مقالات

أحبوا أولادكم، أحبوا الله أكثر

دروس من "سارة إدواردز"

 

عُرفت “سارة إدواردز” (1710 ـ 1758)، زوجة عالم اللاهوت الشهير وكارز النهضات “جوناثان إدواردز”، بحياتها المكرسة لله. اختبرت نعمة الله حتى وهي بنت صغيرة. وفي سن السادسة عشرة، كتبت في مذكراتها أنها “تعلمت أن القرب من المسيح أروع سعادة لأي كائن حي” (Sarah Edwards: Delighting in God, 27).

 

بالإضافة إلى كونها مؤمنة تقية، كانت “سارة” أمًا لإحدى عشرطفلاً. تزوجت وهي في السابعة عشرة، وأنجبت طفلها الأول في العالم التالي، وعشرة أطفال آخرين كل عامين تقريبًا حتى بلغت الأربعين.

 

في القرن الثامن عشر، كانت الولادة لا تزال مؤلمة وخطرة وكانت معدلات وفيات الأمهات (والرضع) مرتفعة. كانت حياة “سارة” تتعرض للخطر مرة واحدة على الأقل أثناء الولادة. لا يجب أن نضفي طابعًا رومانسيًا على العبء الجسدي والعاطفي المتمثل في حمل وتربية أحد عشر طفلاً.

 

كيف تجاوبت إذًا مع تحديات الأمومة؟ ماذا يمكن أن نتعلم منها اليوم؟

 

بيت متمركز حول الله

كانت بيوت القسس في عهد “سارة” تستقبل ضيوفًا بصفة مستمرة ليقيموا بضعة أيام. وكثيرًا ما كانت أسرة “إدواردز” تستضيف زوارًا لفترات طويلة. شهد هؤلاء الزوار أن بيتهم كان بيتًا سعيدًا. كان الفرح في الله ما يميز الصلاة العائلية اليومية وحياتهم اليومية.

 

تم تدريب أولاد عائلة “إدواردز” منذ الصغر على طاعة والديهم، لكن التدريب لم يكن قاسيًا. كتب “سيرينو إدواردز دوايت”، أحد أفراد اسرة “جوناثان” و”سارة”، هذا التكريم لـ”سارة” في مذكراته التي كُتبت عام 1830:

“كانت لها طريقة مميزة في إدارة أولادها: كانت تعرف كيف تجعلهم يحترمونها ويطيعونها فرحين، بدون كلمات غاضبة عالية، أو ضرب مُبرح. كانت نادرًا ما تعاقبهم، لكن تتحدث إليهم بكلمات لطيفة وحلوة. أما إذا كانت هناك حاجة إلى التأديب، فلم تكن تنفذه بعصبية؛ وإذا سنحت لها الفرصة للتأنيب والتوبيخ، كانت تفعل هذا بكلمات قليلة، بدون غضب أو ضوضاء، بل بكل هدوء ووداعة” (40 ـ 41)

 

زار الواعظ الإنجليزي الشهير “جورج وايتفيلد” المستعمرات سنة 1740 ودُعي للتبشير في كنيسة “جوناثان” بـ”نورث هامبتون”. كضيف في بيت عائلة “إدواردز”، اندهش بشدة من هذه الأسرة التقية السعيدة، وكتب في مذكراته صلاة من أجل أن يعطيه الله شريكة حياة مثل “سارة”.

 

في نفس الوقت، لم يشعر “جوناثان” أو “سارة” أن تربيتهما ستنتج تلقائيًا أولادًا مسيحيين أتقياءً. أثناء زيارة “وايتفيلد”، طلب منه “جوناثان” أن يتكلم عن المسيح مع الأولاد الأكبر سنًا (كانت أعمارهم وقتها 12 و10 و8 و6 و4). بعد انتهاء الزيارة، أصبح واضحًا أن الله كان يعمل في حياة “سارة” الابنة، و”جيروشا” و”أستير” و”ميري”. غمر “جوناثان” و”سارة” فرح شديد، لم يفترضا خلاص أولادهما، إذ كان كل واحد منهم بحاجة إلى اختبار نعمة الله بشكل شخصي.

 

في نهاية الأمر، ارتكزت تربية “سارة” لأولادها على حقيقة أن الله هو الذي يهب عطية الأبناء. لذا رغم المتطلبات المتواصلة للرضاعة، والنوم المتقطع، ورعاية الأطفال الصغار خلال مرضهم، والأعمال اليومية لتربيتهم، اعتبرت “سارة” كل طفل عطية من الله. وتمنت بشدة أن يتمجد الله في حياة كل منهم. وكانت تثق أن، بنعمة الله، سيخبر كل واحد بدوره عن مجد الله الجيل القادم

 

“دَوْرٌ إِلَى دَوْرٍ يُسَبِّحُ أَعْمَالَكَ، وَبِجَبَرُوتِكَ يُخْبِرُونَ”  (مزمور 4:145)

 

منظورها الأبدي

أحبت “سارة” أولادها، لكنها أحبت الله أكثر. كانت تؤمن أن مهما حدث لهم، يمكنها أن تثق بصلاح الله، وحكمته، ومحبته. فهو يعمل، وسيظل دائمًا يعمل، كل الأشياء لمجده ولخير شعبه (رومية 28:8).

 

تعمقت تلك الثقة في ربيع 1742 خلال نهضة حدثت في”نورث هامبتون”. على مدار ثلاثة أسابيع طويلة، تمتعت “سارة” بتجربة مكثفة ومتواصلة لمحبة الله. شهدت ذات مرة قائلة: “إن كل من سلامتي وسعادتي وتمتعي الأبدي بمحبة الله الدائمة بدا ثابتًا وغير متغير كالله نفسه” (66).

 

بعد ذلك بخمس سنوات، تعرضت ثقة “سارة” في صلاح الله لاختبار صعب للغاية. كانت ابنتها الثانية “جيروشا” تساعد في رعاية مرسل زائر، “ديفيد برينرد”، يعاني من مرض السل (كان هذا المرض سببًا رئيسيًا للموت في تلك الأيام). في أكتوبر 1747، مات “برينرد” في سن التاسعة والعشرين. ثم أصيبت “جيروشا” بنفس المرض وماتت في فبراير 1748، في السابعة عشرة من عمرها. كانت “جيروشا” مؤمنة غير عادية وكانوا يعتبرونها “زهرة العائلة” (106). حزنت “سارة” حزنًا شديدًا، لكنها لم تتشكك في محبة الله. كان فرحها الدائم بالله مؤسسًا على قناعتها بسلطان الله على كل شيء إذ يمكنها الوثوق به في اختيار الحياة أو الموت، الراحة أو الألم، لنفسها أو لأحبائها.

 

خلال هذه التجربة، وسلسلة من التجارب الأخرى، استندت “سارة” على منظورها الأبدي. هدف الله الأسمى هو مجد ابنه، ويبحث المسيح عن مجد أبيه (1 كورنثوس 24:15). تم النجاح الأسمى لهذا الغرض على الصليب. وتمت هزيمة آخر عدو وهو الموت (1 كورنثوس 25:15ـ26).

 

وهكذا، عندما توفى فجأة زوج “سارة” الحبيب عام 1758، استطاعت أن تقول بإيمان شديد:

“غطانا إله قدوس وصالح بسحابة قاتمة. ليتنا نتقبل العقاب بكل خضوع ونصمت! لقد فعلها الرب. جعلني أعشق صلاحه، لأنه (“جوناثان”) كان معنا لمدة طويلة. لكن إلهي حي، ويملك على قلبي (115)”

 

بعد ذلك بفترة قصيرة، في سن الرابعة والثمانين، واجهت “سارة” نفسها الموت. ماتت بسلام، واثقة تمام الثقة أن لا شيء، ولا حتى الموت، يمكن أن يفصل المؤمن عن محبة الله التي في “المسيح يسوع” (رومية 38:8ـ39).

 

كل طفل هو عطية

تتناقض قناعة “سارة إدواردز” بأن الأطفال بركة من الله مع المجتمع اليوم. يرى الكثيرون أن الأطفال مصدر تهديد للمرأة وطموحاتها (وعائق أمام الحصول على أجور متساوية للقوى العاملة مدفوعة الأجر). إن إتاحة وسائل منع الحمل (وهي تسمية خاطئة لأدوية الإجهاض) كثيرًا ما تقود إلى الافتراض بأننا، وليس الله، من نتحكم في موعد الإنجاب. إذا جاء الطفل في “وقت غير مخطط له”، يطالب الكثيرون “بالحق” في قتل طفلهم الذي لم يولد بعد.

 

هذا هو فساد مجتمع رفض الإيمان بالله الخالق. لكن التعليم الكتابي الثابت هو أن الله هو مُعطي الحياة. في عالم ساقط خاطئ، تنطوي ولادة الأطفال وتربيتهم على الألم والشقاء، ورغم هذا كله، يظل الأطفال نعمة وبركة من الله.

 

على النقيض من ذلك، في مجتمع يضع تحقيق الفرد لذاته فوق كل شيء آخر، يطالب البعض “بالحق” في إنجاب أطفال (مع أو بدون شريك). وفي الكنائس، حيث يتم تكريم الأمومة، ترى بعض النساء أن إنجاب الأطفال هو البركة القصوى وتفترضن خطأ أنهن لا يمكن أن يتحققن ذاتيًا إلا بإنجاب الأطفال بيولوجيًا.

 

لكن “سارة” تذكرنا أن الأطفال عطية، وليسوا حق. إذا كان مجد الله هو غايتنا الكبرى، فعلينا أن نخضع لحكمته الأسمى. فهو قد أعد منذ الأزل الأعمال الصالحة التي يريدنا أن نقوم بها (أفسس 10:2). قد تكون السيدات المسيحيات أمهات روحيات، وبركة للكثيرين، سواء أنجبن أطفالاً أم لا.

 

مهما كانت ظروفنا، فإن فرحنا العميق يمكن إيجاده في التسبيح لله وطلب مجده. وعندئذ يمكن أن نشهد كما شهدت “سارة إدواردز”:

 

“إن مجد الله يبدو أنه كل شيء، وفي كل شيء، بل يبتلع كل أمنية رغبة في قلبي” (78)

 

بقلم

“شارون جيمس”

 

تم ترجمة المقال بالتعاون مع هيئة      Desiring God

 

يمكنك قراءة المقال باللغة الإنجليزية من خلال الضغط على الرابط التالي:

https://www.desiringgod.org/articles/love-your-children-love-god-more

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى