Desiring Godمقالات

هل يمكن لأي شيء أن يعالج صراعنا؟

الآن، يساعدني نموذج مُكوَّن من بضع وعشرين فتاة على مقاومة إغراءات كثيرة تجعلني أميل للتشاؤم. دعوني أشرح لماذا.

لقد شعرت بخيبة أمل من كمِّ الإخفاقات القياديَّة، وانقسامات الكنيسة، والتوتُّرات العرقيَّة وانهيار العلاقات الناجم عن أسباب سياسيَّة أو أيديولوجيَّة أو ثقافيَّة بين الإنجيليِّين الأمريكيِّين على مدار السنوات القليلة الماضية. كنت أود، لو أمكنني، أن أقول إن هذه كلها عبارة عن مبالغات خوارزميَّة إعلاميَّة وحركات مسيحيَّة غير مسؤولة لجذب الانتباه. لكنني رأيت الكثير جدًّا منها من كثب.

إنني أرى الدليل على عدم وحدة المسيحيِّين تقريبًا أينما ألتفت. لقد اختبرت الثلاث كنائس المحبوبة التي أمضيت فيها معظم حياتي في السنوات القليلة الماضية صراعًا داخليًّا كبيرًا ومدمِّرًا. مسيحيُّون متعاونون من الناحية اللاهوتيَّة بدرجة ملحوظة، وقد عبدوا معًا لسنوات، لم يعودوا يتحمَّلون بعضهم بعضًا. علاقات استغرقت سنوات لتترابط أصبحت مُمزَّقة. والجراح الناتجة تترك ندوبًا من عدم الثقة لا يبدو أنها ستلتئم كما حدث من قبل على المستوى العلاقاتي.

ما الذي يجري؟ الكثير. إذ تدخل مشاكل تاريخيَّة واجتماعيَّة وسياسيَّة مُعقَّدة، تتعلَّق بالقيادة والحرب الروحيَّة في حساب هذه التفرقة المسيحيَّة الوبائيَّة. ولا يمكننا تجاهلها. فهي مشاكل حقيقيَّة وتؤثِّر بشكل خطير في حياة أشخاص حقيقيِّين.

ولكن ينبغي أن نكون حريصين. فالمفارقة الساخرة هي أنه في تحليلنا ومناقشاتنا ومجادلاتنا حول المشكلة، قد نفوت أو نتجنَّب المشكلة الأساسيَّة. لأنه عندما يتعلَّق الأمر بتنمية الانسجام المسيحي الذي لا يُقدَّر بثمن، أو تحطيم التنافر المسيحي المدمِّر، فإن أكبر عامل يتسبَّب في هذا، وهو العامل الذي يتناوله العهد الجديد أكثر من أي عامل آخر بما لا يُقاس، هو المحبَّة.

الحل البسيط جوهريًّا الذي قدَّمه يسوع

حاول ألَّا تشعر بالملل. أعرف أنه عندما يثور جدل عنيف بين المسيحيِّين حول شيء مُعقَّد، يكون هناك دائمًا رجل في الحجرة يقول شيئًا مثل: “نحتاج فقط أن نحب بعضنا بعضًا!” وعادة ما لا يكون هذا مفيدًا بدرجة كبيرة.

يبدو هذا النوع من التصريحات ساذجًا، أو نوع من المثاليَّة بالغة التبسيط، لأننا لا نحتاج فقط أن نحب بعضنا بعضًا. نحن نحتاج أن نحب بعضنا بعضًا بشكل جوهري. نحتاج أن نعرف ماذا يعني أن نحب بعضنا بعضًا وكيف تبدو المحبة عندما تواجهنا مشكلة مُعقَّدة، عندما نرى الأمور من وجهات نظر مختلفة، عندما لا تكون هناك حلول بسيطة، وعندما يتطلَّب منَّا الطريق الوحيد للمضي قدمًا أن نحتمل بعضنا بعضًا في أثناء التوتُّر المستمر الناتج عن عدم الاتفاق.

وبهذه الطريقة، نجد أن محبة العهد الجديد ليست سطحيَّة، كما هو الحال في الفكر الاختزالي؛ لكنها بسيطة، لكونها شيء جوهري. وهناك فرق كبير بين الاثنين.

قريبك كنفسك

شعار أغنيَّة البيتلز “كل ما تحتاجونه هو الحب” هو شعار ساذج، ومثاليَّة سطحيَّة. يبدو صحيحًا لأننا كلنا نعرف بديهيَّة أن المحبة فضيلة عُظمى. ولكن التصريح مجوَّف وغير مترابط على مستوى المفهوم. فهو لا يقول لأي شخص ما معنى الحب، وكيف يبدو عمليًّا، أو ما هي تكلفته. وبالتالي، لم تغيِّر هذه العبارة أي شيء، وبالأقل كثيرًا لم تغيِّر الصراعات بشأن المشاكل المُعقَّدة.

قابل هذا بوصيَّة يسوع العظمى “تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ” (متى 22: 39). هل ترى الفرق؟ وصيَّة يسوع بسيطة بشكل جوهري، ولكنها ليست سطحيَّة على الإطلاق. إنها بسيطة من حيث إن أي شخص سيدرك على الفور المبدأ الأساسي: ينبغي أن تكون المحبة أكثر قيمة مركزيَّة لدينا، إذ تشكِّل كل دوافعنا بالنسبة لعلاقتنا مع الآخرين، وتطبيقاتها لا تنتهي.

“تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ” هي وصيَّة قويَّة من الناحية الوظيفيَّة لأنها، في أي موقف مُحدَّد، تساعدنا على الأقل على توضيح كيف ينبغي أن يكون شكل المحبة، وكذلك تكلفتها. إنها لا تزيل التعقيد من العلاقات أو المواقف أو المشاكل، ولكن إذا تم اتباعها بجديَّة فسنجد أنها فعَّالة في إطفاء نار الخطيَّة التي تحوِّل صراعاتنا إلى حرائق لا سيطرة لنا عليها –نيران تحيط بنا في الكنائس الإنجيليَّة الأمريكيَّة.

لقد عاش عدد يُحصى من القدِّيسين قوَّة وصيَّة يسوع الخاصة بالمحبة (والأمثلة والشروحات الكثيرة التي يقدِّمها العهد الجديد لها) على مدار الألفي سنة الماضية، وقد غيَّروا العالم من نواحٍ لا تُحصى. بالنسبة لي، يمثِّل هؤلاء صورة عمليَّة لوصيَّة يسوع بالمحبة.

أخذ المحبة إلى الشوارع

أعرف معظم هؤلاء الشابات. من خلال قصة عمل عناية الله الرائعة في حياتهن، أظهرن اهتمامًا عميقًا بالآلاف من أطفال الشوارع في مدينة كبيرة في بلد من أمريكا اللاتينيَّة.

منذ سنوات قليلة، وبعد أن اكتسبن خبرة بسيطة وجمعن دعمًا ماليًّا كافيًا ليعشن عيشة بسيطة، انتقلن إلى هذه المدينة وبدأن بالسير في الشوارع وخدمة الأطفال والشباب الذين صادفنهن. كان هؤلاء أطفال بسبب تعرُّضهم للاعتداء والترك والفقر الشديد والإدمان أو موت الوالدين، مُجبَرين على إعالة أنفسهم.

وكانوا ينامون في العبَّارات، تحت الكباري، وفي مداخل العمارات، ويفعلون أي شيء ليجدوا الطعام. والشوارع مكان وحشي لا يشفق علىالأطفال الضعفاء. إذ تحدث أمور سيِّئة لكثيرين منهم. فتتقسَّى القلوب الرقيقة وتصبح شكَّاكة. ويعمل الخطر واليأس على تفاقم الفساد.

ولكن هذه الفتيات بدأن فقط بمحبة هؤلاء الأطفال –كل واحد كنفس ثمينة. وقد سعين أن يحببنهم كما أحببن أنفسهن (وإن كان بشكل غير كامل، كما وددن مني أن أؤكِّد). وهن هناك يحبونهم الآن.

فيطعمونهم ويلبسونهم ويأخذونهم إلى الطبيب عندما يمرضون أو يُجرحون، ويساعدون كثيرين منهم ممَّن يدمنون العقاقير على الذهاب إلى مراكز العلاج (أو العودة إليها). كما يسرن مع فتيات صغيرات حبلى عبر رحلة الولادة المخيفة وبعدها. كما يلعبن الأونو مع الأطفال في الحدائق ويحتفلن بأعياد ميلادهم بالكعك والحفلات –وهو شيء لم يختبره كثيرون من هؤلاء الأطفال من قبل البتَّة. وبقدر ما يعطيهن الرب من فرص، يشاركن عن يسوع ويصلين معهم ويدرسن الكتاب المُقدَّس معهم، ويجمعونهم بكنائس جيِّدة. ونتيجة لهذا، يأتي عدد متزايد إلى الإيمان بالمسيح ويعتمدون.

“لأنهن يحبوننا”

وإذ فازوا بثقة أطفال الشوارع القساة بفعل محبتهن لهم بمحبة يسوع القويَّة، الثابتة، الأمينة، المضحيَّة بالنفس، أصبح الآن المئات من أطفال الشوارع القساة لطفاء، يرُدُّون محبة هؤلاء الفتيات بالمحبة، ويعتنون بصدق بهن بأشكال متنوعة. وبالطبع، تنتشر الكلمة في الشارع بسرعة، لذا يبحث المزيد والمزيد من الأطفال عن هؤلاء الفتيات وعن مركز الخدمة البسيط الذي دبَّره الرب لهن.

كذلك بحث عنهن المسؤولون الحكوميُّون حتى يكتشفوا ما هذا الأمر الفعَّال بهذه الدرجة والذي يفعلوه. كما سأل هؤلاء المسؤولون أطفال الشوارع لماذا يذهبون إلى هذه الفتيات أولًا في حين أن مراكز الحكومة بها موارد وبرامج أكثر. فكانت إجابة الأطفال: “لأنهن يحبوننا”.

دعوا هذا يستقر في أعماقكم. ليست هذه الفتيات خبيرات معترف بهن، وليست لديهن خبرة طويلة، ولا موارد وفيرة، أو برامج صمَّمها الحاصلون على شهادة الدكتوراة. كما أنهن لم ينلن تدريبًا لاهوتيًّا رسميًّا. ومع هذا فقد أثبتن أنهن فعَّالات بصورة رائعة في الوصول إلى هؤلاء الأطفال ومساعدتهم في الانتقال نحو مستقبل مثمر ومليء أكثر بالرجاء. من منظور الملكوت، نراهن مثمرات أكثر في تغيير حياة الأطفال وتلمذة كثيرين، أكثر من أي شخص آخر أعرفه –حتى وسط مجموعة مُهمَلة جدًّا ويصعب الوصول إليها من الناحية التاريخيَّة. لماذا؟ اسأل الأطفال. هم يعرفون السبب: “لأنهن يحبوننا” –كل واحد كنفس ثمينة.

تضحيات المحبة الحيَّة

إذن، ما هي علاقة هذه الفتيات بوبأ عدم الوحدة المسيحيَّة في أمريكا؟ الإجابة: إنهن نماذج على أخذ المحبة المسيحيَّة بجديَّة. ولكن أليس الأمر أشبه بمقارنة التفاح بالبرتقال عند مقارنتهن بنا؟ من ناحية السياق، نعم، ولكن ليس من ناحية الجوهر.

بغرض الإيجاز، أقول إن ذِكري لقصة هذه الفتيات يبدو مثاليًّا أكثر من الواقع. إنه صعب. أحيانًا يكون صعبًا بدرجة تكسر القلب –حرفيًّا صعب لحد بذل الدم والعرق والدموع. إنه أمر فوضوي. فالأطفال يبتعدون. يختفون. كما ينتكسون في إدمانهم للمخدرات. ويتعرَّضون للاغتصاب، ويُقتلون. والفتيات يرتكبن الأخطاء. ويُساء فهمهن، وأحيانًا يتعرَّضن للتشهير، وأحيانًا يتعرَّضن للخطر الجسدي. عادة ما يشعرن بأنهن غير ملائمات، وحيدات، مشوَّشات، حزانى، كما يشعرن بالحيرة والحنين للوطن ويشعرن بأنهن فاشلات. ويتساءلن ما إذا كن يقمن بالأمر بالشكل الخطأ. كما أنهن على وعي تام بأنهن خاطئات.

لكن أيًّا كانتالظروف، فأن نعيش وصيَّة يسوع بالمحبة بجدِّيَّة وعن قصد هو أمر صعب، والتكلفة ستكون عالية من نواحٍ كثيرة. سوف نشعر بنفس المشاعر في ظروفنا كما حدث مع هذه الفتيات في ظروفهم. وهذا جزء من معنى أن نكون “ذبائح حيَّة” (رومية 12: 1).

ولكن هذا النوع من المحبة هيمحبة مغيِّرة من نواحٍ لا تشبهه فيها شيء آخر. في أزمنتنا التي تتميَّز بالانقسام والصراع، نحتاج بشكل عاجل أن نمتحن أنفسنا؛ هل نسعى بجديَّة إلى أن نطيع وصيَّة يسوع بأن نحب في ظروفنا المعقَّدة. لا يبدو حقدنا، ومرارتنا، وانقسامنا، وانهيار علاقاتنا أنها تشبه رومية 12-15، 1 كورنثوس 13، أفسس 4، أو 1 يوحنا 3. كما ينبغي أن نمتحن أنفسنا، هل نولي أي اهتمام له معنى لجارنا الجريح الذي يسكن معنا في الشارع والذي يُعتبر المكافئ لقصة هذه الفتيات في ظروفنا نحن.

كما أَحَبَّنا

المخاطر شديدة. يؤدِّي نقص المحبة إلى خراب العلاقات ويشوِّه تصوُّر الناس عن يسوع. لأنه قال: “بِهذَا يَعْرِفُ الْجَمِيعُ أَنَّكُمْ تَلاَمِيذِي: إِنْ كَانَ لَكُمْ حُبٌّ بَعْضًا لِبَعْضٍ” (يوحنا 13: 35). وقد رفع مستوى وصيَّة “تُحِبُّ قَرِيبَكَ” بدرجة أعلى ممَّا كنَّا نظن عندما قال: “هذِهِ هِيَ وَصِيَّتِي أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ” (يوحنا 15: 12).

أحيانًا، عندما يكون الكلام السيِّئ متطايرًا والضجيج الذي يثير الانقسام مدويًا، يصبح من المفيد أن نركِّز على القدِّيسين الذين يحبُّون ببساطة (وليس بشكل سطحي) مثل يسوع في ظروفهم الصعبة. إذ يمكنهم أن يساعدوننا في أن نكوِّن منظورًا عن ظروفنا ويذكِّروننا بأكثر شيء مهم من الناحية الجوهريَّة. وقد يصبحون ترياقًا مباركًا لما تواجهه الكنائس. وهذا ما تمثِّله بالنسبة لي هذه الفتيات الشابات الرائعات الآن.

وإذ أراهُنَّ يحاولن أن يحببن قريبهن الكسير مثل أنفسهن، أسمع يسوع يقول: “اذْهَبْ أَنْتَ أَيْضًا وَاصْنَعْ هكَذَا” (لوقا 10: 37).

بقلم جون بلوم

تم ترجمة هذا المقال بالتعاون مع هيئة 

Desiring God 

يمكنك قراءة المقال باللغة الإنجليزية من خلال الرابط التالي 

https://www.desiringgod.org/articles/can-anything-mend-our-conflict

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى