مقالات

الخـروج من الظلمـة الطاعة في أصعب الأيام

 

في بعض الأوقات، يمكن للظلمة الروحية، لبعض القديسين، أن تظل كثيفة ومستمرة لفترة طويلة، بحيث تبدأ أنماط الطاعة الطبيعية تبدو لا فائدة منها.

 

قرأنا وصلينا وحاربنا الإغراءات، لأسابيع أو شهور أو ربما سنوات. لكن الآن، ربما، نتساءل ما الجدوى؟ لماذا نقرأ ولا يتغير إلا القليل؟ لماذا نصلّي في الوقت الذي يبدو فيه الله صامتًا؟ لماذا نطيع في الظلام الموحش ولا أحد يرى أو يهتم كما يبدو؟ مضت الأيام بدون شمس لمدة طويلة، لماذا نعيش كما لو أن السماء ستلمع في وقت قريب؟

 

ليس كل شعب الله عرف مثل هذه الأوقات. لكن لمن يمر بها، أو سيمر، لم يتركنا الله بلا صديق. هنا في الظلام، يسير أخ أمامنا، يومه أسود من يومنا بكثير، لكن طاعته مثل السراج المنير أمامنا على الطريق.

 

وقعت أحداث قصته في الجمعة العظيمة، الجمعة المظلمة، الجمعة الميتة. شعر باليأس لبعض الوقت، معتقدًا أنه رأى، في “الرب يسوع”، وجه مسيحه. ثم جاء يوم الجمعة، وشاهد ذلك الوجه يتحول إلى اللون الرمادي، رأى سيده معلقًا على الصليب. وبطريقة ما، لم يهرب. لم ينهر. لم يغرق في اليأس.

 

بل “جَاءَ يُوسُفُ الَّذِي مِنَ الرَّامَةِ، فَتَجَاسَرَ وَدَخَلَ إِلَى بِيلاَطُسَ وَطَلَبَ جَسَدَ يَسُوعَ” (مرقس 43:15). ثلاثة مسامير ورمح أطفأت شمسه. وبدون أي نور يرشده، ظل “يوسف” مطيعًا.

 

طاعة “يوسف” غير المتوقعة

في هذه القصة البسيطة عن دفن “الرب يسوع”، نجد طاعة غير متوقعة على الإطلاق.

 

أولاً، لم يكن “يوسف” من الاثنا عشر تلميذًا، الذين كنا نتوقع أن نراهم في مثل ذلك الوقت. حتى الآن، كان يتبع الرب “سرًا” (يوحنا 38:19). “مُشِيرٌ شَرِيفٌ” (مرقس 43:15)، كان تلميذًا في المرتفعات فقط، رجلاً حافظ على ولائه في منتهى السرية. ومع ذلك في يوم الجمعة العظيمة، عندما كان ولاؤه لن يفيده، تقدم وتكلم.

 

ثانيًا، كان دفن “الرب يسوع” سيكلف “يوسف” الكثير. من الناحية المالية، اشترى الأكفان بنفسه ووضع الرب في قبر نحته حديثًا في صخرة ـ لا شك كان لديه أهداف أخرى غير هذا (مرقس 46:15؛ متى 57:27). من الناحية الطقسية، تنجس من لمس جسد ميت. من الناحية الاجتماعية، تقبل بسرور مهانة التعامل مع الدم والعرق، وأحنى جسده تحت جسد آخر، كما لوكان عبدًا أو جنديًا رومانيًا.

 

ثالثًا، وأكثر ما يثير الدهشة، كان لـ”يوسف” والتلاميذ الآخرين ما يكفي من الأسباب للإحساس بأن كل آمالهم قد صُلبت وماتت مثل الجسد الذي كان يحمله. لا يوجد لدينا ما يدعو للشك في أنه رأى القيامة آتية. ومن المؤكد أنه لم يتوقع أن يُدحرج الحجر وهو قابع في تلك الغرفة المظلمة اليائسة مثل الإحدى عشر.

 

كان تصرف “يوسف” تصرفًا جميلاً بكل تأكيد، لكن جميل ويائس بكل المقاييس. جميل كمزارع يزرع بذرة لا يتوقع أبدًا أن يراها أثناء فترة المجاعة. جميل كآخر جندي على قيد الحياة يتوجه بمفرده إلى الحرب.

 

ومع ذلك، ربما حتى وقتها، كانت لا تزال هناك نجمة واحدة متلألئة تزين آمال “يوسف”. ربما لديها ما يكفي من الحياة لتضيء حياتنا.

 

آخر نجمة في السماء

وسط كل هذا الظلام الدامس، يظهر من بعيد ضوء خافت. “يوسف”، كما يحكي لنا “لوقا”، “كَانَ هُوَ أَيْضًا يَنْتَظِرُ مَلَكُوتَ اللهِ” (لوقا 51:23). كان ينظر إلى صباح الجمعة، وبطريقة ما، كان لا يزال ينظر إلى مساء الجمعة، حتى عندما حمِل ملك الملكوت الميت. أي نور كان يغذي مثل تلك النظرة؟

 

ربما تذكر “يوسف” كيف أن أباه “إبراهيم” آمن “فَهُوَ عَلَى خِلاَفِ الرَّجَاءِ، آمَنَ عَلَى الرَّجَاءِ” (رومية 18:4). وربما، مثل “إبراهيم”، حمل “إسحق” المذبوح هذا إلى القبر و“حَسِبَ أَنَّ اللهَ قَادِرٌ عَلَى الإِقَامَةِ مِنَ الأَمْوَاتِ أَيْضًا” (العبرانيين 19:11).

 

ربما تذكر كم من صباح أسود أضاءه الله من قبل، مشرقًا الشمس كما لو من قبر. ربما تساءل بصوت خافت هل مقيم “لعازر” من الأموات سيقيم نفسه بطريقة ما. ربما تعلق ببصيص من الأمل أن “الرب يسوع” لا يزال هو المسيح بطريقة أو بأخرى، وأن المسيح لا يمكن أن يظل ميتًا إلى الأبد. تذكر الفريسيون أن الرب قال: “إِنِّي بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَقُومُ” (متى 63:27)، ربما فعل “يوسف” هذا أيضًا. ربما لم يستطع أن ينسى.

 

في كلتا الحالتين، كان لـ “يوسف” بعض الأنفاس الأخيرة من الأمل، حتى بعد رحيل “الرب يسوع”. لذا تقدم بأرجل ثقيلة متحديًا اليأس ومشاعره وكل الاحتمالات ومتمسكًا بالرجل الذي تبعه. سار تحت وطأة ظلمة الجمعة العظيمة، رجل متثقل بأمل العالم المائت. أخذ ذلك الملك الميت ودفنه بكل عناية وكان لا يزال مؤمنًا بملكوته العتيد أن يأتي.

 

هل عرفت مثل هذا الأمل، أمل يأتي إليك في صباح مظلم ويزيح عنك الغطاء كالحجر؟ هل تعلمت أن تبحث عن الملكوت تحت ضوء آخر نجم في السماء؟ إذا لم يحدث هذا، هل يمكنك أن تتبع آثار أقدام “يوسف” وتتجرأ فتطيع حتى عندما يبدو الأمل ميتًا؟

 

شجاعة لمواصلة البحث

قد نتخيل أن تجربة مثل تجربة “يوسف” توقفت على هذا الجانب من القبر الفارغ. أثناء حياة المسيح، هل كان الأمل يبدو ميتًا؟ لا شك أن “يوسف” مشى على أرض فريدة من نوعها. لا يوجد قديس منذ “يوسف” حارب ليؤمن وأطاع في ظروف صعبة للغاية. لم يحمل أحد منا جسد ربنا المائت.

 

لكن يجب أن نحترس من التقليل والاستخفاف من مشاعر الحيرة والظلام واليأس التي قد تمر بنا، حتى ولو كانت القيامة خلفنا. لقد تكلم الرب عن الأيام المظلمة والباردة الآتية (متى 12:24). وكتب “بطرس” عن الحزن و”بولس” عن الأنين اليائس (1 بطرس 6:1؛ رومية 22:8ـ25). في بعض الأوقات، انحنى الرسول العظيم نفسه ـ محبطًا ومنهكًا و”متحيرًا” (2 كورنثوس 8:4). بعد القيامة، يبقى رجاؤنا حيًا وسائدًا، لكن لا يمكننا أن نراه بصورة دائمة. فبعض الليالي تبدو حالكة السواد.

 

قد نحب السير تحت سماء مشرقة دائمًا، وأيادينا مليئة بالأمل الحي وإيماننا يكاد يتحول إلى العيان. هذه الأيام تأتي بالفعل، ويا لها من عطية. وساعتها يبدو البحث عن الملكوت سهلاً، وكذلك طاعة الملك.

 

ولكن بالنسبة للكثيرين منا، ستأتي أيام نشعر فيها أكثر بأننا مثل “يوسف”، ونبحث عن ملكوت لا يمكننا أن نراه. قد تخبرنا مشاعرنا أن الملكوت قد مات، تمامًا كما بدا قبر “الرب يسوع” مغلقًا إلى الأبد. لكن كما تذكرنا قصة “يوسف”، فإن ملكوت الله غالباً ما يتقدم أكثر عندما تكون هناك طاعة غير متوقعة وبعيدة الحدوث. ترتفع الشجرة لأعلى، بشكل غير مرئي، من حبة الخردل. تنتشر الخميرة في سكون في كتلة العجين. في منتصف ليل طاعتنا، ينتظر ظلام القبر اللحظة التي تمتلئ فيها الرئتان بالأمل من جديد.

 

تشجع إذًا مع “يوسف”. واصل الصلاة، واصل الانتظار، والبحث عن ملكوت لا يمكنك تتبعه. ثبت قلبك المتعب كحارس على أسوار، طالبًا ومشتاقًا إلى الصباح. أطع سيدك في الظلام، وتجرأ وآمن أنه سيأتي بفجر جديد.

 

 

 

بقلم

“سكوت هابارد”

 

تم ترجمة المقال بالتعاون مع هيئة      Desiring God

 

يمكنك قراءة المقال باللغة الإنجليزية من خلال الضغط على الرابط التالي:

 

https://www.desiringgod.org/articles/stepping-through-darkness

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى