Desiring Godمقالات
أخر الأخبار

النساء الصاخبات والهادئات الصورة الجميلة عند الله

في يوم كأيامنا الحالية، لا يمكنك إثارة غضب شخص ما أكثر من الإشارة إلى أن النساء يجب أن تصمتن. إن وقع هذه الكلمات ـ بالنسبة للكثيرين ـ مثل حطام سيارة فهي تنعق مثل طيور من ماضٍ همجي. قد يفضل الكثيرون صوت صافرة من مسافة قريبة.

الارتداد ليس غير مبرر تمامًا. في أماكن وأوقات كثيرة، تم فرض الصمت على النساء بشكل غير لطيف وبدون مبرر ولا يمكن الدفاع عنه. النساء، اللاتي يشاركن جنس الحكمة نفسها (أمثال 1:9ـ6)، غالبًا ما تم كتم كلماتهن، وإسكات ذكائهن، ورفض مشورتهن الضرورية. عرف العالم (ولا يزال يعرف) رجالاً كثيرين على شاكلة “نابال” يعيشون بحماقة جنبًا إلى جنب “أبيجايل” التي لا يسمع لها أحد.

لكن في مرحلة ما، حتى في يوم كأيامنا هذه، نجد أنفسنا في مواجهة مع أقوال “بطرس” و”بولس”:

“بَلْ إِنْسَانَ الْقَلْبِ الْخَفِيَّ فِي الْعَدِيمَةِ الْفَسَادِ، زِينَةَ الرُّوحِ الْوَدِيعِ الْهَادِئِ، الَّذِي هُوَ قُدَّامَ اللهِ كَثِيرُ الثَّمَنِ”       

 (1 بطرس 4:3)

“لِتَتَعَلَّمِ الْمَرْأَةُ بِسُكُوتٍ فِي كُلِّ خُضُوعٍ” (1 تيموثاوس11:2)

أكتب بالطبع كإنسان، وهي حقيقة ربما تكون محبطة للبعض. لكنني أكتب كإنسان شهد لمحات من هذا الجمال الخفي وأدرك في تلك اللحظات لماذا وصفه الله بـ”كثير الثمن”. أجد نفسي صامتًا أمام هذا السكون السماوي، هذا الهدوء الخالد. أنا، باختصار، من محبي الهدوء، وأتمنى ببعض الكلمات أن أفوز بالمزيد.

تأملوا معي إذًا في فضيلة الهدوء الأنثوي المهددة بالانقراض.

هدوء معاد النظر فيه

لنفتش عن تعاليم الكتاب المقدس عن الهدوء وقد تلاحظ بعض الملامح المدهشة.

قد تلاحظ، أولاً، أنه على الرغم من التطبيقات الخاصة بالنساء في (1 بطرس 3) و(1 تيموثاوس 2)، فإن الله يوصي ويأمر بالهدوء لكلا الجنسين. في العهد القديم، على سبيل المثال، نقرأ عن “داود” الجبار الذي يهدئ قلبه ويُسكنه (مزمور 131: 2)، وعن الحكماء الذين يحثون على الهدوء كالطريق إلى الحكمة (أمثال 29: 11؛ جامعة 4: 6؛ 9: 17)، وعن كل شعب الله المتحلي بالقوة الهادئة (إشعياء 30: 15).

وبالمثل كان الرسل يوصون كل من الرجال والسيدات بالهدوء. “وَأَنْ تَحْرِصُوا عَلَى أَنْ تَكُونُوا هَادِئِينَ”، هكذا يوصي “بولس” أهل “تسالونيكي”، ثم بعدها يحرض الكسالى بالكنيسة على أن “يَشْتَغِلُوا بِهُدُوءٍ” (1 تسالونيكي 11:4؛ 2 تسالونيكي 12:3). ثم قبل وصيته “لِتَتَعَلَّمِ الْمَرْأَةُ بِسُكُوتٍ” ببضعة جمل، يقدم السبب التالي للصلاة من أجل ذوي المناصب العليا: “لِكَيْ نَقْضِيَ (رجال ونساء) حَيَاةً مُطْمَئِنَّةً هَادِئَةً فِي كُلِّ تَقْوَى وَوَقَارٍ” (1 تيموثاوس 2:2). كما هو الحال مع الخضوع، فإن كل من الرجال والسيدات مدعو إلى التزام الهدوء، حتى لو أخذت الدعوة أشكالاً مختلفة.

وبعد ذلك، ثانيًا، قد تلاحظ أن الصفات التي تزين الهدوء في الكتاب المقدس تختلف كثيرًا عن تلك التي قد يستخدمها مجتمعنا. اطلب من الكثيرين اليوم أن يذكروا الكلمات التي يربطونها بالهدوء (خاصة الهدوء النسائي)، وستحصل على انطباع المآزر الرمادية والبلوزات الفضفاضة: ضعيف، سلبي، خامل، قليل الأهمية، مهمش، مظلوم. ولكن عندما تفكر في أوصاف الكتاب المقدس، تجد زيًا مختلفًا بالفعل:

  • غير خائف (1 بطرس 6:3)
  • متوكل على الله (1 بطرس 5:3)
  • مطمئن (إشعياء 17:32ـ18)
  • كثير الثمن (1 بطرس 4:3)
  • عديم الفساد (1 بطرس 4:3)
  • قوي (إشعياء 15:30)
  • راض (جامعة 6:4)

في سكون حديقة متنامية، قد لا يسمع البعض سوى صوت الصمت المؤلم، بينما يسمع آخرون نبض حياة هادئة، مما يأتي بنا إلى الملاحظة الثالثة، وهي أقل وضوحًا من الملاحظتين الأوليين لكن على نفس القدر من الأهمية: الهدوء لا يتعلق فقط بالفم بل بالقلب.

قلب هادئ وساكن

بدون شك عندما دعا “بطرس” و”بولس” المرأة إلى أن تتعلم بسكوت وتزين نفسها بروح وديع هادئ، كان الفم هو ما يخطر على بالهما. شرح “بولس” كيف تتعلم بسكوت عندما قال: وَلكِنْ لَسْتُ آذَنُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُعَلِّمَ وَلاَ تَتَسَلَّطَ عَلَى الرَّجُلِ، بَلْ تَكُونُ فِي سُكُوتٍ (1 تيموثاوس 12:2). ويصف “بطرس” المرأة الهادئة بأنها تربح زوجًا غير مؤمن “بِدُونِ كَلِمَةٍ” (1 بطرس 1:3). إذًا هناك نتائج تترتب على الكلام: في بعض المواقف ـ مع الوعظ بالكلمة، والخضوع المتعقل للزوج ـ يؤدي الهدوء بالمرأة إلى أن تتكلم قليلاً أو لا تتكلم على الإطلاق.

ورغم ذلك يذهب الهدوء إلى مستوى أعمق من الديسيبل (وحدة قياس الصوت)، أعمق بكثير. في (1 تيموثاوس 2:2)، ليس المقصود من “حَيَاةً مُطْمَئِنَّةً هَادِئَةً” حياة صامتة، بل حياة هادئة ومنظمة، “فِي كُلِّ تَقْوَى وَوَقَارٍ” أي حياة تعزز ملكوت الله بدون صخب. وبالمثل يتكلم “بطرس” عن إِنْسَانَ الْقَلْبِ الْخَفِيَّ” و“الرُّوحِ الْوَدِيعِ الْهَادِئِ” ـ الزينة الداخلية للمرأة التي تتكل على الله وتخشاه هو فقط (1 بطرس 4:3ـ6). يتعلق الهدوء بروح المرأة أكثر من كلامها.

في الخلفية الكتابية، يصف “إشعياء” الهدوء كصوت نفس راجعة ومستندة على الله (إشعياء 15:30)، بينما يربطه “صفنيا” بقلب منسحق تحت ترنيم محبة الله (صفنيا 17:3). ثم نرى في سفر الأمثال طبيعة الهدوء بتقديم النقيض لها، إذ نسمع صوت امرأة مضطربة: امرأة حمقاء.

صخابة وجامحة

عندما يخبرنا “سليمان” أن الحماقة صَخَّابَةٌ هِيَ وَجَامِحَةٌ” (أمثال 11:7)، يرينا امرأة وقحة ليس فقط بالفم بل مختلة ومتمردة وعاصية في قلبها، ولهذا السبب الترجمة الحديثة للكتاب المقدس تترجم “بصوت عال” إلى “جامحة”. لسانها الصاخب لا يسكت بسبب روحها المفعمة بالضجيج، كلماتها الصارخة مرادفة لروحها الصاخبة. اغلق فمها، وتظل الحماقة عالية الصوت.

على النقيض مما سبق، نسمع الهدوء في صورة الحكمة، رغم إنها تتكلم وفي بعض الأحيان بصوت عالٍ (أمثال 20:1ـ21؛ 1:9ـ6). كلامها الموزون والحكيم كجداول مياه كثيرة تتدفق من قلب خائف الرب (أمثال 9: 10). تتكلم “بِأُمُورٍ شَرِيفَةٍ” لأن قلبها نبيل وشريف. وتنطق بما هو “اسْتِقَامَة”، لأن نفسها مستقيمة عند الله (أمثال 8: 6). حتى عندما تفتح فمها، تظل هادئة.

يمكننا إذًا أن نصف الهدوء بأنه شعور القلب المتصالح مع الله ومكانته في عالمه. تستند المرأة الهادئة والمتزنة على الله وتعرف أنه يعتني بها. وبعد ذلك، انطلاقًا من تلك القوة والراحة الروحية تقرر متى تصمت ومتى تتكلم.

سوف يتشكل صوتها الحالي، جزئيًا، بشخصيتها وثقافتها (ليس بالخطأ). لكن مهما كانت شخصيتها وبغض النظر عن المكان الذي تعيش به، تجتهد المرأة الهادئة أن تزين كلامها بنفس المجد اللطيف الذي يزين قلبها الخفي. وتنفث جمالاً إلهيًا من روح وديع وهادىء.

أعلى أنواع الهدوء

الحكمة لديها العديد من البنات الهادئات عبر قصص الكتاب المقدس، “النِّسَاءُ الْقِدِّيسَاتُ أَيْضًا الْمُتَوَكِّلاَتُ عَلَى اللهِ” (1 بطرس 5:3) أخرسن الخطية والشيطان من خلال جمال الحياة الهادئة. يشير “بطرس” إلى “سارة”، التي جعلها خضوعها الهادىء لـ”إبراهيم” أمًا لأمم كثيرة (1 بطرس 6:3). وإلى جانبها نذكر “راعوث” و”حنة”، “أبيجايل” و”أستير”، “أليصابات” و”مريم”، من بين الآخريات ـ نساء تكلم صمتهن بصوت أعلى من صوت الحماقة.

قم بدراسة هذه النساء، ولن تلاحظ أي شعور بالدونية، كما لو لم يكن أقل قوة من الرجال الذين بجانبهن. ربطت “راعوث” الوداعة بطلبها الجريء المقدم إلى “بوعز” وأصبحت جدة “داود” الكبرى نتيجة لذلك. خلطت “حنة” محبة هادئة لـ”أليمالك” مع حياة صلاة قوية وتحت الرعاية الإلهية هزت كلماتها السرية العالم.

“أبيجايل” ذات البصيرة الفطنة والطبيعة المتحفظة نحو أكثر الرجال حماقة، أنقذت حياته بكل هدوء واكتسبت اسمًا بين الحكماء. وبعد ذلك، بالطبع، لا يمكننا أن ننسى كيف دخل سيدنا العالم من خلال امرأة أجابت الملاك بوداعة جديرة بالثناء أكثر من وداعة “زكريا” قائلة: “هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ” (لوقا 38:1).

تكفي مثل تلك النساء لتوضيح أن الهدوء لا يعني الوقوف على هامش الحياة أو السير في العالم دون إحداث أدنى فارق. بل يعني رفض الاعتقاد بأن ضجيج تأكيد الذات هو أفضل طريقة لاتمام عمل الله. ويعني الإيمان بأن حياة هادئة تحت الرعاية الإلهية في حد ذاتها سلاح بل خطر وتهديد لمملكة الظلمة التي يسودها صخب الخطية.

جمالها الخفي

ربما سمعنا حتى الآن كلمة “هدوء” وتأملنا فقط في الجوانب السلبية: الهدوء يعني عدم التكلم أو عدم التدريس. الهدوء يعني الفقدان والخواء، الفراغ والنقصان. لم يكن من الممكن أن يصف الرسول “بطرس” الهدوء بطريقة مختلفة: الهدوء لا يعني الشيء الفارغ بل بالأحرى هو زينة: “بَلْ إِنْسَانَ الْقَلْبِ الْخَفِيَّ فِي الْعَدِيمَةِ الْفَسَادِ، زِينَةَ الرُّوحِ الْوَدِيعِ الْهَادِئِ” (1 بطرس 4:3)

عندما نسمع كلمة “هدوء”، يجب ألا نتخيل أنه عدم الكلام، بل السكون والسلام، الأمل الذي لا يعرف الخوف والجمال الذي ليس له نهاية. علينا أن نكتسي بالهدوء في أبهى وأحلى ألونه، فرغم أن قلب المرأة الهادئة مخفي عن الأنظار إلا أنه يلفت انتباه السماء. الصوت الوحيد الذي يهم في النهاية اسمه هدوء “كثير الثمن” وجميل جمالاً أبديًا.

وعندما يخفض الله يومًا ما الصوت من هذا العالم الصاخب الثائر، ستظل المرأة الهادئة باقية ولن يكون جمالها مخفيًا.

 

بقلم

“سكوت هابارد”

تم ترجمة المقال بالتعاون مع هيئة      Desiring God

يمكنك قراءة المقال باللغة الإنجليزية من خلال الضغط على الرابط التالي:

https://www.desiringgod.org/articles/loud-and-quiet-women

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى