Desiring Godمقالات

تشجيع للمبتدئين

قد تتحوَّل ندرة التشجيع لأزمة بالنسبة لأي نفس. هل تستطيع أن تتذكَّر موقفًا كنت فيه بحاجة حقًّا إلى التشجيع ولكنك لم تجده؟

كثيرًا ما تجف قناة التشجيع في كنائسنا لأننا نفشل في ممارسته وإعطائه الأولوية، ولكن يفشل بعضنا في تشجيع أحدنا الآخر لأننا لا نعرف حقًّا ما هو التشجيع. فنفترض أن التشجيع هو مجرَّد كلمات تعزية وتأييد –شيء يجعلنا نشعر بأننا بحال أفضل– بينما ما تحتاج أرواحنا أن تسمعه بالفعل هو شيء يعمِّق رجاءنا وثقتنا بالله.

أن تشجِّع يعني أن تعطي الشجاعة –لا أن تعزِّي أو تجامل شخصًا ما ببساطة (وقطعًا ألَّا تتملَّق)، بل أن تقوِّي القلب لمواجهة الخطر والمِحَن. يحتاج كل مسيحي لتيَّار ثابت من الشجاعة لاحتمال المعاناة، ورفض التجربة، والتضحية بمحبَّة، وقبول التأديب، والمثابرة في الخدمة، والثقة وطاعة الله.

ولن نبقى طويلًا على الإلهام الخفيف والسطحي الذي يُباع بالملايين. نحن لا نحتاج إلى قلوب ممتلئة أكثر بذاتها؛ بل نحتاج قلوبًا يلهبها الله باستمرار. نحتاج تشجيعًا يمنح النفس ثباتًا، ويثير القلب، ويطلق العنان للمحبَّة.

كنيسة في حاجة إلى تشجيع

بدت الكنيسة في تسالونيكي أنها تعاني من عجز في التشجيع. فلماذا يحثهم الرسول بولس مرارًا وتكرارًا على تشجيع وتعزية بعضهم بعضًا إلَّا إذا كان الوضع كذلك؟

لِذلِكَ عَزُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِهذَا الْكَلاَمِ. (1 تسالونيكي 4: 18)

لِذلِكَ عَزُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَابْنُوا أَحَدُكُمُ الآخَرَ. (1 تسالونيكي 5: 11)

وَنَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ: أَنْذِرُوا الَّذِينَ بِلاَ تَرْتِيبٍ. شَجِّعُوا صِغَارَ النُّفُوسِ. أَسْنِدُوا الضُّعَفَاءَ. تَأَنَّوْا عَلَى الْجَمِيعِ. (1 تسالونيكي 5: 14)

لماذا هذا التكليف الجاد والمتكرِّر؟ لأن الرسول رأى بنفسه المتاعب التي واجهتها كنيسة تسالونيكي. لم يكن المؤمنون في تسالونيكي، مثل كثيرين في أماكن أكثر راحة وثراء اليوم، ينظرون لأنفسهم بقلَّة تقدير فحسب. كان هؤلاء رجالًا ونساءً محاصرين، مكروهين، ومُهدَّدين بسبب إيمانهم بيسوع.

عندما بشَّر بولس وسيلا بالإنجيل هناك، آمن كثيرون وانضموا إلى الكنيسة (أعمال الرسل 17: 4)، ولكن قام رجال أشرار غيورون وقاوموهم (أعمال الرسل 17: 5). حتى عندما ترك بولس وسيلا الاضطهاد وراءهم في تسالونيكي وذهبا إلى بيرية، كان الرجال الأشرار ثائرين لدرجة أنهم تبعوهما إلى هناك: “جَاءُوا يُهَيِّجُونَ الْجُمُوعَ هُنَاكَ أَيْضًا” (أعمال الرسل 17: 13). وبينما كان بإمكان بولس وسيلا أن يتركا المدينة، بقي المؤمنون التسالونيكيُّون واشتد عليهم الاضطهاد. تقول 1 تسالونيكي 1: 6: “إِذ قَبِلْتُمُ الْكَلِمَةَ فِي ضِيق كَثِيرٍ”، وعليهم الآن أن يثبتوا وسط ضيقات كثيرة. بالتالي، كانوا بحاجة إلى تشجيع حقيقي وهادف ومقنع.

تشجيع الآب

بينما حث بولس أهل تسالونيكي على تشجيع بعضهم بعضًا، أعطاهم أيضًا (وأعطانا) نموذجًا إلهيًّا للتشجيع لنتبعه.

 كَمَا تَعْلَمُونَ كَيْفَ كُنَّا نَعِظُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ كَالأَبِ لأَوْلاَدِهِ، وَنُشَجِّعُكُمْ، وَنُشْهِدُكُمْ لِكَيْ تَسْلُكُوا كَمَا يَحِقُّ ِللهِ الَّذِي دَعَاكُمْ إِلَى مَلَكُوتِهِ وَمَجْدِهِ. (1 تسالونيكي 2: 11-12)

لاحظ كيف يضع هذا النوع من التشجيع بعد نوع من المحبَّة المكمِّلة قبل هذا بعدَّة آيات: “بَلْ كُنَّا مُتَرَفِّقِينَ فِي وَسَطِكُمْ كَمَا تُرَبِّي الْمُرْضِعَةُ أَوْلاَدَهَا” (1 تسالونيكي 2: 7). لقد كنَّا مترفِّقينفي وسطكم مثل الأم، وشجَّعناكم وكلَّفناكم بالمسؤوليات كالأب. تعطي هذه الصورة للتشجيع قوَّةً ووزنًا وإلحاحًا ذكوريًّا لا نربطه عادة بالتشجيع. كان بولس مترفِّقًا مثل الأم وحازمًا مثل الأب، متفهِّمًا وملتمسًا، عطوفًا وقاطعًا.

وكيف شجَّعهم في هذه الحالة؟ ليس بقوله: “سيكون كل شيء على ما يُرام”، بل بتكليفهم: “اسلكوا كما يحق لله”. كان التشجيع يهدف إلى إلزامهم بالخروج من حالة التباطؤ الروحي والرضا عن النفس إلى حالة من الانضباط الأمين والمُسِر. كم من التشجيع الذي نقدِّمه ونناله اليوم يشبه هذا؟

جوانب التشجيع

إنَّنا إذ ننظر من كثب على التوصيات المحدَّدة بتشجيع أحدنا الآخر في 1 تسالونيكي، نرى المزيد من عمق وتعقيد التشجيع الحقيقي. ليس التشجيع حقيقة أو ممارسة بسيطة؛ بل إنه يأتي بصور وألوان ولهجات متنوِّعة، إذ يهدف في كل حالة إلى تحفيز الشجاعة المطلوبة للسير بطريقة تليق بالله. لاحظ ثلاثة خيوط رئيسية من التشجيع في هذه الرسالة وحدها.

عَزُّوا الحزانى

كان البعض في كنيسة تسالونيكي يائسينبشأنالذين ماتوا. يكتب بولس في 1 تسالونيكي 4: 13: “لاَ أُرِيدُ أَنْ تَجْهَلُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ مِنْ جِهَةِ الرَّاقِدِينَ، لِكَيْ لاَ تَحْزَنُوا كَالْبَاقِينَ الَّذِينَ لاَ رَجَاءَ لَهُمْ”. حزن هؤلاء المؤمنون الأصغر سنًّا كما كان العالم يحزن، كما لو أن القبر هو النهاية، كما لو أن الموتى لن يحيوا ثانيةً. يبدو أنهم خافوا ألَّا يرى هؤلاء المسيح لدى عودته ثانيةً. وقد جعل هذا من حزنهم شيئًا لا يُطاق.

كيف يشجِّعهم بولس؟ “لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا نُؤْمِنُ أَنَّ يَسُوعَ مَاتَ وَقَامَ، فَكَذلِكَ الرَّاقِدُونَ بِيَسُوعَ، سَيُحْضِرُهُمُ اللهُ أَيْضًا مَعَهُ” (1 تسالونيكي 4: 14). في الواقع، يقول لهم بولس: “وَالأَمْوَاتُ فِي الْمَسِيحِ سَيَقُومُونَ أَوَّلاً. ثُمَّ نَحْنُ الأَحْيَاءَ الْبَاقِينَ سَنُخْطَفُ جَمِيعًا مَعَهُمْ فِي السُّحُبِ لِمُلاَقَاةِ الرَّبِّ فِي الْهَوَاءِ، وَهكَذَا نَكُونُ كُلَّ حِينٍ مَعَ الرَّبِّ” (1 تسالونيكي 4: 16-17). في المسيح، من ماتوا لن يظلُّوا أمواتًا. سوف يحيون، وسيكونون أكثر حياةً ممَّا سبق على الإطلاق، لأنهم سيعيشون أخيرًا في محضر المسيح المُمجَّد.

لذلك، في الآية التالية: “عَزُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِهذَا الْكَلاَمِ” (1 تسالونيكي 4: 18). يحمل البعض حمل الحزن أو الأسى الذي لا يمكنهم تحمُّله؛ لذلك شجعوهم. قوُّوا نفوسهم المسحوقة حتى يحتملوا وجع القلب برجاء. ذَكِّروهم بأن كل من آمنوا بالرب يسوع سرعان ما سيكونون معه.

أنذروا الذين بلا ترتيب

وآخرون في كنيسة تسالونيكي جعلوا من عودة المسيح عذرًا للكسل في الوقت الراهن. إن كان المسيح سيعود في أي وقت، فلماذا، على حد ظنهم، نستمر في العمل بكل جدِّيَّة؟ في رسالته الثانية إلى الكنيسة، يقول الرسول: “لأَنَّنَا نَسْمَعُ أَنَّ قَوْمًا يَسْلُكُونَ بَيْنَكُمْ بِلاَ تَرْتِيبٍ، لاَ يَشْتَغِلُونَ شَيْئًا بَلْ هُمْ فُضُولِيُّونَ” (2 تسالونيكي 3: 11). لقد وقع على بعضهم نعاس روحي، ممَّا نتج عنه إهمال وكسل.

كيف يشجَّعهم بولس؟

فَلاَ نَنَمْ إِذًا كَالْبَاقِينَ، بَلْ لِنَسْهَرْ وَنَصْحُ … فَلْنَصْحُ لاَبِسِينَ دِرْعَ الإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ، وَخُوذَةً هِيَ رَجَاءُ الْخَلاَصِ. لأَنَّ اللهَ لَمْ يَجْعَلْنَا لِلْغَضَبِ، بَلْ لاقْتِنَاءِ الْخَلاَصِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي مَاتَ لأَجْلِنَا، حَتَّى إِذَا سَهِرْنَا أَوْ نِمْنَا نَحْيَا جَمِيعًا مَعَهُ”. (1 تسالونيكي 5: 6-10)

بينما يأتي التشجيع ليعزِّي ويقوِّي الحزانى، يجاهد ليشعل النار تحت النفوس النائمة. البسوا دروعكم. ارتدوا خوذتكم. تسلَّحوا للمعركة. كونوا مستعدين للتحرُّك. فالذين ينامون في هذه الحرب مصيرهم الغضب. أما من يَرِثون ملكوت الله فسيبقوا يقظين منتبهين وساهرين.

ثم في الآية التالية: “عَزُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَابْنُوا أَحَدُكُمُ الآخَرَ، كَمَا تَفْعَلُونَ أَيْضًا” (1 تسالونيكي 5: 11). أيقظوا وشدِّدوا الكسالى. اقبلوا العمل الذي أعطاكم الله لتفعلوه، “وَكُلُّ مَا فَعَلْتُمْ، فَاعْمَلُوا مِنَ الْقَلْبِ، كَمَا لِلرَّبِّ لَيْسَ لِلنَّاسِ” (كولوسي 3: 23-24). ذكِّروا بعضكم بعضًا بالأمور التي على المحك وبمدى خطورة الجيوش الروحية المُصطفَّة ضدنا (أفسس 6: 12). وكما يقول بولس في أفسس 6: 13: “احْمِلُوا سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تُقَاوِمُوا فِي الْيَوْمِ الشِّرِّيرِ، وَبَعْدَ أَنْ تُتَمِّمُوا كُلَّ شَيْءٍ أَنْ تَثْبُتُوا”.

شَجِّعُوا صِغَارَ النُّفُوسِ

مؤمنون آخرون في تسالونيكي لم يكونوا نائمين في كسلهم، لكنهم أُرهقوا تحت ثقل الحياة في عالم ساقط.

“وَنَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ: أَنْذِرُوا الَّذِينَ بِلاَ تَرْتِيبٍ. شَجِّعُوا صِغَارَ النُّفُوسِ. أَسْنِدُوا الضُّعَفَاءَ. تَأَنَّوْا عَلَى الْجَمِيعِ” (1 تسالونيكي 5: 14). تظهر كلمة “صغار النفوس” مرَّة واحدة فقط في العهد الجديد، ولكنها تظهر عدَّة مرات في الترجمة اليونانية للعهد القديم. على سبيل المثال، أمثال 18: 14: “رُوحُ الإِنْسَانِ تَحْتَمِلُ مَرَضَهُ، أَمَّا الرُّوحُ الْمَكْسُورَةُ فَمَنْ يَحْمِلُهَا؟” هل تعرف شخصًا تبدو روحه مكسورة؟ هل شعر قلبك بثقل الحياة؟

كيف يشجِّع الله نفسه صغار النفوس؟ لقد فعل هذا مَرَّتين من خلال النبي إشعياء. أوَّلًا في إشعياء 57: 15. لاحظ لطف ورأفة الله:

لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الْعَلِيُّ الْمُرْتَفِعُ، سَاكِنُ الأَبَدِ، الْقُدُّوسُ اسْمُهُ: فِي الْمَوْضِعِ الْمُرْتَفِعِ الْمُقَدَّسِ أَسْكُنُ، وَمَعَ الْمُنْسَحِقِ وَالْمُتَوَاضِعِ الرُّوحِ، لأُحْيِيَ رُوحَ الْمُتَوَاضِعِينَ، وَلأُحْيِيَ قَلْبَ الْمُنْسَحِقِينَ.

رغم أن الله عالٍ ومرتفع، ويسكن في السماوات العالية المُقدَّسة الأزليَّة، فإنه يقترب من صغار النفوس، ليحيينا ويقوِّينا. من يستطيع أن يسبر غور إله قوي كهذا ومع ذلك إله لطيف ورقيق، عالٍ جدًّا ومع ذلك فهو قريب للغاية، قدُّوس للغاية ومع ذلك فهو رؤوف للغاية؟

لكن لاحظ كيف يشجِّع الله صغار النفوس في إشعياء 35: 4 بإلحاح وجدِّيَّة: “قُولُوا لِخَائِفِي الْقُلُوبِ” – نفس الكلمة التي تُرجمت منكسري الروح أو صغار النفوس– “«تَشَدَّدُوا لاَ تَخَافُوا. هُوَذَا إِلهُكُمُ. الانْتِقَامُ يَأْتِي. جِزَاءُ اللهِ. هُوَ يَأْتِي وَيُخَلِّصُكُمْ»” سوف يعوِّضك الله عن أي شيء تألَّمت منه. مهما أصبحت الحياة كئيبة، لا شك أنه سيخلِّص المفديِّين ويجازي أي شر.

هل تعرف شخصًا يعاني من الحزن أو الأسى، شخصًا يفقد الرجاء وسط عواصف من الخسارة والفقدان؟ هل تعرف آخرين أصبحوا كسالى وراضين عن أنفسهم، يلتمسون الأعذار لتجنُّب ما دعاهم الله للقيام به؟ هل تعرف شخصًا يختنق تحت الأعباء التي يحملها، وبالكاد يرفع رأسه فوق الماء؟ إن كان كذلك، كيف يمكنك أن تقوِّي نفوسهم في المسيح؟ كيف يمكن أن يستخدمك الله لتضرم ثقتهم به؟

بقلم مارشال سيجال

تم ترجمة هذا المقال بالتعاون مع هيئة 

Desiring God

يمكنك قراءة المقال باللغة الإنجليزية بالضغط هنا 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى