مقالات

الأيام الصعبة أيام جميلة لماذا يستحق الأطفال العناء؟

 

لقد تخيلت أن كوني أمًا لعائلة كبيرة سيضفي الدفء على عالمي مثل موقد حطب متقد. فتعزف أبواب منزلنا نغمة متميزة وجميلة، مثل صندوق الموسيقى الخاص بي في أيام طفولتي. ويرحب بك أطفال يتضاحكون،  ويتقافزون مثل مهرات لطيفة في حقل كثير الأعشاب.

التنقل حول العالم والعيش في ثقافة مختلفة لم يبدد أحلامي ببيت مليء بالأطفال، بل جعلها أكثر متعة. إذ سنخدم الفقراء معًا، ونستمتع بالمتع البسيطة، ونربي الماعز لمجد الله.

لدي الآن ستة أطفال. كثيرًا ما يشتغل صندوق الموسيقى في بيتنا بأنغام مخيفة، وفي أي يوم قد تبدو مهراتي الطيبة أشبه بقطط متقلبة المزاج تختبئ تحت السرير، مستعدة لإبراز مخالبها في أي وقت.

الأطفال ليسوا فقط لطفاء لكن متقلبي المزاج. عبء تربيتهم معقد للغاية لدرجة أنه يكاد يكون من المغري التخلي عن هذه المهمة بأكملها والاكتفاء بهواية مثل جمع الملاعق. عندما يكون ألمهم هو ألمك، عندما تقع في الخطية أمامهم وضدهم، عندما تشعر بالإحراج بسبب تصرفاتهم، تصبح المهمة مستحيلة وأشبه بالموت إلى حد ما.

وفقًا للكتاب المقدس، الأطفال هم عطايا من الله، بل ومكافأة (مزمور 3:127)، لكن إن أردنا الصدق، قد يعطون الانطباع في بعض الأحيان بأنهم مثل الديدان يمتصون كل وقت وطاقة لدينا.

هدايا مغلفة بشكل غريب

في المكان الذي نعيش فيه الآن، يلتزم الناس بطفل أو طفلين فقط. يحصون عدد أفراد موكبنا بدهشة ويصدرون أصواتًا استنكارية. من الشائع أن نسمع الكبار يطلقون على الأطفال، خاصة الأشقياء، لقب “الشياطين الصغار”. وهذا مهين للغاية. فأنا رغم كل إخفاقاتي كأم إلا إنني لا أدعوهم هكذا.

ومع هذا، ألسنا نحن الغربيين متهمين بالسعي وراء أهدافنا الشخصية بلا هوادة لدرجة أن أطفالنا يبدون كعقبات في طريق أشياء أكبر وأفضل؟ إنهم يكلفوننا جسديًا ووقتيًا وماديًا. قد نشعر أن أعمارهم الصغيرة كمرض الجدري، وقت يجب أن نتجاوزه بأسرع طريقة ممكنة.

من الطبيعي أن نعتبر أولادنا عطايا من الله عندما يخرجون من الرحم، ويقفون على المسرح ممشطين شعورهم، ويلعبون ويبنون قلاعًا محصنة في هدوء. في مثل تلك اللحظات، نشعر بالفخر ببراعم الزيتون النابضة بالحياة والسهام اللامعة. لكن هل سنظل نعتبرهم مكافآت من إلهنا عندما يحتد غضبهم، أو يتقيأون طول الليل، أو تتكشف قلوبهم المتحجرة؟

رب الصغار

عندما تكون هذه المكافآت الصغيرة محببة إلى النفس كزوج من الجوارب نُزع غلافه في صباح عيد الميلاد، فإننا نوجه أنظارنا إلى عاطي كل الأشياء. في مرقس 33:9 ـ 45:10 لا يقدم الرب إعلانًا واحدًا بل ثلاثة إعلانات مهمة عن قيمة الأطفال الصغار. لا بد أن نغمض عيوننا الجسدية ونضبط أذهاننا على الروح لنراهم كما يراهم “يسوع” (رومية 5:8). سنكتشف هنا أن الأطفال ـ بالنسبة لله ـ ليسوا على الإطلاق مثل الجوارب غير المرغوب فيها، لكنهم يشبهون المكافآت إلى حد كبير.

الأعظم بين الأدنياء

أولاً، يقول الرب: “مَنْ قَبِلَ وَاحِدًا مِنْ أَوْلاَدٍ مِثْلَ هذَا بِاسْمِي يَقْبَلُنِي، وَمَنْ قَبِلَنِي فَلَيْسَ يَقْبَلُنِي أَنَا بَلِ الَّذِي أَرْسَلَنِي” (مرقس 37:9). يساعدنا سياق هذه الكلمات على فهم ما يقوله الرب. في طريقهم إلى “كفرناحوم”، قضى التلاميذ الوقت في ترتيب أهمية بعضهم البعض. وبدلاً من توبيخهم على الفور، انتظر الرب حتى وصلوا إلى البيت. ربما رأى أن الأمر كان يتطلب مكانًا هادئًا مع قلوب ساكنة مطمئنة.

سألهم عما كانوا يتكلمون في الطريق، فتبخر الكلام فجأة رغم أنه كان متدفقًا كلبن “كنعان” وعسلها. طوى التلاميذ صمت محرج (مرقس 34:9). لم يكن الرب محتاجًا إلى ردهم لأنه يعرف كل شيء. لكن بدلاً من التقليل من رغبتهم في العظمة، قام بتصحيح وسائل القياس الخاصة بهم. المقياس الحقيقي هو التواضع، إِذَا أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَكُونَ أَوَّلًا فَيَكُونُ آخِرَ الْكُلِّ وَخَادِمًا لِلْكُلِّ” (مرقس 35:9).

حاز الآن على اهتمامهم. شاهدوا الطفل وهو يُدعى ليقف في منتصف الغرفة. وهنا يخبرهم الرب أن بقبولهم الأولاد باسمه، يقبلون الله نفسه. أن تصبح خادمًا للضعفاء، أو لأمثال الأطفال ـ أولئك الذين يأتون في الآخر ويشاركون بالقليل ـ هو فهم الله والدخول إلى قلبه. نخدم الأدنياء بهدف الحصول على الأعظم.

لماذا يُعتبر الأطفال عطايا من إعلان الرب “يسوع” الأول؟ لأنهم يسلطون الضوء على العظمة الحقيقية في الله.

حامي الضعفاء

إعلان الرب الثاني عن الأطفال، بعد خمس آيات فقط، يُعد تحذيرًا صارمًا. قال الرب وهو لا يزال جالسًا بين الصغار: “وَمَنْ أَعْثَرَ أَحَدَ الصِّغَارِ الْمُؤْمِنِينَ بِي، فَخَيْرٌ لَهُ لَوْ طُوِّقَ عُنُقُهُ بِحَجَرِ رَحًى وَطُرِحَ فِي الْبَحْرِ” (مرقس 42:9). هل يبدو هذا التحذير مبالغًا فيه في عصر يغذي ويعزز الفضول الجنسي و”الاختيارات الجنسية” لدى الأطفال؟ هل صورة رجل غريق صورة عنيفة بالنسبة لأولئك الذين يبعدون الأطفال عن “الرب يسوع”؟ في مجتمع يفخر بالحقائق الشخصية، قد يبدو هذا التحذير لا صلة له بالموضوع في أحسن الأحوال، وبشعًا وغير أخلاقي في أسوأها.

ومع هذا، إذا تجاوزنا كلمات “الرب يسوع” بسرعة كبيرة، سنفقد قلب أب محبًا لأطفاله ومدافعًا عنهم. الدينونة المنتظرة هؤلاء الذين يضلون أتباع الرب الأكثر ضعفًا دينونة خطيرة ومؤكدة. تزخر كلمة الله برعاية الآب السماوي لأولاده وتوصي الآباء “لاَ تُغِيظُوا أَوْلاَدَكُمْ” (أفسس 4:6) وتؤكد لنا أن ملائكة الأولاد المؤمنين “كُلَّ حِينٍ يَنْظُرُونَ وَجْهَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ” (متى 10:18).

لماذا يُعتبر الأطفال عطايا من هذا الإعلان الثاني للرب “يسوع”؟  لأن فقط العطايا الأكثر قيمة تستوجب هذا القدر من الحماية.

الأطفال يملكون المفتاح

ورد الإعلان الثالث في مرقس 13:10ـ16. تحول انتباه الرب من الفريسيين إلى أصغر مستمعيه، الذين كانوا يحومون حوله كالفراشات حول الزهور ذات الرائحة الطيبة. وبارك رؤوسهم الصغيرة مبتسمًا لهم أو ضاحكًا معهم. خسر التلاميذ هذه الحنية إذ انتهروا أسر الأطفال على إضاعة الوقت الثمين. حزن الرب على أولوياتهم المضطربة. قام محامي الصغار الأعظم بقلب توبيخاتهم عليهم قائلاً: “دَعُوا الأَوْلاَدَ يَأْتُونَ إِلَيَّ وَلاَ تَمْنَعُوهُمْ، لأَنَّ لِمِثْلِ هؤُلاَءِ مَلَكُوتَ اللهِ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ لاَ يَقْبَلُ مَلَكُوتَ اللهِ مِثْلَ وَلَدٍ فَلَنْ يَدْخُلَهُ” (مرقس 14:10ـ15).

يمسك الأطفال بمفتاح الملكوت. يدخلون العالم وهم لا يرتدون شيئًا لكن يكونون بحاجة إلى كل شيء. يبكون من أجل أشياء لا يمكنهم حتى تسميتها. الله لا يندهش من أننا نأتي قذرين وفقراء. إنها خطته الصالحة. لا نتوقع من أطفالنا البالغين 4 سنوات أن يشاركوا في الرهن العقاري أو يقوموا بمهامهم لكسب عناق. فما بالك بمحبة أبينا الكامل من خلال “الرب يسوع”، وليس بسبب أي ميزة فينا. بدلاً من توبيخ الصغار، دعاهم الرب إلى حضنه. إنها دعوة بشرط واحد: الضعف.

لماذا يُعتبر الأطفال عطايا من هذا الإعلان الثالث للرب “يسوع”؟ لأنهم يعلموننا من هو الله وما هو الخلاص.

كلما زاد عدد الأطفال، كلما زادت البهجة

تقع إعلانات الرب الثلاثة بين أشخاص كبار يتصرفون كأنهم راشدين بالغين بأسوأ الطرق الممكنة أي أشخاص ابتعدوا عمن يحتاجون إليه بشدة: قادة دينيون يحاولون تدبير خدعة للإيقاع بالرب في موضوع ساخن ألا وهو الطلاق ليبدوا أذكياء (مرقس 2:10)، ورجل غني ابتعد عن الكنز الحقيقي (مرقس 17:10ـ31)، وابني الرعد يطالبان بأماكن الشخصيات المهمة في السماء (مرقس 35:10ـ40).

قد يستمر العالم في تسمية الأطفال بـ”الشياطين” الصغار. إذا لم نتوخى الحذر، نحن أيضًا سوف نتجاهل ونغضب من هذه النعم الصاخبة والفوضوية والمستحيلة. بيتنا ليس مرتبًا كما كنت أتخيل. يشهد حمامنا الكثير من الدموع. ورغم كل هذا، فإن “الرب يسوع” واضح في أن الأطفال، في أفضل أيامهم وأسوأها، هم عطايا وجوائز لا تنتهي.

توجد فوق سرير إحدى بناتي لوحة رسمتها لعائلتنا بهذه الكلمات فوق رؤوسنا: “كلما زاد عدد الأطفال، كلما زادت البهجة!” يا لها من فيلسوفة صغيرة.

 

بقلم

“جيسيكا ب”

تم ترجمة المقال بالتعاون مع هيئة      Desiring God

يمكنك قراءة المقال باللغة الإنجليزية من خلال الضغط على الرابط التالي:

https://www.desiringgod.org/articles/hard-days-are-good-days

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى