مقالات

أسلوب الآب عندما يقول الآباء الصالحون نعم ولا

 

يخبرنا الكتاب المقدّس أن الأبوة الأرضية مشتقة من الأبوة الإلهية. يحني الرسول “بولس” ركبتيه أمام الآب “الَّذِي مِنْهُ تُسَمَّى كُلُّ عَشِيرَةٍ (أبوة بمعناها الحرفي) فِي السَّمَاوَاتِ وَعَلَى الأَرْضِ” (أفسس 15:3). إحدى النتائج المترتبة على هذه الحقيقة الأساسية هي أن على الآباء الأرضيين أن يقلدوا الآب الإلهي فهو النموذج لكل أبوة (وأمومة).

 

إذا تأمل الآباء في الله كأب، يجدر بهم أن يفكروا جيدًا في العلاقات والقواعد التي أرساها الله في جنة “عدن”، وخاصة في كيفية استخدامه لنعم ولا.

 

عالم الله لـ “نعم”

تذكر أن الرب غرس جنة في “عدن” وملأها بأشجار شهية للنظر وجيدة للأكل (تكوين 9:2). ثم وضع الإنسان في الجنة ليعملها ويحفظها (تكوين 15:2)، وعينه حارسًا كهنوتيًا لقدس جنة الله. ثم أعطى الله لـ”آدم” القصد الأدبي من وراء هذه الجنة:

“وَأَوْصَى الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ قَائِلًا: «مِنْ جَمِيعِ شَجَرِ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ أَكْلًا، وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا، لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتًا تَمُوتُ«” (تكوين 16:2ـ17)

 

لاحظ أن هناك ثلاث سمات للقواعد التي وضعها الله في الجنة. أولاً، كان هناك “لا” واحدة في عالم الـ “نعم”. ثانيًا، “نعم” جاءت أولاً. ثالثًا، “لا” لم تكن حقيقية.

 

لكل هذه السمات الثلاثة أهمية بالغة. لم يخلق الله عالمًا لـ “لا”، أي مليئًا بالرفض والتحفظات. بل خلق عالمًا من “نعم” وأيده تأييدًا شديدًا. قدم الله لـ “آدم” بستانًا مملوءًا بالمسرات، أشجار جميلة وفاكهة شهية، وأول حكم له كان “مِنْ جَمِيعِ شَجَرِ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ أَكْلًا (ما عدا واحدة). كان هناك “لا” واحدة في ذلك العالم. ولغايتنا ومنفعتنا، دعونا نسميها “أسلوب الآب”.

 

تعلم التربية من الأكاذيب

نرى أهمية وقيمة أسلوب الآب عندما تهاجمه الحية. أول سؤال لها كان: “أَحَقًّا قَالَ اللهُ لاَ تَأْكُلاَ مِنْ كُلِّ شَجَرِ الْجَنَّةِ؟” (تكوين 1:3). بكلمات أخرى، تسأل: “هل خلق الله عالمًا من النهي والمحظورات؟” وبذلك تحول الحية بكل دهاء النهي الوحيد إلى نهي كامل. تحول الـ “لا” الوحيدة إلى عالم كله “لا”. هذا الاعتداء على أسلوب الآب هو سبب وصف “بولس” لمن يُحرمون الزواج ويأمرون بالامتناع عن أطعمة الله الجيدة بأنهم كذابون تابعون لتعاليم شياطين (1 تيموثاوس 1:4ـ5).

 

في الوقت نفسه، يجب ألا ننسى أنه كان هناك في الواقع لا. هاجمت الحية أيضًا هذا الجانب من أسلوب الآب. عندما أشارت “حواء” عن حق إلى أنه لا يوجد إلا “لا” واحدة في عالم الـ “نعم” وأن انتهاك هذه الـ “لا” الوحيدة سيقود إلى موت محقق، أجابت الحية: “لَنْ تَمُوتَا!” (تكوين 4:3). كما دمرت الحية سابقًا “لا” الوحيدة بصورة غير واقعية، تعمل الآن على تقليص النتيجة الحقيقية من الواقع.

 

باختصار، حاولت الحية تصوير الله كرجل بخيل يطلق تهديدات فارغة. لكن أبانا ليس بخيلاً يطلق تهديدات فارغة بل هو مانح ودائمًا يُكمل أي مهمة حتى نهايتها. هذا هو أسلوب الآب. إذًا ماذا يمكن للأمهات والآباء أن يتعلموا من تصميم الله الجيد في الجنة؟ كيف يمكننا أن نسعى لتقليد أسلوب الآب؟

 

الدرس الأول: حِد من استخدام لا

أولاً، من الخير والصواب لنا أن نحِد من عدد “لا” الذي نضعه على أولادنا. بينما نحتاج بكل تأكيد إلى أكثر من واحدة (إذ نعيش في عالم ساقط على أي حال)، فجدير بالملاحظة أن أساس حياة بني “إسرائيل” كان الوصايا العشر، وأن في العهد الجديد، لخص الرب العشرة في اثنتين: تحب الله من كل قلبك، وتحب قريبك كنفسك (متى 37:22ـ39).

 

في كل من هذه الحالات، نجد أن “لا” محدودة ومركزة على أشياء أكبر. من الطرق التي يمكنك بها تطبيق هذا النهج هو أن تسأل نفسك: “ما هي القواعد التي يجب أن يتذكرها أطفالي دائمًا؟” في بيتنا، وبعد أن سرنا وراء نصيحة بعض الأصدقاء الأكثر حكمة، أرسينا في وقت مبكر قاعدتين أساسيتين:

 

  1. أطيع أمي وأبي ـ في كل شيء، وفورًا، وبقلب سعيد.
  2. أقول الحقيقة دائمًا.

 

وبعد أن كبر أطفالنا ونضجوا، أضفنا قاعدة ثالثة: أعامل الآخرين بالطريقة التي أريد ان أُعامَل بها.

 

من الواضح أن القاعدة الأولى تتضمن الكثير. نعطي كآباء ـ كل يوم ـ تعليمات وأوامر وتوقعات لأطفالنا، لكننا لا نتوقع منهم أن يحفظو كل أمر، وكل قاعدة منزلية، وكل وصية ذكرناها. لكن ننتظر طاعة كاملة وفورية وسعيدة عندما تأتي الأوامر.

 

الهدف من التربية

قواعد أقل تشدد التركيز في المكان المناسب. النظام الأدبي لبيتك، مثل النظام الأدبي لجنة “عدن”، يقوم أساسًا على الثقة والعلاقة. الشيء الأساسي الذي نطلبه من أولادنا هو هذا: ثق في صلاح وحكمة والديك، وعبر عن تلك الثقة من خلال طاعة كاملة وفورية وسعيدة. أن يكون لديك قواعد أقل (وأكثر حكمة) يوجههم إلى الموضوع الصحيح.

 

القواعد الأقل تعيد توجيه الآباء أيضًا. العدد القليل من القواعد الجيدة يحفظنا خارج فخ: “إذا قلت لك مرة…” أي توقع أن يتذكر أطفالنا كل قاعدة وضعناها لهم. “لماذا تقف على كرسيك يا “بيلي”؟ ألم أقل لك الشهر الماضي ألا تقف على كرسيك أبدًا؟” نصاب بالإحباط عندما نضطر أن نذكر أطفالنا ونقومهم ونحرضهم على تنفيذ جميع قواعد المنزل المختلفة (والمجاملات الأساسية للحياة). وهذا يُعد فشلاً في الوصول إلى الهدف من التربية.

 

تعليم وتقويم وتوجيه وتذكير، هذه هي أساسيات أسلوب الآب. هذا هو ما نحن كآباء مدعوون للقيام به، وعلينا القيام به في كل شيء وفورًا بقلب سعيد.

 

سعادة التربية

للتأكيد على هذا بصورة عملية، دعونا نقل أن “بيلي” يقف على كرسيه على مائدة العشاء (مرة أخرى). الخطوة الأولى هي أمر وتذكرة. “إننا لا نقف على كرسينا على مائدة العشاء يا “بيلي”. إذا جلس، فإن كل شيء على ما يرام. لكن أحيانًا ينظر إليك “بيلي” نظرة تقول: “من سيجبرني؟” نتجه إلى التأديب في تلك الحالة، ليس بسبب الوقوف على الكرسي، لكن بسبب التحدي السافر. لقد كسر “بيلي” القاعدة رقم 1، ولا بد أن يكون هناك عواقب.

 

أو ربما يقفز “بيلي” على الكرسي لدقيقة ثم يجلس. أو يجلس مكتوف الأيدي عابس الوجه. بكلمات أخرى، أطاع “بيلي”، لكن ليس “في كل شيء، وفورًا، وبقلب سعيد”. هذه فرصة لمزيد من التعليم والممارسة. ذكِر “بيلي” بالقاعدة الكاملة، ثم اطلب منه أن يقف مرة أخرى على الكرسي. أعط الأمر مرة ثانية، وانتظر الطاعة الكاملة والفورية والسعيدة. وإذا حصلت عليها، أغدق عليه بالمدح والبهجة لأن “بيلي” حافظ على علاقة الثقة والفرح بالتجاوب الصحيح مع أسلوب الآب.

 

الدرس الثاني: قل لا لحماية الخير

بالإضافة إلى الحد من عدد القواعد التي نتوقع أن يتذكرها أطفالنا، ربما يجدر بنا أن نفكر كيف يستخدم أسلوب الآب النواهي. ببساطة، على طريقة أسلوب الآب، كل “لا” تحمي بعض الـ “نعم”. صُممت النواهي في الوصايا العشر لحماية الأشياء الجيدة. “لاَ تَقْتُلْ” تحمي الحياة. “لاَ تَزْنِ” تحمي الزواج. “لاَ تَسْرَقْ” تحمي الممتلكات. وهكذا. تلعب هذه النواهي دور الأسوار التي تحيط بمدينة ما لتضمن نمو وازدهار الأشياء الجيدة داخل المدينة.

 

وبتطبيق هذا على تربيتنا نجدنا نسأل أنفسنا بانتظام: “عندما أقول لا لأطفالي، ما هو الشيء الجميل الذي أقوم بحمايته؟ ما هي النعمة التي أحرسها؟” في كثير من الأحيان لا نقول لا لنحرس بعض الأشياء الجميلة بل لنوفر على أنفسنا بعض العناء أو المتاعب. وهذا يقودنا إلى ثالث تطبيق لأسلوب الآب.

 

الدرس الثالث: قل نعم لشيء أفضل

عندما نقول لا، يجدر بنا أن نبحث عن فرصة لنقول فيها نعم لشيء آخر. يخبرنا “الرب يسوع” أننا عندما نطلب من الله خبزًا لا يعطينا حجرًا. وعندما نطلب منه سمكة لا يعطينا حية (متى 9:7ـ11). بمعنى آخر، يعطينا الله ما نطلب، أو يعطينا شيئًا أفضل. إذا طلبنا خبزًا، يعطينا خبزًا أو كعكة. إذا طلبنا سمكة، يعطينا سمكة أو شريحة لحم.

 

يجب تعريف هذا “الشيء الأفضل” على نطاق واسع. ربما نقول “لا” (أو “ليس بعد”) لأننا نعطي لأولادنا عطية الصبر (وهي أفضل من اشباع كل رغبة لهم). قد نكلفهم بمهمة لأننا نعطيهم عطية الاجتهاد وأخلاقيات العمل المتفاني (وهي أفضل من السماح لهم بالتعود على الكسل والتراخي). قد نقول لا لمزيد من الوقت أمام الشاشات من أجل أن نقول نعم لمزيد من وقت اللعب مع الأب والأم (حيث أن القيمة طويلة المدى للعلاقات الحقيقية تفوق بكثير تأثير الدوبامين المؤقت المنبعث من أجهزتنا).

 

لكننا في جميع الحالات نسعى إلى الاقتداء بالله في أبوته، ولاتباع أسلوب الآب. بالنسبة لنا كآباء لا مفر من قول لا، وهي جيدة مثل الأسوار التي تحيط بالمدينة. لكن لا بد أن نتذكر، كآباء، أن الشيء الأساسي الذي نقدمه هو مدينة “نعم”، بيت “نعم”، المليء بالفرح والحياة والشكر لوفرة كل الأشياء التي تتدفق إلينا من إله “نعم”.

 

 

 

بقلم

“جو ريجني”

 

تم ترجمة المقال بالتعاون مع هيئة      Desiring God

 

يمكنك قراءة المقال باللغة الإنجليزية من خلال الضغط على الرابط التالي:

https://www.desiringgod.org/articles/the-fathers-way

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى