وجهة النظر الكتابية عن الإنسان

خلق الله العالم بكلمته من العدم. فخلق الإنسان على صورته وشبهه لمجده، وجعله تاج للخلقية كلها. ليمكن للإنسان أن يكون له شركة مع الله وأن يعبده ويخدمه.
خُلق الإنسان بفعل شخصي مباشر من الله بعيدًا عن عملية التطور العضوي (تكوين 1 : 27، 2 : 7، 21 – 22، 5 : 1، 2، 9 : 6، مزمور 100 : 3، جامعة 7 : 29، متى 19 : 4). وهذا العمل الخلاّق كان الفعل المشترك للثالوث المقدّس: الآب، الابن، والروح القدس (تكوين 1 : 26 – 27)
تحدث الكتاب المقدّس عن آدم وحواء على أنهما بشر، ومنح الله كليهما روح (2 : 7). ويسجل لنا سفر التكوين الدليل على أن هذين الكائنين كانا متقين الرب، بمعنى أنهما كانا قادرين على التمييز بين الاختيار الخطأ والصواب كما نرى في الاختبار الذي تعرضا له من الله (16 – 17). فلديهما طبيعة غير مادية كانت قادرة على التواصل مع الله (1 : 28 – 30)
إن الكتاب المقدّس ككل يؤيد وجه النظر أن الله خلق الإنسان بطبيعتين أحدهما مادية والأخرى غير مادية. (5 : 1 – 2، 6 : 7 ، تثنية 4 : 32، مزمور 104 : 30، إشعياء 45 : 12، كورنثوس الأولى 11 : 9). فقد “خُلق” و”تكون” من تراب الأرض (تكوين 1 : 26، 2 : 22، 3 : 19، 6 : 6 – 7، أيوب 4 : 19، 33 : 6، مزمور 100 : 3، 103: 14، جامعة 3 : 20، 12 : 7، تيطس الأولى 2 : 3). ثم نفخ الله في آدم نسمة حياة وأصبح الرجل “نفسًا حيه” (تكوين 1 : 20 – 21، 24، 2 : 19). لقد شكل الله جسم الإنسان بحيث دمج روحه (6 : 17، 7 : 21 – 22، مزمور 104 : 29) ونفسه (تكوين 2 : 15، 4 : 4، 5 : 24، 6 : 9)
إن قصتّي الخلق بسفر التكوين تؤكدان وتتعرضان لجوانب مختلفة. فيصور لنا الأصحاح الأول قصة خلق الإنسان وعلاقته مع البيئة، بينما في الأصحاح الثاني يصور لنا خلق الإنسان في ضوء علاقته بالخالق. وكذلك الأصحاح الثاني (2: 7) يكمل الأول (1 : 26 – 27)
الوَحدانية
يعلمنا الكتاب المقدّس بوضوح أن الجنس البشري أجمع قد جاء من أب واحد وأم واحدة (1 : 27 – 28، 2 : 7 ، 22 ، 3 : 20، 9 : 19). فالجميع أولاد لأب واحد له طبيعة واحدة عامة. ويتخذ الرسول بولس هذه الحقيقة على أنها حقيقة مسلّم بها في اعتقاده وايمانه باتحاد أعضاء الجنس البشري في السقوط الأول وبخلاص هؤلاء من يؤمنون بالمسيح (رومية5 : 12 – 19، كورنثوس الأولى 15 : 21 – 22، عبرانيين 2 : 16). وهذه الحقيقة تمثل مسئولية الإنسان تجاه أقرانه (تكوين 4 : 9 ، أعمال الرسل 17 : 26).
علينا أن نرى وحدة الإنسان في مضمون الطبيعة الجنسية. ففي المرتين التي يقول فيهما الله “لنعمل الإنسان” (تكوين 1 : 26) “ذكرًا وأنثى خلقهما ” (27) تؤيد فكرة أن الإنسان غير مكتمل سواء كان ذكر أو أنثى ولا ينبغي أن يكون أحدهما بمعزل عن الآخر. فالإثنين معًا يشكلا الجنس البشري. فالرجل وحده أو المرأة وحدها لن يتمكنا من تكوين الجنس البشري.
تكوين 2 : 21 – 23 يؤيد هذه النظرية في أن خلق الله لحواء لم يكن من تراب الأرض، ولكن من ضلع إُخذ من آدم. فلم ينفخ الله بنسمة حياة في أنف حواء. بل أُخذت من آدم بحكم طبيعتها غير المادية وكذلك بحكم طبيعتها الجسدية (كورنثوس الأولى 11 : 8)
الجزء المادي: الجسد
خُلق الجسد من تراب الأرض (تكوين 2 : 7 ، 3 : 19). واسم “آدم” تعني “تربة حمراء صالحة للزراعة”. ولأن الإنسان خُلق من التراب فجسده يحتاج لعناصر موجودة في التربة لبقائه على قيد الحياة. ونحن نحصل على هذه العناصر من الغذاء. وعندما يموت شخص، يعود جسده للتراب لحالته الطبيعية في انتظار قيامته (تكوين 3 : 19 ، يوحنا 5 : 28 – 29).
وبالرغم من أن بولس ميز بين جسد الإنسان والحيوان (كورنثوس الأولى 15 : 39)، فكلاهما قد تحرك بنفس الوسيلة: بالروح (تكوين 35 : 18 ، متى 26 : 38، لوقا 12 : 20) والنفس (تكوين 7 : 22 ، مزمور 104 : 29، لوقا 8 : 55، يعقوب 2 : 26). ولذلك عندما تغادر الروح هذه الأجساد المتحركة،يموت الجسد ويعودللتراب وتعود روح الإنسان ونفسه للخالق الله (حرفيًا في العهد القديمSheoul هو مكان الموتى الذين رحلوا، ومنذ العهد الجديد يُعرف بالجنة حيث يسكن الله). الذي دمجهما معًا منذ البدء (تكوين 2 : 7 ، جامعة 12 : 7، أيوب 34 : 14 – 15).
ومنذ خطيئة آدم، أصبحت طبيعة الأجساد البشرية فاسدة وفانية (رومية 8 : 10 ، كورنثوس الأولى 15 : 53). وهذا يعني أن هذه الأجساد معرضة للشيخوخة، الضعف، الانحطاط، المرض وبالفعل الموت (أعداد 42 – 44). يشرح بولس الرسول أن مبدأ الخطية ساكن في الجسد ويحفزه مثله مثل الأجزاء الأخرى من طبيعة الإنسان ليفعل الشر (رومية 7 : 17 – 18، 23 : 3 – 9، غلاطية 5 : 19 – 21). إن مبدأ الخطية يسيطر على حياة البشر الذين لم ينالوا الخلاص ويستغل طبيعتهم البشرية لفعل الشر (يوحنا 8 : 34، رومية 3 : 9، 6 : 16، غلاطية 5 : 19 – 21، أفسس 2 : 2 – 3، يوحنا الأولى 3 : 8).
وحيث أن الجسد هو الوسيلة الوحيدة التي يعبر بها البشر عن أنفسهم، فإن الأشخاص الذين يسكنهم روح الله يمجدوه من خلال أجسادهم في هذا العالم (كورنثوس الأولى 10 : 31). وحتى بالرغم من انتظار الجسد للخلاص الأخير (التمجيد: روميه 8 : 23)، فإن أجساد هؤلاء من يسكنهم روح الله (عدد 16) لا تستخدم كأدوات للتعبير عن الخطية. حتى في الأجساد غير المفدية وغير المخلّصة، يمكن للمسيحيين أن يعيشوا حياة القداسة لأنهم ماتوا عن الخطية وسلطانها عليهم (6 : 2) وأخضعوا ذواتهم كأدوات في يد الله للتقوى (أعداد 6 – 7، 11 – 13 ، 12 : 1 – 2). ولأن روح الله يسكن في المؤمنين، فإن أجسادهم مدعوة لتكون “هيكل الروح القدس” (كورنثوس الأولى 6 : 19). ولهذا يقول بولس الرسول “مجدوا الله بأجسادكم” (عدد 20)
ولأن الجسد هو “هيكل الروح القدس” لا يجب أن ننظر له على أنه عدو لنا كما تعلّم الفلسفة الوثنية. بل بالحري، علينا أن نعتني بأجسادنا بينما ننمو، ونتعلم، وأن نخضعها لله لتحقيق أغراض الروح القدس (رومية 6 : 16 – 19، 13 : 14، كورنثوس الأولى 9 : 26 – 27، أفسس 5 : 28 – 29، تسالونيكي الأولى 4 : 3 – 7).
وحيث أن صحتنا الجسدية تؤثر بصورة مباشرة على نوعية حياتنا وخدمتنا، فمن الضروري أن نحافظ على صحتنا الجسدية وحيويتها عن طريق التغذية السليمة والحصول على الراحة التي نكون في حاجة لها (متى 6 : 31، لوقا 8 : 55، أعمال الرسل 27 : 33 – 35). إن إماتة الجسد من خلال عقاب الجسد وقمعه (الإنكار والإهمال) كما كان متبع في العصور المظلمة هو تشويه لتعاليم الذات كما تعلمناها من النص الكتابي. بالحري هي تنبع من الفكر الوثني الذي يعتبر أن الجسد شرير بطبيعته وبذلك يصبح تهديدًا للروح الراقية الجميلة. ولكن النص الكتابي يوضح أن هناك بعض الأوقات فيها يتطلب الواجب الروحي أو الأزمة أن نسدد احتياجاتنا الجسدية (متى 4 : 1 – 4، أعمال الرسل 13 : 2 – 3)
وهذه الأجساد ستتخلص وتتحرر من الفساد الذي فيها ومبادئ الخطية الراسخة بها عندما يعود يسوع المسيح لكنيسته (فيلبي 3: 20 – 21). وفي هذا الوقت ستتحول هذه الأجساد لأجساد “روحانية” “طاهرة ونقية” تستعد للحياة الأبدية (كورنثوس الأولى 15 : 44 – 55، تسالونيكي الأولى 4 : 16 – 17، رؤيا 21 – 22). ولهذا ستصبح مثل جسد المسيح الممجد (فيلبي 3 : 20 – 21) الذي يعني أنها ستكون بلا ضعف، خطية أو أي نوع من المحدودية. وعندما نصل لهذا الحد، سنمتلك نوعية جسده ” وَلكِنْ نَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا أُظْهِرَ نَكُونُ مِثْلَهُ، لأَنَّنَا سَنَرَاهُ كَمَا هُوَ”. (يوحنا الأولى 3 : 2)
وكذلك فإن أجسادنا مماثلة لجسد أبونا آدم الخاطئ وبالتالي تعبر عن صفات آدم الخاطئة والملامح الوراثية لأجدادنا وأسلافنا.
الإنسان كذكر وأنثى
في الفصل الأول من سفر التكوين لدينا تعليق مختصر ورائع عن معنى الجنس البشري. تبدأ الرواية بروعة عندما جبل الله الكون للوجود بكلمته الخلاّقة. وأن هذا الكون الذي خلقه الله كان “حسنًا، وحسنًا جدًا” (تكوين 1 : 31)
علاقة التشابه
إن البشر هم قمة مخلوقات الله. فخلق البشر ينفرد ويتميز عن كل الكائنات الأخرى لأنهم على صورة الله. أنظر كيف تتشابه طبيعة الجنس البشري مع صورة الله:
“فخلق الله الانسان على صورته على صورة الله خلقه ذكرا و انثى خلقهم” (عدد 27)
وكما يبدو الأمر غريبًا، فإن جنسنا، ذكوريتنا وأنوثتنا، ترتبط إلى حد ما بخلقنا على صورة الله. فالجنس في جوهره، ليس شيئًا نفعله بقدر ما هو يعبر عن كينونتنا. فالله خلقنا مخلوقات جنسية.
إن كارل بارت اللاهوتي السويسري كان أول وأعظم اللاهوتيين الذي ساعدنا على أن نرى انطباق هذا الاعتراف بالنص الكتابي أن الجنس البشري مرتكزًا على صورة الله. وما فعله ساعدنا على فهم أن العلاقة ترتكز على ما تعنيه عبارة “على صورة الله” وأن العلاقة بين الذكر والأنثى هي تعبير إنساني عن علاقتنا بالله.
فإن الجنس البشري، ذكوريتنا وأنوثتنا، ليس هو ترتيب بالصدفة للجنس البشري، وليس مجرد طريقة ملائمة للحفاظ على الجنس البشري. بل بالحري فهي في قلب ومركز إنسانيتا الحقيقية. فنحن نتواجد كإناث وذكور في علاقاتنا. وميولنا الجنسية وقدرتنا على أن نحب ونُحب مرتبطة تمامًا بخلقنا على صورة الله. يا له من رأي رائع عن الجنس البشر.
خلق الإنسان
أمر (تكلم) الله بخلق جميع المخلوقات ماعدا الكائنات البشرية. ليخلق الله آدم، جلب الله التراب من الأرض ونفخ فيه نسمة الحياة:
“وجبل الرب الاله ادم ترابا من الارض ونفخ في انفه نسمة حياة فصار ادم نفسا حية” (تكوين 2 : 7)
فالإنسان مخلوق من التراب ومن نفخة الله: التراب & نفخة الله = الإنسان. وصف موسى الإنسان (عدد 7) على أنه” نفسًا حية” (NIV) “مخلوق حي” (ESV) ، “روح” (KJV). وعندما وصف سليمان موت الإنسان “فَيَرْجعُ التُّرَابُ إِلَى الأَرْضِ كَمَا كَانَ، وَتَرْجعُ الرُّوحُ إِلَى اللهِ الَّذِي أَعْطَاهَا”. (جامعة12 : 7) وهذا يفسر فجور وضلال روح الإنسان.
فالإنسان كــ “نفس حية” أو “روح” يشمل كل ذاته. وهذا يعني أن جسده عبارة عن جزء يعبر عن كينونته أكثر من كونه شيء يمتلكه (كما يعلم اليونانيون). فلذلك الإنسان ليس له جسد، لكنه جسد. وبنفس الوسيلة فالإنسان ليس له روح، بل هو روح. والإنسان ليس لديه نفس، بل هو نفس. فالإنسان مخلوق موحد من: جسد وروح (إذا جاءت الروح كجزء من النفس كما هو في الفكر العبري). إذًا فما يؤثر في الجسد بعمق يؤثر في الروح أيضًا والعكس صحيح.
الترابط
إن اتحاد التراب الأرضي والنفخة المقدّسة يعطينا واحد من أعظم صفات الطبيعة البشرية المتميزة. فكما هو الحال بالنسبة لآدم، لم يأمر الله بخلق حواء مثل بقية المخلوقات كما لو كانت جزء من الحقيقة الغير بشريه. ولأنها لم تُصنع من التراب وتُنفخ فيها نسمة حياة مثل آدم، فهي لم تكن مخلوق غير مرتبط بالرجل. فخلق حواء يُظهر ارتباطها الوثيق بالرجل لأنها صُنعت من جزء منه. واستخدم الله ضلع آدم ليؤكد على ترابطهم.
يوضح موسى ذلك حيث “قال الإنسان”
“هذِهِ الآنَ عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي. هذِهِ تُدْعَى امْرَأَةً لأَنَّهَا مِنِ امْرِءٍ أُخِذَتْ” (تكوين 2 : 23)
وبدلاً من الوحدة الذاتية، فقد تداخل كلاهما، وارتبطا، واندمجا. لاحظ احتياج آدم لشريك:
“قال الرب الإله لَيْسَ جَيِّدًا أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ، فَأَصْنَعَ لَهُ مُعِينًا نَظِيرَهُ” (عدد 18)
الشركة
نرى هنا أن الجنس خُلق بالأصل لإنهاء العزلة والوحدة. وهذا يعكس شيء قائم في أشخاص الإله الثالوث: شركة الأب، الابن والروح القدس. وبالرغم من أن ليس هناك تعبير جسدي أو جنسي في الأشخاص الإلهية، حيث أنها أرواح (ماعدا الله الابن الذي هو إله وإنسان: الله – الإنسان)، فهم مرتبطين ببعضهم البعض بطريقة مُحبة (يوحنا 17). وهذا الاحتياج للتعبير الجنسي في جزء من الألوهية يظهر أن التعبير التناسلي للجنس ليس بالطبيعة ضروري للكمال والامتلاء. على أية حال، في السماء الكاملة، لن يكون هناك تعبير تناسلي عن الجنس. ولكن ستكون هناك شراكة كاملة متكاملة.
مخلوق خاص (مميز)
يذكر الكتاب المقدّس أن مُعين آدم لم يكن من ضمن أحد المخلوقات التي خلقها الله:
“وَجَبَلَ الرَّبُّ الإِلهُ مِنَ الأَرْضِ كُلَّ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ وَكُلَّ طُيُورِ السَّمَاءِ، فَأَحْضَرَهَا إِلَى آدَمَ لِيَرَى مَاذَا يَدْعُوهَا، وَكُلُّ مَا دَعَا بِهِ آدَمُ ذَاتَ نَفْسٍ حَيَّةٍ فَهُوَ اسْمُهَا.
20 فَدَعَا آدَمُ بِأَسْمَاءٍ جَمِيعَ الْبَهَائِمِ وَطُيُورَ السَّمَاءِ وَجَمِيعَ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ. وَأَمَّا لِنَفْسِهِ فَلَمْ يَجِدْ مُعِينًا نَظِيرَهُ” (تكوين 2 : 19 – 20)
ثم ذكر لنا الكتاب المقدّس قصة الخلق الخاص للمرأة، حواء
“فَأَوْقَعَ الرَّبُّ الإِلهُ سُبَاتًا عَلَى آدَمَ فَنَامَ، فَأَخَذَ وَاحِدَةً مِنْ أَضْلاَعِهِ وَمَلأَ مَكَانَهَا لَحْمًا.
22 وَبَنَى الرَّبُّ الإِلهُ الضِّلْعَ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ آدَمَ امْرَأَةً وَأَحْضَرَهَا إِلَى آدَمَ” (أعداد 21 – 22)
وعند هذا الحد يؤكد آدم الرجل على عطية الله له:
فَقَالَ آدَمُ: «هذِهِ الآنَ عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي. هذِهِ تُدْعَى امْرَأَةً لأَنَّهَا مِنِ امْرِءٍ أُخِذَتْ” (عدد 23)
في اللغة السومرية، أحد لغات بلاد ما بين النهرين، فإن كلمة “ضلع” تعني “الحياة”. ويقصد شيء من هذا القبيل: أتت المرأة للعالم من حياة آدم. فالحياة توّلد حياة. وبالتالي أصبحت المرأة هي المانحة للحياة لأنه مُنحت نعمة الإنجاب.
كلمة “مُعين” في اللغة العبرية تعني “مساعد مناسب” (حرفيًا “نظيره”). وتكمن الفكرة في أن “المساعد المناسب” سيجلب التوازن في حياة الذكر. يمكن فهم هذا الأمر عن طريق الوسيلة القديمة التي تًستخدم فيها الأثقال لتحقيق التوازن. أحد الكفتين بدون الأثقال يكون غير متوازن. وفقط عند استخدام الأثقال “كلاهما مقابل الآخر” يتحقق التوازن. وخلق الإنسان غير متوازنًا حتى قبل السقوط. واحتاج إلى المرأة لتجلب التوازن الذي يريده الله.
وقال متى هنري، ليظهر الترابط بين الرجال والمرأة:
“لم تُخلق المرأة من أحد عظام رأس آدم حتى يمكنها السيطرة عليه، ولم تُخلق من أحد عظام قدمه ليمكنه سحقها، بل خُلقت من واحد من عظام جنبه، لكي يشاركا الحياة معًا في حماية واهتمام ورعاية متبادلة.”
تكوين الإنسان
تكوين الإنسان النفسي
اتفق الجميع على أن الإنسان لديه طبيعة مادية وأخرى غير مادية. طبيعته المادية تتمثل في جسده، وتتمثل طبيعته غير المادية في الروح والنفس. ويطرأ السؤال: هل الإنسان مخلوق ثنائي أم ثلاثي الطبيعة؟ هل الروح والنفس هما واحد ونفس الشيء، أم يجب علينا أن نميز بينهما؟ هناك من يؤمنون أن الروح والنفس هما واحد ونفس الشيء يطلق عليهم أصحاب النظرية الثنائية، ومن يدعون أنهما ليسا نفس الشيء يطلق عليهم أصحاب النظرية الثلاثية.
النظرية الثنائية
يقول الباحث اللاهوتيسترونج:
“إن الجزء غير المادي من الإنسان، ينظر له على أنه حياة فردية شخصية واعية، قادرة على امتلاك وتحريك الأعضاء الجسدية ويطلق عليه Psuche ، وينظر اليه على أنه عامل عقلاني وأخلاقي، عرضة للتأثير الإلهي والسكنى به، ونفس هذا الجزء الغير مادي يطلق عليه Pneuma. وهي تعني طبيعة الإنسان المشابهة لله، وقادرة على تقبل والحفاظ على الروح القدس، والـ Psuche هي طبيعة الإنسان المتجهة نحو الأرضيات، وملامسة لعالم الحواس. Pneuma هي الجزء الأعلى من شخصية الإنسان، بحكم ارتباطها بالواقع الروحي والقدرة على الاستمرار في هذه العلاقة: Psuche هي الجزء الأعلى من الإنسان والمرتبط بالجسد، بحكم ارتباطه بهذه العلاقة. إذًا فكينونة الإنسان ليست ثلاثية بل ثنائية، ويكون الجزء الغير مادي به، في حين يمتلك قوة ثنائية، لكنه موحد ومتحد في تكوينه.1
1- نفخ الله في الإنسان روح حية (تكوين 2 : 7). وفي أيوب 27: 3 ، 33 : 18 “حياة” و “روح” يبدو إنها استخدمت بالتبادل (33 : 18). في بعض الأوقات تستخدم كلمة “روح” لتعني وترادف حياة الإنسان (متى 16 : 26).
2- إن مصطلح “روح” و”نفس” تستخدم بالتبادل في بعض المراجع (تكوين 41 : 8، 42 : 6، يوحنا 12 : 27.، 13 : 21، متى 6 : 25، 20 : 28، 27 : 50، لوقا 1 : 46 – 47، عبرانيين 12 : 23 ورؤيا 6 : 10)
يوصف الموت على أنه تسليم الروح (تكوين 35 : 18، ملوك الأول 17 : 21، أعمال الرسل 15 : 26) وتسليم النفس (مزمور 31 : 5 ، لوقا 23 : 46).
3- تُنسب “الروح” مثل “النفس” للخليقة البدائية (جامعة 3 : 21، رؤيا 16 : 3). وعلى أية حال فإن مبدأ الحياة في الوحوش (روح أونفس) يعتقد أنه غير عقلاني فاني، وفي الإنسان يكون عقلاني وخالد.
4- تُنسب الروح ليهوه (عاموس 6 : 8، أرميا 9 : 9، إشعياء 42 : 1، 53 : 10 – 12، عبرانيين 10 : 38)
5- يُنسب المكان الأسمى في الدين إلي الروح (مرقس 12 : 30، لوقا 1 : 46، عبرانيين 6 : 18 – 19، رسالة يعقوب 1 : 21)
6- الجسد والروح (أو النفس) يعرف عنهما أنهما يشكلا الإنسان ككل (متى 10 : 28، كورنثوس الأولى 5 : 3، يوحنا الثانية 2) وعند فقد الروح تُفقد معها كل الأشياء (متى 16 : 26، مرقس 8 : 36 – 37).
يشهد (يعترف) الوعي أن هناك عنصرين في تكوين الإنسان: جزء مادي وآخر غير مادي. ولكن لا أحد يمكنه التمييز بين الروح والنفس.
النظرية الثلاثية
تتبنى هذه النظرية تكوين الإنسان من ثلاثة عناصر: الجسد، الروح والنفس. والجسد هو الجزء المادي من تشكيلنا، والروح هي مبدأ حياة الحيوان، والنفس هي مبدأ حياتنا العقلانية. والبعض أضاف لذلك الجزء الأخير والحياة “الخالدة”. وعلى أية حال، يمكن أن يكون ذلك جزء غير رئيسي من النظرية. وهؤلاء من يتبنون هذه النظرية المتطرفة يعتقدون أنه بموت الجسد يرجع إلى الأرض، وتتوقف الروح عن الحياة، وتبقى النفس وحدها لتتحد بالجسد عند القيامة.
1-في المقام الأول، تكوين 2 : 7 لم يذكر أن الله خلق الإنسان كمخلوق ثنائي الطبيعة. فالصيغة العبرية تتحدث عن الجمع “وَجَبَلَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ تُرَابًا مِنَ الأَرْضِ، وَنَفَخَ فِي أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ. فَصَارَ آدَمُ نَفْسًا حَيَّةً”. ولم يذكر أن الإنسان أصبح روح وجسد، بل بالحري أن الله “َنَفَخَ فِي أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ. فَصَارَ آدَمُ نَفْسًا حَيَّةً”. أن الحياة التي منحها لله صُنعت من الطين وكانت النتيجة أن الإنسان أصبح روحًا.
2- يعتقد بولس الرسول أن الجسد، الروح والنفس هي ثلاث أجزاء منفصلة لطبيعة الإنسان (تسالونيكي الأولى 5 : 23). نفس الشيء يُذكر في الكلمة الموجهة “وخارقة إلى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ، ومميزة أفكار القلب ونياته” (عبرانيين 4 : 12)
3- هذه النظرية التي تتبنى تكوين الإنسان من ثلاث جوانب تنطبق كذلك على تقسيم النفس البشرية إلي “طبيعي” “جسدي” و”روحي” (كورنثوس الأولى 2 : 14 – 3 : 4). وتشير هذه النصوص إلى الثلاثية. ولكن أليس من المحتمل أنها تشمل الإنسان ككل بصفة عامة؟ قال يسوع للشاب ” تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ”(مرقس 12 : 3)، ولكن لا أحد يمكنه أن يبني أربعة تصنيفات لطبيعة الإنسان بناء على هذه الحالة. فعبرانيين 4 : 12 لا يتحدث عن انفصال الروح عن النفس، ولكن يتحدث عن الانفصال ذاته والذي يشمل هذه النقطة.
ومن المحتمل، انه علينا أن نفكر أن الطبيعة غير المادية تتكون من نسبة مرتفعة وأخرى منخفضة (عبرانيين 4 : 12). فخيال وذاكرة وفهم الإنسان ينتمي للروح، وتنتمي قوة المنطق، الضمير، والإرادة الحرة للنفس. هذا التنوع والاختلاف عن النظرية الثلاثية التقليدية يجعل من المحتمل التوقف عن الجدال مع أصحاب النظرية الثنائية. وبالتالي تشرح كيف أن بعض المسيحيون “جسديين” وآخرين “روحيين”. وتتفق أيضًا مع التعاليم التي تقول أن الجسد الحالي هو “جسد الروح” وأن جسد القيامة سيكون “جسد روحي” (كورنثوس الأولى 15 : 44). وبمعنى آخر، فإن طبيعة الإنسان الغير مادية يُنظر لها على أنها طبيعة واحدة، لكنها تتكون من جزئين. في بعض الأحيان يمكن التمييز بين الأجزاء بوضوح، وفي بعض الأوقات الأخرى، ومن خلال التشبيه تستخدم للتعبير عن كيان الإنسان ككل.
تشكيل الإنسان الأخلاقي
يشير تشكيل الإنسان الأخلاقي لتلك القوى التي ترشده لأفعال الخير أو الشر. هذه القوى هي العقل، الإحساس أو المشاعر والإرادة، مشتركة مع القدرة العجيبة على التمييز والتجاوب والتي نطلق عليها الوعي.
العقل
العقل يمكّن الإنسان من التمييز بين ما هو صواب وما هو خطأ، هو تلك الإمكانية التي يمكن أن تتأثر بفعل ما أو اختيار مجموعة أفعال.
المشاعر أو الإحساس
تخاطب المشاعر العقل لفعل نفس الشيء أو غيره، فهي تضع القيمة في إطار الفعل.
الإرادة
إن مصطلح “الإرادة” يستخدم بمعنى ثنائي:
الميل
يشار للإرادة في ضوء الشعور بميل أو إعمال العقل. نتحدث الآن عن ميل محدد، اتجاه أو رغبة قد يتبعها الإنسان. وبالطبع، تشمل أفعال الفرد ولكن يجب أن يتماشى ذلك مع الاتجاه العام أو الممارسة التي يميل لها الفرد.
الإرادة
الإرادة هي تدريب هذه القوة للقدرة على التصرف في مواقف معينة. هي الخيار الفعلي، ونهاية لفعل ما في ذهن الشخص.
لا يقوم الإنسان بفعل أخلاقي دون تشغيل الإرادة. قد ينبهر العقل بفعل معين، وتضع المشاعر القيمة لإتباع فعل أو آخر، ولكن الفعل لا يكتمل حتى تأتي الإرادة. وهذا ما يميز الإنسان عن الحيوان. فالإنسان يمكنه التفكير بموضوعيه، ويزن الأمور والظروف، ويطيع ضميره ويتصرف في ضوء الظروف المتاحة والمعروفة. مما يجعل منه كائنًا أخلاقيًا.
القلب
إن كلمة “قلب” هي أكثر المصطلحات شمولاً في النص الكتابي للتعبير عن الأجزاء الغير جسدية ووظائف الإنسان. فهي تستخدم للتعبير عن الروح، النفس، العقل، الضمير، وكينونة الإنسان الداخلية. وهناك القليل جدًا من المراجع تصف فيها هذه الكلمة الأعضاء الجسدية (صموئيل الثاني 18 : 14، ملوك الثاني 9 : 24، مزمور 45 : 5)
هذه الكلمة (بالعبريةLebأوLebab) استُخدمت 850 مرة في العهد القديم بالمفاهيم التالية:
- مركز الطاقة الجسدية (مزمور 22 : 14، إشعياء 1 : 5)
- مركز الرغبة (أمثال 6 : 25)
- مركز المزاج أو الاضطراب (خروج 4 : 21، صموئيل الثاني 17 : 10، ملوك الأول 8 : 23، 11 : 3، 12 : 27، حزقيال 21 : 7)
- مركز الإرادة (صموئيل الثاني 7 : 27، ملوك الثاني 12 : 4)
- مركز التفكير (تكوين 6 : 5)
- مركز الإدراك (تثنية 29 : 4)
- مركز الفهم (ملوك الأول 3 : 9، أمثال 28 : 26)
- مركز الذات (تكوين 17 : 17، ملوك الأول 8 : 47 أو “ذواتهم” جامعة 2 : 1)
- مركز الوعي (صموئيل الأول 24 : 5، صموئيل الثاني 24 : 10)
وفي العهد الجديد تُذكر كلمة “قلب” (GK. Kardia) حوالي 155 مرة ولها دلالات ومعاني مشابهة لاستخدام العهد القديم:
- مركز الحياة الجسدية والطاقة (يعقوب 5 : 5)
- مركز المشاعر (يوحنا 14 : 1، 16 : 6، أعمال الرسل 2 : 26، كورنثوس الثانية 2 : 4)
- مركز الإرادة (أعمال 11 : 23، كورنثوس الثانية 9 : 7)
- مركز الرغبات (رومية 10 : 1)
- مركز التفكير (متى 11 : 29، 13 : 15، بطرس الأولى 1 : 22)
- مركز المنطق (لوقا 12 : 45)
- مركز العقل (أعمال 7 : 23، كورنثوس الأولى 2 : 9)
- مركز الذات (متى 15 : 8، رومية 6 : 17، 10 : 10)
- مركز الضمير (يوحنا الأولى 3 : 20 – 21)
ويُصوّر القلب عادة على أنه مركز السيطرة والتحكم في حياة الإنسان (أمثال 4 : 23، متى 6 : 21، 12 : 35، مرقس 7 : 21 – 23). أي مبدأ (سواء الله، الشيطان، أو الخطيئة) يتحكم في القلب يعبر عن نفسه في حياة الإنسان ذاتها. فالقلب في حد ذاته ليس لديه مواصفات أخلاقية.
- كون الإنسان فاسد بطبعه، فقلب الأشخاص الغير مُخلّصين يميل تجاه الخطية (أرميا 17 : 9، 18 : 12)
- وعندما تطهرنا بدماء المسيح، يميل قلب الإنسان المُخلّص تجاه الصلاح (أعمال الرسل 15 : 9، تيطس الثانية 2 : 22، عبرانيين 10 : 22، بطرس الأولى 1 : 22)
- من القلب ينبع كلا من الضمير الخيّر والشرير (مزمور 119 : 11، أعمال الرسل 5 : 3، رومية 5 : 5، كولوسي 3 : 15 ، 16، أفسس 3 : 17، رؤيا 17 : 17)
- القلب محكوم بالخطية (متى 12 : 34، 35، مرقس 7 : 21 – 23، لوقا 8 : 15)
عندما يشير الكتاب المقدّس للروح القدس على أنه “أعطي عربون الروح في قلوبنا” (كورنثوس الثانية 1 : 22، غلاطية 4 : 6) وهذا يعني أنه قد مُنح لنا عند الخلاص، والآن يسكن فينا (يوحنا 14 : 16-17، يوحنا الأولى 3 : 24). إن حقيقة الإشارة لله على أنه “فاحص القلوب” توضح أنه يعرف كل شيء عنا، وبالأخص أفكارنا، وأغراضنا، ودوافعنا، ورغباتنا، ومشاعرنا الداخلية (رومية 8 : 27) “وَلكِنَّ الَّذِي يَفْحَصُ الْقُلُوبَ” تعني أنه يختبر حياتنا من الداخل (تسالونيكي الأولى 2 : 4) ، وأن “نؤمن بقلوبنا” يعني أن نختبر الإيمان الخلاصي بكل كياننا الداخلي، عقلنا، مشاعرنا وإرادتنا (متى 15 : 8، رومية 6 : 17، 10 : 10). وكذلك “العمل من القلب” تعني القيام بفعل ما بكل ما في كيان الإنسان (كولوسي 3 : 23، مرقس 12 : 30، متى 15 : 8)
المعدة
بالإضافة لمعناها الجسدي، فإن كلمة “معدة” (بالعبرية beten) في العهد القديم تمثل مركز المشاعر (يعقوب 20 : 20، مزمور 31 : 9) والفكر (يعقوب 15 : 35) وذات الإنسان (عدد 2). وفي العهد الجديد تعني الكلمة (GK Koilia) ذات الإنسان الداخلية (يوحنا 7 : 38) أو الذات (رومية 16 : 18). وبصفة عامة تشير للعضو الجسدي (لوقا 15 : 16)
الأحشاء
أحيانًا، تشير للعضو الجسدي، ولكن في أغلب الأحيان لها معاني جسدية وروحية. ففي العهد القديم الأحشاء (بالعبرية meim) هي مركز المشاعر (أشعياء16 : 11، أرميا 31 : 20، نشيد الأنشاد 5: 4، مراثي أرميا 1 : 20). وفي العهد الجديد تعني الكلمة (GK splagchna) مركز المشاعر )كورنثوس الثانية 6 : 12، فيلبي 1 : 8، 2 : 1، كولوسي 3 : 12، فليمون 7) والذات (فليمون 12، 20)
الكلية
في العهد القديم تشير كلمة “الكلية” (بالعبرية leylayoth) إلى مركز المشاعر (أمثال 23 : 16)، العقل (مزمور 16 : 7)، الذات الداخلية بأفكارها، أغراضها، دوافعها (مزمور 7 : 9، 25 : 2، أرميا 11 : 20، 12 : 2، 20 : 12) والضمير (مزمور 73 : 21). وفي العهد الجديد وردت هذه الكلمة فقط (GK nephros) بمعنى الذات الداخلية بكل أفكارها، أغراضها، ودوافعها (رؤيا 2 : 23).
الأفعال الأخلاقية
الإنسان من خلال عقله يفكر فيما يجب عليه فعله في موقف معين. فإراداته على أي حال، يجب أن تترجم لفعل لإتمام هذا الفعل. وفي كثير من الأحيان تكون قوى الإنسان المنطقية والعقلانية غير كافية بمفردها لتحرك الإرادة، ومن هنا يأتي دور مشاعر الإنسان. فلن يفكر فقط فيما ينبغي عليه فعله، ولكنه سيبدأ في حب فعل ما وكراهية فعل آخر.
ولهذا، فإن المشاعر التي ترتبط جدًا بالإرادة توظف وتستخدم كقوة لتحويل الإرادة لفعل. من الممكن في بعض الأحيان أن تلعب المشاعر دور كبير في هذا الأمر بحيث أن قوى التفكير والمنطق تُترك جانبًا ويتم السيطرة على الإرادة بالمشاعر. وفي هذه الحالات فقد فعل الإنسان ما يرغب به، وليس بالضرورة ما فكر فيه واعتقد أنه الفعل الأفضل. وعندما تعمل الإرادة في تناغم مع العقل والمشاعر ينتج عنها الفعل الأخلاقي.
الضمير
إن مصطلح “الضمير” (Gr suneidesis) لم يرد أبدًا في العهد القديم، ولكنه ظهر ثلاثين مرة في العهد الجديد. وهو مشتق من المعنى اليوناني “المعرفة المصاحبة” أو “المعرفة المساعدة” (بالذات). إنها الشهادة التي تُحمل لسلوك الإنسان من خلال الوعي. والقدرة التي من خلالها نفهم مشيئة الله. وبالتالي فهو يحكم حياتنا. وهو مراقب أخلاقي يعرف اتجاهاتنا وأفعالنا الأخلاقية المرتبطة بالمعايير الأخلاقية أو القانون الذي يُعرف على أنه ذاتنا الحقيقية، ولهذا له السلطان علينا. لذلك فهو الشعور بالبراءة (كورنثوس الثانية 4 : 2، 5 : 11) أو الشعور بالذنب أمام الله (العبرانيين 10 : 2). أنه الضمير الذي يأمرنا بالأفعال الحسنة ويدين الأفعال السيئة ليحفزنا على فعل الأولى وتفادي الأخيرة (رومية2 : 15، 9 : 1، 10 : 25 – 27، 5:13، كورنثوس الثانية 1 : 12)
وظائف الضمير
التمييز
أن العمل الرئيسي للضمير هو عمل تمييزي حيث أنه يوضح إذا ما كانت أفعال الإنسان وأحواله تتفق مع المعايير الأخلاقية.
والمعيار هو قانون أو قاعدة للسلوك الذي يتبناه الإنسان لنفسه. والضمير هو من يحكم إذا ما كان الإنسان يتفق أو لا يتفق مع هذا المعيار. وهو سيقرر دائمًا بصورة صائبة بما يتوافق مع الإنسان، ومن هذا المنطلق يكون الضمير معصوم ومُنبه. فللضمير القدرة على التمييز وسوف يتخذ القرار في ضوء المعايير التي تُمنح له.
التوبيخ
الضمير يوبخ أيضًا حيث أنه يوضح ويميز الأفعال والحالات التي يكون فيها إجبار واضطرار. بمعنى أن الضمير يقنع ويؤثر على وعي الفرد بأنه إما تصرف تصرفًا صائبًا أو عليه أن يتصرف بطريقة صائبة بعد توصله لقرار معين.
يحكم الضمير بناء على المعايير المعطاة له. إذا كان المعيار الأخلاقي الذي تقبله العقل غير كامل، فإن قرارات الضمير، رغم كونها عادلة إلى حد ما، قد تكون غير عادلة بالمرة.
إن المعيار الوحيد الصادق للضمير هو كلمة الله كما يفسرها الروح القدس. وعندما يحكم طبقًا للمعايير الأخرى فبالتالي ستكون قراراته غير معصومة من الخطأ، ولكن عندما يحكم طبقًا للنصوص الكتابية المقدّسة، فبالتالي تكون أحكامه معصومة من الخطأ.
الحالة الأصلية للإنسان
يصف النص الكتابي حالة الإنسان الأصلية (الأولى) من خلال جملة “على صورة الله وشبهه” (تكوين 1 : 26 – 27، 5 : 1، 9 : 6، كورنثوس الأولى 11 : 7، يعقوب 3 : 9). لا يبدو هناك أي اختلاف بين الكلمتين العبريتين “صورة” و “شبه”. يُعرّف العلماء العبريين Brown, Driver and Briggs الأولى على أنها “الصورة، الشبه” والأخيرة على أنها “الشبه والتشابه”2
الصورة
الصورة تعني “ظل أو إطار الشكل، بينما يشير الشبه إلى تشابه هذا الظل مع الشكل” ولكن هذا يجعل لهما معنى متشابه. مما تتكون هذه “الصورة و الشبه”؟
كان تشابه روحي
فالإنسان يشبه الله روحيًا في أن الله الذي هو روح يتواصل مع روح لإنسان (رومية 8 : 15 – 16، كرونثوس الأولى 2 : 10 – 16)، ويشرح اللاهوتي Hodge:
“أن الله روح، وكذلك روح الإنسان. والصفات الرئيسية للروح هي العقل، الضمير، والإرادة. والروح هي كيان عقلاني، أخلاقي وبالتالي يكون حرًا. وبخلق الإنسان على صورته، لذلك فقد منحه الله هذه الصفات التي تنتمي لطبيعته الخاصة كروح. ولذلك فالإنسان مميز عن سائر مخلوقات العالم، وارتفع فوقهم جميعًا بصورة فائقة. فهو خُلق على صورة الله ذاته، ولذلك قادر على التواصل مع خالقه. فالتوافق في الطبيعة بين الإنسان والله…هو شرط ضروري لقدرتنا على معرفة الله، وبالتالي يكون أساس طبيعتنا المتدينة. وإذا لم نكن مثل الله، لم يكن بإمكاننا أن نعرفه. وكنا سنصبح مثل الحيوانات التي تفنى”3
ومن خلال التقديس أصبح الإنسان “وَلَبِسْتُمُ الْجَدِيدَ الَّذِي يَتَجَدَّدُ لِلْمَعْرِفَةِ حَسَبَ صُورَةِ خَالِقِهِ” (كولوسي 3 : 10). وهذا التجديد يبدأ في التغيير، ولكنه يستمر في التقديس. وهذا التشابه مع الله غير قابل للانتهاء (لا ينتهي)، وحيث أنه يشكل قدرة الإنسان على الفداء، فهو يعطي قيمة للحياة حتى لتلك التي لم تتغير وتتجدد (تكوين 9 : 61، كورنثوس الأولى 11 : 7 ، يعقوب 3 : 9). وعلى أية حال، يعتقد أصحاب نظرية التطور أن الإنسان الأول هو خطوة أولى تفوق البهيمية.
كان تشابه أخلاقي
إن هذا “التشابه مع الله” هو توافق اخلاقي مع الله. بمعنى أن الإنسان كان مسايرًا لقوى أفعال الخير والشر.
هذا التشابه بين الإنسان والله يتضح في النص الكتابي. إذا كان في تجديد الإنسان الجديد ” وَتَلْبَسُوا الإِنْسَانَ الْجَدِيدَ الْمَخْلُوقَ بِحَسَبِ اللهِ فِي الْبِرِّ وَقَدَاسَةِ الْحَقِّ” (أفسس 4 : 24) فمن المعقول أن نستنتج أن الإنسان في الأصل كان لديه كلا من القداسة والطهارة. فالنص في تكوين 1 ، 2 يحمل هذا المعني. وفي هذه الحالة وحدها كان من الممكن للإنسان أن يتشارك ويتواصل مع الله القدوس الذي لا يسر أو يحتمل للشر (عبرانيين 1 : 13). ويؤكد سفر الجامعة 7 : 29 ذاكرًا “أَنَّ اللهَ صَنَعَ الإِنْسَانَ مُسْتَقِيمًا”. ومن هذا يمكننا أن نستنتج أيضًا في تكوين 1 : 31 “و رأى الله كل ما عمله فاذا هو حسن جدا”. وذلك يشمل الإنسان، ولم يكن ذلك حقيقيًا لو كان الإنسان غير كامل أخلاقيًا.
القداسة أسمى من البراءة. فليس كافيًا أن نقول إن الإنسان خُلق في حالة من البراءة. وكان من الممكن أن يكون ذلك حقيقيًا، إذا كان حُرم من التقييم الأخلاقي. ولكن الإنسان لم يخلق فقط بريئًا، ولكنه خُلق ليكون مقدسًا. فشرط التجديد هو استعادة الإنسان لحالته الأصلية. ويوصف صلاحه على أنه “مجدد” كما في أفسس 4 : 21، و “قداسة الحق” في أفسس 4 : 24. وهذه هي الشخصية المثالية الايجابية وليس فقط البريئة.
يمكن تعريف القداسة الأصلية على إنها الميل تجاه ما يحبه الإنسان ويريده والتي يصاحبهما قوة الإختيار. وهي تتميز عن القداسة التي اختبرها القديسون، على أنها محبة بديهية وبراءة طفولية تختلف عن القداسة التي نمت وصُقلت بعدم الاستسلام للإغراءات.
كان تشابه اجتماعي
لله طبيعة اجتماعية، لذلك فقد منح الإنسان طبيعة اجتماعية. وبالتالي يبحث الإنسان عن الرفقة.
ففي المقام الأول وجد شركته في الله نفسه “وسمعا صوت الرب الإله ماشيا في الجنة عند هبوب ريح النهار” (تكوين 3 : 8) وتحدث مع الله خالقه. لقد خلق الله الإنسان لذاته، ووجد الإنسان رضا كامل في الشركة مع إلهه وربه.
ثانيًا، منحه الله شركة بشرية. فقد خلق المرأة حيث قال ” لَيْسَ جَيِّدًا أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ، فَأَصْنَعَ لَهُ مُعِينًا نَظِيرَهُ” (تكوين 2 : 18). وليجعل هذه الشركة حميمة، خلق المرأة من أحد عظام الرجل. وعرف آدم أن حواء عظم من عظامه، ولحم من لحمه، لذلك دعاها “امرأة” بسبب هذه العلاقة الحميمة بينهما “لِذلِكَ يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيَكُونَانِ جَسَدًا وَاحِدًا” (أعداد 23 ، 24)
لذلك من الواضح أن الله قد خلق الإنسان بطبيعة اجتماعية، لأن له طبيعة اجتماعية. ومن الواضح أن الله وفر له كل ما يحتاجه ليصبح اجتماعيًا. فحب البشر والاهتمامات الاجتماعية تنبع مباشرة من هذا العنصر في طبيعة الانسان الاجتماعية والتي لم يفقدها تمامًا عند سقوطه (رغم أنها قد تشوهت أو تلوثت).
ملخّص
لقد رأينا أن الإنسان يأتي على قمة خليقة الله ” أحمدك من أجل أني قد امتزت عجبا”(مزمور 139 : 14). ولأن الإنسان خلُق على صورة الله وشبهه، فهناك إلى حد ما تشابه مع الله. إن صورة الله في البشرية تشكل هذه الصفات الإلهية التي تجعل من العبادة، التفاعل الشخصي، العمل شيئًا ممكنًا. وجزء من هذا التشابه يشمل دعوة البشرية لحكم الأرض والسيطرة عليها. فنحن مدعوين لنملأ الأرض ونتجه نحوها بينما نعكس شخصية الله الذي بصلاحه يحكم هذا الكون بالعدل واللطف.
روحيًا يشابه الإنسان الله حيث أن الله الروح يتواصل مع روح الإنسان (رومية 8 : 15 – 16، كورنثوس الأولى 2 : 10 – 16). وهناك تشابه أخلاقي في هذا الإنسان، فمثل الله، يتخذ قرارات أخلاقية. وهناك تشابه عقلاني في الإنسان، فهو مثل الله يفكر ويعمل بالمنطق. وكذلك تشابه عاطفي مع الله، فهو يختبر كل أنواع المشاعر مثل الله. هناك تشابه إرادي مع الله، حيث يختبر ارادته من خلال قراراته واختياراته مثل الله. تشابه اجتماعي، فالإنسان مخلوق اجتماعي يحيا من خلال العلاقات تمامًا مثل الله. نجد تشابه جسدي عندما تجسد الله الكلمة آخذًا صورة إنسان (كولوسي 2 : 9، عبرانيين 10 : 5 – 10) “صائرًا في شبه الناس” (فيلبّي 2 : 7)
انحرف الإنسان عن طبيعته التي ولد بها حتى قبل أن يفعل الخطية (مزمور 51 : 5) بسبب معصية آدم الذي يمثل البشرية (رومية 5 : 12 – 16، كورنثوس الأولى 15 : 21، 11). ولأننا جميعًا أبناء آدم، فقد انفصلنا عن الخالق وكنا مستحقين للعقاب المقدّس الإلهي (أفسس 2 : 3) والذي نتج عنه الموت الروحي والجسدي. إن خطيئتنا هي التي فصلتنا عن الله الذي لا يقدر أن يحتمل الخطية أو أن يشترك (يتواصل) مع المخلوقات المخطئة (إشعياء 59 : 2، عبرانيين 12 : 14). كوننا قد انحرفنا داخليًا، فقد مات الإنسان كعقاب له على الخطايا (أفسس 2 : 1- 5، كولوسي 2 : 13) وبدون النعمة لم يكن بمقدوره العودة لله (كورنثوس الأولى 2 : 14 ، غلاطية 2 : 16، 3 : 10 – 11، 22، أفسس 2 : 4 – 9)
منح يسوع المسيح الخلاص لكل البشر. وهؤلاء من تابوا وآمنوا به تبرروا على حساب دمه المسفوك، وولدوا ثانية من الروح القدس، وأصبحوا أولاد الله. فالخلاص بالنعمة وحدها من خلال الإيمان الذي يحافظ على الأعمال الصالحة. فنحن لم نخلص بالنعمة والأعمال الحسنة (الأعمال الصالحة)، ولكن من خلال الإيمان الطيب (الإيمان الحي) الذي يُظهر نفسه من خلال الأعمال الصالحة (أفسس 2 : 10، غلاطية 5 : 6)
تقدير الذات
يُعرّف الكثير تقدير الذات على أنه “الشعور بالقيمة بسبب المهارات، الانجازات، الحالة، الموارد المالية، أو المظهر”. وهذا النوع من تقدير الذات يمكن أن يؤدي بالشخص للشعور بالاستقلالية والغرور والانهماك في الاعجاب المتزايد بالذات، والتي تقلل من سعينا للتقرب لله. تخبرنا رسالة يعقوب 4 : 6 أن “يقاوم الله المستكبرين أما المتواضعون فيعطهم نعمة” إذا اعتمدنا فقط على مصادرنا الأرضية، فبالتأكيد سينتابنا الشعور بالقيمة المرتكز على الغرور. أخبرنا يسوع “انتم أيضًا متى فعلتم كل ما أمرتم به فقولوا أننا عبيد بطّالون لأننا إنما عملنا ما كان يجب علينا” (لوقا 17 : 10)
وهذا لا يعني أن على المسيحيين أن تنتابهم روح الدونيّة. أنها تعني فقط أن إحساسنا بكوننا أشخاص ماهرين لا يجب أن يعتمد على ما نفعل، بقدر ما يعتمد على من نحن في المسيح. نحتاج أن نتواضع أمامه، وهو سوف يكرّمنا. ويذّكرنا مزمور 16 : 2 “قلت للرب انت سيدي. خيري لا شيء غيرك”. يحقق المسيحيون قيمتهم الذاتية من خلال العلاقة الصحيحة مع الله. ونعرف قيمتنا بسبب الثمن الغالي الذي دفعه الله فينا من خلال دماء ابنه، يسوع المسيح.
وبمفهوم ما، فإن الشعور بالدونيّة يتعارض مع التكبر والغرور. وفي مفهوم آخر يكون الشعور بالدونية شكل من أشكال الغرور. بعض الناس لديها الشعور بالدونيّة لآنه لديهم الرغبة أن يشعر الناس بالشفقة عليهم ومن ثم يتنبهوا لوجودهم، ويعملون على راحتهم. وقد يكون لسان حال الشعور بالدونية “أنظر إلىّ” تمامًا مثل الغرور. يأخذ هذا الاتجاه طريقين مختلفين لتوصيل نفس الرسالة والمعنى، أي الانشغال بالذات، الهوس بالذات، والأنانية. بدلاً من هذا نكون غير أنانيين، نموت عن ذواتنا، ونعكس أي انتباه يأتي لنا للإله العظيم خالقنا وجابلنا.
يقول الكتاب المقدّس أنه الله أعطانا القيمة والاستحقاق عندما اشترانا لنصبح أولاده (أفسس 1 : 14). ولهذا السبب، يستحق هو وحده الإكرام والتسبيح. وعندما يكون لدينا تقدير للذات على أساس صحي سليم، فسوف نقيمّ أنفسنا بصورة لا تجعلنا ننشغل بالخطيئة التي تستعبدنا. وبدلاً من هذا، علينا أن نسلك باتضاع، منشغلين بالآخرين أكثر من أنفسنا (فيلبي 2: 3). وتحذرنا رومية12 : 3 ” فَإِنِّي أَقُولُ بِالنِّعْمَةِ الْمُعْطَاةِ لِي، لِكُلِّ مَنْ هُوَ بَيْنَكُمْ: أَنْ لاَ يَرْتَئِيَ فَوْقَ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَرْتَئِيَ، بَلْ يَرْتَئِيَ إِلَى التَّعَقُّلِ، كَمَا قَسَمَ اللهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِقْدَارًا مِنَ الإِيمَانِ”