مقالات

ذكـر وأنثـى إلـى الأبـد؟ التكامل في الخليقة الجديدة

 

هل ستستمر علاقة التكامل بين الرجل والمرأة في السماء الجديدة والأرض الجديدة؟ إذا كان الأمر كذلك، ماذا يمكننا أن نتعلم عن استمرار التمييز بين الرجل والمرأة في الخليقة الجديدة؟

 

إن المعلومات الكتابية عن ملامح الحياة في المستقبل محدودة للغاية، لذا يجب علينا أن نقر بالطابع الفضولي لسؤالنا في البداية. ومع ذلك يمكننا استخلاص استنتاجات منطقية مما يقوله الكتاب المقدس عن الحياة في القيامة، خاصة من الطريقة التي يتناول بها الذكورة والأنوثة في الخليقة، وبعد السقوط، وفي الفداء.

 

النعمة تجدد الطبيعة

قبل الخوض في العلاقة التكاملية في الخليقة، من الضروري تقديم مفهوم لاهوتي تعتمد عليه فكرة هذه المقالة. وفقًا لعالم اللاهوت الهولندي الإصلاحي “هيرمان بافينك” فإن أحد مبادئ الإصلاح الأساسية ينادي بأن النعمة لا تدمر الطبيعة. ما خلقه الله في البداية طبيعي، وما هو طبيعي يكون جيدًا ولا تفسده مقاصد الله الخلاصية. بل إن النعمة تجدد الطبيعة وتردها إلى الحياة. يقول “بافينك” شارحًا:

“لا تفيد النعمة في رفع البشر إلى نظام خارق للطبيعة بل في تحريرهم من الخطية. النعمة لا تعارض الطبيعة، بل تعارض الخطية فقط… النعمة تجدد الطبيعة وتردها إلى الحياة وتصل بها إلى أقصى ذروة لها، لكنها لا تضيف إليها أي مكونات جديدة وغير متجانسة”(Reformed Dogmatics 3:577)

 

الطبيعة (التي تعني في هذا السياق تصميم الله الأصلي) ليست سيئة في جوهرها. الطبيعة حسنة، لكن الخطية أفسدتها. في واقع الأمر، الخطية هي فساد الخير المخلوق وانعدامه. مهمة إنجيل الله في المسيح هي تخليص العالم من الخطية وإصلاح الطبيعة وردها في الخليقة الجديدة، والوصول بها إلى “أقصى ذروة لها”. والأهم من ذلك، استعادة النظام المخلوق تتضمن تصميم الله التكاملي للذكر والأنثى.

 

تتعامل بعض الأنظمة اللاهوتية مع الاختلافات الطبيعية ـ مثل تلك التي بين الرجل والمرأة ـ على أنها شيء سيء يجب التغلب عليه. لكن بعدما خلق الله العالم وكل ما فيه، قال عن كل ما صنعه “حسن”، ثم قال “حسن جدًا” بعد أن خلق الرجل والمرأة متساويين لكن مختلفين على صورته (تكوين 31:1). مع الله، ينبغي أن نعترف بأن الاختلاف التكاملي “حسن جدًا” و“وَيْلٌ لِمَنْ يَدْعُونَ الشَّرَّ خَيْراً، وَالْخَيْرَ شَرّاً” (إشعياء 20:5).

 

يعد التكامل أمرًا يتعلق بالخليقة وشيئًا حسنًا وجزءًا مما يفتديه الله في الكتاب المقدس.

 

التكامل في الخليقة

في كثير من الأحيان تقدم قصص منشأ أي موضوع معلومات بالغة الأهمية لفهمه. الأصحاحات الأولى من سفر التكوين تشكل الأساس للأنثروبولوجيا (علم الإنسان) الكتابية بصورة صحيحة، ونعلم من هذه الأصحاحات  أن التكامل ـ القيمة المتساوية مع الوظائف المختلفة ـ هو أمر أصلي وأساسي للبشرية.

 

تكوين 26:1ـ28 يقدم شكل البشرية ووظيفتها، كما يخبرنا أن الله خلق الإنسان على صورته ليأتي في نوعين: ذكر وأنثى. الكلمات في اللغة العبرية الأصلية لـذكر(zakar)  وأنثى (neqebah) في تكوين 1 تشير بشكل ضمني إلى الاختلافات التناسلية الطبيعية بين الرجال والنساء. هذه الاختلافات الطبيعية (الشكل) توجه الانتباه إلى معناها ودورها (وظيفتها) في الزواج والانجاب.

 

علم “الرب يسوع” تلاميذه هذا الارتباط بين الزواج وقصد الله من التكامل في متى 4:19ـ5 حيث يربط بين الغرض من الزواج في تكوين 24:2 (“لذلك…”) والقصد الإلهي في تكوين 27:1 (“ذكرًا وأنثى”):

“أَمَا قَرَأْتُمْ أَنَّ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْبَدْءِ خَلَقَهُمَا ذَكَرًا وَأُنْثَى؟  وَقَالَ: مِنْ أَجْلِ هذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ، وَيَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا”

 

الرجل والمرأة، الذكورة والأنوثة، متكاملان بطبيعتهما، وهذا يعني ليس فقط أننا نفهم أحدهما بالمقابلة مع الآخر، بل أن كل منهما يشهد للآخر ويكمله حيث يشير كلاهما إلى اكتمالهما في الزواج. الطريقة التي خلق بها الله “في البدء” تعكس مقاصد الله نحو خليقته. وفي التصميم الإلهي العظيم نرى أن الله خلق الزواج نفسه ليكون رمزًا غامضًا ذا معنى في الكتاب المقدس (أفسس 31:5ـ32).

 

تصميم الله التكاملي له غرض طبيعي وغرض خارق للطبيعة. الغرض الطبيعي للتكامل بين الرجل والمرأة هو الزواج والإنجاب، وهما ركائز الأسرة الطبيعية، التي تشكل أساس المجتمع البشري. أما الغرض الخارق للطبيعة للتكامل هو إعلان البشارة السارة بأن “الرب يسوع” بذل حياته من أجل عروسه، الكنيسة.

 

التكامل بعد السقوط

عندما دخلت الخطية إلى العالم، تأثر التكامل لكن لم يُدمر. نرى هذا بوضوح في اللعنات التي قالها الله على الخليقة في تكوين 16:3. يستمر الإنجاب في عالم ساقط، لكن يصبح أكثر صعوبة. كذلك الزواج يستمر لكنه أيضًا يصبح أكثر صعوبة. يؤثر الصراع والنزاع على العلاقة بين الزوج والزوجة. لا تميل الزوجة إلى الخضوع طوعًا لزوجها إذ يكون لديها رغبات تتعارض مع قيادته ـ أو تتنازل عن كرامتها لدرجة تقبُل المهانة. ولا يميل الزوج إلى معاملة زوجته بمحبة كندٍ له بل يعاملها معاملة قاسية ـ أو يتنازل عن كرامته ويصبح شخصًا ضعيفًا لينًا.

 

في كلتا الحالتين، شوهت الخطية مخطط الله الأصلي للتكامل لكنه لم يُمح. ففي عالم ساقط نستمر في حمل صورة الله ذكورًا وإناثًا، ويستمر الزواج والإنجاب كبركة عامة لاستمرار الجنس البشري وكصورة لنشاط الله المتواصل في العالم.

 

التكامل في الفداء

يحل الله موضوع الخطية في الكتاب المقدس. لم يدفع الرب عقوبة الخطية بموته الكفاري على الصليب فحسب، بل بدأ عملاً كفاريًا في الخليقة في كل مكان ينمو الإنجيل فيه.

 

إنه من خلال التناسل والإنجاب التكاملي  يتم الوعد بالخلاص ويتحقق في النهاية. بعدما لعن العالم بسبب خطية الإنسان يعد الله بأن يقيم نسلاً من المرأة يقضى على العصيان الذي بدأته الحية. في تكوين 15:3، يكلم الله الحية على مسمع الرجل والمرأة:

 

“وَأَضَعُ عَدَاوَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ، وَبَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ، وَأَنْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ”

 

كما تشهد سلاسل الأنساب الكتابية، كادت أجيال من العلاقات التكاملية بين الرجال والنساء أن تتمم هذا الوعد. ثم من خلال حمل خارق للطبيعة من عذراء مخطوبة ثم متزوجة تحقق الوعد أخيرًا. وُلد “الرب يسوع” من أبيه السماوي ومن أم أرضية ـ الإله المتجسد جاء إلى الأرض ليفدي عروسه، الكنيسة. التكامل ينتشر في الكتاب المقدس ويملأه.

 

يؤكد العهد الجديد على استمرار صلاح الاختلافات التكميلية، خاصة في الزواج والإنجاب. لقد حرض الرسل كل المؤمنين في كل مكان على الإيمان والأعمال الحسنة، مؤكدين على المساواة بين الرجل والمرأة في موقفهما من الفداء أمام الله (غلاطية 28:3). لكنهم أيضًا أعطوا كنائس العهد الجديد تعليمات مختلفة ودائمة ومحددة حسب الجنس، بما في ذلك غير المتزوجين، في أماكن مثل تيطس 2 ونصائح تخص البيت والأسرة في أفسس 5، وكولوسي 3، و1 بطرس 3. النعمة لا تمحو الطبيعة لكن تجددها، بما في ذلك صفاتنا الطبيعية وواجباتنا التكميلية.

 

على سبيل المثال، في 1 تيموثاوس 11:2ـ15، ينصح “بولس” النساء بالتصرف بشكل مختلف عن الرجال في مجتمع العهد. كما خُلق “آدم” ليكون رأس العهد لزوجته، فإن الرجال مدعوون إلى قيادة العهد في الزواج وفي الكنيسة، والنساء مدعوات إلى قبول الدور الذي أعطاه الله لهن تحت قيادة رجال مؤهلين في مجتمع العهد. في 1 تيموثاوس 15:2، ينوه “بولس” بالعمل الأنثوي النموذجي، أي الإنجاب، ليحث المرأة على تقبله بإيمان ومحبة وقداسة وتعقل. يرى العديد من المفسرين إشارة في هذه الآية إلى الدور الفريد الذي لعبته المرأة في تاريخ الفداء لولادة المخلص. فمن خلال الولادة جاء “الرب يسوع” إلى العالم ليتمم الخلاص. يُطلب من الرجال أن يتقبلوا رجولتهم ومن النساء أن يتقبلن أنوثتهن في الحياة الأبدية التي لهم في المسيح.

يمكننا أن نرى كيف تحل كلمة الله مشكلة الخطية وترد الطبيعة إلى أصلها في النصائح التي أعطاها “بولس” للأزواج والزوجات في أفسس 22:5ـ23، فالوصايا المخصصة لكل جنس المعطاة للأزواج والزوجات في هذا المقطع ترد بصورة مباشرة على الميول نحو الخطية الواردة في لعنات تكوين 16:3. يُطلب من الأزواج ـ كمؤمنين ـ أن يحبوا زوجاتهم كما أحب المسيح الكنيسة لا أن يتسلطوا عليهن بخشونة. ويُطلب من الزوجات أن يخضعن لأزواجهن لا أن ينشأن رغبات معارضة لقيادتهم.

توضح هذه العينات من الأجزاء أنه حتى عندما نصبح أكثر شبهًا بالمسيح (2 كورنثوس 18:3؛ رومية 29:8؛ كولوسي 10:3؛ أفسس 24:4)، فإننا بذلك نتقبل ذكورتنا وأنوثتنا باعتبارها الطريقة التي أعطاها لنا الله لنعكس صورته بها (تكوين 27:1).

 

التكامل في الخليقة الجديدة

تقدم قيامة “الرب يسوع” دليلاً مهماً على الحياة في الخليقة الجديدة. يخبرنا الكتاب المقدس أن الرب قام من الأموات كـ”باكورة” الخليقة الجديدة (1 كورنثوس 15: 20، 23). الباكورة لا تشير فقط إلى أنه سيكون هناك المزيد، بل أيضًا إلى ما سيأتي بعد ذلك.

عندما قام الرب من الأموات أظهر الاستمرارية بين وجوده الجسدي قبل موته وبعده. وُلد الرب في العالم كرجل بشري، وعاش حياة كاملة كرجل بشري،  ومات كرجل بشري ، وقام من الأموات كرجل بشري. قام “فرانسيس توريتين” بالربط بين قيامة المسيح والقيامة التي ينبغي للمؤمنين أن ينتظروها:

 

“عندما قام المسيح من الأموات أخذ نفس الجسد الذي كان له من قبل ونفس الجسد الذي عاش ومات فيه، لأن ما أخذه مرة لم يطرحه جانبًا (مزمور 10:16؛ يوحنا 19:2؛ أعمال 31:2). لذا قال “إِنِّي أَنَا هُوَ!” (لوقا 39:24). هكذا ينبغي أن تكون قيامتنا. يجب ألا تكون أجسادنا سوى تلك التي أودعت في الأرض.                      (Institutes of Elenctic Theology, 3:572–73)

 

 

عند القيامة، سيقوم كل المفديين بأجساد كما قام “الرب يسوع”. سيُعاد تكوين الرجل والمرأة بأجساد ذكورية وأنثوية لا تفنى. يمكننا هكذا أن نؤكد أن الذكورة والأنوثة، أي الرجال والنساء، ستستمران في الخليقة الجديدة.

لكن كيف ستبدو هذه الذكورة والأنوثة؟ نجد دليلاً آخر على الحياة في القيامة من الرب في متى 22. يُعد هذا المقطع نقطة مثيرة للتكهنات، ولسبب وجيه. يجيب الرب في هذا الجزء على محاولة الصدوقيين لإرباكه بسؤال عن امرأة كانت متزوجة على التوالي من سبعة إخوة. لمَن مِن الإخوة السبعة تكون زوجة في القيامة؟ لكن الرب لم يرتبك:

 

“تَضِلُّونَ إِذْ لاَ تَعْرِفُونَ الْكُتُبَ وَلاَ قُوَّةَ اللهِلأَنَّهُمْ فِي الْقِيَامَةِ لاَ يُزَوِّجُونَ وَلاَ يَتَزَوَّجُونَ، بَلْ يَكُونُونَ كَمَلاَئِكَةِ اللهِ فِي السَّمَاءِ. وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ قِيَامَةِ الأَمْوَاتِ، أَفَمَا قَرَأْتُمْ مَا قِيلَ لَكُمْ مِنْ قِبَلِ اللهِ الْقَائِلِ: أَنَا إِلهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلهُ إِسْحَاقَ وَإِلهُ يَعْقُوبَ؟ لَيْسَ اللهُ إِلهَ أَمْوَاتٍ بَلْ إِلهُ أَحْيَاءٍ” (متى 29:22ـ32)

تحتوي إجابة “الرب يسوع” على معلومتين عن الحياة في القيامة: لن نتزوج ولن نُزوَج، وسنكون مثل الملائكة. لقد استنتجت العقيدة المسيحية السائدة من تعاليم “الرب يسوع” أنه لن يكون هناك زواج في الخليقة الجديدة. لكن إذا توقف الزواج والإنجاب، هل ستتوقف الذكورة والأنوثة؟

 

قد لا يصح بالضرورة هذا الاستنتاج، من ناحية بسبب المنطق اللاهوتي للقيامة (المقدم أعلاه)، ومن ناحية أخرى بسبب كلام الرب. في الواقع، تبدو الكلمات التي استخدمها الرب في متى 30:22 وكأنها تؤكد استمرار الاختلافات بين الجنسين. تشير كلمات مثل “يُزَوِّجُونَ وَيَتَزَوَّجُونَ” إلى الأدوار الفريدة للرجال والنساء في الزواج. بمعنى آخر، سيتوقف النشاط، وليس الهويات المختلفة. قال القديس “أغسطينوس”:

 

“فِي الْقِيَامَةِ لاَ يُزَوِّجُونَ وَلاَ يَتَزَوَّجُونَ، بَلْ يَكُونُونَ كَمَلاَئِكَةِ اللهِ فِي السَّمَاءِ” (متى 30:22). سيكونون مثل الملائكة في الأبدية وحالة السعادة، لا في الجسد، ولا في القيامة، التي لم تكن الملائكة بحاجة إليها لأنها لا تموت. ثم نفى الرب أن يكون هناك زواج، وليس نساء، في القيامة، أعلن الرب هذا النفي في ظروف كان من الممكن فيها الرد على السؤال المطروح بسرعة وسهولة فينكر أنه سيكون هناك وجود للجنس الأنثوي، إذا كان يعلم بهذا مسبقًا. لكنه في واقع الأمر أكد على وجود الجنس بقوله “لاَ يُزَوِّجُونَ”، وهو ما ينطبق على الإناث فقط، “وَلاَ يَتَزَوَّجُونَ” وهو ما ينطبق على الذكور. لذلك سيكون هناك من اعتادوا في هذا العالم على الزواج والتزوج، ولكن لن يعقدوا مثل هذه الزيجات هناك”.        (City of God, XXII.17)

 

 

لا يقصد الرب بقوله “كَمَلاَئِكَةِ اللهِ” أن يشير إلى أننا سنكون غير ماديين أو بدون أجساد. بل سيكون لنا أجساد مقامة من الموت، مما يعني أنه سيكون لنا جنس كما كان الرب في جسده الذكري المقام من الأموات. لكننا سنكون  “كَمَلاَئِكَةِ اللهِ” أي سنكون غير فانين، كما يؤكد القديس “أغسطينوس”، ولن نتمكن فيما بعد من التكاثر. المسرات الموعود بها المؤمنين (مزمور 11:16)، سواء كانوا رجالاً أو نساءً، تتجاوز الملذات الجسدية، إذ تعد بالاتحاد الروحي مع الله نفسه بينما نتمتع به وبمحضره إلى الأبد (رؤيا 21).

 

باختصار، سيستمر الجنس الذكري والجنس الأنثوي في الخليقة الجديدة لأن في البدء خلقنا الله ذكرًا وأنثى ـ متساويين في القيمة ولكن مختلفين في الوظائف ـ وقال عن هذا “حسن جدًا”. لم تمح الذكورة والأنوثة في السقوط لكن تم افتداؤها في العهد الجديد. نحن الذين اتحدنا بالمسيح بالإيمان سنقام بأجساد ذات جنس مثل جسده، ذكر وأنثى، مما يعني أن الذكورة والأنوثة ستستمران في السماء الجديدة والأرض الجديدة. بدأ التكامل بين الرجل والمرأة في الجنة، واستمر رغم السقوط، وافتداه المسيح، وسيتجدد تمامًا في الخليقة الجديدة.

 

ذكر وأنثى إلى الأبد

إذا كنا قد برهنا بشكل كاف أن الذكورة والأنوثة ستستمران في السماء الجديدة والأرض الجديدة، يحق لنا الآن استكشاف كيف سيبدو ذلك. إذا كان الزواج والإنجاب لن يوجدا فيما بعد، فكيف سيكون شكل الذكورة والأنوثة؟ كيف سيتم التمييز بينهما؟ ولأي غرض؟

 

ستظل الاختلافات بين الرجال والنساء موجودة، أولاً وقبل كل شيء، في الاختلافات الجسدية. فالرجال والنساء لديهم أشكال متشابهة لكن مختلفة، مما يجعل كل منهما يميل إلى أساليب حياة مختلفة لكن متداخلة. ورغم أن الذكورة والأنوثة لن تعودا موجهتين نحو الزواج والإنجاب، إلا إنهما سوف تحتفظان بوظيفتهما الأصلية في تصوير مجد الله وعكسه. ولأننا لسنا الله، فلا أحد منا يستطيع أن يصور مجده أو يعكسه بشكل مستقل. لذا على الذكر والأنثى معاً أن يصورا الله بدرجة كافية.

 

إن التمايز الذي خلقه الله سيستمر في الخليقة الجديدة. ستتميز السماء الجديدة عن الأرض الجديدة، الملائكة والكاروبيم سيتميزون عن السرافيم، والأشجار عن الأنهار، وستتميز هذه الحقائق المخلوقة عن الرجال والنساء الذين سوف يسيرون بينها، لهم أجساد ومتميزين كذكور وإناث. سيعلن كل جانب من خليقة الله الجديدة شيئًا عن خالقه (رومية 20:1). بما أن أي كائن مخلوق ليس مساويًا لله، بما في ذلك كل واحد منا ذكرًا كان أو أنثى، فإننا سوف نستمر في معايشة التمايز الذي خلقه الله والاستفادة منه، والذي سوف يشهد لله ويمجده.

 

ثانيًا، الاستمرارية الجسدية بين هذا الدهر والدهر الآتي تشير إلى الاستمرارية الروحية. فالرجال في هذا العصر يتسمون بالقوة والمبادرة والقيادة. لدينا ما يجعلنا نعتقد أن الرجال سيستمرون في تجسيد هذه الصفات في السماء الجديدة والأرض الجديدة. والنساء في هذا العصر يميزها الجمال وسرعة التأثر والمشاعر الرقيقة، ومن المرجح أن يستمر هذا أيضاً في العصر القادم. لا يفوتنا أن نلاحظ أن أي صفة ليست بالضرورة أفضل من الأخرى. بل على العكس تمامًا: كل صفة جيدة وضرورية لأن الله خلقها وهي تشارك فيه. لكنها مختلفة ومتميزة وسوف يستمر هذا التمايز في الخليقة الجديدة لأن الجنس الذكري والأنثوي سيظلان قائمين.

 

ورغم ذلك وصلنا مع “رانسوم” شخصية “سي إس لويس” عند حافة العبث والدهشة محاولين تفسير جمال الاختلاف وتكامله:

 

“ولكن من أين جاء هذا الاختلاف الغريب بينهما؟ وجد أنه لا يمكنه الإشارة إلى صفة واحدة يكمن فيها الاختلاف، ومع ذلك كان من المستحيل تجاهله. يمكن للمرء أن يحاول ـ لقد حاول “رانسوم” مئات المرات ـ أن يصيغه في كلمات. لقد قال إن “مالاكاندرا” كانت مثل الإيقاع، و”بيريلاندرا” مثل اللحن. وقال أيضًا إن “مالاكاندرا” أثرت فيه مثل الوزن الكمي، و”بيريلاندرا” مثل الوزن الإيقاعي… ما رآه “رانسوم” في تلك اللحظة كان المعنى الحقيقي للجنس”.                        (Perelandra, 171)

 

يشارك التكامل في الواقع الحقيقي لأنه يعكس التصميم الإلهي. بدلاً من محاولة تحديد نطاق الذكورة والأنوثة في المستقبل، لا بد أن نكتفي بتأكيد استمرار التكامل مما يعني التأكيد على صلاح  الاختلاف بين الذكر والأنثى، مع الاعتزاز بالتكامل المستمر في النظام الذي خلقه الله (أو الذي سيعاد خلقه)، والتطلع إليه.

 

إن خليقة الله متنوعة بصورة جميلة، مثل الماسة متعددة الوجوه، كي تلتقط وتعكس النور الإلهي الأبدي (1 يوحنا 5:1). سيكون الأمر مشابهًا في الخليقة الجديدة، التي يتم وصفها بمصطلحات مماثلة للخليقة الأولى (“سماء جديدة وأرض جديدة”) رؤيا 1:21؛ “السماوات والأرض” تكوين 1:1. إننا نعبد إلهًا تنعكس محبته الثالوثية في كل الخليقة، بما فيها الإنسان المفدي. يُعد التكامل بين الرجل والمرأة جزءًا من التصميم الإلهي الأصلي، وسيُرد هذا التكامل بشكل جميل مع بقية الخليقة، التي تتوقع بصبر العتق الإلهي (رومية 23:8).

 

سيوجد التكامل بين الذكر والأنثى في السماء الجديدة والأرض الجديدة، وكذلك الذكورة والأنوثة. أما بالنسبة لأغراض تكاملهما الأبدي، فستتاح لنا الأبدية لتقديرها، بإذن الرب، وتقدير قوة وجمال إلهنا بواسطتها.

 

 

 

 

بقلم

“كولين سماذرس”

تمت ترجمة المقال بالتعاون مع هيئة   Desiring God

يمكنك قراءة المقال باللغة الانجليزية من خلال الضغط على الرابط التالي:

https://www.desiringgod.org/articles/male-and-female-forever

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى