مقالات

المرآة المُصلحة كيف يجددنا الكتاب المقدس ويعكس صورتنا

 

المرايا السيئة تزعجني. من الواضح أن “الفيس تايم” يكذب. ذلك الصندوق في الركن يعكس منظرًا مكبرًا لأنفي المنتفخ. لا أبدو هكذا بكل تأكيد! المرآة التي في حمام الطائرة تظهر قشورًا وبقعًا لم أرها من قبل. هل هذه هي الحقيقة؟ الازدراء في عيون من يعارضني لا يعكس سوى إخفاقاتي. كل ما يظهره لي هو عيوبي. أبتعد عن هذه المرايا وبداخلي شعور بعدم الثقة في النفس. لن ينجذب أحد بالطبع إلى هذا الوجه! أحتاج إلى مرآة أفضل.

لدينا واحدة في الكتاب المقدس. كان القس والشاعر “جورج هربرت” الذي عاش في القرن السابع عشر يحب كلمة الله ويتلذذ بها. افتتح قصيدته “الكتاب المقدس” بمشاعر حارة قائلاً: “أيها الكتاب! يا لها من حلاوة غير محدودة!… ثمينة لأي حزن في أي مكان؛… أنت فيك صحة كاملة”. يستمر “هربرت” في مقارنة الكتاب المقدس بمرآة تلعب دورًا أكبر من مجرد الانعكاس. هذا صحيح لأننا نرى أنفسنا بوضوح في الكلمة؛ فهي تكشف عيوبًا أكثر مما يمكننا تخيله. لكن تغيرنا في نفس الوقت. هذه المرآة تجعلنا أفضل كلما أطلنا النظر فيها. يكتب “هربرت” ويقول:

“… انظر هنا، هذه هي المرآة الشاكرة

التي تصلح عيون الناظرين: هذه هي البئر

التي تغسل ما تظهره

 

مرآة الكتاب المقدس الصادقة تكشفنا وتشكلنا. تخيل مرآة تجعلك تبدو في أبهى صورة كما تتمنى. تخيل بئر ماء صاف لا يعكس فحسب بل يغسلك من الأوساخ والشوائب.عندما نقرأ الكتاب المقدس بقلوب مفتوحة ومتكلة على الروح القدس، هذا ما يحدث.

دعونا نلق نظرة على ثلاث طرق يصبح بها هذا اللقاء مع الكتاب المقدس مرآة مُغيرة.

  1. مرآة الإدانة

العيوب التي تكشفها تلك المرايا الحقيرة بالطائرات لا تقارن بما نراه عن أنفسنا في كلمة الله. يتطلب الأمر قدرًا كبيرًا من الشجاعة للنظر في مرآة الحق هذه. يصف سفر العبرانيين كيف يعمل كلمة الله المقدسة: “لأَنَّ كَلِمَةَ اللهِ حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ، وَخَارِقَةٌ إِلَى مَفْرَقِ النَّفْسِ وَالرُّوحِ وَالْمَفَاصِلِ وَالْمِخَاخِ، وَمُمَيِّزَةٌ أَفْكَارَ الْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ” (عبرانيين 12:4).

هناك سبب وجيه يجعلنا نتهرب من قراءة الكتاب المقدس عندما نعلم أننا لا نعيش حسب دعوتنا في المسيح. الكلمة تخترق النفس ويضيء النور الكامل على الحقيقة القبيحة لدوافعي فأُمسك وأنا أعبد آلهة زائفة. لا يمكن إخفاء قلبي المزدوج وراء واجهة مسيحية إذ كل شيء يظهر واضحًا في ضوء الحق الكتابي.

على سبيل المثال، تستوقفني كثيرًا هذه الآية: “لأَنَّ غَضَبَ الإِنْسَانِ لاَ يَصْنَعُ بِرَّ اللهِ” (يعقوب 20:1). أو وسط انشغالي بكل ما أريد القيام به، تشدني كلمات الرب هذه: “بِمَا أَنَّكُمْ لَمْ تَفْعَلُوهُ بِأَحَدِ هؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ، فَبِي لَمْ تَفْعَلُوا” (متى 45:25). تزيل مرآة كلمة الله الزيف وتظهر لنا حقيقتنا.

كلمة الله تغيرني. هذه المرآة تجعلنا أفضل كلما أطلنا النظر فيها

تخبرنا الرسالة إلى العبرانيين بهذا: وَلَيْسَتْ خَلِيقَةٌ غَيْرَ ظَاهِرَةٍ قُدَّامَهُ، بَلْ كُلُّ شَيْءٍ عُرْيَانٌ وَمَكْشُوفٌ لِعَيْنَيْ ذلِكَ الَّذِي مَعَهُ أَمْرُنَا” (عبرانيين 13:4). لا توجد صورة أكثر واقعية لحالة الإنسان من تلك التي نراها في مرآة كلمة الله. قد نميل إلى إخفاء هذه المرآة تحت غطاء أو على الأقل تحت كومة مجلات. لكن مرآة الكتاب المقدس تظهر لي أيضًا ضوءًا أحتاج إليه بشدة.

  1. مرآة الفداء

يستخدم الروح صورة انعكاسي في الكتاب المقدس ليزيل غطرسة اكتفائي بذاتي. عندما أرى نفسي في الابن الضال أو الأخ الأكبر الغاضب، في التلميذ الخائن أو الفريسي المتعالي المنتقد، أدرك أنه ليس بإمكاني أن أعيش بمفردي حياة ترضي الله. تزيل كلمة الله وهم أنني المسيطر على كل شيء وتكشف عن عجزي وقلة حيلتي، كل هذا كي يعلمني المسيح كيف أبدو وأنا متحد به.

إذا كنت قرأت رسالة “رومية” من قبل، فبالتأكيد تعرف هذا الانتقال من الادانة إلى الفداء. تظهرني الأصحاحات الثلاثة الأولى كمن يقمع الواقع، مستبدلاً ـ بكل حماقة ـ الحق الإلهي بالكذب (رومية 18:1 و25). نبدو جميعًا إلى حد كبير بنفس الشكل في هذه المرآة: إِذِ الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ” (رومية 23:3). أرى نفسي بحق في الكلمة، عدوًا لله ولمقاصده للإنسان. لكن حين أستمر في النظر أرى “يسوع” يصالحني مع الله من خلال موته: وَلكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا” (رومية 8:5). لا يوجد ما يساعدني على تحسين صورتي بخلفية “زووم” إلهية، بل هناك كفارة حقيقية وباهظة الثمن.

عندما أنظر في مرآة كلمة الله، تتجدد لي الرؤية. تتحول صورتي من خاطيء وحيد، معزول باختياراتي الشخصية، إلى شخص مستمتع بالشركة مع المسيح بكل بره. أرى نفسي متحدًا فيه. أنا عضو في جسده، مرتبط بكل الآخرين الذي هم أيضًا فيه (رومية 4:12ـ5). هذه الرؤية الجديدة لنفسي تملأني بـكُلَّ سُرُورٍ وَسَلاَمٍ فِي الإِيمَانِ” (رومية 13:15).

  1. مرآة التغيير

تشجعنا مرآة كلمة الله في رحلة التشبه أكثر وأكثر بالمسيح، أي تقديسنا. نصبح مثل ما ننظر إليه. فمثلاً، أحب أن أكون متواجدًا بين الأشخاص الفرحين، ضحكاتهم وعيونهم الراقصة وتفاؤلهم الدائم يجعلني أرى الحياة بهذه الطريقة. أبتسم أكثر وأحب أكثر عندما أ رى وجهًا يعكس مثل هذه المحبة. لذا عندما أنظر إلى “الرب يسوع” من خلال الكلمة والصلاة، أرى ما كان مفترض أن نكون عليه. فهو يريني أكثر مما أنا عليه لكن بطريقة تجعلني أستطيع المشاركة في كل ما هو عليه.

يصف “يوحنا” هذا قائلاً:

“اُنْظُرُوا أَيَّةَ مَحَبَّةٍ أَعْطَانَا الآبُ حَتَّى نُدْعَى أَوْلاَدَ اللهِ!… أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، الآنَ نَحْنُ أَوْلاَدُ اللهِ، وَلَمْ يُظْهَرْ بَعْدُ مَاذَا سَنَكُونُ. وَلكِنْ نَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا أُظْهِرَ نَكُونُ مِثْلَهُ، لأَنَّنَا سَنَرَاهُ كَمَا هُوَ” (1 يوحنا 1:3ـ2)

عندما أقرأ هذه الكلمات، أرى صورة طفل محبوب يحمله الآب. يعكس لي الكتاب المقدس انتمائي لله. كما يبين لي أن هناك مزيد قادم في الطريق. يومًا ما سأرى الرب بكل مجده: قوته وتواضعه، وداعته وجلاله. فَإِنَّنَا نَنْظُرُ الآنَ فِي مِرْآةٍ، فِي لُغْزٍ، لكِنْ حِينَئِذٍ وَجْهًا لِوَجْهٍ” (1 كورنثوس 12:13). عندما أتملى فيه جيدًا أصبح مثله. وبالمثل يقول “بولس” في مكان آخر:

وَنَحْنُ جَمِيعًا نَاظِرِينَ مَجْدَ الرَّبِّ بِوَجْهٍ مَكْشُوفٍ، كَمَا في مِرْآةٍ، نَتَغَيَّرُ إِلَى تِلْكَ الصُّورَةِ عَيْنِهَا، مِنْ مَجْدٍ إِلَى مَجْدٍ، كَمَا مِنَ الرَّبِّ الرُّوحِ… لأَنَّ اللهَ الَّذِي قَالَ: «أَنْ يُشْرِقَ نُورٌ مِنْ ظُلْمَةٍ»، هُوَ الَّذِي أَشْرَقَ فِي قُلُوبِنَا، لإِنَارَةِ مَعْرِفَةِ مَجْدِ اللهِ فِي وَجْهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ” (2 كورنثوس 18:3؛ 6:4).

ننظر إلى “الرب يسوع” في الكتاب المقدس. وعندما نوجه أنظارنا بعيدًا عن أنفسنا إلى كل ما هو عليه وما يفعله، نتغير من الداخل إلى الخارج. يُعَد “الرب يسوع” مرآة لما يجب أن نكون عليه وكل ما سنكون عليه فيه.

مرآة الكتاب المقدس

ننظر إلى مرآة الكتاب المقدس ونرى أنفسنا بدقة مخيفة. لكن إذا أطلنا النظر بالإيمان سنرى أنفسنا مأسورين في المسيح. إنه يُصلح من حالنا بينما ننظر إليه في كلمته ثم نتغير لنكون شبهه.

يختم “هربرت” قصيدته بتشبيه آخر. فيقول عن الكتاب المقدس: “تمتد السماء فيك”. إن عظمة مجد المسيح السماوي مستعرضة على صفحات الكتاب المقدس. إننا لا نتقدم إلى المسيح في كلمة الله إلا عندما ننحني أمامه بكل خشوع وتواضع. فالمرآة المُصلحة “تخضع لكل ركبة ساجدة”. أتوب وأسمح لأول تأثير من الكلمة أن يحركني لأصرخ طلبًا للنعمة. ثم أكتشف كيف تطهرت صورتي وأُخذت إلى مجد وجه المخلص الذي أراه معلنًا في الكتاب المقدس.

 

 

بقلم

“جريت سكوت دوسون”

تم ترجمة المقال بالتعاون مع هيئة Desiring God

يمكنك قراءة المقال باللغة الانجليزية من خلال الضغط على الرابط التالي:

https://www.desiringgod.org/articles/the-mirror-that-mends

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى