مقالات

لا منازل صغيرة بدون أمهات صغيرات

 

يجب أن نتذكر طوال حياتنا أنه في نظر الله لا يوجد أشخاص صغار أو أماكن صغيرة. (The Lord’s Work in the Lord’s Way & No Little People, 90)

 

هكذا قال “فرانسيس شيفر”، القس الأمريكي وعالم اللاهوت الذي عاش في القرن العشرين. ربما لا يحتاج أحد إلى هذه التذكرة أكثر من الأمهات، اللواتي تتمركز حياتهن، بالمعنى الحرفي للكلمة، حول أشخاص صغار في أماكن صغيرة.

 

بالطبع لا يشجعنا “شيفر” على إنكار ما تراه أعيننا بوضوح. فالطفل الذي لم يولد بعد يبدأ بحجم لا يتجاوز اصغر البذور، وتمضي الشهور قبل أن تنمو بطوننا بما يكفي للظهور. والأطفال الرضع يكاد يكونوا ملحوظين ونحن نحملهم وننقلهم بكل هدوء من وإلى الفراش وكرسي الرضاعة.

 

في النهاية يكبر الرضع ليصبحوا أطفالاً صغارًا، والصغار يصبحون “أطفالاً كبارًا”. لكن يبدو أن الأمهات يقضين المزيد والمزيد من الوقت في الأماكن الصغيرة: المخازن، وغرف الغسيل، والسيارات. كما نهتم بالأشخاص الصغار في الأماكن الصغيرة، نميل إلى الشعور بأننا صغار.

 

لكن “شيفر” يذكرنا بأن نرى كما يرى الله. كل أشخاصنا الصغار، وكل أماكننا الصغيرة، بالتأكيد هي صغيرة، لكن الله خلقها. ويتسلط عليها. أعطاها الله لنا. وبالتالي، فإن الله ، وليس العالم، هو الذي يحدد قيمة وفائدة أطفالنا، وبيوتنا، والأمومة نفسها.

 

عدسات عالمية

نميل إلى أن نرى الصِغر كشيء لا قيمة له. يعبر “شيفر” بشكل جيد عن الصراع الداخلي قائلاً: “من الرائع أن تكون مسيحيًا مؤمنًا، لكنني شخص صغير جدًا، محدود في المواهب ـ أو الطاقة أو القوة النفسية أو المعرفة ـ بحيث ما أقوم به ليس مهمًا” (63). من المؤكد أن الأمهات تشعر بهذا. نريد أن نشعر بأهميتنا، لكننا “مجرد أمهات”. إن وظيفتنا غير مدفوعة الأجر هي أن يتشاجر معنا طفل صغير في محل البقالة. نشعر بالضآلة، وهكذا تبدو حياتنا غير مهمة على الإطلاق.

 

لكن من الأفضل أن نسأل أنفسنا، من خلال عدسة مَن ننظر إلى الأمومة؟ إنه العالم، وليس كلمة الله، الذي يرى الصِغر كشيء لا قيمة له. شعار المجتمع اليوم هو “الأكبر هو الأفضل”، لكن الله قال منذ آلاف السنوات: “لأَنَّهُ لَيْسَ كَمَا يَنْظُرُ الإِنْسَانُ” (1 صموئيل 7:16). كما قال “شيفر:

 

“نميل كلنا إلى التركيز على الأعمال الكبيرة والأماكن الكبيرة، لكن كل هذا التركيز هو من الجسد. التفكير بهذه الطريقة هو ببساطة تذكر الأنا القديمة، التي لم تتجدد، الأنانية، المتمركزة حول الذات. هذا السلوك، المأخوذ من العالم، أكثر خطورة من التسليات أو الممارسات الجسدية على المسيحي . إنه الجسد” (74).

 

يبين لنا “شيفر” أن مشكلتنا ليست في الصِغر وعدم التقدير، لكن في الخطية والمغريات. طرق العالم لتمجيد الذات والتقليل من شأن الأطفال تدفع جسدنا إلى احتقار التضحية بالذات المتضمنة في رعاية الأطفال (خاصة الصغار منهم).

 

عندما نشتاق إلى شيء أكبر مما تستطيع الأمومة أن توفره، لا بد أن نتذكر أن العيان الذي يرى الأكبر على أنه الأفضل “لَيْسَ مِنَ الآبِ بَلْ مِنَ الْعَالَمِ” (1 يوحنا 16:2). رؤية الله عن الأمومة مختلفة عن رؤيتنا وأعظم منها. إنه يحب أن يواسي أمهات الأطفال الصغار في عالم يقلل من قيمة الطفل، لا بنفخنا، لكن بإشباعنا بمجده وجذبنا أكثر إلى طرقه.

 

له كل العظمة

على عكس طرق العالم، لا يعمل الله على إشعار الأمهات بأهميتهن حتى يشعرن بالتحسن. بل يعمل على إظهار عظمته وروعته لنا لأنه صنعنا، ولأنه يحبنا، ولأنه يعرف ما هو الأفضل لنا. والأفضل للأمهات الصغيرات هو أن يجدن ارتياحهن واكتفاءهن في إله صالح وعظيم ومجيد.

 

وبنعمته ستتناقص حسرتنا على “صغرنا” تدريجيًا. وسنعلن بأعلى صوت مع “داود”: “لَكَ يَا رَبُّ الْعَظَمَةُ وَالْجَبَرُوتُ وَالْجَلاَلُ وَالْبَهَاءُ وَالْمَجْدُ، لأَنَّ لَكَ كُلَّ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ” (1 أخبار الأيام 11:29). نحن فعلاً صغار، لكن الله عظيم.

 

ونحن ننتمي له. إنه يُسر باستخدام أناسًا عديمي القيمة لتحقيق مقاصده المجيدة. يمكن لعظمته أن تغير حياتنا المتواضعة، إذا سمحنا بهذا. يقول “شيفر”: “كل ما أنا عليه يجب أن يصبح كل ما عليه الله. عندئذ يمكنني أن أصبح نافعًا في يدي الله. تؤكد كلمة الله على أن الكثير يمكن أن يأتي من القليل لو القليل مكرس فعلاً لله” (72). بمعنى آخر، شعورنا حيال فائدتنا لا يعني كثيرًا، كل ما يهم هو ما يقوله الله عن كيف يريد أن يستخدمنا.

 

صغار لكن نافعين

خذوا “مريم” مثلاً. نعرفها على أنها أم “يسوع”، لكن قبل ظهور الملاك “جبرائيل” لها، كانت فتاة فقيرة مخطوبة لرجل فقير، تعيش في بلدة صغيرة. بمعنى آخر، كانت صغيرة، لكنها وثقت بالله. رغم أنها كانت عذراء، إلا أنها آمنت بأنها ستلد الابن الذي وعد به الله. قبل أن تصبح أشهر أم في التاريخ، كانت قد علقت لافتة فوق حياتها الصغيرة تقول: “هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ” (لوقا 38:1).

 

أيتها الأمهات الصغيرات، هل نرى أنفسنا، أولاً وقبل كل شيء، كخادمات للرب؟ هل نتوق إلى أن تتحكم كلمته ومشيئته في حياتنا؟ وحين نفعل هذا، مهما كانت حياتنا غير ملحوظة للآخرين، فإن الله يستخدمنا. كما يقول “شيفر” (وحياة “مريم” تبين هذا بكل وضوح)

 

“الأشخاص الذين يمدحهم “الرب يسوع” لن يكونوا دائمًا هم من يتولون القيادة في هذه الحياة. سيكون هناك أشخاص كثيرون كانوا كأعواد خشب ظلوا قريبين من الله وصامتين أمامه واستخدمهم بقوة في مكان يبدو صغيرًا في نظر الناس” (90)

 

نحن لسنا أمهات “يسوع”، لكننا أمهات لأطفال هو خلقهم وأعطاهم لنا، أطفال بعقول وقلوب قادرة على معرفته ومحبته إلى الأبد.

 

نهاية واحدة لكل صِغرنا

هل نجد شبعنا في إلهنا العظيم؟ عندما نشبع منه، سوف يستخدمنا ـ في بيوتنا وبين جيراننا وغير ذلك. وكما يقول “شيفر”:

 

“هناك شيء واحد مهم ـ أن نكون مكرسين في المكان الذي يضعنا فيه الله، في كل وقت. أولئك الذين يرون أنفسهم صغارًا في أماكن صغيرة، إذا كانوا أمناءً للمسيح ويعيشون تحت سلطانه طوال حياتهم، قد يغيرون، بنعمة الله، جيلنا”(90)

 

هذا هو السبب الجوهري لعدم وجود أشخاص صغيرة وأماكن صغيرة بالنسبة لـ”شيفر”. في نظر الله، لا يوجد “أشخاص صغيرة وأشخاص كبيرة بالمعنى الروحي الحقيقي، بل فقط مكرسين وغير مكرسين” (72ـ73). إما أن دم المسيح يغطينا أو لا يغطينا. إما أن روحه يعمل فينا، أو لا يعمل. إما أن مجده يُفرحنا، أو لا يُفرحنا.

 

وفي أي وقت يدخل فيه المؤمنون غرفة ما، سواء كانت المكتب البيضاوي أو حضانة المولودين حديثًا، يُعد الله للعمل في ذلك المكان من خلالهم. يُسر الله بأن يستخدم الصِغر لأغراضه المجيدة، أي يجعل نفسه يبدو صالحًا وعظيمًا ومجيدًا فينا. “لأَنَّ مِنْهُ وَبِهِ وَلَهُ كُلَّ الأَشْيَاءِ. لَهُ الْمَجْدُ إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ.” (رو 11: 36).

 

يمكن لمقاصد الله العظيمة من وراء صِغرنا أن تحجب أي ضآلة ظاهرية. أعجب شيء هو أنه يمكن أن يأتي خير كثير من الأمهات الصغيرات الراضيات بحياتهن والمكرسات بالكامل لإلهنا العجيب. في النهاية، فإن عملنا اليومي هو بكل تأكيد أكثر من تغيير حفاضات، والتعامل مع مشاحنات الأطفال، والتوصيل بالسيارة. إننا نجتهد للتمتع بالله وتمجيده إلى جانب الأسرة والأصدقاء والجيران، الآن وإلى الأبد.

 

لا شيء أبدي يمكن أن تكون قيمته قليلة، لكننا ننسى في بعض الأحيان.

 

 

 

 

 

بقلم

“تانر سوانسون”

 

تم ترجمة المقال بالتعاون مع هيئة      Desiring God

 

يمكنك قراءة المقال باللغة الإنجليزية من خلال الضغط على الرابط التالي:

https://www.desiringgod.org/articles/no-little-moms-no-little-homes

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى