Desiring God

الله يدعو الضعفاء إلى الحرب قوة الإعاقة المسيحية

 

كان الفتى مندمجًا بالكامل في التسبيح: يدان مرفوعتان، وعينان مغمضتان، وفم مفتوح على قدر المستطاع مرنمًا، كان مستغرقًا كليًا في اللحظة. كان هذا الشاب المصاب بمتلازمة “داون” يشعر بحرية تامة وهو يسبح بكل قوته. في تلك اللحظة أردت أن أكون حرًا مثله! لكنني تساءلت من وقتها عما إذا كنت لا أفهم ما كان يحدث فعلاً بسبب افتراضاتي حول إعاقته الذهنية.

دعاه الله إلى الحرب.

لا، هذه ليست مبالغة. فأنا أرى هذا في الكتاب المقدس وفي شدة الكراهية المنتشرة حول العالم تجاه ذوي الإعاقات الذهنية. يدعونا الله إلى وضع ثقتنا فيه حين يخبرنا كيف تظهر قوته باقتدار في من يُسمون بـ”الأعضاء الأضعف”. وقليلون هم الذين يعتبرون أضعف وأكثر هشاشة من ذوي الإعاقات الذهنية.

يدرك المؤمنون، من الناحية الكتابية والعملية، أننا محدودون وغير قادرين على عمل كل ما يستطيع الله أن يفعله. ومن هذا المنطلق نعترف بأن الله قوي وبأننا بحاجة إلى معونته اليومية الدائمة. ولكننا عادة ننظر إلى إخواننا البشر من ذوي الإعاقات الذهنية على أنهم “مختلفون” تمامًا ـ ضعفاء وبحاجة إلى حمايتنا ورعايتنا. أجل، لديهم مواهب فريدة يمكن أن يقدموها للكنيسة. لكننا كثيرًا ما نحصر مجال تأثيرهم في الأشياء البسيطة التي نستطيع رؤيتها.

لذا، أناشدكم، خاصة إذا كنتم في مواقع قيادية بالكنيسة، أن تفكروا فيما يحدث وراء ما ترونه. قد لا تكون قراءتكم للواقع هي الواقع الحقيقي. الله يجهز هؤلاء الأعضاء الذين قد يبدون أضعف ظاهريًا ليقاتلوا من أجلكم، وأنتم بحاجة لهذه الفئة.

التصور ليس واقعًا

في ملوك الثاني 6 أحاط الجيش الآشوري بـ”أليشع” للقبض عليه وقتله. رأى خادمه وضعهم اليائس فقال في خوف: “آهِ يَا سَيِّدِي! كَيْفَ نَعْمَلُ؟” (15:6).

لم يستطع أن يرى الواقع حتى منحه الله البصر. قال “أليشع”: “فَقَالَ: «لاَ تَخَفْ، لأَنَّ الَّذِينَ مَعَنَا أَكْثَرُ مِنَ الَّذِينَ مَعَهُمْ». وَصَلَّى أَلِيشَعُ وَقَالَ: «يَا رَبُّ، افْتَحْ عَيْنَيْهِ فَيُبْصِرَ». فَفَتَحَ الرَّبُّ عَيْنَيِ الْغُلاَمِ فَأَبْصَرَ، وَإِذَا الْجَبَلُ مَمْلُوءٌ خَيْلًا وَمَرْكَبَاتِ نَارٍ حَوْلَ أَلِيشَعَ” (16:6ـ17)

علينا أن نثق أن ذلك العبد عندما رأى جيش الله لم يعد خائفًا من الجيش الآشوري.

لذا عندما كتب “بولس” عن قوى خطرة تفوق قدرتنا على إدراكها بحواسنا، لا بد الإنصات إليه باهتمام:

“فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ الرُّؤَسَاءِ، مَعَ السَّلاَطِينِ، مَعَ وُلاَةِ الْعَالَمِ عَلَى ظُلْمَةِ هذَا الدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ” (أفسس 12:6)

ويعني أيضًا أنه يجب أن نصدق الله حين يتكلم عن قوته وسط ضعفنا.

قوي في من يبدو ضعيفًا

في 1 كورنثوس 18:1ـ31، يؤكد “بولس” على نظرة الله للحكمة العالمية، ووضع مقارنة واضحة بين حكماء هذا العالم وقدرة الله غير المحدودة على خلاص الخطاة:

“فَإِنَّ كَلِمَةَ الصَّلِيبِ عِنْدَ الْهَالِكِينَ جَهَالَةٌ، وَأَمَّا عِنْدَنَا نَحْنُ الْمُخَلَّصِينَ فَهِيَ قُوَّةُ اللهِ، أَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «سَأُبِيدُ حِكْمَةَ الْحُكَمَاءِ، وَأَرْفُضُ فَهْمَ الْفُهَمَاءِ»” (1 كورنثوس 18:1ـ19)

بعد بضع آيات، يدلي “بولس” بإعلان مذهل:

بَلِ اخْتَارَ اللهُ جُهَّالَ الْعَالَمِ لِيُخْزِيَ الْحُكَمَاءَ. وَاخْتَارَ اللهُ ضُعَفَاءَ الْعَالَمِ لِيُخْزِيَ الأَقْوِيَاءَ” (1 كورنثوس 27:1)

“ضعفاء العالم” ليسوا مجرد متفرجين أو أمثلة لنا. بل هم من اختارهم الله ليُخزي الأقوياء ويذلهم. لكن “بولس” لا يتوقف عند هذه النقطة ففي 1 كورنثوس 12:12ـ31 بينما يشرح كيف يصنع الله جسدًا واحدًا من أعضاء كثيرين مختلفين، يقدم إعلانًا جريئًا عن الأعضاء التي تبدو أضعف:

“لاَ تَقْدِرُ الْعَيْنُ أَن تَقُولَ لِلْيَدِ: «لاَ حَاجَةَ لِي إِلَيْكِ!» أَوِ الرَّأْسُ أَيْضًا لِلرِّجْلَيْنِ: «لاَ حَاجَةَ لِي إِلَيْكُمَا» بَلْ بِالأَوْلَى أَعْضَاءُ الْجَسَدِ الَّتِي تَظْهَرُ أَضْعَفَ هِيَ ضَرُورِيَّةٌ.  وَأَعْضَاءُ الْجَسَدِ الَّتِي نَحْسِبُ أَنَّهَا بِلاَ كَرَامَةٍ نُعْطِيهَا كَرَامَةً أَفْضَلَ. وَالأَعْضَاءُ الْقَبِيحَةُ فِينَا لَهَا جَمَالٌ أَفْضَلُ” (1 كورنثوس 21:12ـ23)

“ضرورية” تعني أنه لا يمكن الاستغناء عنها، وهامة للغاية، وأساسية. هذه الأعضاء يجب أن تكون جزءًا من الجسد، وإلا فلن يعمل حسب التصميم الأصلي له.

يقوم الشيطان بحملة عالمية لقتل ذوي الإعاقات الذهنية

لاحظ تعبير “بولس” في “التي تظهر أضعف”. إنه يعرف أننا نميل إلى إهمال عمل الله الخارق للطبيعة وتصديق فقط ما تراه عيوننا. إذا رأينا شخصًا يعاني من إعاقة ذهنية ويواجه صعوبة في التواصل، ويكون معرضًا للإستغلال والإساءة من الأشرار، وبحاجة إلى الآخرين لمساعدته وحماية مصالحه، نميل إلى التقليل من شأنه كأدة لاستعراض قوة الله. لكن لا يجب أن نعتمد على “التي تظهر”.

الله يدعو الضعفاء إلى الحرب

يبدأ المزمور الثامن ببعض الكلمات الأكثر شهرة في الكتاب المقدس: “أَيُّهَا الرَّبُّ سَيِّدُنَا، مَا أَمْجَدَ اسْمَكَ فِي كُلِّ الأَرْضِ! حَيْثُ جَعَلْتَ جَلاَلَكَ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ” (1:8). ثم يأخذ المزمور منعطفًا غريبًا:

         “مِنْ أَفْوَاهِ الأَطْفَالِ وَالرُّضَّعِ أَسَّسْتَ حَمْدًا بِسَبَبِ أَضْدَادِكَ، لِتَسْكِيتِ عَدُوٍّ وَمُنْتَقِمٍ ” (2:8)

يُظهر مزمور 1:8 الله قويًا ومهيبًا متسربلاً في جلال وسلطان وكرامة. وجلاله هذا بالغ القوة حيث يمكنه أن يقوي أضعف البشر وأرقهم حالاً والذين لا يملكون القدرة حتى على تكوين جمل مفهومة. يشرح القس “يوحنا” مزمور 2:8 كما يلي:

“إن أغرب ما يميز جلال الله ليس فقط أنه يتواضع ليسمع الصغار أو يهتم بهم ويرعاهم، بل إنه يجعلهم وسيلة لانتصاراته. الله ينتصر على أعدائه من خلال نقاط ضعف الضعفاء ـ كلام الأطفال. عندما تفكر في الله كمحارب، تذكر: إنه ينتصر مع الضعف”.

يقصد صاحب المزمور بإشارته إلى الأطفال والرضع إبراز انعدام القدرة أكثر من السن، لذا يمكننا هنا أن نشمل البالغين الذين يعانون من إعاقات ذهنية حادة. والله يجهز هؤلاء “الأعضاء التي تظهر أضعف” ليس فقط للقتال بل للانتصار!

عاشت أمي لسنوات عديدة تعاني من الخرف الشديد وفقدت الكثير من قدرتها على التواصل. ذات يوم أثناء زيارتي لوالديَّ استيقظت من النوم وفتحت عينيها ونظرت إليَّ مباشرة وقالت: “أحب “الرب يسوع”. عليك أنت أيضًا أن تحبه “. كم كانت فرحتى عندما سمعت هذا، رغم أنها نسيت من أنا إلا أن الله لم يدعها تنسى من هو مخلصها وكانت تريد أن أعرف أنا أيضًا هذا المخلص. “إنه ينتصر مع الضعف” فعلاً.

كانت كلماتها القوية مشجعة ـ وحامية. هل تخلينا أنا ووالدي عن وسائل دفاعاتنا الروحية بسبب الحزن أو اليأس أو الإرهاق وسمحنا للخطية أن تسكن نفوسنا؟ هل كنا نردد الأفكار التي همس بها عدونا الروحي الماكر الشرير؟ إذا صح هذا فإن كلمات أمي البسيطة قد ثبتت أفكارنا الآن على “الرب يسوع”! نظرًا إلى أن الله يُسر باستخدام الضعف، كما جاء في مزمور 2:8، فربما أيقظ الروح القدس أمي من نومها قائلاً: إلى المعركة أيها القديسة! وصلي هذه الكلمات وانقذي زوجك وابنك!”

غضب الشيطان القاتل

يقوم الشيطان بحملة عالمية لقتل ذوي الإعاقات الذهنية. ففي الولايات المتحدة الأمريكية، سيتم إجهاض أكثر من ثلثي الأطفال الذين لم يولدوا بعد وتم تشخيصهم بالإصابة بمتلازمة “داون”. وفي الدانمارك، ترتفع النسبة إلى 98%، إن التقنيات الحديثة تجعل الرحم مكانًا خطرًا للطفل المصاب بأي إعاقة، خاصة الإعاقة الذهنية

على الطرف الآخر من الحياة، أشارت دراسة أجريت على من يريد إنهاء حياته تحت بموجب قوانين “الحق في الموت” إلى أنهم فعلوا هذا أساسًا “بسبب انعدام الاستقلالية (4.87%)، وتدهور نوعية الحياة (1.86%)، وفقدان الكرامة (.668%)”، بعبارة أخرى، عدد كبير من الأشخاص يقتل نفسه بصورة قانونية ليس بسبب الألم والمعاناة لكن بسبب مخاوفه من نوعية الحياة مع الإعاقة، خاصة الإعاقة الذهنية.

في ظل هذه الحملة العالمية لقتل وتهميش ووصم ذوي الإعاقات الذهنية، قد يتعجب المرء ويتساءل: لماذا يصمم الشيطان على القضاء عليهم؟ إذا كانوا ضعفاء وعديمي الفائدة فلماذا لا يتركهم يعيشون لصرف الوقت والطاقة والموارد بعيدًا عن أمور الله؟

ليس من الصعب تخمين السبب. تخيل أنك “إله هذا الدهر”، الذي لديه القدرة على إصابة الأذهان بالعمى (2 كورنثوس 4:4) ومع ذلك مهزوم ـ بل والأسوأ من ذلك ـ مُهان مِن مَن يُسمون ضعفاء وجهال العالم. فبالتأكيد يريدهم أمواتًا. أي قائد جيش يحاول تقليل قدرة عدوه على القتال. يعرف الشيطان الكتاب المقدس أفضل منا جميعًا ويدرك تمامًا أن ضعفهم يعظم قدرة الله بطرق تنذر بهلاكه.

لا أقصد أن كل ما ينطق به ابني مملوء بالروح. لكنني كثيرًا ما رأيت كلمة أو ترنيمة غير متوقعة خرجت من شفتيه واخترقت قلبًا قاسيًا أو مكسورًا بقوة غير طبيعية وبطرق ليست منطقية أو مفهومة. فأتذكر مزمور 2:8.

لا تدع أبا الكذاب يصرفك عن هذه الحقائق. هل تبنيت دون أن تدري رأيًا علمانيًا نفعيًا عن الموهبة التي تتعارض مع القوة غير الطبيعية؟ هل حرضك الشيطان بمكره المعتاد على تجاهل كل ما قاله الله في كلمته عن قوته المستعلنة في الضعف؟

كن مؤمنًا خارقًا للطبيعة

عزيزي القاريء، وخاصة القساوسة، نحن بحاجة إلى استعادة الرؤيا الكتابية الخارقة للطبيعة عن الواقع! استسلم “آدم” و”حواء”، وهما في حالة الكمال في الجنة ولديهما قدرات ذهنية وجسدية غير ساقطة، لكلام الحية المخادع. لم تحمهما قدراتهما الذهنية من الخطية ومن الخطأ المدمر، ولا تستطيع قدراتنا نحن أيضًا على حمايتنا.

ضع ثقتك في إلهنا واعبده، إنه إله صالح يُعد الضعيف الموجود بيننا ليهزم أعداءه لمجده ولخيرنا. سيحتاج بعض أولئك الذين يعيشون بإعاقات ذهنية إلى ما يبدو وكأنه قدر هائل من وقتك وجهدك وطاقتك. ليت الله يعطيك عيونًا روحية مميزة لترى أن الله يجهز كنيستك للحرب. أصلّي أن ترحب فرحًا بهؤلاء الأشخاص الموهوبين بشكل فريد وتبنيهم وتساعدهم ليشبعوا بالرب.

 

 

 

 

بقلم

“جون نايت”

تم ترجمة المقال بالتعاون مع هيئة  Desiring God

يمكنك قراءة المقال باللغة الانجليزية من خلال الضغط على الرابط التالي:

https://www.desiringgod.org/articles/god-calls-the-weak-to-war

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى