بولس المسجون إلى إخوته في فيلبي:

فَمَاذَا؟ غَيْرَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ سَوَاءٌ كَانَ بِعِلَّةٍ أَمْ بِحَقّ يُنَادَى بِالْمَسِيحِ، وَبِهذَا أَنَا أَفْرَحُ. بَلْ سَأَفْرَحُ أَيْضًا.لأَنِّي أَعْلَمُ أَنَّ هذَا يَؤُولُ لِي إِلَى خَلاَصٍ بِطَلْبَتِكُمْ وَمُؤَازَرَةِ رُوحِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، حَسَبَ انْتِظَارِي وَرَجَائِي أَنِّي لاَ أُخْزَى فِي شَيْءٍ، بَلْ بِكُلِّ مُجَاهَرَةٍ كَمَا فِي كُلِّ حِينٍ، كَذلِكَ الآنَ، يَتَعَظَّمُ الْمَسِيحُ فِي جَسَدِي، سَوَاءٌ كَانَ بِحَيَاةٍ أَمْ بِمَوْتٍ. (فيلبي 1: 18-20)

بولس يعرف أن الله سينقذه -لكن الخلاص الذي يأمله يعتمد على شيء أعمق من “الحياة أو. . . الموت”. أي نوع من الخلاص هو الذي يجول بخاطره؟ ليس الخلاص أولاً وقبل كل شيء من الحزن، بل الخلاص من إهانة المسيح في حزنه. سواء كان حُرًا أو مقيدًا أو مبروءًا أو قيد الإعدام، كان بولس متأكدًا من هذا: بقوة الروح القدس، “يَتَعَظَّمُ الْمَسِيحُ فِي جَسَدِي.” لذلك يقول، “سَأَفْرَحُ” -بل وأرنم.

يستطيع الله أن يخلِّصنا من الأحزان التي تحيط بنا مثل السلاسل. كما يمكنه شفاء الأمراض واستعادة العلاقات وتخليص الأحباء ودفن الاكتئاب بصفة نهائية. نعم، يمكنه ذلك، ونحن نصلي بحق أن يفعل ذلك. لكننا بحاجة إلى شيء أعظم من الخلاص من أحزاننا -نحتاج إلى الخلاص من إهانته في وسط أحزاننا. وفي المسيح، هذا هو الخلاص الذي يعدنا به هنا في النهاية. لذلك ونحن وحيدون في منتصف الليل كل يوم، نستطيع أن نرنم عن موقف خلاص معين: سواء بجسد سليم أو مكسور، سواء في وسط سعادتنا أو في وسط أوجاع القلب، سواء بحياة أو موت، لن يسرق الحزن شبعنا في المسيح.

في يوم من الأيام، سنرنم ليسوع، ونحن محرَّرين من كل حزن. اليوم، نعلن استحقاقه بالترنيم حتى في وسط سلاسلنا.

شخص ما يستمع”

بينما صلى بولس وسيلا ورنما، يقول لنا لوقا، كان”الْمَسْجُونُونَ يَسْمَعُونَهُمَا” (أعمال الرسل 16: 25). ربما استمعوا بانزعاج، ربما بشعور بالمفاجأة، وربما حتى بتعجب. أيًا كان الأمر، فقد استمعوا. وسرعان ما انضم شخص آخر إلى ترنيمتهما.

بمجرد أن يزلزل الله السجن ويفتح الأبواب ويفك القيود، يسقط السجان أمام بولس وسيلا. “يَا سَيِّدَيَّ، مَاذَا يَنْبَغِي أَنْ أَفْعَلَ لِكَيْ أَخْلُصَ؟” (أعمال الرسل 16:30). فيجيب بولس وسيلا: “آمِن بِالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ”، آمن بالمخلص الذي يستحق الترنيم له في حزن. آمن بالمسيح الذي يعطي الترانيم في منتصف الليل. آمن بالرب الذي يملك ويُنقذ. ولذلك نقرأ، “وَتَهَلَّلَ مَعَ جَمِيعِ بَيْتِهِ” (أعمال الرسل 16: 34). بيت جديد رنم ترنيمة بولس وسيلا.

لا يخبرنا لوقا ما إذا كان السجان نفسه قد سمع الرجلين يرنمان، لكنها نقطة عرضية. كان يشعر بأن الرجلين لديهما قلبان يرنمان. وهكذا الأمر معنا: سواء وصلت أغانينا الحرفية إلى آذان الآخرين أم لا، فسوف يسمعون أي نوع من القلوب لدينا. سوف يسمع أصدقاؤنا وعائلتنا وزملاؤنا وجيراننا الفرق بين التذمر الداخلي واللحن، بين المتألم الذي ينطوي على نفسه والشخص الذي، بأعجوبة، يرفع صوته إلى الله ويده للآخرين.

كل شخص في العالم يعرف شيئًا من الحزن. وكم هم بأمس الحاجة إلى سماع كيف يمكن أن يملأ الله أحزاننا بترنيمة.

تألم معه بترنيمة

أولئك الذين يرنمون مع بولس وسيلا ينضمون إلى جوقة عظيمة من القديسين، من يهوشافاط وإرميا إلى آساف وداود. لكن أعظم من في هذه الجوقة هو يسوع.

في ليلة تعرضه للخيانة، بعد أن كسر الخبز واشترك في الكأس، بعد أن غسل أقدام تلاميذه واستودع قلوبهم للآب، قاد الاثني عشر في ترنيم ترنيمة (مرقس 14:26). لقد رنمبلحن في أحلك ليلة. لقد غلَّف حزنه بترنيمة. ولم يتوقف عن الترنيم، حتى عندما صاح الغوغاء “اصلبه!” وثقب الظلم يديه وقدميه. وبينما كان معلقًا على الصليب، نزف المزامير (متى 27:46؛ لوقا 23:46؛ يوحنا 19:28).

الترنيم في الحزن، إذن، هو طريقة أخرى يجعلنا الله بها مطابقينلصورة ابنه الحبيب. هنا، بينما نتألم معه في الترنيمة، يعلمنا يسوع أن نقول، “إلهنا لا يزال يملك. سوف يخلصنا إلهنا. وهناك من يحتاج أن يسمع عن استحقاقه الفائق”.

بقلم: سكوت هوبارد

تم ترجمة هذا المقال بالتعاون مع هيئة 

Desiring God

يمكنك قراءة المقال باللغة الإنجليزية من خلال الضغط على الرابط التالي 

https://www.desiringgod.org/articles/someone-is-listening-to-your-suffering

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى