Desiring Godمقالات

تعرف المزامير ما تشعر به

“كُلُّ نَسَمَةٍ فَلْتُسَبِّحِ الرَّبَّ. هَلِّلُويَا”. (مزمور 150: 6)

يخبرنا المزموران الأول والأخير الكثير عمَّا يريدنا الله أن نراه ونسمعه في جميع المزامير. يتم الاقتباس من المزمور الأول أكثر بكثير من المزمور الأخير:

طُوبَى لِلرَّجُلِ

الَّذِي لَمْ يَسْلُكْ فِي مَشُورَةِ الأَشْرَارِ،

وَفِي طَرِيقِ الْخُطَاةِ لَمْ يَقِفْ،

وَفِي مَجْلِسِ الْمُسْتَهْزِئِينَ لَمْ يَجْلِسْ.

لكِنْ فِي نَامُوسِ الرَّبِّ مَسَرَّتُهُ،

وَفِي نَامُوسِهِ يَلْهَجُ نَهَارًا وَلَيْلًا. (مزمور 1: 1-2)

يخبرنا مزمور 1 أنَّ أسعد الناس وأكثرهم إثمارًا في أي مكان على وجه الأرض وفي أي وقت من التاريخ، سيكونون هؤلاء الذين يستمتعون أكثر بكلمات الله. فمن المفترض أن تقرأ كلمات هذا السفر -وكل سفر آخر في الكتاب المقدَّس- ببطء، وأنتتشبَّث بها وتتذوَّقها. وليس فقط لبضع دقائق كل يوم، ولكن خلال اليوم كله. إنَّ هذا المزمور هو دعوة إلى حياة التأمُّل الغنيَّة والمثمرة.

إن كان المزمور الأول يخبرنا كيف نسمع من الله، فإنَّ المزمور الأخير يخبرنا كيف نتجاوب معه. تترك النفوس المتواضعة والحكيمة والسعيدة الكلمة الأولى لله، لكن في النهاية فإنَّ مقابلتها مع الله تُخرِج منها الكلمات. فمثل التلاميذ، “لاَ يُمْكِنُنَا أَنْ لاَ نَتَكَلَّمَ بِمَا رَأَيْنَا وَسَمِعْنَا” (أعمال الرسل 4: 20). كيف ينهي الله مزمور 150؟ بتكليف واضح وإلزام: “كُلُّ نَسَمَةٍ فَلْتُسَبِّحِ الرَّبَّ. هَلِّلُويَا”.

المزمور الختامي

يمكن لأي شخص أن يميِّز ما يريدنا المزمور الأخير أن نفعله ردًّا على ما قاله الله. تشير جميع المقاطع الثلاثة عشر إلى نفس النقطة: “سبِّحوا الرب!”

بغض النظر عن مكان وجودنا، ومدى كآبة أو صعوبة حياتنا، فلدينا دائمًا سبب لكي نمجِّد إلهنا –ولكي نتوقَّف ونعبده من أجل صفاته (مَن هو) وعمله. “سَبِّحُوهُ عَلَى قُوَّاتِهِ. سَبِّحُوهُ حَسَبَ كَثْرَةِ عَظَمَتِهِ” (مزمور 150: 2). إن أسباب تسبيحنا له -أعماله القديرة ومجده فوق الكل- دائمًا ما تمتاز وتتفوَّق على ما نعاني منه، وإزداد ذلك الآن بعد أن جاء المسيح ومات وقام. إن الله لا يقلِّل من معاناتنا أو يهملها، لكن دائمًا ما يفوق صلاحه نحونا على التجارب التي يعطيها لنا. وهكذا يستطيع كاتب المزمور أن يقول لكل واحد منَّا، في كل لحظة من حياتنا، “سبِّحوا الرب!”

ومع ذلك، فإن المزامير ليست ترديدات بسيطة تتكرَّر مرارًا وتكرارًا، ولكنها سيمفونيَّة مليئة بالعديد من التجارب والعواطف التي يتحمَّلها البشر ويشعرون بها. إن الأجزاء الخمسة التي تكوَّن منها سفر المزامير تُعد حقًّا ماجستيرًا في الشدائد البشرية.

التسبيح في وقت الألم

عندما نفكِّر في المزامير، فإننا قد نميل إلى الاعتقاد بأنها بسيطة، وإيجابيَّة، ومتكرِّرة، لكنها تعطي صوتًا لسلسلة كاملة من الحزن والمعاناة.

هل تشعر بأن الله تخلَّى عنك؟ تعرف المزامير ما تشعر به: “لِمَاذَا يَا رَبُّ تَرْفُضُ نَفْسِي؟ لِمَاذَا تَحْجُبُ وَجْهَكَ عَنِّي؟” (مزمور 14:88).

هل هناك خوف يهدِّد بالتهامك؟ تعرف المزامير ما تشعر به: “فِي يَوْمِ خَوْفِي، أَنَا عَلَيْكَ أَتَّكِلُ. اَللهُ أَفْتَخِرُ بِكَلاَمِهِ. عَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ فَلاَ أَخَافُ. مَاذَا يَصْنَعُهُ بِي الْبَشَرُ؟” (مزمور 56: 3-4).

هل حاول أحدهم أن يجعل حياتك بائسة؟ تعرف المزامير ما تشعر به: “أَكْثَرُ مِنْ شَعْرِ رَأْسِي الَّذِينَ يُبْغِضُونَنِي بِلاَ سَبَبٍ. اعْتَزَّ مُسْتَهْلِكِيَّ أَعْدَائِي ظُلْمًا. حِينَئِذٍ رَدَدْتُ الَّذِي لَمْ أَخْطَفْهُ”(مزمور 69: 4).

هل تحتاج إلى الحكمة في موقف أو بشأن قرار صعب؟ تعرف المزامير ما تشعر به: “عَلِّمْنِي يَا رَبُّ طَرِيقَ فَرَائِضِكَ، فَأَحْفَظَهَا إِلَى النِّهَايَةِ. فَهِّمْنِي فَأُلاَحِظَ شَرِيعَتَكَ، وَأَحْفَظَهَا بِكُلِّ قَلْبِي”. (مزمور 119: 33-34).

هل سبق لك أن تعرَّضت للخيانة من قِبَل شخص تحبه؟ تعرف المزامير ما تشعر به: “لأَنَّهُ لَيْسَ عَدُوٌّ يُعَيِّرُنِي فَأَحْتَمِلَ. لَيْسَ مُبْغِضِي تَعَظَّمَ عَلَيَّ فَأَخْتَبِئَ مِنْهُ. بَلْ أَنْتَ إِنْسَانٌ عَدِيلِي، إِلْفِي وَصَدِيقِي” (مزمور 55: 12-13).

فخلال الجبال والوديان، وخلال التجارب والانتصارات، وخلال الابتهاج والألم، نسمع خيطًا واحدًا مشتركًا جميلًا: التسبيح. ففي خضم الخوف سبِّح الرب. وفي وسط الضعف الناتج عن عدم اليقين سبِّح الرب. في ظلام الشك سبِّح الرب. حتى في وقت ألم الخيانة سبِّح الرب. لا يبدو التسبيح دائمًا متشابهًا، لكننا ما زلنا نسمعه في كل الظروف. وهكذا ينتهي سفر المزامير، بعد كل ابتهاج وكل حزن توجد دعوة: “سبِّحوا الرب … سبِّحوا الرب … سبِّحوا الرب”. هل يمكنك أن تسبِّحه الآن أينما كنت؟

بكل ما لديك

قد نميل إلى إغفال آيات المزمور 150: 3-5:

سَبِّحُوهُ بِصَوْتِ الصُّورِ.

سَبِّحُوهُ بِرَبَابٍ وَعُودٍ.

سَبِّحُوهُ بِدُفّ وَرَقْصٍ.

سَبِّحُوهُ بِأَوْتَارٍ وَمِزْمَارٍ.

سَبِّحُوهُ بِصُنُوجِ التَّصْوِيتِ.

سَبِّحُوهُ بِصُنُوجِ الْهُتَافِ.

لا نجد الكثير من الرباب والأعواد والدفوف في معظم العبادة الحديثة. فالهدف ليس الآلات الموسيقيَّة، لكن الهدف هو أن الله يستحق أكثر من كلامنا.

إنه بالفعل يستحق كلامنا: “كُلُّ نَسَمَةٍ فَلْتُسَبِّحِ الرَّبَّ”. ففي الأساس، خلق الله الرئتين والأحبال الصوتيَّة والأكسجين حتى نتمكَّن من استخدامها في عبادته. إن الغرض من التنفُّس هو التسبيح. لكن الكلمات تقصر عن أن تعبِّر عن عظمته. إننا نشعر بهذا عندما نصلِّي ونرنِّم، أليس كذلك؟ فنشعر بأنها حقيقية، لكنها مع ذلك هزيلة وغير كافية. ويجب علينا أن نشعر بهذه الطريقة. إذ تذكِّرنا عدم كفاية عبادتنا بأن الله دائمًا أفضل مما يمكننا فهمه أو التعبير عنه، وهذا يدفعنا إلى إيجاد طرق أكثر إبداعًا لكي نخبره بذلك.

قد نلتقط بوقًا أو عودًا أو قيثارة. وقد نهز الدف أو نبدأ في الرقص. قد نضرب الصنج معًا. ولكن الأهم من الآلات الموسيقية، يجب “أَنْ تُقَدِّمُوا أَجْسَادَكُمْ ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اللهِ، عِبَادَتَكُمُ الْعَقْلِيَّةَ” (رومية 12: 1). إننا نسبِّح بحياتنا -بقراراتنا ومحادثاتنا وأموالنا ووقتنا.

لذلك، مهما كانت الظروف التي أعطاها لك الله، ومهما كانت الطاقة والموارد التي أعطاها لك، سبِّح الرب على صفاته (مَن هو) وعلى كل ما فعله من أجلك.

بقلم مارشال سيغال

تم ترجمة المقال بالتعاون مع هيئة 

Desiring God 

يمكنك قراءة المقال باللغة الإنجليزية من خلال الرابط التالي 

https://www.desiringgod.org/articles/the-psalms-know-what-you-feel

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى