Desiring Godمقالات

!جيدًا أن يكون لك رجاء

جيدًا أن يكون لك رجاء!

تبدأ كنيستنا خدمة كل أحد بعبارة ترحيب تبدو غريبة نوعًا ما، نوجهها
للمثقَلين بالهموم، والحزانى، والضعفاء: “أنت لست منسيًّا”. العبادة ليست فقط لهؤلاء الفرحين الممتلئين بالرجاء، بل أيضًا للمخذولين والمحبطين. ونؤمن أن العبادة يمكن أن تكون وسيلة فعالة للشفاء الحقيقي.

ومع استمرار وباء كورونا، تضاعف عدد الذين يشعرون بالضعف والهموم والإحباط، وأصبح وجود الفرحين الممتلئين بالرجاء وجودًا استثنائيًّا، خاصة في مجتمع يزداد تشاؤمًا. فهل سنحتاج تحية خاصة لهؤلاء أيضًا؟!

إذا كنت تذهب لخدمة صباح الأحد وأنت تشعر بالفرح، فلا داعي لأن تتظاهر باليأس، لتستطيع الترنيم مع هذا العدد الكبير من المساكين المهمومين. يسوع يرحب بهؤلاء المفعمين بالأمل، وبالطبع نحن أيضًا. جيدًا أن يكون لكَ رجاء! بل إن هذه صلاتنا، نحن نجتمع ليتجدَّد رجاؤنا وقوتنا في المسيح.

المتوقع من العلمانية أنها تُنتج أفكارًا سلبية مثل عدم الإيمان، وأيضًا الأفكار الفلسفية المعقدة التي تزيد الشكوك، والنقد، والإحباط، والشكوى، بينما المؤمنين لديهم دعوة فكرية (إيمانية) مضادة هي: الرجاء. يسوع يدعونا لأن يكون لنا رجاء في ذواتنا، لأن لنا رجاء حقيقي في المسيح. نحن لنا رجاء في داخلنا لأنه هو رجاؤنا، المسيح يسوع هو رجاؤنا (1 تيموثاوس 1: 1).

نحزن لكن لنا رجاء

لا شيء يقول بأن المسيحيين يتظاهرون بأنهم لا يتمتعون سوى بالرجاء فقط. جميعنا نعرف كم أصبحت الحياة صعبة ومعقدة في عصرنا الحالي. نحن نبكي لِما نتعرض له في حياتنا، ونبكي أيضًا لبكاء الآخرين، ونقدم لهم ما لنا في المسيح (الذي يحتاجونه بشدة في حياتهم) –الرجاء الحقيقي. لأن الرجاء الذي لنا في المسيح هو رجاء حقيقي وراسخ وثابت ويمنحنا القوة لنكون أقوياء في مواجهة الخطية والألم والإحباط، ومواجهة الجروح التي في أعماقنا.

نحن ما زلنا نحزن بالفعل، لكن ليس “كَالْبَاقِينَ الَّذِينَ لاَ رَجَاءَ لَهُمْ” (1 تسالونيكي 4: 13). ولا ننوح، وننتقد، ونغضب كاليائسين. إذا كان المسيح قادرًا على منحنا الرجاء ونحن في أكثر أوقات الحزن، أمام قبر من نُحب، فهو قادرٌ أن يمنحنا الرجاء مهما فاجأتنا الحياة بما تحمله لنا.

إن كنا الآن نحزن، لكننا نتشبَّث بالرجاء. نحزن لكن دائمًا لنا رجاء!

ما هو الرجاء وما هو دوره؟

بالنسبة للمؤمن المسيحي الرجاء ليس مجرد أمنية صغيرة. نحن غالبًا نستخدم هذه الكلمة بمعنى بعيد تمامًا عن المقصود في العهد الجديد، مثل: أرجو أن يكون الطقس دافئ غدًا؛ أرجو أن يفوز فريقنا؛ أرجو أن ينتهي الوباء قريبًا. في كل أحاديثنا اليومية نقول “أرجو” لكل أمنية صغيرة حتى ولو كانت غير مؤكدة أو صعب حدوثها في المستقبل.

لم يكن الأمر كذلك بالنسبة للرسل وللكنيسة الأولى، لم يكن رجاؤهم هشًّا أو واهيًا أو غير مؤكد، لكن على العكس، كان رجاؤهم مؤسَّس جيدًا نحو مستقبل محدَّد، كان رجاؤهم متأصِّل في الإيمان، كان في معرفة الحق، يتطلَّع للأمام. “بُولُسُ، عَبْدُ اللهِ، وَرَسُولُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، لأَجْلِ إِيمَانِ مُخْتَارِي اللهِ وَمَعْرِفَةِ الْحَقِّ، الَّذِي هُوَ حَسَبُ التَّقْوَى، عَلَى رَجَاءِ الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ، الَّتِي وَعَدَ بِهَا اللهُ الْمُنَزَّهُ عَنِ الْكَذِبِ، قَبْلَ الأَزْمِنَةِ الأَزَلِيَّةِ” (تيطس 1: 1-2). والشيء المميَّز -الذي ربما يتم تجاهله بانتظام- هو مدى قوة هذا الرجاء وتشجيعه وقدرته على التغيير.

ليس من قبيل الصدفة أن أكثر رسالتين في العهد الجديد (بطرس الأولى وتيطس) تحثَّان على الأعمال الصالحة للمؤمنين، تهتمان أيضًا بوضوح بأهمية الرجاء، ليس الإيمان فقط، لكن الرجاء على وجه الخصوص.

مرارًا وتكرارًا، ينادي الرسول بطرس في رسالته الأولى بأهمية أن يقدم المؤمنون أعمالًا صالحة (2: 12، 14، 15، 20؛ 3: 6، 10، 11، 13، 16، 17؛ 4: 19)؛ أعمالًا صالحة نابعة من الرجاء (1: 3، 13، 12؛ 3: 5، 15). الرجاء في الرب يقودنا لفعل أعمالًا صالحة في العالم. “فَإِنَّهُ هكَذَا كَانَتْ قَدِيمًا النِّسَاءُ الْقِدِّيسَاتُ أَيْضًا الْمُتَوَكِّلاَتُ عَلَى اللهِ، يُزَيِّنَّ أَنْفُسَهُنَّ خَاضِعَاتٍ لِرِجَالِهِنَّ، كَمَا كَانَتْ سَارَةُ تُطِيعُ إِبْرَاهِيمَ دَاعِيَةً إِيَّاهُ «سَيِّدَهَا». الَّتِي صِرْتُنَّ أَوْلاَدَهَا، صَانِعَاتٍ خَيْرًا، وَغَيْرَ خَائِفَاتٍ خَوْفًا الْبَتَّةَ” (1 بطرس 3: 5-6). عندما يرى غير المؤمنين أعمالنا الصالحة سيتساءلون عن سبب الرجاء الذي فينا. “فَمَنْ يُؤْذِيكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُتَمَثِّلِينَ بِالْخَيْرِ؟ وَلكِنْ وَإِنْ تَأَلَّمْتُمْ مِنْ أَجْلِ الْبِرِّ، فَطُوبَاكُمْ. وَأَمَّا خَوْفَهُمْ فَلاَ تَخَافُوهُ وَلاَ تَضْطَرِبُوا، بَلْ قَدِّسُوا الرَّبَّ الإِلهَ فِي قُلُوبِكُمْ، مُسْتَعِدِّينَ دَائِمًا لِمُجَاوَبَةِ كُلِّ مَنْ يَسْأَلُكُمْ عَنْ سَبَبِ الرَّجَاءِ الَّذِي فِيكُمْ، بِوَدَاعَةٍ وَخَوْفٍ، وَلَكُمْ ضَمِيرٌ صَالِحٌ، لِكَيْ يَكُونَ الَّذِينَ يَشْتِمُونَ سِيرَتَكُمُ الصَّالِحَةَ فِي الْمَسِيحِ، يُخْزَوْنَ فِي مَا يَفْتَرُونَ عَلَيْكُمْ كَفَاعِلِي شَرّ. لأَنَّ تَأَلُّمَكُمْ إِنْ شَاءَتْ مَشِيئَةُ اللهِ، وَأَنْتُمْ صَانِعُونَ خَيْرًا، أَفْضَلُ مِنْهُ وَأَنْتُمْ صَانِعُونَ شَرًّا”. هل توقفت يومًا لتسأل كيف تتغيَّر حياة الآخرين بسبب الرجاء الذي فيك؟ أو العكس، ما الذي لن يحدث في العالم عندما يتضاءل الرجاء وتعلو السخرية؟

رجاء يبارك ويشجع

وبالمثل أيضًا في رسالة تيطس، نجد التحذير ملفت للنظر: لا تكن مرفوضًا “مِنْ جِهَةِ كُلِّ عَمَل صَالِحٍ” (تيطس 1: 16)، بل اِسعَ أن تكون “قُدْوَةً لِلأَعْمَالِ الْحَسَنَةِ” (تيطس 2: 7)، “غَيُورًا فِي أَعْمَال حَسَنَةٍ” (تيطس 2: 14)، وأن تكون مستعدًا “لِكُلِّ عَمَل صَالِحٍ” (تيطس 3: 1)، مكرسًا نفسك لكل عمل صالح (تيطس 3: 8، 14). لكن هذا لا يعني أن بر الإنسان مبنيًّا على أعماله الصالحة، لكن لمساعدة من هم في حاجة حتى لا تكون أعمالهم بلا ثمر (عدد 14). بعبارة أخرى، أعمال ملموسة بدافع المحبة. هناك تركيز قوي في رسالة تيطس على الأعمال الصالحة.

ومع ذلك، يبدأ بولس حديثه من أول عبارة في الرسالة بالحديث عن التقوى التي ولدت من الرجاء في الحياة الأبدية –”بُولُسُ، عَبْدُ اللهِ، وَرَسُولُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، لأَجْلِ إِيمَانِ مُخْتَارِي اللهِ وَمَعْرِفَةِ الْحَقِّ، الَّذِي هُوَ حَسَبُ التَّقْوَى، عَلَى رَجَاءِ الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ، الَّتِي وَعَدَ بِهَا اللهُ الْمُنَزَّهُ عَنِ الْكَذِبِ، قَبْلَ الأَزْمِنَةِ الأَزَلِيَّةِ” (تيطس 1: 1-2). أولًا الإيمان، وهذا الإيمان يعطينا التقوى المبنية على الرجاء في الحياة الأبدية. بمعنى آخر، الرجاء هو الرابط الأساسي بين الإيمان بالمسيح وعمل الخير للآخرين. الإيمان بشخص المسيح وعمله ينتجان رجاء الحياة الأبدية الذي يحرِّر جماعة المؤمنين من كل عائق أو تعلُّق بعالم الزمن الحاضر حتى يحبوا الآخرين ويسعون لعمل ما فيه خيرهم. وهذا الرجاء، هو رجاء مبارك. “مُنْتَظِرِينَ الرَّجَاءَ الْمُبَارَكَ وَظُهُورَ مَجْدِ اللهِ الْعَظِيمِ وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ” (تيطس 2: 13). الرجاء في مجيء المسيح والنعيم الذي سيهبه لنا، يعطي لنا الفرح حتى في الزمن الحاضر، فرح يكفي لتحريرنا من رغباتنا ويساعدنا أن نحب الآخرين ونسعى لخيرهم.

وهذا الأساس الذي يعلِّمه بولس، موجود أيضًا في رسالة كولوسي: “إِذْ سَمِعْنَا إِيمَانَكُمْ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ، وَمَحَبَّتَكُمْ لِجَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ، مِنْ أَجْلِ الرَّجَاء الْمَوْضُوعِ لَكُمْ فِي السَّمَاوَاتِ، الَّذِي سَمِعْتُمْ بِهِ قَبْلاً فِي كَلِمَةِ حَقِّ الإِنْجِيلِ” (كولوسي 1: 4-5). جماعة المؤمنين تفعل الخير للآخرين بسبب الرجاء. والإيمان بالمسيح يغذِّي الرجاء في مستقبل واضح ومحدَّد وأكيد. وهذا ما يحرِّر المؤمنين من كل مخاوف أو تعلُّق بالعالم أو كسل، ويجعلهم يحلمون بتحقيق هذا الرجاء وهم يفعلون الخير للجميع.

الله لا يكذب

لماذا يمتلك الرجاء المسيحي -وليس الرجاء بشكل عام- مثل هذا التأثير المحفِّز في حياتنا ومن خلالها؟ يجيب بولس عن ذلك في سطور الافتتاحية لرسالة تيطس عندما يذكر “رَجَاءِ الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ” ثم يضيف “الَّتِي وَعَدَ بِهَا اللهُ الْمُنَزَّهُ عَنِ الْكَذِبِ، قَبْلَ الأَزْمِنَةِ الأَزَلِيَّةِ” (تيطس 1: 2). لماذا يقول ذلك هنا؟ بالطبع الله لا يكذب أبدًا، لكن لماذا يقول ذلك الآن؟

لأن وعود الله المؤكدة التي لا تكذب أبدًا من جهة المستقبل، لها علاقة وثيقة برجائنا الذي يُزيد إيماننا في المسيح ويحوله لمحبة وأعمالًا صالحة. هذا الرجاء مبنيٌّ على كلمة الله، “اللهُ الْمُنَزَّهُ عَنِ الْكَذِبِ“. وصدق الله أمر جوهري في رجائنا. ورجاؤنا في المسيح هو صالح ككلمة الله، ليس رجاءً في ما نتمناه أو نحلم بتحقيقه، بل في وعد الله (الذي لا يكذب).

رئيس الرجاء

هذا الإيمان الفاعل، الذي ينتج فينا الرجاء ويحثُّنا على المحبة التي تجازف وتضحي لأجل الآخرين، يظهر أيضًا مرارًا وتكرارًا في رسالة العبرانيين، وخاصة في المسيح نفسه. كيف أن رئيس الإيمان، الله الظاهر في الجسد، مؤسِّس إيماننا ومكمِّله، صنع أعظم خير تم تحقيقه على الإطلاق! ما الذي دفعه لمواجهة أكبر العبقات في طريق الصليب؟ إنه الرجاء.

“يَسُوعَ، الَّذِي مِنْ أَجْلِ السُّرُورِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَهُ، احْتَمَلَ الصَّلِيبَ مُسْتَهِينًا بِالْخِزْيِ، فَجَلَسَ فِي يَمِينِ عَرْشِ اللهِ” (عبرانيين 12: 2). لم يكن الأمر مجرد أمنية من جهة المستقبل، بل عيون ترى المستقبل بالإيمان، وتدرك وتختبر أن المكافأة أكيدة، تمامًا مثل وعود الله المؤكدة. لقد غذَّى الإيمان الرجاء، والرجاء أنتج أعظم عمل يمكن أن تقدمه المحبة للبشرية على الإطلاق.

في المسيح، نحن لا ندع فرصةً لليأس المتنامي حولنا أن يثبِّط رجاءنا. في المسيح لسنا بحاجة لتبرير رجائنا الحقيقي وكوننا مفعمين بهذا الرجاء. نحن لا نستسلم للضغوط حتى تحنينا ونسخر من رجائنا مثل المحيطين بنا. عوضًا عن ذلك، نحن نثق بكلمة الله لأنه لا يكذب، وهو يعدنا برجاء عظيم في المسيح، رجاء يطلقنا فرحين لنفعل كل ما هو صالح.

بقلم/ ديفيد ماتيز

تم ترجمة هذا المقال بالتعاون مع هيئة
Desiring God

يمكنك قراءة هذا المقال باللغة الإنجليزية من هذا اللينك

https://www.desiringgod.org/articles/its-okay-to-be-hopeful

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى