مقالات

اهتمام، وحنان، وسلطة أسس تربية الصغار

 

 

أصبحنا أبوين أنا وزوجتي “جولي” منذ 43 عامًا. منحنا الله بنعمته خلال تلك الفترة 6 أبناءً و22 حفيدًا، والمزيد قادم في الطريق (أحفاد، وليس أبناء!). إنها تجربة كبيرة في التربية، حتى ولو كان الكثير منها يظهر مدى حيرتنا وارتباكنا في ذلك الوقت.

 

عندما يطلب منا الناس النصيحة والمشورة في تربية الأطفال، كما يفعل أبناؤنا في كثير من الأحيان، من الصعب الرد بإيجاز. تربية الأبناء عملية معقدة للغاية، وهناك القليل من الإجابات البسيطة.

 

الأقوال الأكثر أهمية هي بالطبع تلك التي أعطاها إيانا الله نفسه، مثل تلك التي للرسول “بولس” في أفسس 4:6 “وَأَنْتُمْ أَيُّهَا الآبَاءُ، لاَ تُغِيظُوا أَوْلاَدَكُمْ، بَلْ رَبُّوهُمْ بِتَأْدِيبِ الرَّبِّ وَإِنْذَارِهِ”. وبالمثل في كولوسي 21:3

“أَيُّهَا الآبَاءُ، لاَ تُغِيظُوا أَوْلاَدَكُمْ لِئَلاَّ يَفْشَلُوا”.

 

من الضروري أن يحذر “بولس” تحذيرًا مشتركًا بين هاتين الآيتين: “لاَ تُغِيظُوا أَوْلاَدَكُمْ”. لا تستفزوهم. لا تثقلوا كاهلهم بصورة مفرطة. لا تحبطوهم. لكن كيف نتجنب القيام بهذا؟ في سنواتنا الأولى، أتذكر أنني كثيرًا ما اعتقدت أن الحل لأي مشكلة تربوية هو إصدار المزيد من القواعد. لكن للأسف صار هذا الوسيلة الأساسية لإثارة أطفالي وبات واضحًا أنني كنت أنسى القواعد التي وضعتها بالفعل.

 

الوسيلة الأكثر حكمة لتجنب إثارة أولادنا هي التفكير في أي نوع من الآباء يكونه الله معنا. في هذه السنوات بعيدًا عن الضغوط اليومية الناتجة عن تربية الصغار، حددت أنا و”جولي” ثلاث طرق على الأقل يدعونا الله بها لنعكس قلبه الأبوي في الطريقة التي نربي بها أبناءنا.

 

الاهتمام

في هذا العصر الذي يتسم بالتنافس المتواصل، قد يكون منح أولادنا اهتمامنا مهمة أكثر صعوبة مما نتخيل.

 

أصوات الإلهاء عالية ومتواصلة. أطباق متسخة. بيت غير نظيف. غسيل كثير. أطفال قذرون. تسوق البقالة. وقت مع الأصدقاء. مواعيد نهائية. رسائل نصية. كتب ومجلات ومقالات غير مكتملة. تصفح الإنترنت. الإغراءات المستمرة لوسائل التواصل الاجتماعي، وألعاب التليفون، والبودكاست. من السهل عدم الاهتمام بالصغار وهم أمام أعيننا. لدينا قدرة مدهشة على إسكات طفل يبكي أو تجاهل أصابع صغيرة تشدنا من القميص عندما يكون لدينا شيء “أكثر أهمية” للقيام به.

 

لكن الله ليس هكذا. “أُعَلِّمُكَ وَأُرْشِدُكَ الطَّرِيقَ الَّتِي تَسْلُكُهَا. أَنْصَحُكَ. عَيْنِي عَلَيْكَ” (مزمور 8:32). يعلمنا الرب وعينه علينا. إنه، في الواقع، يعلمنا طوال الوقت: “هُوَذَا عَيْنُ الرَّبِّ عَلَى خَائِفِيهِ الرَّاجِينَ رَحْمَتَهُ” (مزمور 18:33).

 

إننا لا نغيب أبدًا عن نظر الله. بل نحظى باهتمامه دائمًا. وبالمثل يحتاج أطفالنا إلى أن يعرفوا أننا نهتم بهم. وهذا يعني الاستماع المتأني. التركيز. الانحناء إلى مستوى العين. قضاء الوقت معهم. قد يتطلب الأمر إلى رفض أنشطة أخرى. إيقاف تشغيل أو خفض صوت التليفزيون أو الموسيقى. إغلاق جهاز الكمبيوتر الخاص بك. وضع تليفونك جانبًا.

 

بالطبع، يجب أن يتعلم الأطفال عدم مقاطعة الكبار واحترام أحاديث الآخرين. لكن في كثير من الأحيان، نسعى لتربية أولادنا بدون معرفتهم معرفة حقيقية أو فهمهم فهمًا حقيقيًا. ونعتبرهم ليسوا أكثر من وسائل مقاطعة أو إزعاج أو عقبات لما نريد أن ننجزه.

 

لكن تربية أطفالنا لمجد الله هو ما نريد تحقيقه. ولعمل هذا، لا بد أن نوليهم اهتمامنا.

 

الحنان

يجب أن يعرف أولادنا الصغار أننا لا نلاحظهم فقط بل نحبهم أيضًا. فهم قد خُلقوا ليتجاوبوا مع حناننا وليستفيدوا منه.

 

يذكرنا “ج. س. رايل” في كتابه  The Duties of Parentsبالآتي:

 

“يجب أن تكون المحبة الخيط الفضي الذي يسود على كل تصرفاتك. اللطف والوداعة وطول الأناة والصبر وقوة الاحتمال والشفقة، والاستعداد للوقوع في متاعب الأطفال والمشاركة في أفراحهم الطفولية ـ هذه هي الخيوط التي يمكن بها قيادة الطفل بكل سهولة ـ هذه هي الإشارات التي لا بد أن تتبعها إذا أردت إيجاد الطريق إلى قلبه (11)”

 

تأمل في محبة الله لشعبه، ونوع الحنان الذي يلزم علينا أن نعكسه على أولادنا:

“وَأَنَا دَرَّجْتُ أَفْرَايِمَ مُمْسِكًا إِيَّاهُمْ بِأَذْرُعِهِمْ، فَلَمْ يَعْرِفُوا أَنِّي شَفَيْتُهُمْ. كُنْتُ أَجْذِبُهُمْ بِحِبَالِ الْبَشَرِ، بِرُبُطِ الْمَحَبَّةِ، وَكُنْتُ لَهُمْ كَمَنْ يَرْفَعُ النِّيرَ عَنْ أَعْنَاقِهِمْ، وَمَدَدْتُ إِلَيْهِ مُطْعِمًا إِيَّاهُ” (هوشع 3:11ـ4)

 

“الرَّبُّ رَحِيمٌ وَرَؤُوفٌ، طَوِيلُ الرُّوحِ وَكَثِيرُ الرَّحْمَةِ” (مزمور 8:103)

 

يبدأ الحنان في القلب لكنه يقود إلى التلامس الجسدي: الحِمل واللمس والعناق والتقبيل والاحتضان، والمصارعة مع الصبيان.

 

يمكننا حجب الحنان بسهولة عندما نريد “تعليم طفلنا درسًا”. أظهروا عدم الاحترام للآخرين. عصوا التعليمات. كانوا أنانيين وتنازعوا فيما بينهم ـ مرة ثانية. لا بد أن تكون إجاباتنا قصيرة، وباردة حتى. يجب أن تكون الطريقة التي نتعامل أو نتفاعل بها معهم خالية من الدفء أو من أي شيء مشجع.

 

لكن مهما كان شعورنا بالغضب والاستياء والانزعاج والمضايقة، لا نريد أن نحجب هذا النوع من المحبة التي سكبها الله علينا من خلال ابنه. إظهار مثل تلك المحبة لا يعني ألا نتكلم بوضوح وصرامة أو حتى بحزم في بعض الأحيان. هناك بعض التوجيهات نريد لأبنائنا أن يفهموها، وخطايا يتجنبوها، وأخطار يهربوا منها.

 

لكن في كثير من الأحيان، يكون الغضب المتمحور حول الذات، لا الحكمة والحنان، هو ما يحركنا. يذكرنا “بولس” في رومية 4:2 أن لطف الله، لا قساوته، هو الذي يقتادنا إلى التوبة. ينطبق نفس الشيء مع أولادنا. الله لا يحجب محبته لأولاده عندما يعصونه، ولا ينبغي أن نفعل هذا نحن أيضًا.

 

السلطة

الكتاب المقدس شديد الوضوح بخصوص وجوب طاعة الأبناء لوالديهم.

 

يَا ابْنِي، احْفَظْ وَصَايَا أَبِيكَ وَلاَ تَتْرُكْ شَرِيعَةَ أُمِّكَ” (أمثال 20:6)

 

“أَيُّهَا الأَوْلاَدُ، أَطِيعُوا وَالِدِيكُمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ لأَنَّ هذَا مَرْضِيٌّ فِي الرَّبِّ” (كولوسي 20:3)

 

لكن لا يجب أن نخلط بين سلطة الوالدين وبين المطالبات المُغالى فيها، أو التنمر، أو التلاعب بالآخر، أو التشهير، أو السخرية، أو الإساءة، أو الانتقام، أو التحقير، أو العنف، أو الاستبداد، أو الاستبعاد. لا يتطلب الأمر أبدًا أن نكون قساة أو مؤذيين أو أنانيين أو محبين للانتقام. هذا النوع من السلطة لا يجذب أولادنا إلى الله بل يبعدهم عنه. لكن السلطة الممزوجة بالاهتمام والمحبة أمر أساسي لأبنائنا، خاصة في سنواتهم الأولى.

 

إننا لا نمارس السلطة على أولادنا لأننا الكبار البالغون، لكن لأننا نريد أن نوجههم إلى سلطان الله الكامل والمطلق، وسلطاننا نحن ليس كذلك. لذا ونحن نمارس سلطتنا يجب أن نبحث عن وسائل نوصل بها لأولادنا جمال وضرورة وحلاوة وصايا الله. على سبيل المثال:

 

  • التحدث بانتظام عما يريد الله منا عمله ولماذا يريدنا أن نطيعه بفرح.
  • الرجوع إلى كلمة الله في أوقات محددة وصورة عفوية طوال اليوم.
  • التمييز بين القواعد الإلهية واختياراتنا.
  • الإشارة إلى عواقب عصيان وصايا الله.
  • إنزال عقاب مناسب عندما تُسمع التعليمات وتُفهم بوضوح ثم تُكسر أو تُهمل.
  • العقاب يكون دائمًا مصاحبًا بروح هادئة ومُشجعة ومليئة بالإيمان.

 

إلى حيث يقودنا السلطان الإلهي

لأن السلطة كثيرًا ما يتم تجاهلها أو إساءة استخدامها، من الضروري أن نتذكر أسباب أهمية ممارستنا للسلطة في حياة أبنائنا.

 

أولاً، تُعلم السلطة أولادنا كيف يريدنا الله أن نعيش. “كُلُّ سُبُلِ الرَّبِّ رَحْمَةٌ وَحَقٌّ لِحَافِظِي عَهْدِهِ وَشَهَادَاتِهِ” (مزمور 10:25). تعليم أولادنا عدم الكذب أو السرقة أو الأذى أو عدم الاحترام ليس فقط محض اختيارات مفضلة لدينا بل هو وصية إلهية. وبالمثل فأن يكونوا لطفاء وصادقين وكرماء ورحماء وأمناء لا يجعلهم مواطنين صالحين فقط بل يعكس أباهم الذي في السماوات (أفسس 1:5).

 

ثانيًا، تبين السلطة لأبنائنا عدم قدرتهم على حفظ الوصايا الإلهية بشكل تام. كما قال “بول تريب”: “التربية ليست مهمة التحكم في السلوك؛ بل هي مهمة إنقاذ القلب”. ليست وظيفتنا هي حفظ أولادنا من الوقوع في الخطية (وهي مهمة مستحيلة) لكن تعليمهم كيف التصرف مع خطيتهم في ضوء المخلص. هناك فرق بين عمل الصلاح وأن نكون صالحين، بين تصرفاتنا وشخصياتنا. هدف السلطان الإلهي، عبر الوقت، هو إظهار تمرد وعصيان وخداع أولادنا وعدم قدرتهم على تخليص أنفسهم.

 

أخيرًا، هدف السلطة هو توجيه أولادنا إلى المخلص الذي أطاع أباه طاعة تامة حتى يستطيع تحمل العقاب الإلهي على عصياننا. التأديب الأبوي ضروري جدًا لمنع أولادنا من إيذاء أنفسهم والآخرين، لكنه لا يقدر أن يغير قلوبهم. لا بد أن يعرفوا أن الرجاء لا يأتي من سجلهم النظيف بل من سجل “الرب يسوع” النظيف. بغض النظر عن مظهر أولادنا الخارجي الجميل، فإنهم بحاجة إلى مخلص. وبغض النظر عن سلوكهم الخارجي السيء، فإنهم بحاجة إلى قوة المخلص.

 

كما في كل الأمور التي تتعلق بالتربية فإننا لن ننفذ هذه الأفكار أو غيرها كما نتمنى. لكن يمكننا أن نشعر بتعزية كبيرة حين نعلم أن لدينا أبًا سماويًا عينه علينا دائمًا وقلبه معنا دائمًا ويعمل فينا دائمًا ما يسره (مزمور 7:121ـ8؛ مزمور 17:103؛ فيلبي 13:2) حتى، وبصفة خاصة، ونحن نربي أطفالنا الصغار.

 

 

 

 

 

 

بقلم

“بوب كوفلين”

 

تم ترجمة المقال بالتعاون مع هيئة      Desiring God

 

يمكنك قراءة المقال باللغة الإنجليزية من خلال الضغط على الرابط التالي:

https://www.desiringgod.org/articles/attention-affection-authority

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى