مقالات نوثيتيكية

القلب هو الهدف

القلب هو الهدف-

الفصل الرابع من كتاب: أدوات بين يدي الفادي

نشأت في توليدو، وكانت أسرتنا تسافر عادة شرقًا في الأجازات. لكن عندما كنت في السادسة عشرة من عمري، قرر والدي أن يأخذ عائلتنا في رحلة الغرب العظيمة. في ذلك العام، شحننا أبي أنا ووالدتي وأخي مارك في سيارة موديل فورد فالكون وبدأنا رحلتنا. وبالرغم من أننا كنا سنرى أشياء كثيرة (الحجر الأصفر، جبال روكي، إلخ)، إلا أن أهم ما في الرحلة بالنسبة لوالدي كان هو رؤية الأخدود العظيم Grand canyon. بالنسبة لوالدي، كان كل شيء آخر (فعلناه) ما هو إلا مقدمة لهذه التجربة.

يجب أن أذكر كخلفية لهذه القصة أن والدي كان يتعامل مع الأجازات على أنها عقد بين العائلة وبين نفسه. كان دوره في الصفقة هو أن يخطط الرحلة ويمولها. وكان دورنا هو أن نقضي وقتًا طيبًا. وهكذا فكلما كان يسألنا إن كنا نستمتع بوقتنا أم لا، كانت الإجابة الحكيمة هي “نعم” من القلب. أية إجابة أخرى كانت ستجعله ينطلق في خطبة مُعَدة جيدًا عن مقدار المال الذي كان ينفقه ومقدار الوقت الذي استثمره في تخطيط رحلتنا. وكان ينهي كلامه بالقول إنه لو كان يعلم أننا كنا لن نستمتع، لكنا قد قضينا الوقت في البيت حيث كان هذا سيتم بدون تكلفة!

أخيرًا جاء “يوم Grand Canyon”. لم يكن والدي متحمسًا في حياته أكثر من ذلك اليوم – وهي مشاعر الواضح أن والدتي لم تكن تشاركه فيها. أيقظنا مبكرًا وسرعان ما كنا في الطريق. عندما وصلنا إلى جراند كانيون، رفض والدي أن يشاهده من موقع كان “مليئًا بالأسوار وفخاخ ألاف السياج”. وبدأ يستكشف، وانتهى بنا الحال ونحن نقود السيارة في طريق ترابي وبعده وصلنا إلى منطقة مفتوحة حتى أوقفنا سيارتنا على بعد حوالي 60 مترًا من الحافة.

ركضنا أنا ومارك على الفور باتجاه الحافة. وتظاهرنا بأننا ندفع أحدنا الآخر من فوق الحافة وجلسنا مدليين ساقينا من على الجدار الصخري الذي يقارب ارتفاعه كيلومترين. كنا نلقي بحجر بعد الآخر من فوق الحافة، غافلين عن أي شخص ربما يتمشى أو يخيم تحتنا. كان أمرًا مذهلًا أن نشهد الأحجار وهي تختفي في صمت بدون أن نسمعها أو نراها ترتطم أبدًا. كنا في غاية الإثارة ولا يعترينا الخوف تمامًا.

في هذه الأثناء، لم تخرج أمي حتى من السيارة. وضعت قدمًا واحدة على الأرض، وكانت تنقر لتتأكد من أن الأرضية صلبة. كانت لديها تصورات عن أن الحافة سوف تنهار وسوف نسقط كلنا إلى قاع الوادي والسيارة فوقنا.

كان أبي يعلم أنها كانت تواجه وقتًا صعبًا، ولهذا كان يبقي نفسه بالقرب من السيارة. لكن عندها كانت أمي تقول: “يا بوب، الولدان، الولدان!” فيركض أبي نحونا ليتأكد من أننا بخير. عند هذه النقطة كانت أمي تشعر بالغثيان وتناديه مرة أخرى. بالاختصار، لا أعتقد أن والدي قد شاهد الكثير من جراند كانيون في ذلك اليوم؛ فقد كان منشغلًا جدًا بالركض ذهابًا وإيابًا، ليتأكد من أن الجميع يمرحون طبقًا لخطته. كنا جميعنا في نفس المكان في نفس اللحظة، نتفاعل مع نفس الظاهرة الطبيعية، لكن كلًا منا كان يختبر اختبارًا مختلفًا تمامًا.

أحكي هذه القصة لأنها تصل إلى قلب ما تتعلق به الخدمة الشخصية. فالخدمة الشخصية الفعالة تأخذ وعد الملكوت الذي هو التغيير الذي يدوم إلى المكان الذي يحتاجه – وهو القلب. في قصة إجازتي، تكشف قلب كل فرد من عائلتنا في سلوكنا في ذلك اليوم. لماذا اختبر كل منا يومًا مختلفًا هكذا في حين أننا كلنا كنا في نفس الموقع في نفس الوقت؟ لماذا تصرف كل منا بشكل مختلف؟ ترجع الإجابة إلى قلوبنا.

كان قلب والدي ممتلئًا بالرغبة في أن تقضي عائلته وقتًا رائعًا. كانت هذه الرغبة تتحكم في كل ما قاله وفعله. كان قلب أمي يستولي عليه خوف قوي من الارتفاعات ومن قلقها على ولديها، وانعكس هذا في كلماتها وأفعالها. تعاملنا أنا ومارك مع المشهد بعدم الخوف وعدم الانهزام وعدم النضج الذي يميز الصبيان المراهقين. كنا نريد أن نمرح فقط. جاء كل منا بقلب مختلف إلى الموقف ولهذا اختلفت خبراتنا وأفعالنا. لقد وجهت قلوبنا سلوكنا.

لماذا يفعل الناس الأشياء التي يفعلونها؟

إذا أردت أن تكون جزءً مما يفعله الله في حياة الآخرين، فيجب أن تفهم كيف صمم الله وظائف البشر. لماذا يفعل الناس الأشياء التي يفعلونها؟

لماذا يمكن أن يكون طفلك الصغير معارضًا هكذا؟ لماذا تضايق صديقك في وسط الحديث؟ لماذا يغضب ابنك المراهق بهذا القدر؟ لماذا تُبتلع إيمي من الاكتئاب واليأس؟ ما الذي يجعل أي رجل يخاطر بأسرته في مقابل عشرين دقيقة من اللذة الجنسية؟ لماذا تشعر بالغضب في المرور؟ لماذا أصبح الزوجان اللذان كانا في غاية الرومانسية طرفين في عراك يشبه حرب العصابات؟ لماذا ينقاد بيل في مهنته؟ لماذا تتسم سالي بالانتقاد والتسلط بدرجة كبيرة؟ لماذا يتكلم جورج بكل هذا العنف والخشونة؟ لماذا تخاف ابنتك مما يظنه أصدقاؤها عنها؟ لماذا يرفض بيتر الحديث؟ لماذا يفعل الناس الأشياء التي يفعلونها؟ أبسط إجابة وأكثرها ارتباطًا بالكتاب المقدّس هي القلب.

بالرغم من أن القلب هو أحد أبرز الأفكار في الكتاب المقدّس، إلا أن هناك الكثير من التشويش بخصوص هذا المصطلح. في الثقافة الغربية، يتم ربط هذا المصطلح بمجالات الرومانسية (عيد الحب) والرياضات (“إنه يلعب بقلبه”). لكن في الكتاب المقدّس، يعتبر القلب قسمًا أساسيًا. لا يمكنك أن تفهم البشر بدون أن تفهم القلب. إذًا، ما الذي يصفه هذا المصطلح؟

يستخدم الكتاب المقدّس “القلب” ليصف الشخص الداخلي. تقسم الكلمة المقدّسة الإنسان إلى قسمين، الكيان الداخلي والكيان الخارجي. الشخص الخارجي هو ذاتك الجسدية؛ والشخص الداخلي هو ذاتك الروحية (أفسس 3: 16). والمرادف الذي يستخدمه الكتاب المقدس في أغلب الأحيان للكيان الداخلي هو القلب. فهو يشمل كل المصطلحات والوظائف الأخرى المستخدمة لوصف الشخص الداخلي (الروح، النفس، الفكر، المشاعر، الإرادة، إلخ). وهذه المصطلحات الأخرى لا تصف شيئًا مختلفًا عن القلب.

إن القلب هو ذاتك “الحقيقية”. إنه الجوهر الأساسي لهويتك. وبالرغم من أننا نهتم اهتمامًا هائلًا بالشخص الخارجي، إلا أننا ندرك جميعنا أن الشخص الحقيقي هو الشخص الذي بالداخل. على سبيل المثال، عندما تقول إنك تتعرف على شخص ما، فإنك لا تقول إنك تكتسب معرفة أعمق بأذنيه أو أنفه! بل إنك تتحدث عن الشخص الداخلي، عن القلب. إنك تعرف كيف يفكر هذا الشخص، وماذا يريد، وما الذي يسعده أو يحزنه، يمكنك أن تتنبأ بما يشعر به في أية لحظة معينة. وبما أن الكتاب المقدّس يقول إن قلبك هو ذاتك الأساسية، فيجب على أية خدمة للتغيير أن تستهدف القلب. ويأتي تفسير وجهة النظر هذه في عدة أجزاء من الكتاب المقدّس.

الثمار والجذور والقلب

توجد واحدة من أهم الصور الموجودة في العهد الجديد وهي تكشف وجهة نظر المسيح في كيفية قيام الناس بوظائفهم. إنها إجابة المسيح على السؤال القديم قدم الزمن: “لماذا يفعل الناس الأشياء التي يفعلونها؟”

لأَنَّهُ مَا مِنْ شَجَرَةٍ جَيِّدَةٍ تُثْمِرُ ثَمَرًا رَدِيًّا وَلاَ شَجَرَةٍ رَدِيَّةٍ تُثْمِرُ ثَمَرًا جَيِّدًا.لأَنَّ كُلَّ شَجَرَةٍ تُعْرَفُ مِنْ ثَمَرِهَا. فَإِنَّهُمْ لاَ يَجْتَنُونَ مِنَ الشَّوْكِ تِينًا وَلاَ يَقْطِفُونَ مِنَ الْعُلَّيْقِ عِنَبًا.اَلإِنْسَانُ الصَّالِحُ مِنْ كَنْزِ قَلْبِهِ الصَّالِحِ يُخْرِجُ الصَّلاَحَ وَالإِنْسَانُ الشِّرِّيرُ مِنْ كَنْزِ قَلْبِهِ الشِّرِّيرِ يُخْرِجُ الشَّرَّ. فَإِنَّهُ مِنْ فَضْلَةِ الْقَلْبِ يَتَكَلَّمُ فَمُهُ. (لوقا 6: 43-45)

استخدم المسيح الأمور الجسدية الطبيعية لكي يشرح الحقائق غير المألوفة. وهو هنا يشبّه الطريقة التي يقوم بها الناس بوظائفهم بالشجرة. إذا زرعت بذار تفاح وامتدت جذورها في الأرض، فإنك لا تتوقع أن ترى خوخًا أو برتقالًا ينمو. بل إنك تتوقع أن تصير بذار التفاح أشجار تفاح تنتج تفاحًا. هناك علاقة عضوية بين جذور النبات والثمار التي ينتجها. يقول المسيح إن الشيء ذاته ينطبق على الناس.

في تشبيه المسيح، تعادل الثمار السلوك. والثمرة (السلوك) المحددة التي يناقشها هذا الجزء الكتابي هي كلماتنا. يقول المسيح إن كلماتنا هي ما تفيض به قلوبنا حرفيًا. لا يجعلنا الناس والمواقف نقول ما نقوله، وإن كنا نميل إلى إلقاء اللوم عليهم. (“لقد أغضبني كثيرًا!” “لو كنت هناك، كنت ستقول نفس الشيء!” “هؤلاء الأطفال يفقدونني صوابي!”) لكن هذا الجزء الكتابي يقول إن قلوبنا تتحكم في كلماتنا. فالشجرة تنتج الثمار، وقلوبنا تنتج السلوك. ونحن نعرف الشجرة من الثمار التي تنتجها، وبنفس الطريقة يقول الكتاب المقدّس إن الناس يُعرفون من ثمارهم.

في أيامي الأولى كراعٍ كنا نعيش في منزل مزدوج، وكانت صاحبة البيت المسنة تسكن في الجانب الآخر من المنزل. وفي سبيل تخفيض الإيجار، وافقت على أن أقوم بكل أعمال الفناء. لكن في مشغولية حياة الخدمة والحياة الأسرية، كان يصعب عليّ أحيانًا أن أجد الوقت لري العشب أو جرفه أو تجميعه، لكنني حاولت أن أكون سريعًا وأمينًا. لكن مهما حاولت أن أكون منضبطًا، لم يكن عملي في وقته المناسب بالدرجة الكافية بالنسبة لصاحبة البيت. ولكي تجعلني أعمل بأكثر اجتهاد طبقًا لجدولها، كانت تخرج وتبدأ في الحفر أو التجميع، وهي تعرف تمامًا أنني سوف أهرع للخارج وأكمل المهمة. لم أكن أعي كم أصبحت منزعجًا من تحايلها إلى أن سمعت في عصر أحد الأيام حفيف أوراق الشجر بالخارج. نظرت من النافذة ورأيت صاحبة المنزل، في ثياب المنزل والشبشب، تحاول تجميع الأوراق. وفي غضبي، وضعت يدي على وسطي وقلت بصوت عالٍ: “إن كانت تظن إنني سوف أسرع إلى الخارج وأقوم بهذا العمل نيابة عنها، فهي مجنونة! سوف أجمع الأوراق في الوقت الذي أريده أو لن أجمعها على الإطلاق!”

ما لم أدركه هو أن أحد أولادي كان يقف بجانبي. وفي لحظة قصيرة، ارتعبت إذ رأيته في الفناء الأمامي، واضعًا يديه على وسطه، ويصرخ في صاحبة المنزل قائلًا: “أبي يقول إنك إذا كنت تظنين أنه سوف يسرع إلى الخارج ويقوم بهذا العمل نيابة عنك، فأنت مجنونة!” لم أستطع أن أصدق هذا. شعرت بالخزي. أردت التراجع عن كلماتي وأسرع خارجًا لأقول لتلك السيدة إنني لم أقل مثل هذا الكلام – أو على الأقل أن ابني أساء فهم ما قلته. لكن كان لابد أن أواجه حقيقة أن الكلمات قد خرجت مني، وأنني قد قلت ما كنت أعنيه، وأن هذه الكلمات كانت ثمار الغضب الذي كنت أحمله لفترة من الزمن. كان هناك ارتباطًا أساسيًا بين كلماتي وقلبي. لا يمكنك أن تعالج مشكلات قلبي بإزاحة ابني أو بأن تعلّمني أن أكون أكثر حكمة في كلماتي (مع أنك قد توفر عليّ الكثير من الحرج!). فقد كانت المشكلة في كلماتي هي أنها مرتبطة بشكل مباشر بمشكلة قلبي، وهو الموضع الذي يحتاج إلى حل شامل. وهذا يقودنا إلى النصف الثاني من مثال المسيح التوضيحي.

في مثال المسيح، تعادل جذور الشجرة القلب. فهي تحت الأرض وبالتالي لا يمكن رؤيتها أو فهمها بسهولة. لكن ما كان يسوع يريد أن يوصله هو أن الشجرة تنتج نوعية الثمار التي تنتجها بسبب نوعية الجذور التي لها: إننا نتكلّم ونتصرف بالطريقة التي نتكلّم ونتصرف بها بسبب ما في قلوبنا.

قد لا يكون هناك ما هو أهم من هذا لنقوله عن الكيفية التي يحيا بها الناس، ومع ذلك يبدو أنه يصعب على بعضنا قبوله. إننا ننكر بطرق كثيرة هذا الارتباط ونلوم الناس والظروف على أفعالنا وكلماتنا. هنا يدعونا المسيح إلى أن نقبل باتضاع مسئوليتنا عن سلوكنا. إنه يدعونا أن نقر باتضاع بأن العلاقات والظروف هي مجرد المناسبات التي تعلن فيها قلوبنا عن نفسها.

إذا كان قلبي هو مصدر مشكلة خطيتي، فلابد أن يمر التغيير الذي يدوم على قلبي دائمًا. لا يكفي أن أبدل سلوكي أو أغير ظروفي. إن المسيح يغير الناس من خلال تغيير قلوبهم تغييرًا جذريًا. إذا لم يتغير القلب، فقد تتغير كلمات الشخص وسلوكه بصورة مؤقتة بسبب ضغط أو دافع خارجي. لكن عندما يزول الضغط أو الدافع، سوف يختفي التغيير.

هذه هي الحقيقة الروحية التي اتهم المسيح الفريسيين بإغفالها في متى 23: 25-26: “وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ لأَنَّكُمْ تُنَقُّونَ خَارِجَ الْكَأْسِ وَالصَّحْفَةِ وَهُمَا مِنْ دَاخِلٍ مَمْلُوآنِ اخْتِطَافًا وَدَعَارَةً!أَيُّهَا الْفَرِّيسِيُّ الأَعْمَى نَقِّ أَوَّلًا دَاخِلَ الْكَأْسِ وَالصَّحْفَةِ لِكَيْ يَكُونَ خَارِجُهُمَا أَيْضًا نَقِيًّا.”

نظر المسيح إلى اهتمام الفريسيين بالأمور الخارجية وقال: “إنكم لا تفهمون الأمر. فأنتم تتباهون بسلوككم الصحيح، ومع هذا فإن قلبكم في فوضى! ابدأوا بقلبكم وسوف يتبعه سلوككم الصحيح.” ولكي يوضح المسيح فكرته، وصل بمثاله التوضيحي إلى أقصاه. فقال “نظفوا داخل الإناء وسوف يصير الخارج نظيفًا أيضًا.” في الواقع لا يمكنك أن تفعل هذا في الأواني الموجودة لديك في البيت – فغسيل الداخل المتسخ لن ينظف تلقائيًا الخارج. ومع ذلك فإن هذا هو ما ينصح به المسيح؛ هذا هو مقدار قوة القلب. هل نؤمن حقًا بما يعلّمه لنا المسيح هنا؟

إن الكثير من محاولاتنا لتغيير سلوكنا تتجاهل القلب الذي يقف وراء الأفعال. فنصدر التهديدات (“إنك لا لا يمكن أن تتصور ما سأفعله إذا فعلت هذا مرة أخرى!”)، ونتحايل (“هل تريد سيارة خاصة بك؟ كل ما عليك أن تفعله هو …”)، ونزرع الذنب (“إنني أفعل وأفعل من أجلك وهذه هي الطريقة التي تقول لي بها شكرًا؟”)، ونرفع أصواتنا، ونفعل أشياء أخرى كثيرة لكي نغير السلوك، لكن التغيير لا يدوم أبدًا. ففي اللحظة التي ينحسر فيها الضغط، يعود السلوك إلى ما كان عليه قبلًا. فالجسد دائمًا ما يذهب إلى المكان الذي يقوده إليه القلب.

الخدمة الشخصية وتدبيس الثمار

تساعدنا الصورة التي عبر عنها المسيح على تحديد اتجاه الخدمة الشخصية، إذ يمكننا أن نرى متى نمتد ونطبق ذلك. لنفترض أن لديّ شجرة تفاح في فنائي الخلفي. في كل عام، تظهر ثمارها جافة ومتغضنة وبنية وسميكة. وبعد عدة مواسم تقول لي زوجتي: “ليس منطقيًا أن تكون لدينا هذه الشجرة الضخمة ولا نستطيع أن نأكل منها أي تفاح على الإطلاق. ألا يمكنك أن تفعل شيئًا؟” وفي أحد الأيام تنظر زوجتي من النافذة وتراني في الفناء، حاملًا قاطع أغصان، ودباسة صناعية، وسلمًا، وشجيرتي تفاح.

أتسلق السلم، وأقطع كل التفاحات السميكة، وأدبس تفاحات حمراء لامعة على كل غصن من الشجرة. تبدو الشجرة من بعيد وكأنها مليئة بالحصاد الجميل. لكن إذا كنت مكان زوجتي، فما الذي سوف تفكر فيه في تلك اللحظة؟

إذا كانت هناك شجرة تنتج تفاحًا رديئًا عامًا بعد الآخر، فهناك شيء خطأ بصورة جذرية في نظامها، حتى إلى جذورها. لن أحل المشكلة بتدبيس التفاحات الجيدة على الأغصان. فهي أيضًا سوف تفسد لأنها ليست متصلة بنظام جذور يمنح الحياة. وفي الربيع التالي، سوف يكون لدي نفس المشكلة مرة أخرى. لن أرى محصولًا جديدًا من التفاحات السليمة لأن الحل الذي اتبعته لم يصل إلى قلب المشكلة. إذا ظلت جذور الشجرة بدون تغيير، فلن تنتج أبدًا تفاحًا جيدًا.

الفكرة هي أن الكثير مما نفعله في الخدمة الشخصية لكي ينتج النمو والتغيير في أنفسنا وفي الآخرين لا يزيد كثيرًا عن كونه “تدبيس ثمار”. فهو يحاول أن يستبدل التفاح بالتفاح بدون فحص القلب، أو الجذر الذي وراء السلوك. هذا هو نفسه الشيء الذي انتقد فيه المسيح الفريسيين. إن التغيير الذي يتجاهل القلب نادرًا ما يغير الحياة. قد يبدو لفترة ما مثل الشيء الحقيقي، لكن سينكشف أنه مؤقت وتجميلي.

يحدث هذا غالبًا في الخدمة الشخصية. فهي تبدو من بعيد وكأن الشخص قد تغير فعليًا. وعندما يُساءَل الشخص يفعل ويقول أشياء مختلفة. يبدو الزوج لطيفًا ومنتبهًا لزوجته. ويبدو المراهق أنه يعامل والديه باحترام جديد. ينهض الشخص المكتئب ويخرج من المنزل. تبدو العلاقة المقطوعة أنها قد عادت من جديد. لكن التغييرات لا تدوم وفي ظرف ستة أسابيع أو ستة أشهر، يعود الشخص إلى الموضع الذي بدأ منه. لماذا؟ لأن التغيير لم يخترق القلب، ولهذا كان مصير التغييرات السلوكية هو أن تكون مؤقتة.

هذا هو ما يحدث للمراهق الذي يجتاز سنوات المراهقة بسلام في ظل المحبة الراعية، والتوجيهات والإشراف من أبوين مسيحيين مؤمنين، ثم يذهب إلى الجامعة ويهمل إيمانه تمامًا. أعتقد أنه في معظم الحالات لم يهمل إيمانه. في الواقع، كان إيمانه هو إيمان والديه؛ فقد كان ببساطة يعيش داخل حدوده بينما كان لايزال في البيت. لكن عندما ابتعد للدراسة وأزيلت هذه القيود، انكشف قلبه الحقيقي. فهو لم يُدخل هذا الإيمان إلى داخله. لم يعهد بنفسه للمسيح بطريقة مغيرة للحياة. لقد كان يفعل الأشياء “المسيحية” التي كان مطلوبًا منه أن يفعلها في البيت، لكن أفعاله لم تكن نابعة من قلب العبادة. وفي بيئة الجامعة، لم يكن لديه مرساة يثبت نفسه فيها، وقادته أفكار قلبه ودوافعه الحقيقية بعيدًا عن الله. لم تكن الجامعة هي سبب مشكلته. بل كانت فقط المكان الذي انكشف فيه قلبه الحقيقي؟ ونتيجة لهذا، لم تكن كلماته واختياراته وأفعاله تعلن قلبًا ينتمي لله. لقد دام السلوك الحسن لفترة ما، لكن اتضح أنه مؤقت لأنه لم يكن متأصلًا في القلب.

يقدم مثال المسيح ثلاثة مبادئ تقود مجهوداتنا للخدمة كأدوات الله للتغيير في حياة الآخرين.

  • يوجد رابط لا يمكن إنكاره بين قلبنا وسلوكنا يشبه الرابط بين الجذر والثمار. لا يتحدد سلوكنا نتيجة الناس والمواقف؛ بل أنهم فقط يمثلون المناسبة التي يستعلن فيها سلوكنا قلوبنا.
  • دائمًا ما يحدث التغيير الذي يدوم من خلال ممر القلب. فإن تغيير الثمار هو نتيجة لتغيير الجذور. وبالمثل، ففي متى 23 يقول المسيح، نَقِّ أَوَّلًا دَاخِلَ الْكَأْسِ وَالصَّحْفَةِ لِكَيْ يَكُونَ خَارِجُهُمَا أَيْضًا نَقِيًّا.” يجب أن يركز أي برنامج أهدافه للتغيير على أفكار القلب ورغباته.
  • ولهذا، فإن القلب هو هدفنا في النمو الشخصي والخدمة الشخصية. وصلاتنا هي أن يجري الله تغيير القلب فينا ويستخدمنا لننتج تغييرًا قلبيًا في الآخرين، يؤدي إلى كلمات واختيارات وأفعال جديدة.

قلب المسألة

بالرغم من أن الكتاب المقدّس لديه الكثير ليقوله عن القلب، إلا أن القليل من الكتب المسيحية عن الزواج والأسرة، أو التواصل، أو حل الخلافات، أو حتى الانضباط تركز عليه. نادرًا ما تظهر هذه الكتب العملية فهمًا لمركزية القلب وكيفية عمله. لا يمكننا أن نفترض أن الناس يفهموننا عندما نتحدث عن هذه الأمور. بل إننا بحاجة إلى أن نطور بعض الأفكار بصورة أكبر.

يوجد جزء كتابي شيق في العهد القديم يمكنه أن يساعدنا في فعل هذا.

فَجَاءَ إِلَيَّ رِجَالٌ مِنْ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ وَجَلَسُوا أَمَامِي.فَصَارَتْ إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ:”يَا ابْنَ آدَمَ, هَؤُلاَءِ الرِّجَالُ قَدْ أَصْعَدُوا أَصْنَامَهُمْ إلى قُلُوبِهِمْ، وَوَضَعُوا مَعْثَرَةَ إِثْمِهِمْ تِلْقَاءَ أَوْجُهِهِمْ. فَهَلْ أُسْأَلُ مِنْهُمْ سُؤَالًا؟لأَجْلِ ذَلِكَ كَلِّمْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ: ‘هَكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الَّذِي يُصْعِدُ أَصْنَامَهُ إلى قَلْبِهِ، وَيَضَعُ مَعْثَرَةَ إِثْمِهِ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، ثُمَّ يَأْتِي إلى النَّبِيِّ، فَإِنِّي أَنَا الرَّبُّ أُجِيبُهُ حَسَبَ كَثْرَةِ أَصْنَامِهِلِكَيْ آخُذَ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ بِقُلُوبِهِمْ، لأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ قَدِ ارْتَدُّوا عَنِّي بِأَصْنَامِهِمْ.” (حزقيال 14: 1-5)

جاء شيوخ إسرائيل إلى حزقيال النبي بأسئلة يريدون أن يطرحوها على الله. يبدو هذا وكأن هؤلاء الشيوخ الروحانيين يفعلون الصواب. لكن الله يدرك أنه يوجد شيء خطأ فيهم. ما هو؟

يكشف الله عبادتهم للأصنام، وهي عبادة أصنام من نوع محدد. إن لديهم أصنامًا في قلوبهم، وهو شكل شخصي وجوهري من عبادة الأصنام أكثر من عبادة الأصنام الدينية أو الثقافية الطقسية. إن صنم القلب هو أي شيء يسود عليّ غير الله. فالبشر، بوصفهم كائنات عابدة، يعبدون دائمًا شخصًا ما أو شيئًا ما. ليس هذا موقفًا يكون فيه البعض يعبدون والبعض لا يعبدون. إذا لم يكن الله هو الذي يسود على قلبي، فسيكون هناك شخص ما أو شيء ما آخر يسود عليه. هذه هي طبيعتنا التي خُلقنا عليها.

ويعتبر رومية 1 مفيدًا في هذه النقطة. ربما يكون هذا الجزء هو أفضل تحليل في الكتاب المقدّس لطبيعة الخطية وآثارها. يقدم الرسول بولس جوهر صراعنا على أنه “مبادلة عظيمة”.

لأَنَّهُمْ لَمَّا عَرَفُوا اللهَ لَمْ يُمَجِّدُوهُ أَوْ يَشْكُرُوهُ كَإِلَهٍ بَلْ حَمِقُوا فِي أَفْكَارِهِمْ وَأَظْلَمَ قَلْبُهُمُ الْغَبِيُّ.وَبَيْنَمَا هُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ حُكَمَاءُ صَارُوا جُهَلاَءَوَأَبْدَلُوا مَجْدَ اللهِ الَّذِي لاَ يَفْنَى بِشِبْهِ صُورَةِ الإِنْسَانِ الَّذِي يَفْنَى وَالطُّيُورِ وَالدَّوَابِّ وَالزَّحَّافَاتِ.لِذَلِكَ أَسْلَمَهُمُ اللهُ أَيْضًا فِي شَهَوَاتِ قُلُوبِهِمْ إلى النَّجَاسَةِ لإِهَانَةِ أَجْسَادِهِمْ بَيْنَ ذَوَاتِهِمِ.الَّذِينَ اسْتَبْدَلُوا حَقَّ اللهِ بِالْكَذِبِ وَاتَّقَوْا وَعَبَدُوا الْمَخْلُوقَ دُونَ الْخَالِقِ الَّذِي هُوَ مُبَارَكٌ إلى الأَبَدِ. آمِينَ. (رومية 1: 21-25)

إن الخطية في الأساس هي عبادة أصنام. فإنني ارتكب أخطاء لأن قلبي يرغب في شيء ما أكثر من الرب. وتنتج الخطية ميلًا نحو عبادة الأصنام فينا كلنا. فنبتعد كلنا عن عبادة الخالق وخدمته ونتجه إلى عبادة المخلوق وخدمته. هذه هي الحرب الروحية العظيمة الكامنة تحت كل معركة للسلوك – حرب للفوز بالسيطرة على القلب. توجد ترنيمة قديمة تصور هذا الصراع جيدًا. إنها ترنيمة تعال يا نبع كل البركات. ويقول العدد الثالث فيها:

يا لدَيْني الكبير نحو النعمة كل يوم،

ليت قيود النعمة تربط قلبي التائه بك الآن.

يميل قلبي للتيهان يا رب، أشعر به يميل لترك الله الذي أحبه:

ها هو قلبي، خذه واختمه، اختمه لمحضرك في الأعالي.

تعكس هذه الترنيمة حقيقة أن الإنسان لا يستيقظ في صباح أحد الأيام ويقول: “أتعلم؟ لقد سئمت كوني مؤمنًا بوجود الله. أعتقد أنني سوف أصبح ملحدًا.” لا، إن هذه الترنيمة تصور المبادلة العظيمة التي تحدث داخل قلوبنا في اللحظات الروتينية في الحياة. تقودنا الخطية إلى أن نؤمن أن الحياة يمكن أن توجد بعيدًا عن الخالق وهكذا ننسى الخالق، بطرق ماكرة وواضحة، ونؤلِّه الخليقة. ويصير سلوكنا محكومًا، لا بعبادة الرب وخدمته، بل بالرغبة المفترسة لشيء ما في الخليقة. كما قال John Calvin، فإن قلوبنا هي “مصانع أصنام”، وتتشكل كلماتنا وأفعالنا بفعل سعينا وراء الأشياء التي يشتهيها قلبنا.

ومما يزيد الأمر سوءً هو أن عبادة الأصنام هذه مخفية. إنها خادعة؛ فهي موجودة تحت الأرض. يمكننا أن نجري هذه المبادلة العظيمة بدون أن نتخلى عن لاهوتنا الذي نعترف به بأفواهنا أو حتى مراعاتنا لواجبات الإيمان الخارجية. لذا فإننا نتمسك بمعتقداتنا، ونظل أمناء في حضور الكنيسة، ونشترك بين الحين والآخر في نشاط الخدمة. ومع هذا فعلى مستوى ما نحيا لأجله حقًا، فإننا قد تخلينا عن الله لحساب شيء آخر. هذا هو السرطان الصامت الذي يضعف الكنيسة، ويسلب الأفراد حيويتهم الروحية، ويؤدي إلى كل أنواع المصاعب في العلاقات والمواقف.

إن الخطية في جوهرها هي سرقة أدبية. فهي تسرق العبادة التي تحق لله وتعطيها لشخص أو لشيء آخر. إنها تسلب الثالوث لكي تشتري الخليقة. وهكذا فإن كل خاطئ هو بطريقة ما لص عبادة.

كما أن الخطية في مركزها أيضًا هي عبادة أصنام روحية. فهي تأخذ المحبة التي تحق لله وحده وتعطيها لشخص أو شيء آخر. إنها حياة تتشكل بفعل إشباع الرغبات بدلًا من أن تتشكل بفعل الالتزام والأمانة القلبيين. وهكذا فإن كل خاطئ هو بطريقة ما زانٍ روحيًا.

إن أعمق قضايا الحياة هي قضايا العبادة. فالعبادة أمر جوهري بالنسبة لطبيعتنا الأساسية أكثر من آلام أو ضغوط أو ملذات خبراتنا. فإن ما نعبده يحدد ردود أفعالنا تجاه كل خبراتنا. والخطية أكثر بكثير من مجرد فعل الخطأ. إذ تشتمل دائمًا الخطية بطريقة ما على المبادلة العظيمة

جواب الله

يقدم الجزء الوارد في حزقيال بعد هذا جواب الله على الشيوخ. بما أن هؤلاء الرجال كان لديهم أصنام في قلوبهم، يقول الله إنه سوف يجيبهم “حسب كثرة أصنامهم”. ما معنى هذا؟ يقول الله: “بما أن لكم أصنام في قلوبكم، فإن الشيء الوحيد الذي أريد أن أتحدث عنه هو عبادتكم للأصنام”. لماذا؟ ربما كان لدى هؤلاء الرجال أشياء مهمة يسألون الله عليها. ربما كانت أمامهم قرارات ملحة يجب اتخاذها. لماذا يرفض الله أن يتحدث معهم عن أي شيء سوى الأصنام؟

توجد عبارة حاسمة تفسر جواب الله وتكشف الكثير عن الكيفية التي يعمل بها القلب: “هَؤُلاَءِ الرِّجَالُ قَدْ أَصْعَدُوا أَصْنَامَهُمْ إلى قُلُوبِهِمْ، وَوَضَعُوا مَعْثَرَةَ إِثْمِهِمْ تِلْقَاءَ أَوْجُهِهِمْ.” (حزقيال 14: 3).

تخيل أن يضع أحدًا يده أمام وجهه وينظر من خلال أصابعه. ما الذي سيحدث لبصره؟  سوف يعاق بصورة خطيرة، والطريقة الوحيدة لتصحيحه هو إزالة يده. وبطريقة مشابهة فإن الصنم الذي في القلب ينشئ حجر عثرة أمام الوجه. وما لم يُزال الصنم، سوف يشوه ويعتم كل شيء آخر في حياة الشخص. هذا هو مبدأ التأثير المحتوم: أيًا كان الشيء الذي يحكم القلب، فسوف يمارس تأثيرًا محتومًا على حياة الشخص وسلوكه. وهذا المبدأ له دلالات في النمو الشخصي والخدمة الشخصية.

قدمت ذات مرة المشورة لمدير تنفيذي ناجح من مدينة نيويورك. كان أكثر شخص مسيطر رأيته في حياتي. كان متزوجًا منذ ثلاثين عامًا ويدير كل القرارات المالية والأبوية والديكورية في العائلة. كان مهووسًا للغاية بالسيطرة لدرجة أنه يمكن أن يعيد ترتيب خزانة ملابس زوجته تبعًا لخطته المحددة (البلوزات والتنورات والبنطلونات والفساتين بحسب تدرج ألوانها)! والآن تخيل لو أنني لم أكن أعلم كل هذا عندما تحدثت مع زوجته. كانت ميوله المسيطرة ستكون غائبة عن ذهني وأنا أستمع إلى شكواها من أنها هي وزوجها لا يتحدثان أبدًا وأن الكثير من الخلافات متروكة بدون حل. ما الذي كان سيحدث لو شمرت عن ذراعي المشير وأعطيت الزوج توجيهات كتابية جيدة حول التواصل وحل الخلافات؟ هل كان هذا سيؤدي إلى التغييرات الأساسية في زواجه؟ الإجابة هي لا، لأنه كان سيستخدم فهمه الجديد ومهاراته الجديدة لكي يحصل على ما يعبده قلبه. ونظرًا لأن مشورتي كانت لن تتعامل مع خطايا قلب ذلك الرجل، فقد كانت ستنتج فقط شخصًا مسيطرًا أكثر نجاحًا. طالما كانت الرغبة في السيادة تحكم قلبه، فسوف يستخدم أية مبادئ ومهارات تعلمها لكي يفرض سيطرة أكبر على عائلته.

إذا فشلنا في فحص القلب والمناطق الذي يحتاج فيها إلى التغيير، فسوف لا تؤدي مجهودات خدمتنا سوى إلى عبدة أصنام أكثر تكريسًا وأكثر نجاحًا. وهذا هو السبب الذي يجعل الله لا يجيب على شيوخ إسرائيل إلا بحسب أصنام قلوبهم. فإنهم إذا لم يتغيروا في هذه المنطقة، فأيًا كان ما يقوله الله لهم فلن يستخدم إلا في خدمة الأصنام التي تحكم قلوبهم. بل إننا سوف نستخدم حتى مبادئ كلمة الله لخدمة أصنامنا!

وبما أن عبادة الأصنام تعمل في الظلال الماكرة لأفكار القلب ودوافعه، فإن معظم عبدة الأصنام الملتزمين ليست لديهم فكرة عن أن هذه هي مشكلتهم. لكن مع هذا يظل التأثير قويًا كما هو.

عبادة الأصنام الخفية والصريحة

سافرت إلى الهند الشمالية عدة مرات. تعتبر هذه المنطقة من أظلم الأماكن روحيًا على وجه الأرض. فإن عبادة الأصنام تتغلغل في كل جوانب الحياة الفردية والثقافية. إذا وقفت في أي مكان تقريبًا في الهند الشمالية سوف يمكنك أن ترى مذبحًا لواحد من آلهة الهندوسية الكثيرة. في أحد الأيام وقفت في معبد وشاهدت كاهنًا شابًا يطعم صنمًا ويحممه ويكسوه. وشاهدت زميله يسجد منبطحًا على الأرض أمام تمثال من الخشب والذهب. تأثرت كثيرًا بإخلاصهما وتكريسهما. لقد كانت هذه التماثيل الجامدة تتحكم في كل لحظة واعية من حياة الكاهنين الشابين، مع أن هذه التماثيل لم تكن لها القدرة على أن تنظر أو تتكلم أوتتصرف بأية طريقة نافعة لمن يعبدوها. شاهدت حشودًا من الحجاج الفقراء يستحمون في نهر الجانج بعد رحلات طويلة ومرهقة، حتى تتطهر أرواحهم وتُجاب صلواتهم.

في أحد الأيام دخلت إلى معبد وشاهدت شخصًا بعد الآخر يقدمون الإجلال لعامود من الحجر الأسود طوله حوالي خمسة أمتار. قلت لنفسي، لابد أن هؤلاء الناس في غاية العمى والانخداع! لابد أن هذا الأمر مقزز للغاية في عيني الله الحي الحقيقي! ثم ركضت فعليًا خارجًا من المعبد، وقد سادت عليّ الظلمة، وأنا أقول لنفسي، إنني سعيد بأنني لست مثل هؤلاء الناس! لكن إذ نظرت للخلف إلى المعبد، أخجلتني فكرة أنني حقًا مثلهم. فإن أصنامي ليست هي الأصنام الصريحة التي في الهندوسية متعددة الآلهة؛ بل أنها أصنام قلبي الخفية. لكن في الحالتين، فهي بدائل لله. من وجهة نظر الله، تعتبر أصنامي مقززة تمامًا مثل أي شيء رأيته في ذلك اليوم. إنها تتطلب تكريسي اليومي، وتشكل روتيني اليومي، وتوجه الطريقة التي أتفاعل بها مع الحياة، مع أنها ليست لديها أية قدرة من أي نوع على أن تخلّص. هناك أوقات أكون فيها مخدوعًا وأعمى تمامًا مثل الكاهنين الشابين اللذين لاحظتهما. إن عبادة الأصنام الصريحة تخبرنا الكثير عن الطريقة التي تتحكم بها عبادة الأصنام الخفية في حياتنا.

لا يوجد مكان سوى الكتاب المقدّس يمكنك أن تستمد منه هذه النظرة عن الدوافع البشرية. فالكتاب المقدّس وحده هو الذي يعلن أن البشر عابدون بطبيعتهم وأن كل ما نقوله ونفعله يتشكل بالعبادة. وكلمة الله وحدها هي التي تصر على أننا دائمًا نخدم الله أو نخدم شكلًا ما من الخليقة، وأيًا كان الشيء الذي يحكم قلوبنا، فسوف يمارس تأثيرًا محتومًا على حياتنا وسلوكنا.

يمكن لأصنام القلب أن تُفسد حتى أكثر لحظاتنا تعبدًا. على سبيل المثال، تعتبر الصلاة هي أكثر فعل موجه إلى الله نقوم به، لكنها هي أيضًا يمكن أن تتشوه بفعل القلب العابد للأصنام. هل تدربت من قبل على تلاوة صلاة قبل أن تصليها علانية؟ (هكذا، “أبانا السماوي الغالي … لا، لا … أيها الآب السماوي السيد والمحب … لا … يا أبانا، إننا …”). لماذا نفعل هذا؟ هل نحاول أن نصوغ الأمر بالطريقة الصحيحة بالنسبة للرب؟ لا يصلح هذا لأنه يسمعنا ونحن نتدرب! أليس هذا في حقيقته محاولة لاستخدام الصلاة العلنية لكسب احترام من هم حولنا؟ فبما أن قلوبنا تستولي عليها الرغبة في الاستحسان البشري، يمكننا إذًا أن نستخدم فعل العبادة لكي نجلب المجد لأنفسنا!

هذا هو ما يجعل مبدأ الجزء الكتابي الوارد في سفر حزقيال مهمًا للغاية، ويجعل ما تركز عليه نعمة الله المغيرة هو تغيير القلب. إن معركتنا الروحية هي حرب للفوز بالقلب. عندما يفوز الناس بهذه الحرب، يتصرفون بطريقة ترضي خالقهم. لن يشبع الله أبدًا بفتات المظاهر الخارجية. فهو يقاوم هذا في إشعياء: “لأَنَّ هَذَا الشَّعْبَ قَدِ اقْتَرَبَ إِلَيَّ بِفَمِهِ وَأَكْرَمَنِي بِشَفَتَيْهِ وَأَمَّا قَلْبُهُ فَأَبْعَدَهُ عَنِّي.” (إشعياء 29: 13).

تطبيق المبدأ

يعتبر سلوكي اليومي هو محاولتي أن أحصل على ما هو مهم بالنسبة لي في المواقف والعلاقات المتنوعة. ودائمًا ما تكشف اختياراتي وأفعالي الرغبات التي تحكم قلبي. فأنا لا آتي فارغًا أبدًا. هذه هي أعمق قضية في الخبرة البشرية والإجابة الرئيسية على السؤال: “لماذا يفعل الناس الأشياء التي يفعلونها؟” وكما يقول يعقوب، فإننا ننساق بعيدًا بسبب شهواتنا (يعقوب 1: 14).

وهذا المبدأ له تطبيقات متعددة بالنسبة للنمو الشخصي والخدمة الشخصية.

  • هناك دائمًا شخص ما أو شيء ما يتحكم في قلوبنا.
  • أهم سؤال تسأله عندما تفحص القلب هو: “ما الذي يحكم قلب هذا الشخص وظيفيًا في هذا الموقف؟”
  • أيًا كان ما يتحكم في قلبي فهو الذي يتحكم في ردود أفعالي تجاه الناس والمواقف.
  • لا يغيرنا الله من خلال تعليمنا فقط أن نفعل أشياء مختلفة، بل باسترداد قلوبنا لتخدمه هو وحده.
  • أعمق قضايا الصراع البشري ليست هي قضايا الألم والمعاناة، بل قضايا العبادة، لأن ما يحكم قلوبنا سوف يتحكم في الطريقة التي نتجاوب بها مع المعاناة ومع البركة أيضًا.

إنها مسألة كنز

تحدث السيد المسيح أيضًا عما يحكم القلب باستخدام تشبيه الكنز، كما نرى في متى 6: 19-24:

لاَ تَكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزًا عَلَى الأَرْضِ حَيْثُ يُفْسِدُ السُّوسُ وَالصَّدَأُ وَحَيْثُ يَنْقُبُ السَّارِقُونَ وَيَسْرِقُونَ.بَلِ اكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزًا فِي السَّمَاءِ حَيْثُ لاَ يُفْسِدُ سُوسٌ وَلاَ صَدَأٌ وَحَيْثُ لاَ يَنْقُبُ سَارِقُونَ وَلاَ يَسْرِقُونَلأَنَّهُ حَيْثُ يَكُونُ كَنْزُكَ هُنَاكَ يَكُونُ قَلْبُكَ أَيْضًا.

سِرَاجُ الْجَسَدِ هُوَ الْعَيْنُ فَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ بَسِيطَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ نَيِّرًاوَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ شِرِّيرَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ مُظْلِمًا فَإِنْ كَانَ النُّورُ الَّذِي فِيكَ ظَلاَمًا فَالظَّلاَمُ كَمْ يَكُونُ!لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْدِمَ سَيِّدَيْنِ لأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يُبْغِضَ الْوَاحِدَ وَيُحِبَّ الآخَرَ أَوْ يُلاَزِمَ الْوَاحِدَ وَيَحْتَقِرَ الآخَرَ. لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَخْدِمُوا اللَّهَ وَالْمَالَ.

هناك ثلاثة مبادئ في هذا الجزء الكتابي تتحدث عما كنا نتأمل فيه.

  • كل إنسان يسعى وراء نوع ما من الكنوز. (هذا هو افتراض التشغيل الذي للمسيح).
  • سوف يتحكم كنزك في قلبك. (“لأنه حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك أيضًا.”)
  • ما يتحكم في قلبك سوف يتحكم في سلوكك. (“لا يقدر أحد أن يخدم سيدين.”)

يوجد نوعان فقط من الكنوز، الأرضية والسماوية، وأيًا كانت الكنوز التي نختارها، فإنها هي التي ستصبح ما يحكمنا. إنها تمارس سيطرتها علينا، لأنه إذا كان هناك شيء ما تعتبره كنزك، فسوف تحيا لكي تحصل عليه وتحافظ عليه وتستمتع به. للأسف، فإننا كثيرًا ما نفشل في رؤية هذا في أنفسنا، مع أننا يمكن أن نراه في الآخرين. أحد أكثر الأمور المأسوية التي يمكن أن تحدث لأي إنسان هي أن يستثمر حياته في السعي وراء الكنز الخطأ.

كانت Luella هي دائمًا ضابط الإطفاء في عائلتنا. ففي كل مرة كنا فيها ننتقل إلى منزل جديد، كانت تقوم بفحص كل مسالك الخروج الممكنة وتضع خطة خروج في حالة حدوث حريق في أجزاء البيت المختلفة. ثم كانت بعد هذا تجمع الأسرة، وتشرح الخطط، وتمتحنا فيها إلى أن تتأكد من أننا قد عرفنا جميعنا ما يجب عمله في الطوارئ.

كان هذا عادة ما يسير حسنًا، باستثناء الوقت الذي حصلت فيه أخيرًا على الجيتار الذي كنت أحلم به. كنت في متجر موسيقي أشتري أوتارًا جديدة ورأيت جيتارًا ذا تسعة أوتار صناعة يدوية.  كان صوته أجمل من أي جيتار سمعته من قبل. وعندما أخبرت أمي عنه على التليفون، وفي لحظة معجزية قالت إنها هي ووالدي سوف يشتريانه لي. كان هذا أبعد من أمنياتي بكثير، لكن في ظرف أسبوع، أصبحت مالكًا لآلتي الحبيبة. وفي كل مساء بعد العشاء، كنت أجلس في غرفة المعيشة وأعزف، غير مصدق أن هذا الجيتار أصبح ملكي.

بعد هذا بوقت قصير، أثارت Luella موضوع سلامة الحريق على مائدة العشاء. والتفتت إليّ وسألتني قائلة: “يا Paul، إذا اندلع حريق كبير على أرضية منزلنا، ما الذي ستفعله؟” وبدون التفكير ولو للحظة، أجبت: “سوف أهرع إلى غرفة المعيشة، وأسحب جيتاري، وأخرجه من المنزل!” ولن أنسى مطلقًا تلك النظرة التي كانت على وجوه عائلتي، أو الصمت الذي استمر لما بدا وكأنه سنة. وأخيرًا سألني أحد أولادي قائلًا: “وماذا عنا يا أبي؟” وتعمق شعوري بالحرج والخزي من النظرة التي كانت على وجه Luella التي سألتني نفس السؤال.

 

لقد أصبح الجيتار الذي في المتجر الموسيقي هو حلمي، وتحول الحلم إلى مشتريات، وتحولت المشتريات إلى كنز رئيسي قادر على إعادة ترتيب أولوياتي بطريقة جوهرية. وهكذا الحال غالبًا. إننا نادرًا ما نقول: “سوف أثبت قلبي على هذا الشيء وأدعه يتحكم في حياتي بالكامل”، لكن هذا بالضبط هو ما يحدث.

 

يصبح الشخص الذي قابلته واستمتعت به قليلًا، هو الشخص الذي لا تستطيع أن تحيا بدون استحسانه. ويصبح العمل الذي توليته لكي تعول أسرتك هو مصدر الهوية والإنجاز الذي لا يمكنك الاستغناء عنه. ويصبح المنزل الذي بنيته ليكون ملجأ وراحة لأسرتك هو هيكل عبادة الممتلكات. ويتحور الانتباه الذي يحق لاحتياجاتك إلى حياة مستغرقة في الذات. لقد أصبحت الخدمة فرصة لطلب القوة والاستحسان أكثر من كونها حياة في خدمة الله. لكن الأشياء التي نضع قلوبنا عليها لا تبقى أبدًا تحت سيطرتنا. بل أنها تستولي علينا وتتحكم فينا وتستعبدنا. وهذا هو خطر الكنز الأرضي.

إن كل إنسان هو عابد، يسعى بنشاط وراء الشيء الذي يحكم قلبه. وتصوغ هذه العبادة كل ما نفعله ونقوله، وتشكل هويتنا، والكيفية التي نحيا بها. ولهذا فإن القلب هو دائمًا هدفنا في الخدمة الشخصية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى