Desiring Godمقالات

فرح الرب فينا: لماذا يُثمر الروح القدس فرحًا

عندما نقرأ في العهد الجديد، فإننا نتقابل مع علاقة فريدة بين الروح القدس والفرح. سأعطيكم بعض الأمثلة. يخبرنا لوقا كيف “تَهَلَّلَ يَسُوعُ بِالرُّوحِ”في وقت معيَّن (لوقا 10: 21)، ويخبرنا بولس كيف أنَّ مسيحيِّي تسالونيكي قبلوا “الْكَلِمَةَ فِي ضِيق كَثِيرٍ، بِفَرَحِ الرُّوحِ الْقُدُسِ” (1 تسالونيكي 1: 6-7). كما يعلّمنا بولس في رسالة رومية “أَنْ لَيْسَ مَلَكُوتُ اللهِ أَكْلًا وَشُرْبًا، بَلْ هُوَ بِرٌّ وَسَلاَمٌ وَفَرَحٌ فِي الرُّوحِ الْقُدُسِ” (رومية 14: 17).

أُسمِّيه ارتباطًا فريدًا (ويستحق مزيدًا من التأمُّل) لأن العهد الجديد يربط بين الفرح والروح القدس بطريقة لا يستخدمها مع المشاعر الأخرى. على سبيل المثال، لا نقرأ عن الأشخاص الذين يعانون من “الحزن بالروح القدس (أو في الروح القدس)” أو “الغضب بالروح القدس (أو في الروح القدس)”، على الرغم من أنه من الواضح أن الروح يمكن أن يحزن (أفسس 4: 30) ويغضب (رومية 1: 18).

إذًا، لماذا يربط العهد الجديد الفرح بالروح القدس بشكل فريد؟ لفحص هذا السؤال، سننظر بإيجاز إلى من هو (وما هو) الروح القدس، وماذا يعني لنا أن نختبر هذا الفرح المُعطى بالروح القدس، وما الفرق الذي يحدثه في الحياة المسيحيَّة.

روح الفرح

هناك نقطتان قبل أن أخوض في المزيد. أولاً، إن الكلمات القليلة التي سأشاركها بشأن طبيعة الروح القدس هي، كما أعتقد، مفيدة بشكل أساسي لفهم الفرح الذي يثمره الروح القدس فينا. ومع ذلك، فإنني لا أمتلك المساحة الكافية هنا لأقدِّم عرضًا كاملًا لهذه الحقيقة المعقَّدة، لذلك إن كنت ترغب في استكشاف هذا الأمر بشكل أكبر، فإنَّ هذه العظة التي كتبها جون بايبر وهذه المقالة بقلم سكوت سوين هما مكانًا جيِّدًا للبدء.

ثانيًا، من المفيد أن نتذكَّر أنه بينما يصف الكتاب المقدَّس الروح القدس بأنَّه أقنوم إلهي، متمايز عن الآب والابن (يوحنا 15: 26)، فإنه يصفه أيضًا بأنه روح الآب (متى 10: 20) وروح الابن (1 بطرس 1: 11). وفي موضع واحد، يشير بولس إلى الروح القدس بالطرق الثالوثيَّة الثلاث في ثلاث آيات (رومية 8: 9-11). وعندما نتحدَّث عن فرح الروح القدس، فإننا نحتاج أن نتذكَّر وحدانيَّة الله.

الآن، دعونا نتعمَّق أكثر في طبيعة الثالوث من حيث صِلته بالفرح. نقلاً عن نصوص العهد الجديد مثل 1 يوحنا 4: 16 -“اَللهُ مَحَبَّةٌ، وَمَنْ يَثْبُتْ فِي الْمَحَبَّةِ، يَثْبُتْ فِي اللهِ وَاللهُ فِيهِ”- فهم اللاهوتيُّون، على الأقل منذ عهد أوغسطينوس، أن الروح القدس هو المحبة الحيَّة المتجسِّدة التي تتدفَّق بين الآب والابن (يوحنا 17: 26). وجون بايبر يقولها بهذه الطريقة -ولاحظ العلاقة بين محبة الله وفرح الله:

إن الله الروح القدس هو الأقنوم الإلهي الذي “ينبثق” (إلى الأبد!) من الآب والابن في محبَّتهم لبعضهم البعض. وهذهالمحبة ليست محبة “تعاطُف” وكأنهم بحاجة إلى الشفقة، بل هي محبة إعجاب، وابتهاج، وتهلُّل. إنَّها فرح. إن الروح القدس هو فرح الله في الله. من المؤكَّد أن الروح القدس مليء بكل ما هو بداخل الآب والابن، وأنه أقنوم إلهي في حدِّ ذاته. لكن هذا يعني أنه أكثر من فرح الله، وليس أقل. (“هل يمكننا شرح الثالوث؟”)

يتابع بايبر قائلًا: “هذا يعني أن الفرح في قلب الحقيقة. إن كَوْن الله محبة، يعني بعمق أن الله هو الفرح الذي في الله”. إذا كانتإحدى الأبعاد الأساسيَّة لطبيعة الروح القدس هي تجسيد “فرح الله في الله”، فهذا يساعدنا على فهم ما يجعل الفرح الذي يُثمره فينا فرحًا مميَّزًا.

فرح الله فينا

عندما نختبر فرح الروح القدس، فإننا نتذوَّق الفرح الذي هو جوهر الحقيقة المطلقة. لأننا عندما نُولد مرة أخرى بالروح القدس(يوحنا 3: 6-7)، فإننا نتلقَّى عطيَّة الروح القدس المذهلة والمشجِّعة والتي لا تصدَّق ولا تقدَّر بثمن، كما وعدنا يسوع:

“وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ الآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّيًا آخَرَ لِيَمْكُثَ مَعَكُمْ إِلَى الأَبَدِ، رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي لاَ يَسْتَطِيعُ الْعَالَمُ أَنْ يَقْبَلَهُ، لأَنَّهُ لاَ يَرَاهُ وَلاَ يَعْرِفُهُ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَعْرِفُونَهُ لأَنَّهُ مَاكِثٌ مَعَكُمْ وَيَكُونُ فِيكُمْ”. (يوحنا 14: 16-17)

وعندما يسكن الروح القدس فينا، يكون الآب والابن فينا -ونحن فيهما (يوحنا 17: 20-21):

“إِنْ أَحَبَّنِي أَحَدٌ يَحْفَظْ كَلاَمِي، وَيُحِبُّهُ أَبِي، وَإِلَيْهِ نَأْتِي، وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلًا”. (يوحنا 14: 23)

وبالنظر إلى كل ما يقوله يسوع عن الروح القدس في يوحنا 14-16، فإننا نعلم أن الروح هو العامل الأكبر الذي قصده يسوع عندما قال:

“كَلَّمْتُكُمْ بِهذَا لِكَيْ يَثْبُتَ فَرَحِي فِيكُمْ وَيُكْمَلَ فَرَحُكُمْ” (يوحنا 15: 11).

لأن الطريقة الوحيدة التي تُمكِّننا من أن نثبت في الابن (يوحنا 15: 4-5)، والطريقة الوحيدة التي يمكن أن يثبت بها الابن والآب فينا (يوحنا 14: 23)، والطريقة الوحيدة التي يمكن أن تثبت فيها كلمات الابن حقًّا فينا (يوحنا 15: 7)، والطريقة الوحيدة التي يمكن أن يثبت بها فرح الابن بالآب وفرح الآب بالابن فينا هي بواسطة المُعِين، الروح القدس، الساكن فينا.

لهذا قال يسوع إنَّ اختبارنا للروح القدس سيكون مثل امتلاك “أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ” (يوحنا 7: 38-39). إن الروح القدس هو ينبوع الفرح بالله الذي نختبره إذ نحيا “فِي الإِيمَانِ، إِيمَانِ ابْنِ اللهِ” (غلاطية 2: 20).

فرح الإيمان

يقودنا هذا إلى الاختبار الفريد للفرح الذي يختبره المؤمن بقوة الروح القدس في هذا العصر. ونحن نراه في جميع أنحاء العهد الجديد، لكن بولس صوَّره بشكل جميل في رومية 15: 13:

“وَلْيَمْلأْكُمْ إِلهُ الرَّجَاءِ كُلَّ سُرُورٍ وَسَلاَمٍ فِي الإِيمَانِ، لِتَزْدَادُوا فِي الرَّجَاءِ بِقُوَّةِ الرُّوحِ الْقُدُسِ”.

يصف بولس أساس هذا الرجاء الممنوح من الروح القدس والذي يُثمر فرحًا في رومية 5:

“فَإِذْ قَدْ تَبَرَّرْنَا بِالإِيمَانِ لَنَا سَلاَمٌ مَعَ اللهِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِهِ أَيْضًا قَدْ صَارَ لَنَا الدُّخُولُ بِالإِيمَانِ، إِلَى هذِهِ النِّعْمَةِ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا مُقِيمُونَ، وَنَفْتَخِرُ عَلَى رَجَاءِ مَجْدِ اللهِ. … وَالرَّجَاءُ لاَ يُخْزِي، لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا”. (رومية 5: 1-2، 5)

ويصف بطرس الفرح الذي لا يُنطَق به الذي يُثمر من المحبة التي نكنَّها ليسوع الذي لا نراه الآن، ولكننا نؤمن به بسبب كلمته المُعلَنة بالروح القدس:

“الَّذِي وَإِنْ لَمْ تَرَوْهُ تُحِبُّونَهُ. ذلِكَ وَإِنْ كُنْتُمْ لاَ تَرَوْنَهُ الآنَ لكِنْ تُؤْمِنُونَ بِهِ، فَتَبْتَهِجُونَ بِفَرَحٍ لاَ يُنْطَقُ بِهِ وَمَجِيدٍ، نَائِلِينَ غَايَةَ إِيمَانِكُمْ خَلاَصَ النُّفُوسِ”. (1 بطرس 1: 8-9)

هذه هي الطريقة التي يصف بها العهد الجديد الفرح الذي نستقبله من الروح القدس: أنه الرجاء في مجد نعمة الله، الذي نناله بالإيمان، فيملأنابفرح عميق بالروح القدس.

لقد رأى يسوع الآب وهو يكشف إنجيل ملكوت الله “لأولاده الصغار” بقوَّة روحه، ويملأهم بالرجاء في مجد نعمة الله تجاههم إذ يؤمنون بها، وهذا أدَّى إلى تهلُّل يسوع بالروح (لوقا 10: 21). كان الرجاء في مجد نعمة الله تجاه التلاميذ هو الذي ملأهم “مِنَ الْفَرَحِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ”، إذ آمنوا بالإنجيل (أعمال الرسل 13: 52). وكان الرجاء في مجد نعمة الله تجاه أهل تسالونيكي هو الذي ملأهم “بِفَرَحِ الرُّوحِ الْقُدُسِ” لأنهم آمنوا برسالة الإنجيل، رغم أنهم تلقُّوها “فِي ضِيق كَثِيرٍ” (1 تسالونيكي 1: 6-7).

فرح للسعي

نعلم جميعًا من خبرتنا الشخصيَّة ومن الملاحظة أن المؤمنين لا يكونون دائمًا ممتلئين بفرح الروح القدس. إن حقيقة أن العهد الجديد يلفت انتباهنا مرارًا وتكرارًا إلى حالات محدَّدة اختبر فيها المؤمنون هذا الفرح تُظهِر أن المسيحيِّين الأوائل لم يختبروا ذلك بشكل دائم أيضًا.

لكن بولس قال إن “[الفَرَح] فِي ٱلرُّوحِٱلْقُدُسِ” هو بُعد مهم لملكوت الله (رومية 14: 17). إنه شيء علينا أن نصل إليه. لأن الفرح يقع في قلب الحقيقة. وإن كان الروح القدس يسكن فينا، فإن الفرح المطلق يسكن فينا. لذا، فإن اختبار فرح الروح القدس هو اختبار فرح الحياة الأبديَّة (1 تيموثاوس 6: 19).

وليس هذا فقط، بل إنه اختبار الفرح الذي لا يقهر. لأن هذا الفرح المُعطَى بالروح القدس لا يمكن أن يُهدم بالاضطهاد (كولوسي 1: 24)، أو الضيق (رومية 5: 3-4)، أو التجارب المتنوِّعة (1 بطرس 1: 6-7)، أو الحزن (2 كورنثوس 6: 10)، أو الموت (فيلبي 1: 21). ففي الواقع، إن رجاء هذا الفرح الموضوع أمامنا هو الذي يساعدنا على تحمُّل كل أنواع الشدائد والألم والموت مثل يسوع (عبرانيِّين 12: 2). وذلك لأن فرح الله هذا هو فرح أبدي -سيصمد بعد الموت ويزداد فينا إلى الأبد (مزمور 16: 11؛ مرقس 10: 21). بالفعل، إن رجاء هذا الفرح الأبدي الممنوح لنا، والذي نتمسَّك به بالإيمان، يجعلنا “أعظم من منتصرين” على أي عقبة أمام محبَّة الله في المسيح يسوع (رومية 8: 35– 39).

“[وَلْيَمْلأنا] إِلهُ الرَّجَاءِ كُلَّ سُرُورٍ وَسَلاَمٍ فِي الإِيمَانِ، [لِنَزْدَاد] فِي الرَّجَاءِ بِقُوَّةِ الرُّوحِ الْقُدُسِ”.

بقلم جون بلوم

تم ترجمة المقال بالتعاون مع هيئة 

Desiring God 

يمكنك قراءة المقال باللغة الإنجليزية من خلال الضغط على الرابط التالي 

https://www.desiringgod.org/articles/the-joy-of-god-in-us

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى