Zehn Gadid Ministry https://zehngadid.org خدمة ذهن جديد Fri, 09 May 2025 01:19:47 +0000 ar hourly 1 https://wordpress.org/?v=6.8.1 https://zehngadid.org/wp-content/uploads/2024/09/cropped-WhatsApp-Image-2024-09-14-at-13.46.24_3b98e17d-32x32.jpg Zehn Gadid Ministry https://zehngadid.org 32 32 المرآة المُصلحة كيف يجددنا الكتاب المقدس ويعكس صورتنا https://zehngadid.org/2025/05/09/%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b1%d8%a2%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%8f%d8%b5%d9%84%d8%ad%d8%a9-%d9%83%d9%8a%d9%81-%d9%8a%d8%ac%d8%af%d8%af%d9%86%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%85/ https://zehngadid.org/2025/05/09/%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b1%d8%a2%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%8f%d8%b5%d9%84%d8%ad%d8%a9-%d9%83%d9%8a%d9%81-%d9%8a%d8%ac%d8%af%d8%af%d9%86%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%85/#respond Fri, 09 May 2025 01:19:47 +0000 https://zehngadid.org/?p=2253  

المرايا السيئة تزعجني. من الواضح أن “الفيس تايم” يكذب. ذلك الصندوق في الركن يعكس منظرًا مكبرًا لأنفي المنتفخ. لا أبدو هكذا بكل تأكيد! المرآة التي في حمام الطائرة تظهر قشورًا وبقعًا لم أرها من قبل. هل هذه هي الحقيقة؟ الازدراء في عيون من يعارضني لا يعكس سوى إخفاقاتي. كل ما يظهره لي هو عيوبي. أبتعد عن هذه المرايا وبداخلي شعور بعدم الثقة في النفس. لن ينجذب أحد بالطبع إلى هذا الوجه! أحتاج إلى مرآة أفضل.

لدينا واحدة في الكتاب المقدس. كان القس والشاعر “جورج هربرت” الذي عاش في القرن السابع عشر يحب كلمة الله ويتلذذ بها. افتتح قصيدته “الكتاب المقدس” بمشاعر حارة قائلاً: “أيها الكتاب! يا لها من حلاوة غير محدودة!… ثمينة لأي حزن في أي مكان؛… أنت فيك صحة كاملة”. يستمر “هربرت” في مقارنة الكتاب المقدس بمرآة تلعب دورًا أكبر من مجرد الانعكاس. هذا صحيح لأننا نرى أنفسنا بوضوح في الكلمة؛ فهي تكشف عيوبًا أكثر مما يمكننا تخيله. لكن تغيرنا في نفس الوقت. هذه المرآة تجعلنا أفضل كلما أطلنا النظر فيها. يكتب “هربرت” ويقول:

“… انظر هنا، هذه هي المرآة الشاكرة

التي تصلح عيون الناظرين: هذه هي البئر

التي تغسل ما تظهره

 

مرآة الكتاب المقدس الصادقة تكشفنا وتشكلنا. تخيل مرآة تجعلك تبدو في أبهى صورة كما تتمنى. تخيل بئر ماء صاف لا يعكس فحسب بل يغسلك من الأوساخ والشوائب.عندما نقرأ الكتاب المقدس بقلوب مفتوحة ومتكلة على الروح القدس، هذا ما يحدث.

دعونا نلق نظرة على ثلاث طرق يصبح بها هذا اللقاء مع الكتاب المقدس مرآة مُغيرة.

  1. مرآة الإدانة

العيوب التي تكشفها تلك المرايا الحقيرة بالطائرات لا تقارن بما نراه عن أنفسنا في كلمة الله. يتطلب الأمر قدرًا كبيرًا من الشجاعة للنظر في مرآة الحق هذه. يصف سفر العبرانيين كيف يعمل كلمة الله المقدسة: “لأَنَّ كَلِمَةَ اللهِ حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ، وَخَارِقَةٌ إِلَى مَفْرَقِ النَّفْسِ وَالرُّوحِ وَالْمَفَاصِلِ وَالْمِخَاخِ، وَمُمَيِّزَةٌ أَفْكَارَ الْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ” (عبرانيين 12:4).

هناك سبب وجيه يجعلنا نتهرب من قراءة الكتاب المقدس عندما نعلم أننا لا نعيش حسب دعوتنا في المسيح. الكلمة تخترق النفس ويضيء النور الكامل على الحقيقة القبيحة لدوافعي فأُمسك وأنا أعبد آلهة زائفة. لا يمكن إخفاء قلبي المزدوج وراء واجهة مسيحية إذ كل شيء يظهر واضحًا في ضوء الحق الكتابي.

على سبيل المثال، تستوقفني كثيرًا هذه الآية: “لأَنَّ غَضَبَ الإِنْسَانِ لاَ يَصْنَعُ بِرَّ اللهِ” (يعقوب 20:1). أو وسط انشغالي بكل ما أريد القيام به، تشدني كلمات الرب هذه: “بِمَا أَنَّكُمْ لَمْ تَفْعَلُوهُ بِأَحَدِ هؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ، فَبِي لَمْ تَفْعَلُوا” (متى 45:25). تزيل مرآة كلمة الله الزيف وتظهر لنا حقيقتنا.

كلمة الله تغيرني. هذه المرآة تجعلنا أفضل كلما أطلنا النظر فيها

تخبرنا الرسالة إلى العبرانيين بهذا: وَلَيْسَتْ خَلِيقَةٌ غَيْرَ ظَاهِرَةٍ قُدَّامَهُ، بَلْ كُلُّ شَيْءٍ عُرْيَانٌ وَمَكْشُوفٌ لِعَيْنَيْ ذلِكَ الَّذِي مَعَهُ أَمْرُنَا” (عبرانيين 13:4). لا توجد صورة أكثر واقعية لحالة الإنسان من تلك التي نراها في مرآة كلمة الله. قد نميل إلى إخفاء هذه المرآة تحت غطاء أو على الأقل تحت كومة مجلات. لكن مرآة الكتاب المقدس تظهر لي أيضًا ضوءًا أحتاج إليه بشدة.

  1. مرآة الفداء

يستخدم الروح صورة انعكاسي في الكتاب المقدس ليزيل غطرسة اكتفائي بذاتي. عندما أرى نفسي في الابن الضال أو الأخ الأكبر الغاضب، في التلميذ الخائن أو الفريسي المتعالي المنتقد، أدرك أنه ليس بإمكاني أن أعيش بمفردي حياة ترضي الله. تزيل كلمة الله وهم أنني المسيطر على كل شيء وتكشف عن عجزي وقلة حيلتي، كل هذا كي يعلمني المسيح كيف أبدو وأنا متحد به.

إذا كنت قرأت رسالة “رومية” من قبل، فبالتأكيد تعرف هذا الانتقال من الادانة إلى الفداء. تظهرني الأصحاحات الثلاثة الأولى كمن يقمع الواقع، مستبدلاً ـ بكل حماقة ـ الحق الإلهي بالكذب (رومية 18:1 و25). نبدو جميعًا إلى حد كبير بنفس الشكل في هذه المرآة: إِذِ الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ” (رومية 23:3). أرى نفسي بحق في الكلمة، عدوًا لله ولمقاصده للإنسان. لكن حين أستمر في النظر أرى “يسوع” يصالحني مع الله من خلال موته: وَلكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا” (رومية 8:5). لا يوجد ما يساعدني على تحسين صورتي بخلفية “زووم” إلهية، بل هناك كفارة حقيقية وباهظة الثمن.

عندما أنظر في مرآة كلمة الله، تتجدد لي الرؤية. تتحول صورتي من خاطيء وحيد، معزول باختياراتي الشخصية، إلى شخص مستمتع بالشركة مع المسيح بكل بره. أرى نفسي متحدًا فيه. أنا عضو في جسده، مرتبط بكل الآخرين الذي هم أيضًا فيه (رومية 4:12ـ5). هذه الرؤية الجديدة لنفسي تملأني بـكُلَّ سُرُورٍ وَسَلاَمٍ فِي الإِيمَانِ” (رومية 13:15).

  1. مرآة التغيير

تشجعنا مرآة كلمة الله في رحلة التشبه أكثر وأكثر بالمسيح، أي تقديسنا. نصبح مثل ما ننظر إليه. فمثلاً، أحب أن أكون متواجدًا بين الأشخاص الفرحين، ضحكاتهم وعيونهم الراقصة وتفاؤلهم الدائم يجعلني أرى الحياة بهذه الطريقة. أبتسم أكثر وأحب أكثر عندما أ رى وجهًا يعكس مثل هذه المحبة. لذا عندما أنظر إلى “الرب يسوع” من خلال الكلمة والصلاة، أرى ما كان مفترض أن نكون عليه. فهو يريني أكثر مما أنا عليه لكن بطريقة تجعلني أستطيع المشاركة في كل ما هو عليه.

يصف “يوحنا” هذا قائلاً:

“اُنْظُرُوا أَيَّةَ مَحَبَّةٍ أَعْطَانَا الآبُ حَتَّى نُدْعَى أَوْلاَدَ اللهِ!… أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، الآنَ نَحْنُ أَوْلاَدُ اللهِ، وَلَمْ يُظْهَرْ بَعْدُ مَاذَا سَنَكُونُ. وَلكِنْ نَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا أُظْهِرَ نَكُونُ مِثْلَهُ، لأَنَّنَا سَنَرَاهُ كَمَا هُوَ” (1 يوحنا 1:3ـ2)

عندما أقرأ هذه الكلمات، أرى صورة طفل محبوب يحمله الآب. يعكس لي الكتاب المقدس انتمائي لله. كما يبين لي أن هناك مزيد قادم في الطريق. يومًا ما سأرى الرب بكل مجده: قوته وتواضعه، وداعته وجلاله. فَإِنَّنَا نَنْظُرُ الآنَ فِي مِرْآةٍ، فِي لُغْزٍ، لكِنْ حِينَئِذٍ وَجْهًا لِوَجْهٍ” (1 كورنثوس 12:13). عندما أتملى فيه جيدًا أصبح مثله. وبالمثل يقول “بولس” في مكان آخر:

وَنَحْنُ جَمِيعًا نَاظِرِينَ مَجْدَ الرَّبِّ بِوَجْهٍ مَكْشُوفٍ، كَمَا في مِرْآةٍ، نَتَغَيَّرُ إِلَى تِلْكَ الصُّورَةِ عَيْنِهَا، مِنْ مَجْدٍ إِلَى مَجْدٍ، كَمَا مِنَ الرَّبِّ الرُّوحِ… لأَنَّ اللهَ الَّذِي قَالَ: «أَنْ يُشْرِقَ نُورٌ مِنْ ظُلْمَةٍ»، هُوَ الَّذِي أَشْرَقَ فِي قُلُوبِنَا، لإِنَارَةِ مَعْرِفَةِ مَجْدِ اللهِ فِي وَجْهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ” (2 كورنثوس 18:3؛ 6:4).

ننظر إلى “الرب يسوع” في الكتاب المقدس. وعندما نوجه أنظارنا بعيدًا عن أنفسنا إلى كل ما هو عليه وما يفعله، نتغير من الداخل إلى الخارج. يُعَد “الرب يسوع” مرآة لما يجب أن نكون عليه وكل ما سنكون عليه فيه.

مرآة الكتاب المقدس

ننظر إلى مرآة الكتاب المقدس ونرى أنفسنا بدقة مخيفة. لكن إذا أطلنا النظر بالإيمان سنرى أنفسنا مأسورين في المسيح. إنه يُصلح من حالنا بينما ننظر إليه في كلمته ثم نتغير لنكون شبهه.

يختم “هربرت” قصيدته بتشبيه آخر. فيقول عن الكتاب المقدس: “تمتد السماء فيك”. إن عظمة مجد المسيح السماوي مستعرضة على صفحات الكتاب المقدس. إننا لا نتقدم إلى المسيح في كلمة الله إلا عندما ننحني أمامه بكل خشوع وتواضع. فالمرآة المُصلحة “تخضع لكل ركبة ساجدة”. أتوب وأسمح لأول تأثير من الكلمة أن يحركني لأصرخ طلبًا للنعمة. ثم أكتشف كيف تطهرت صورتي وأُخذت إلى مجد وجه المخلص الذي أراه معلنًا في الكتاب المقدس.

 

 

بقلم

“جريت سكوت دوسون”

تم ترجمة المقال بالتعاون مع هيئة Desiring God

يمكنك قراءة المقال باللغة الانجليزية من خلال الضغط على الرابط التالي:

https://www.desiringgod.org/articles/the-mirror-that-mends

]]>
https://zehngadid.org/2025/05/09/%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b1%d8%a2%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%8f%d8%b5%d9%84%d8%ad%d8%a9-%d9%83%d9%8a%d9%81-%d9%8a%d8%ac%d8%af%d8%af%d9%86%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%85/feed/ 0
الموت للمجد الرقمي (الهروب من الدائرة الداخلية على الانترنت) https://zehngadid.org/2025/04/25/%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%88%d8%aa-%d9%84%d9%84%d9%85%d8%ac%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d9%82%d9%85%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%87%d8%b1%d9%88%d8%a8-%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%af%d8%a7%d8%a6%d8%b1%d8%a9-%d8%a7/ https://zehngadid.org/2025/04/25/%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%88%d8%aa-%d9%84%d9%84%d9%85%d8%ac%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d9%82%d9%85%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%87%d8%b1%d9%88%d8%a8-%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%af%d8%a7%d8%a6%d8%b1%d8%a9-%d8%a7/#respond Fri, 25 Apr 2025 10:28:03 +0000 https://zehngadid.org/?p=2245  

يرغب عدد قليل منا في إعادة سنوات الدراسة الإعدادية والثانوية. فبالنسبة للكثيرين، كانت الفترة من سن الثانية عشرة إلى السابعة عشرة مليئة بمشاعر متعددة كعدم الأمان والخوف وخيبات الأمل، وربما معاناة شديدة لا نتمنى أن نعيشها مجددًا.

كان جزء من متاعبنا ينبع من ميل المراهقين إلى تحليل كل شيء، حتى أفراحنا وانتصاراتنا الكبيرة، من خلال أقراننا. إذا كنت مثلي، يمكنك على الفور تذكر أوقات عندما انقلب عليك أشخاص كنت تظنهم أصدقاء أو عندما لم يكن أي شيء تقوم به كافيًا لإرضاء من كنت ترغب في محبتهم وصداقتهم. خلال تلك السنوات، كان الضغط الناتج عن السعي للقبول من الآخرين يثقل كاهلنا حتى في أسعد لحظاتنا.

قرأت، منذ عدة سنوات، تعليقًا يقول إن وسائل التواصل الاجتماعي تشبه إلى حد كبير المرحلة الثانوية. أعتقد أنه على صواب. على الرغم من تأكيدنا لأنفسنا بأننا لسنا نفس الأشخاص الطموحين الذين يصيبهم التوتر من العلاقات كما كنا في سن المراهقة، أليس صحيحًا أننا كثير ما نشعر بمشاعر متشابهة ونتخذ قرارات لأسباب متشابهة على الانترنت؟

لاحظ “سي إس لويس” أن “الاهتمام الشديد بالدائرة الداخلية هو الوسيلة الأكثر براعة في جعل المرء الذي ليس شريرًا جدًا بعد يقوم بأعمال شريرة جدًا” ((The Weight of Glory, 154. كان لدى “لويس” فكرة أكثر تقليدية عن “الدائرة الداخلية”: مجموعات من أشخاص يقربون الآخرين ويستبعدونهم في المدارس والأعمال والمجتمعات. فماذا لو كانت الدوائر الداخلية التي تؤثر على ولاءاتنا رقمية؟

أعتقد أن أحد أكبر التحديات التي تواجه الإيمان المسيحي اليوم هو الطريقة التي مكنتنا بها التكنولوجيا من إنشاء شبكة شبه لا نهائية من الدوائر الداخلية.

دوائر الإيمان

البشر ليسوا آلات فكرية مستقلة. فنحن كائنات اجتماعية تقرر (جزئيًا على الأقل) ما تفكر فيه وكيف ستعيش استجابة للمحيطين بها. هذا ليس نتيجة من نتائج السقوط، إنه فقط جزء من معنى أن تكون مخلوقًا. في الواقع، يمكن أن يكون العنصر الاجتماعي بركة عظيمة لأن الإيمان الحقيقي لمن حولنا يمكن أن يُلهم إيماننا ويقويه. ينصح “بولس” تلميذه “تيموثاوس”: “وَأَمَّا أَنْتَ فَاثْبُتْ عَلَى مَا تَعَلَّمْتَ وَأَيْقَنْتَ، عَارِفًا مِمَّنْ تَعَلَّمْتَ” (2 تيموثاوس 14:3). يناشد “بولس” ثقة “تيموثاوس” في الأشخاص الذين أحضروا له الإنجيل كوسيلة تشجيع للاستمرار في الإيمان به.

لذا في معركتنا للاستمرار في الإيمان بمواعيد الله، من الجيد أن نفكر في إيمان من نعرفهم ونثق بهم. لكن هذا التقليد المتدين يختلف عما يحدث أحيانًا على وسائل التواصل الاجتماعي. تعرضنا المستمر على الانترنت لمعتقدات دائرة داخلية معينة ورؤية هذه الدائرة تحقق مكاسب لمعتقداتها وقيمها من خلال “الإعجابات” والمشاركات يمكن أن يدفع معتقداتنا إلى التغيير. في هذه الحالة ما نريده حقًا هو المجد. نريد ما نرى من اهتمام وتشجيع يأتيان إلى بعض الأشخاص، لذلك نميل إلى تقليد معتقداتهم على أمل الحصول على بعض المجد الذي يتمتعون به.

الإيمان لا ينمو بمعزل عن الآخرين. ولا ينمو أيضًا من أجل أن يراه الآخرون.

هذا الاتجاه ليس جديدًا، لقد سبق وتعامل الرب معه مباشرة. سأل الفريسيين : “كَيْفَ تَقْدِرُونَ أَنْ تُؤْمِنُوا وَأَنْتُمْ تَقْبَلُونَ مَجْدًا بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَالْمَجْدُ الَّذِي مِنَ الإِلهِ الْوَاحِدِ لَسْتُمْ تَطْلُبُونَهُ؟” (يوحنا 44:5). المجد الاجتماعي أشبه بالرمال المتحركة في البحث عن الحقيقة. إذا كان هذا صحيحًا منذ ألفي عام، فماذا يكون اليوم، حين تصبح الكتب التي نقرأها، والآراء التي نكونها، حتى الأشخاص الذين نحبهم، مجرد “محتوى” يمكننا نشره للحصول على الاستحسان والقبول؟

الإيمان لا ينمو بمعزل عن الآخرين، ولا ينمو أيضًا من أجل أن يراه الآخرون. عندما علم الرب تلاميذه أن يصلوا في الخفاء، لم يكن يحظر الصلاة في العلن بل كان يحظر الصلاة من أجل الدعاية (متى 1:6، 5ـ6). التحدي الذي نواجهه في العصر الرقمي هو اندماج وسائل التواصل الاجتماعي مع العديد من جوانب الحياة. ليس من السهل التمييز بين أين تنتهي “تصنعوا صدقتكم” وأين تبدأ “تصنعوا صدقتكم قدام الناس لكي ينظروكم”.

الدوائر الداخلية والخارجية

انتقال الحياة إلى الانترنت يزيد من حدة هذا الاغراء بطرق معينة. كلما أكثرنا من استخدام الانترنت، كلما أصبحنا أكثر ميلاً ليس فقط إلى تكوين دائرة داخلية خاصة بنا ـ تلك الحسابات التي نتوق إلى اهتمامها وقبولها ـ بل إلى دائرة خارجية. تمثل الدائرة الخارجية الأشخاص الذين نكرههم ولا نثق بهم. ربما تكون مجموعة ذات آراء لاهوتية معينة نعتبرها خطأ مما يجعل كل ما يؤمنون به موضع شك. أو ربما تكون مجموعة ذات وجهة نظر سياسية معينة تجعلها في نظرنا غير مؤهلة للتحدث في أي شيء.

الحق له حدود. هناك ما يُسمى بالخطأ الملعون (غلاطية 8:1). هناك أوقات ومناسبات لا يصح فيها الاختلاط بأولئك الذين يعلمون الكذب ويعيشون فيه (2 يوحنا 10؛ 1 كورنثوس 11:5). لكن في هذه الحالات الكتابية يوجد دائمًا عنصر هام: الكنيسة المحلية. تقف الكنيسة المحلية كجماعة مجسدة من المؤمنين تحمل رسالة الإنجيل بإيمان وترسي حدود الرب حوله.

ورغم هذا، فإن دوائرنا الرقمية الخارجية لا تتشكل بالأحكام الرصينة للكنائس الحقيقية بل بآرائنا واتجاهاتنا المفضلة. والأكثر من ذلك، يمكننا بسهولة على الكمبيوتر كتم صوت أو حظر أي شخص لا نريد أن نراه. تدرب هذه الممارسات ضميرنا على تلقائية تجاهل الأشخاص ـ في الحياة الواقعية ـ الذين يقولون أو يفعلون أشياء لا نتفق معها. كلما زاد انغماسنا في هذه الطقوس الرقمية، كلما زاد من احتمالية إقامة دوائرنا الخارجية لعالمنا الحقيقي في أماكن غريبة، متأثرين أكثر بقضايا من الدرجة الثانية والثالثة (أو ربما حتى عداوة قديمة) بدلاً من القضايا الأساسية. وهذا ليس ما يريده الرب لشعبه.

الَّذِي يَرَى

في عالمنا شديد الشفافية الذي يدعونا إلى نشر كل ما نحن عليه وكل ما نعمله، فإن دعوة “الرب يسوع” للتواصل معه في الخفاء تُستخدم كأمر غير قابل للتفاوض وكفترة راحة منعشة.

إن العمل المستمر مرهق. فدوائرنا الرقمية الداخلية تفرحنا لوقت قصير، ومديحها لا يدوم طويلاً. ونبدأ مع مرور الوقت في الشعور بالقلق حتى اللحظة التالية التي يؤكدون فيها على قبولهم لنا. ثم نمل من الاضطرار إلى الحفاظ على دوائرنا الخارجية على أمل ألا نُجبر على النظر في عيون الأشخاص الذين تجنبناهم رقميًا. من بين كل الصناعات، فإن بيع وشراء المجد لديه أسوأ معدلات الارهاق النفسي.

تجذبنا أكثر الدائرة الرقمية الداخلية عندما نشعر بأن عيني الله بعيدة عن حياتنا.

إن الرب لديه العلاج المضاد. سواء كنا نساعد في تلبية الاحتياجات المادية للآخرين أو الاحتياجات الروحية لقلبنا، فإن الرب يلفت انتباهنا ليس إلى الأطفال الرائعين الذين يراقبوننا بل إلى الآب الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ” (متى 4:6). تجذبنا أكثر الدائرة الرقمية الداخلية عندما نشعر بأن عيني الله بعيدة عن حياتنا. بالنسبة للبعض منا تبدو الدائرة الرقمية الداخلية وكأنها وسيلة لجعل حياتنا الصغيرة والمغمورة أكبر. وقد يبدو نجاح وسائل التواصل الاجتماعي كأنه الحياة التي لم نتمكن قط من عيشها. لكن هذا يرجع فقط إلى أننا نسينا مَن عشنا في محضره كل يوم.

المفارقة في دائرتنا الرقمية الداخلية هي أنهم إذا تمكنوا من رؤيتنا على حقيقتنا، فإن أجزاءنا التي نرفض نشرها على الانترنت من المحتمل أن تضعنا في الدائرة الخارجية. لكن الله يرانا كلنا. رأى كل فكرة شريرة، وكل كلمة قاسية، وكل لحظة تسرع، وكل فعل أناني محرج. فهو يرى في الخفاء. ومع هذا لا يزال يدعونا إلى الدخول إلى غرفة صغيرة، معه فقط، وإلى سكب قلوبنا المتعطشة للمجد لديه. فهو يقدم نفسه كمجازاة بدلاً من إسكاتنا.

 

أصدقاء، وليس أتباع

اختتم “لويس” محاضرته عن الدائرة الداخلية بوعد مستمعيه الشباب بأنهم إذا قاوموا إغراء استخدام الناس في البحث عن المجد وبدلاً من ذلك استمتعوا بالصداقة في حد ذاتها، سيجدون شيئًا أفضل:

 

“إذا كنت في وقت فراغك ترافق الأشخاص الذين تحبهم، ستجد مرة أخرى أنك وصلت دون أن تشعر إلى الداخل الحقيقي، وأنك فعلاً مرتاح وآمن في مركز شيء يبدو من الخارج كالدائرة الداخلية. لكن الفارق هو أن سريته عرضية وحصريته مجرد تأثير جانبي.. هذه هي الصداقة. وضعها “أرسطو” بين الفضائل. إنها تسبب ربما نصف السعادة في العالم، ولا يمكن لأي شخص من أي دائرة داخلية أن يحصل عليها.                                      (The Weight of Glory, 157)

 

في عالم الدوائر الرقمية الداخلية، اصنع أصدقاء حقيقيين، لا أتباع على الانترنت. اعط نفسك الفرصة أن تتعارض مع المؤمنين الذين لا يشبهونك في كنيستك وتتأثر بهم، بدلاً من إنشاء قائمة شخصية من الأصوات التي تتفق معك في الرأي. والأهم من ذلك كله، صاحب صديق الخطاة الذي من يأتي إليه لا يُخرجه خارجًا.

 

 

 

 

بقلم

“صمويل جيمس”

تم ترجمة المقال بالتعاون مع  هيئة   Desiring God

يمكنك قراءة المقال باللغة الانجليزية من خلال الضغط على الرابط التالي:

https://www.desiringgod.org/articles/let-digital-glory-die

 

]]>
https://zehngadid.org/2025/04/25/%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%88%d8%aa-%d9%84%d9%84%d9%85%d8%ac%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d9%82%d9%85%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%87%d8%b1%d9%88%d8%a8-%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%af%d8%a7%d8%a6%d8%b1%d8%a9-%d8%a7/feed/ 0
ذكـر وأنثـى إلـى الأبـد؟ التكامل في الخليقة الجديدة https://zehngadid.org/2025/04/11/%d8%b0%d9%83%d9%80%d8%b1-%d9%88%d8%a3%d9%86%d8%ab%d9%80%d9%89-%d8%a5%d9%84%d9%80%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%a8%d9%80%d8%af%d8%9f-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%83%d8%a7%d9%85%d9%84-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84/ https://zehngadid.org/2025/04/11/%d8%b0%d9%83%d9%80%d8%b1-%d9%88%d8%a3%d9%86%d8%ab%d9%80%d9%89-%d8%a5%d9%84%d9%80%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%a8%d9%80%d8%af%d8%9f-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%83%d8%a7%d9%85%d9%84-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84/#respond Fri, 11 Apr 2025 10:18:28 +0000 https://zehngadid.org/?p=2227  

هل ستستمر علاقة التكامل بين الرجل والمرأة في السماء الجديدة والأرض الجديدة؟ إذا كان الأمر كذلك، ماذا يمكننا أن نتعلم عن استمرار التمييز بين الرجل والمرأة في الخليقة الجديدة؟

 

إن المعلومات الكتابية عن ملامح الحياة في المستقبل محدودة للغاية، لذا يجب علينا أن نقر بالطابع الفضولي لسؤالنا في البداية. ومع ذلك يمكننا استخلاص استنتاجات منطقية مما يقوله الكتاب المقدس عن الحياة في القيامة، خاصة من الطريقة التي يتناول بها الذكورة والأنوثة في الخليقة، وبعد السقوط، وفي الفداء.

 

النعمة تجدد الطبيعة

قبل الخوض في العلاقة التكاملية في الخليقة، من الضروري تقديم مفهوم لاهوتي تعتمد عليه فكرة هذه المقالة. وفقًا لعالم اللاهوت الهولندي الإصلاحي “هيرمان بافينك” فإن أحد مبادئ الإصلاح الأساسية ينادي بأن النعمة لا تدمر الطبيعة. ما خلقه الله في البداية طبيعي، وما هو طبيعي يكون جيدًا ولا تفسده مقاصد الله الخلاصية. بل إن النعمة تجدد الطبيعة وتردها إلى الحياة. يقول “بافينك” شارحًا:

“لا تفيد النعمة في رفع البشر إلى نظام خارق للطبيعة بل في تحريرهم من الخطية. النعمة لا تعارض الطبيعة، بل تعارض الخطية فقط… النعمة تجدد الطبيعة وتردها إلى الحياة وتصل بها إلى أقصى ذروة لها، لكنها لا تضيف إليها أي مكونات جديدة وغير متجانسة”(Reformed Dogmatics 3:577)

 

الطبيعة (التي تعني في هذا السياق تصميم الله الأصلي) ليست سيئة في جوهرها. الطبيعة حسنة، لكن الخطية أفسدتها. في واقع الأمر، الخطية هي فساد الخير المخلوق وانعدامه. مهمة إنجيل الله في المسيح هي تخليص العالم من الخطية وإصلاح الطبيعة وردها في الخليقة الجديدة، والوصول بها إلى “أقصى ذروة لها”. والأهم من ذلك، استعادة النظام المخلوق تتضمن تصميم الله التكاملي للذكر والأنثى.

 

تتعامل بعض الأنظمة اللاهوتية مع الاختلافات الطبيعية ـ مثل تلك التي بين الرجل والمرأة ـ على أنها شيء سيء يجب التغلب عليه. لكن بعدما خلق الله العالم وكل ما فيه، قال عن كل ما صنعه “حسن”، ثم قال “حسن جدًا” بعد أن خلق الرجل والمرأة متساويين لكن مختلفين على صورته (تكوين 31:1). مع الله، ينبغي أن نعترف بأن الاختلاف التكاملي “حسن جدًا” و“وَيْلٌ لِمَنْ يَدْعُونَ الشَّرَّ خَيْراً، وَالْخَيْرَ شَرّاً” (إشعياء 20:5).

 

يعد التكامل أمرًا يتعلق بالخليقة وشيئًا حسنًا وجزءًا مما يفتديه الله في الكتاب المقدس.

 

التكامل في الخليقة

في كثير من الأحيان تقدم قصص منشأ أي موضوع معلومات بالغة الأهمية لفهمه. الأصحاحات الأولى من سفر التكوين تشكل الأساس للأنثروبولوجيا (علم الإنسان) الكتابية بصورة صحيحة، ونعلم من هذه الأصحاحات  أن التكامل ـ القيمة المتساوية مع الوظائف المختلفة ـ هو أمر أصلي وأساسي للبشرية.

 

تكوين 26:1ـ28 يقدم شكل البشرية ووظيفتها، كما يخبرنا أن الله خلق الإنسان على صورته ليأتي في نوعين: ذكر وأنثى. الكلمات في اللغة العبرية الأصلية لـذكر(zakar)  وأنثى (neqebah) في تكوين 1 تشير بشكل ضمني إلى الاختلافات التناسلية الطبيعية بين الرجال والنساء. هذه الاختلافات الطبيعية (الشكل) توجه الانتباه إلى معناها ودورها (وظيفتها) في الزواج والانجاب.

 

علم “الرب يسوع” تلاميذه هذا الارتباط بين الزواج وقصد الله من التكامل في متى 4:19ـ5 حيث يربط بين الغرض من الزواج في تكوين 24:2 (“لذلك…”) والقصد الإلهي في تكوين 27:1 (“ذكرًا وأنثى”):

“أَمَا قَرَأْتُمْ أَنَّ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْبَدْءِ خَلَقَهُمَا ذَكَرًا وَأُنْثَى؟  وَقَالَ: مِنْ أَجْلِ هذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ، وَيَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا”

 

الرجل والمرأة، الذكورة والأنوثة، متكاملان بطبيعتهما، وهذا يعني ليس فقط أننا نفهم أحدهما بالمقابلة مع الآخر، بل أن كل منهما يشهد للآخر ويكمله حيث يشير كلاهما إلى اكتمالهما في الزواج. الطريقة التي خلق بها الله “في البدء” تعكس مقاصد الله نحو خليقته. وفي التصميم الإلهي العظيم نرى أن الله خلق الزواج نفسه ليكون رمزًا غامضًا ذا معنى في الكتاب المقدس (أفسس 31:5ـ32).

 

تصميم الله التكاملي له غرض طبيعي وغرض خارق للطبيعة. الغرض الطبيعي للتكامل بين الرجل والمرأة هو الزواج والإنجاب، وهما ركائز الأسرة الطبيعية، التي تشكل أساس المجتمع البشري. أما الغرض الخارق للطبيعة للتكامل هو إعلان البشارة السارة بأن “الرب يسوع” بذل حياته من أجل عروسه، الكنيسة.

 

التكامل بعد السقوط

عندما دخلت الخطية إلى العالم، تأثر التكامل لكن لم يُدمر. نرى هذا بوضوح في اللعنات التي قالها الله على الخليقة في تكوين 16:3. يستمر الإنجاب في عالم ساقط، لكن يصبح أكثر صعوبة. كذلك الزواج يستمر لكنه أيضًا يصبح أكثر صعوبة. يؤثر الصراع والنزاع على العلاقة بين الزوج والزوجة. لا تميل الزوجة إلى الخضوع طوعًا لزوجها إذ يكون لديها رغبات تتعارض مع قيادته ـ أو تتنازل عن كرامتها لدرجة تقبُل المهانة. ولا يميل الزوج إلى معاملة زوجته بمحبة كندٍ له بل يعاملها معاملة قاسية ـ أو يتنازل عن كرامته ويصبح شخصًا ضعيفًا لينًا.

 

في كلتا الحالتين، شوهت الخطية مخطط الله الأصلي للتكامل لكنه لم يُمح. ففي عالم ساقط نستمر في حمل صورة الله ذكورًا وإناثًا، ويستمر الزواج والإنجاب كبركة عامة لاستمرار الجنس البشري وكصورة لنشاط الله المتواصل في العالم.

 

التكامل في الفداء

يحل الله موضوع الخطية في الكتاب المقدس. لم يدفع الرب عقوبة الخطية بموته الكفاري على الصليب فحسب، بل بدأ عملاً كفاريًا في الخليقة في كل مكان ينمو الإنجيل فيه.

 

إنه من خلال التناسل والإنجاب التكاملي  يتم الوعد بالخلاص ويتحقق في النهاية. بعدما لعن العالم بسبب خطية الإنسان يعد الله بأن يقيم نسلاً من المرأة يقضى على العصيان الذي بدأته الحية. في تكوين 15:3، يكلم الله الحية على مسمع الرجل والمرأة:

 

“وَأَضَعُ عَدَاوَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ، وَبَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ، وَأَنْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ”

 

كما تشهد سلاسل الأنساب الكتابية، كادت أجيال من العلاقات التكاملية بين الرجال والنساء أن تتمم هذا الوعد. ثم من خلال حمل خارق للطبيعة من عذراء مخطوبة ثم متزوجة تحقق الوعد أخيرًا. وُلد “الرب يسوع” من أبيه السماوي ومن أم أرضية ـ الإله المتجسد جاء إلى الأرض ليفدي عروسه، الكنيسة. التكامل ينتشر في الكتاب المقدس ويملأه.

 

يؤكد العهد الجديد على استمرار صلاح الاختلافات التكميلية، خاصة في الزواج والإنجاب. لقد حرض الرسل كل المؤمنين في كل مكان على الإيمان والأعمال الحسنة، مؤكدين على المساواة بين الرجل والمرأة في موقفهما من الفداء أمام الله (غلاطية 28:3). لكنهم أيضًا أعطوا كنائس العهد الجديد تعليمات مختلفة ودائمة ومحددة حسب الجنس، بما في ذلك غير المتزوجين، في أماكن مثل تيطس 2 ونصائح تخص البيت والأسرة في أفسس 5، وكولوسي 3، و1 بطرس 3. النعمة لا تمحو الطبيعة لكن تجددها، بما في ذلك صفاتنا الطبيعية وواجباتنا التكميلية.

 

على سبيل المثال، في 1 تيموثاوس 11:2ـ15، ينصح “بولس” النساء بالتصرف بشكل مختلف عن الرجال في مجتمع العهد. كما خُلق “آدم” ليكون رأس العهد لزوجته، فإن الرجال مدعوون إلى قيادة العهد في الزواج وفي الكنيسة، والنساء مدعوات إلى قبول الدور الذي أعطاه الله لهن تحت قيادة رجال مؤهلين في مجتمع العهد. في 1 تيموثاوس 15:2، ينوه “بولس” بالعمل الأنثوي النموذجي، أي الإنجاب، ليحث المرأة على تقبله بإيمان ومحبة وقداسة وتعقل. يرى العديد من المفسرين إشارة في هذه الآية إلى الدور الفريد الذي لعبته المرأة في تاريخ الفداء لولادة المخلص. فمن خلال الولادة جاء “الرب يسوع” إلى العالم ليتمم الخلاص. يُطلب من الرجال أن يتقبلوا رجولتهم ومن النساء أن يتقبلن أنوثتهن في الحياة الأبدية التي لهم في المسيح.

يمكننا أن نرى كيف تحل كلمة الله مشكلة الخطية وترد الطبيعة إلى أصلها في النصائح التي أعطاها “بولس” للأزواج والزوجات في أفسس 22:5ـ23، فالوصايا المخصصة لكل جنس المعطاة للأزواج والزوجات في هذا المقطع ترد بصورة مباشرة على الميول نحو الخطية الواردة في لعنات تكوين 16:3. يُطلب من الأزواج ـ كمؤمنين ـ أن يحبوا زوجاتهم كما أحب المسيح الكنيسة لا أن يتسلطوا عليهن بخشونة. ويُطلب من الزوجات أن يخضعن لأزواجهن لا أن ينشأن رغبات معارضة لقيادتهم.

توضح هذه العينات من الأجزاء أنه حتى عندما نصبح أكثر شبهًا بالمسيح (2 كورنثوس 18:3؛ رومية 29:8؛ كولوسي 10:3؛ أفسس 24:4)، فإننا بذلك نتقبل ذكورتنا وأنوثتنا باعتبارها الطريقة التي أعطاها لنا الله لنعكس صورته بها (تكوين 27:1).

 

التكامل في الخليقة الجديدة

تقدم قيامة “الرب يسوع” دليلاً مهماً على الحياة في الخليقة الجديدة. يخبرنا الكتاب المقدس أن الرب قام من الأموات كـ”باكورة” الخليقة الجديدة (1 كورنثوس 15: 20، 23). الباكورة لا تشير فقط إلى أنه سيكون هناك المزيد، بل أيضًا إلى ما سيأتي بعد ذلك.

عندما قام الرب من الأموات أظهر الاستمرارية بين وجوده الجسدي قبل موته وبعده. وُلد الرب في العالم كرجل بشري، وعاش حياة كاملة كرجل بشري،  ومات كرجل بشري ، وقام من الأموات كرجل بشري. قام “فرانسيس توريتين” بالربط بين قيامة المسيح والقيامة التي ينبغي للمؤمنين أن ينتظروها:

 

“عندما قام المسيح من الأموات أخذ نفس الجسد الذي كان له من قبل ونفس الجسد الذي عاش ومات فيه، لأن ما أخذه مرة لم يطرحه جانبًا (مزمور 10:16؛ يوحنا 19:2؛ أعمال 31:2). لذا قال “إِنِّي أَنَا هُوَ!” (لوقا 39:24). هكذا ينبغي أن تكون قيامتنا. يجب ألا تكون أجسادنا سوى تلك التي أودعت في الأرض.                      (Institutes of Elenctic Theology, 3:572–73)

 

 

عند القيامة، سيقوم كل المفديين بأجساد كما قام “الرب يسوع”. سيُعاد تكوين الرجل والمرأة بأجساد ذكورية وأنثوية لا تفنى. يمكننا هكذا أن نؤكد أن الذكورة والأنوثة، أي الرجال والنساء، ستستمران في الخليقة الجديدة.

لكن كيف ستبدو هذه الذكورة والأنوثة؟ نجد دليلاً آخر على الحياة في القيامة من الرب في متى 22. يُعد هذا المقطع نقطة مثيرة للتكهنات، ولسبب وجيه. يجيب الرب في هذا الجزء على محاولة الصدوقيين لإرباكه بسؤال عن امرأة كانت متزوجة على التوالي من سبعة إخوة. لمَن مِن الإخوة السبعة تكون زوجة في القيامة؟ لكن الرب لم يرتبك:

 

“تَضِلُّونَ إِذْ لاَ تَعْرِفُونَ الْكُتُبَ وَلاَ قُوَّةَ اللهِلأَنَّهُمْ فِي الْقِيَامَةِ لاَ يُزَوِّجُونَ وَلاَ يَتَزَوَّجُونَ، بَلْ يَكُونُونَ كَمَلاَئِكَةِ اللهِ فِي السَّمَاءِ. وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ قِيَامَةِ الأَمْوَاتِ، أَفَمَا قَرَأْتُمْ مَا قِيلَ لَكُمْ مِنْ قِبَلِ اللهِ الْقَائِلِ: أَنَا إِلهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلهُ إِسْحَاقَ وَإِلهُ يَعْقُوبَ؟ لَيْسَ اللهُ إِلهَ أَمْوَاتٍ بَلْ إِلهُ أَحْيَاءٍ” (متى 29:22ـ32)

تحتوي إجابة “الرب يسوع” على معلومتين عن الحياة في القيامة: لن نتزوج ولن نُزوَج، وسنكون مثل الملائكة. لقد استنتجت العقيدة المسيحية السائدة من تعاليم “الرب يسوع” أنه لن يكون هناك زواج في الخليقة الجديدة. لكن إذا توقف الزواج والإنجاب، هل ستتوقف الذكورة والأنوثة؟

 

قد لا يصح بالضرورة هذا الاستنتاج، من ناحية بسبب المنطق اللاهوتي للقيامة (المقدم أعلاه)، ومن ناحية أخرى بسبب كلام الرب. في الواقع، تبدو الكلمات التي استخدمها الرب في متى 30:22 وكأنها تؤكد استمرار الاختلافات بين الجنسين. تشير كلمات مثل “يُزَوِّجُونَ وَيَتَزَوَّجُونَ” إلى الأدوار الفريدة للرجال والنساء في الزواج. بمعنى آخر، سيتوقف النشاط، وليس الهويات المختلفة. قال القديس “أغسطينوس”:

 

“فِي الْقِيَامَةِ لاَ يُزَوِّجُونَ وَلاَ يَتَزَوَّجُونَ، بَلْ يَكُونُونَ كَمَلاَئِكَةِ اللهِ فِي السَّمَاءِ” (متى 30:22). سيكونون مثل الملائكة في الأبدية وحالة السعادة، لا في الجسد، ولا في القيامة، التي لم تكن الملائكة بحاجة إليها لأنها لا تموت. ثم نفى الرب أن يكون هناك زواج، وليس نساء، في القيامة، أعلن الرب هذا النفي في ظروف كان من الممكن فيها الرد على السؤال المطروح بسرعة وسهولة فينكر أنه سيكون هناك وجود للجنس الأنثوي، إذا كان يعلم بهذا مسبقًا. لكنه في واقع الأمر أكد على وجود الجنس بقوله “لاَ يُزَوِّجُونَ”، وهو ما ينطبق على الإناث فقط، “وَلاَ يَتَزَوَّجُونَ” وهو ما ينطبق على الذكور. لذلك سيكون هناك من اعتادوا في هذا العالم على الزواج والتزوج، ولكن لن يعقدوا مثل هذه الزيجات هناك”.        (City of God, XXII.17)

 

 

لا يقصد الرب بقوله “كَمَلاَئِكَةِ اللهِ” أن يشير إلى أننا سنكون غير ماديين أو بدون أجساد. بل سيكون لنا أجساد مقامة من الموت، مما يعني أنه سيكون لنا جنس كما كان الرب في جسده الذكري المقام من الأموات. لكننا سنكون  “كَمَلاَئِكَةِ اللهِ” أي سنكون غير فانين، كما يؤكد القديس “أغسطينوس”، ولن نتمكن فيما بعد من التكاثر. المسرات الموعود بها المؤمنين (مزمور 11:16)، سواء كانوا رجالاً أو نساءً، تتجاوز الملذات الجسدية، إذ تعد بالاتحاد الروحي مع الله نفسه بينما نتمتع به وبمحضره إلى الأبد (رؤيا 21).

 

باختصار، سيستمر الجنس الذكري والجنس الأنثوي في الخليقة الجديدة لأن في البدء خلقنا الله ذكرًا وأنثى ـ متساويين في القيمة ولكن مختلفين في الوظائف ـ وقال عن هذا “حسن جدًا”. لم تمح الذكورة والأنوثة في السقوط لكن تم افتداؤها في العهد الجديد. نحن الذين اتحدنا بالمسيح بالإيمان سنقام بأجساد ذات جنس مثل جسده، ذكر وأنثى، مما يعني أن الذكورة والأنوثة ستستمران في السماء الجديدة والأرض الجديدة. بدأ التكامل بين الرجل والمرأة في الجنة، واستمر رغم السقوط، وافتداه المسيح، وسيتجدد تمامًا في الخليقة الجديدة.

 

ذكر وأنثى إلى الأبد

إذا كنا قد برهنا بشكل كاف أن الذكورة والأنوثة ستستمران في السماء الجديدة والأرض الجديدة، يحق لنا الآن استكشاف كيف سيبدو ذلك. إذا كان الزواج والإنجاب لن يوجدا فيما بعد، فكيف سيكون شكل الذكورة والأنوثة؟ كيف سيتم التمييز بينهما؟ ولأي غرض؟

 

ستظل الاختلافات بين الرجال والنساء موجودة، أولاً وقبل كل شيء، في الاختلافات الجسدية. فالرجال والنساء لديهم أشكال متشابهة لكن مختلفة، مما يجعل كل منهما يميل إلى أساليب حياة مختلفة لكن متداخلة. ورغم أن الذكورة والأنوثة لن تعودا موجهتين نحو الزواج والإنجاب، إلا إنهما سوف تحتفظان بوظيفتهما الأصلية في تصوير مجد الله وعكسه. ولأننا لسنا الله، فلا أحد منا يستطيع أن يصور مجده أو يعكسه بشكل مستقل. لذا على الذكر والأنثى معاً أن يصورا الله بدرجة كافية.

 

إن التمايز الذي خلقه الله سيستمر في الخليقة الجديدة. ستتميز السماء الجديدة عن الأرض الجديدة، الملائكة والكاروبيم سيتميزون عن السرافيم، والأشجار عن الأنهار، وستتميز هذه الحقائق المخلوقة عن الرجال والنساء الذين سوف يسيرون بينها، لهم أجساد ومتميزين كذكور وإناث. سيعلن كل جانب من خليقة الله الجديدة شيئًا عن خالقه (رومية 20:1). بما أن أي كائن مخلوق ليس مساويًا لله، بما في ذلك كل واحد منا ذكرًا كان أو أنثى، فإننا سوف نستمر في معايشة التمايز الذي خلقه الله والاستفادة منه، والذي سوف يشهد لله ويمجده.

 

ثانيًا، الاستمرارية الجسدية بين هذا الدهر والدهر الآتي تشير إلى الاستمرارية الروحية. فالرجال في هذا العصر يتسمون بالقوة والمبادرة والقيادة. لدينا ما يجعلنا نعتقد أن الرجال سيستمرون في تجسيد هذه الصفات في السماء الجديدة والأرض الجديدة. والنساء في هذا العصر يميزها الجمال وسرعة التأثر والمشاعر الرقيقة، ومن المرجح أن يستمر هذا أيضاً في العصر القادم. لا يفوتنا أن نلاحظ أن أي صفة ليست بالضرورة أفضل من الأخرى. بل على العكس تمامًا: كل صفة جيدة وضرورية لأن الله خلقها وهي تشارك فيه. لكنها مختلفة ومتميزة وسوف يستمر هذا التمايز في الخليقة الجديدة لأن الجنس الذكري والأنثوي سيظلان قائمين.

 

ورغم ذلك وصلنا مع “رانسوم” شخصية “سي إس لويس” عند حافة العبث والدهشة محاولين تفسير جمال الاختلاف وتكامله:

 

“ولكن من أين جاء هذا الاختلاف الغريب بينهما؟ وجد أنه لا يمكنه الإشارة إلى صفة واحدة يكمن فيها الاختلاف، ومع ذلك كان من المستحيل تجاهله. يمكن للمرء أن يحاول ـ لقد حاول “رانسوم” مئات المرات ـ أن يصيغه في كلمات. لقد قال إن “مالاكاندرا” كانت مثل الإيقاع، و”بيريلاندرا” مثل اللحن. وقال أيضًا إن “مالاكاندرا” أثرت فيه مثل الوزن الكمي، و”بيريلاندرا” مثل الوزن الإيقاعي… ما رآه “رانسوم” في تلك اللحظة كان المعنى الحقيقي للجنس”.                        (Perelandra, 171)

 

يشارك التكامل في الواقع الحقيقي لأنه يعكس التصميم الإلهي. بدلاً من محاولة تحديد نطاق الذكورة والأنوثة في المستقبل، لا بد أن نكتفي بتأكيد استمرار التكامل مما يعني التأكيد على صلاح  الاختلاف بين الذكر والأنثى، مع الاعتزاز بالتكامل المستمر في النظام الذي خلقه الله (أو الذي سيعاد خلقه)، والتطلع إليه.

 

إن خليقة الله متنوعة بصورة جميلة، مثل الماسة متعددة الوجوه، كي تلتقط وتعكس النور الإلهي الأبدي (1 يوحنا 5:1). سيكون الأمر مشابهًا في الخليقة الجديدة، التي يتم وصفها بمصطلحات مماثلة للخليقة الأولى (“سماء جديدة وأرض جديدة”) رؤيا 1:21؛ “السماوات والأرض” تكوين 1:1. إننا نعبد إلهًا تنعكس محبته الثالوثية في كل الخليقة، بما فيها الإنسان المفدي. يُعد التكامل بين الرجل والمرأة جزءًا من التصميم الإلهي الأصلي، وسيُرد هذا التكامل بشكل جميل مع بقية الخليقة، التي تتوقع بصبر العتق الإلهي (رومية 23:8).

 

سيوجد التكامل بين الذكر والأنثى في السماء الجديدة والأرض الجديدة، وكذلك الذكورة والأنوثة. أما بالنسبة لأغراض تكاملهما الأبدي، فستتاح لنا الأبدية لتقديرها، بإذن الرب، وتقدير قوة وجمال إلهنا بواسطتها.

 

 

 

 

بقلم

“كولين سماذرس”

تمت ترجمة المقال بالتعاون مع هيئة   Desiring God

يمكنك قراءة المقال باللغة الانجليزية من خلال الضغط على الرابط التالي:

https://www.desiringgod.org/articles/male-and-female-forever

]]>
https://zehngadid.org/2025/04/11/%d8%b0%d9%83%d9%80%d8%b1-%d9%88%d8%a3%d9%86%d8%ab%d9%80%d9%89-%d8%a5%d9%84%d9%80%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%a8%d9%80%d8%af%d8%9f-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%83%d8%a7%d9%85%d9%84-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84/feed/ 0
أسلوب الآب عندما يقول الآباء الصالحون نعم ولا https://zehngadid.org/2025/03/07/%d8%a3%d8%b3%d9%84%d9%88%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%a2%d8%a8-%d8%b9%d9%86%d8%af%d9%85%d8%a7-%d9%8a%d9%82%d9%88%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%a2%d8%a8%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%88%d9%86/ https://zehngadid.org/2025/03/07/%d8%a3%d8%b3%d9%84%d9%88%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%a2%d8%a8-%d8%b9%d9%86%d8%af%d9%85%d8%a7-%d9%8a%d9%82%d9%88%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%a2%d8%a8%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%88%d9%86/#respond Fri, 07 Mar 2025 11:28:54 +0000 https://zehngadid.org/?p=2212  

يخبرنا الكتاب المقدّس أن الأبوة الأرضية مشتقة من الأبوة الإلهية. يحني الرسول “بولس” ركبتيه أمام الآب “الَّذِي مِنْهُ تُسَمَّى كُلُّ عَشِيرَةٍ (أبوة بمعناها الحرفي) فِي السَّمَاوَاتِ وَعَلَى الأَرْضِ” (أفسس 15:3). إحدى النتائج المترتبة على هذه الحقيقة الأساسية هي أن على الآباء الأرضيين أن يقلدوا الآب الإلهي فهو النموذج لكل أبوة (وأمومة).

 

إذا تأمل الآباء في الله كأب، يجدر بهم أن يفكروا جيدًا في العلاقات والقواعد التي أرساها الله في جنة “عدن”، وخاصة في كيفية استخدامه لنعم ولا.

 

عالم الله لـ “نعم”

تذكر أن الرب غرس جنة في “عدن” وملأها بأشجار شهية للنظر وجيدة للأكل (تكوين 9:2). ثم وضع الإنسان في الجنة ليعملها ويحفظها (تكوين 15:2)، وعينه حارسًا كهنوتيًا لقدس جنة الله. ثم أعطى الله لـ”آدم” القصد الأدبي من وراء هذه الجنة:

“وَأَوْصَى الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ قَائِلًا: «مِنْ جَمِيعِ شَجَرِ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ أَكْلًا، وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا، لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتًا تَمُوتُ«” (تكوين 16:2ـ17)

 

لاحظ أن هناك ثلاث سمات للقواعد التي وضعها الله في الجنة. أولاً، كان هناك “لا” واحدة في عالم الـ “نعم”. ثانيًا، “نعم” جاءت أولاً. ثالثًا، “لا” لم تكن حقيقية.

 

لكل هذه السمات الثلاثة أهمية بالغة. لم يخلق الله عالمًا لـ “لا”، أي مليئًا بالرفض والتحفظات. بل خلق عالمًا من “نعم” وأيده تأييدًا شديدًا. قدم الله لـ “آدم” بستانًا مملوءًا بالمسرات، أشجار جميلة وفاكهة شهية، وأول حكم له كان “مِنْ جَمِيعِ شَجَرِ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ أَكْلًا (ما عدا واحدة). كان هناك “لا” واحدة في ذلك العالم. ولغايتنا ومنفعتنا، دعونا نسميها “أسلوب الآب”.

 

تعلم التربية من الأكاذيب

نرى أهمية وقيمة أسلوب الآب عندما تهاجمه الحية. أول سؤال لها كان: “أَحَقًّا قَالَ اللهُ لاَ تَأْكُلاَ مِنْ كُلِّ شَجَرِ الْجَنَّةِ؟” (تكوين 1:3). بكلمات أخرى، تسأل: “هل خلق الله عالمًا من النهي والمحظورات؟” وبذلك تحول الحية بكل دهاء النهي الوحيد إلى نهي كامل. تحول الـ “لا” الوحيدة إلى عالم كله “لا”. هذا الاعتداء على أسلوب الآب هو سبب وصف “بولس” لمن يُحرمون الزواج ويأمرون بالامتناع عن أطعمة الله الجيدة بأنهم كذابون تابعون لتعاليم شياطين (1 تيموثاوس 1:4ـ5).

 

في الوقت نفسه، يجب ألا ننسى أنه كان هناك في الواقع لا. هاجمت الحية أيضًا هذا الجانب من أسلوب الآب. عندما أشارت “حواء” عن حق إلى أنه لا يوجد إلا “لا” واحدة في عالم الـ “نعم” وأن انتهاك هذه الـ “لا” الوحيدة سيقود إلى موت محقق، أجابت الحية: “لَنْ تَمُوتَا!” (تكوين 4:3). كما دمرت الحية سابقًا “لا” الوحيدة بصورة غير واقعية، تعمل الآن على تقليص النتيجة الحقيقية من الواقع.

 

باختصار، حاولت الحية تصوير الله كرجل بخيل يطلق تهديدات فارغة. لكن أبانا ليس بخيلاً يطلق تهديدات فارغة بل هو مانح ودائمًا يُكمل أي مهمة حتى نهايتها. هذا هو أسلوب الآب. إذًا ماذا يمكن للأمهات والآباء أن يتعلموا من تصميم الله الجيد في الجنة؟ كيف يمكننا أن نسعى لتقليد أسلوب الآب؟

 

الدرس الأول: حِد من استخدام لا

أولاً، من الخير والصواب لنا أن نحِد من عدد “لا” الذي نضعه على أولادنا. بينما نحتاج بكل تأكيد إلى أكثر من واحدة (إذ نعيش في عالم ساقط على أي حال)، فجدير بالملاحظة أن أساس حياة بني “إسرائيل” كان الوصايا العشر، وأن في العهد الجديد، لخص الرب العشرة في اثنتين: تحب الله من كل قلبك، وتحب قريبك كنفسك (متى 37:22ـ39).

 

في كل من هذه الحالات، نجد أن “لا” محدودة ومركزة على أشياء أكبر. من الطرق التي يمكنك بها تطبيق هذا النهج هو أن تسأل نفسك: “ما هي القواعد التي يجب أن يتذكرها أطفالي دائمًا؟” في بيتنا، وبعد أن سرنا وراء نصيحة بعض الأصدقاء الأكثر حكمة، أرسينا في وقت مبكر قاعدتين أساسيتين:

 

  1. أطيع أمي وأبي ـ في كل شيء، وفورًا، وبقلب سعيد.
  2. أقول الحقيقة دائمًا.

 

وبعد أن كبر أطفالنا ونضجوا، أضفنا قاعدة ثالثة: أعامل الآخرين بالطريقة التي أريد ان أُعامَل بها.

 

من الواضح أن القاعدة الأولى تتضمن الكثير. نعطي كآباء ـ كل يوم ـ تعليمات وأوامر وتوقعات لأطفالنا، لكننا لا نتوقع منهم أن يحفظو كل أمر، وكل قاعدة منزلية، وكل وصية ذكرناها. لكن ننتظر طاعة كاملة وفورية وسعيدة عندما تأتي الأوامر.

 

الهدف من التربية

قواعد أقل تشدد التركيز في المكان المناسب. النظام الأدبي لبيتك، مثل النظام الأدبي لجنة “عدن”، يقوم أساسًا على الثقة والعلاقة. الشيء الأساسي الذي نطلبه من أولادنا هو هذا: ثق في صلاح وحكمة والديك، وعبر عن تلك الثقة من خلال طاعة كاملة وفورية وسعيدة. أن يكون لديك قواعد أقل (وأكثر حكمة) يوجههم إلى الموضوع الصحيح.

 

القواعد الأقل تعيد توجيه الآباء أيضًا. العدد القليل من القواعد الجيدة يحفظنا خارج فخ: “إذا قلت لك مرة…” أي توقع أن يتذكر أطفالنا كل قاعدة وضعناها لهم. “لماذا تقف على كرسيك يا “بيلي”؟ ألم أقل لك الشهر الماضي ألا تقف على كرسيك أبدًا؟” نصاب بالإحباط عندما نضطر أن نذكر أطفالنا ونقومهم ونحرضهم على تنفيذ جميع قواعد المنزل المختلفة (والمجاملات الأساسية للحياة). وهذا يُعد فشلاً في الوصول إلى الهدف من التربية.

 

تعليم وتقويم وتوجيه وتذكير، هذه هي أساسيات أسلوب الآب. هذا هو ما نحن كآباء مدعوون للقيام به، وعلينا القيام به في كل شيء وفورًا بقلب سعيد.

 

سعادة التربية

للتأكيد على هذا بصورة عملية، دعونا نقل أن “بيلي” يقف على كرسيه على مائدة العشاء (مرة أخرى). الخطوة الأولى هي أمر وتذكرة. “إننا لا نقف على كرسينا على مائدة العشاء يا “بيلي”. إذا جلس، فإن كل شيء على ما يرام. لكن أحيانًا ينظر إليك “بيلي” نظرة تقول: “من سيجبرني؟” نتجه إلى التأديب في تلك الحالة، ليس بسبب الوقوف على الكرسي، لكن بسبب التحدي السافر. لقد كسر “بيلي” القاعدة رقم 1، ولا بد أن يكون هناك عواقب.

 

أو ربما يقفز “بيلي” على الكرسي لدقيقة ثم يجلس. أو يجلس مكتوف الأيدي عابس الوجه. بكلمات أخرى، أطاع “بيلي”، لكن ليس “في كل شيء، وفورًا، وبقلب سعيد”. هذه فرصة لمزيد من التعليم والممارسة. ذكِر “بيلي” بالقاعدة الكاملة، ثم اطلب منه أن يقف مرة أخرى على الكرسي. أعط الأمر مرة ثانية، وانتظر الطاعة الكاملة والفورية والسعيدة. وإذا حصلت عليها، أغدق عليه بالمدح والبهجة لأن “بيلي” حافظ على علاقة الثقة والفرح بالتجاوب الصحيح مع أسلوب الآب.

 

الدرس الثاني: قل لا لحماية الخير

بالإضافة إلى الحد من عدد القواعد التي نتوقع أن يتذكرها أطفالنا، ربما يجدر بنا أن نفكر كيف يستخدم أسلوب الآب النواهي. ببساطة، على طريقة أسلوب الآب، كل “لا” تحمي بعض الـ “نعم”. صُممت النواهي في الوصايا العشر لحماية الأشياء الجيدة. “لاَ تَقْتُلْ” تحمي الحياة. “لاَ تَزْنِ” تحمي الزواج. “لاَ تَسْرَقْ” تحمي الممتلكات. وهكذا. تلعب هذه النواهي دور الأسوار التي تحيط بمدينة ما لتضمن نمو وازدهار الأشياء الجيدة داخل المدينة.

 

وبتطبيق هذا على تربيتنا نجدنا نسأل أنفسنا بانتظام: “عندما أقول لا لأطفالي، ما هو الشيء الجميل الذي أقوم بحمايته؟ ما هي النعمة التي أحرسها؟” في كثير من الأحيان لا نقول لا لنحرس بعض الأشياء الجميلة بل لنوفر على أنفسنا بعض العناء أو المتاعب. وهذا يقودنا إلى ثالث تطبيق لأسلوب الآب.

 

الدرس الثالث: قل نعم لشيء أفضل

عندما نقول لا، يجدر بنا أن نبحث عن فرصة لنقول فيها نعم لشيء آخر. يخبرنا “الرب يسوع” أننا عندما نطلب من الله خبزًا لا يعطينا حجرًا. وعندما نطلب منه سمكة لا يعطينا حية (متى 9:7ـ11). بمعنى آخر، يعطينا الله ما نطلب، أو يعطينا شيئًا أفضل. إذا طلبنا خبزًا، يعطينا خبزًا أو كعكة. إذا طلبنا سمكة، يعطينا سمكة أو شريحة لحم.

 

يجب تعريف هذا “الشيء الأفضل” على نطاق واسع. ربما نقول “لا” (أو “ليس بعد”) لأننا نعطي لأولادنا عطية الصبر (وهي أفضل من اشباع كل رغبة لهم). قد نكلفهم بمهمة لأننا نعطيهم عطية الاجتهاد وأخلاقيات العمل المتفاني (وهي أفضل من السماح لهم بالتعود على الكسل والتراخي). قد نقول لا لمزيد من الوقت أمام الشاشات من أجل أن نقول نعم لمزيد من وقت اللعب مع الأب والأم (حيث أن القيمة طويلة المدى للعلاقات الحقيقية تفوق بكثير تأثير الدوبامين المؤقت المنبعث من أجهزتنا).

 

لكننا في جميع الحالات نسعى إلى الاقتداء بالله في أبوته، ولاتباع أسلوب الآب. بالنسبة لنا كآباء لا مفر من قول لا، وهي جيدة مثل الأسوار التي تحيط بالمدينة. لكن لا بد أن نتذكر، كآباء، أن الشيء الأساسي الذي نقدمه هو مدينة “نعم”، بيت “نعم”، المليء بالفرح والحياة والشكر لوفرة كل الأشياء التي تتدفق إلينا من إله “نعم”.

 

 

 

بقلم

“جو ريجني”

 

تم ترجمة المقال بالتعاون مع هيئة      Desiring God

 

يمكنك قراءة المقال باللغة الإنجليزية من خلال الضغط على الرابط التالي:

https://www.desiringgod.org/articles/the-fathers-way

 

]]>
https://zehngadid.org/2025/03/07/%d8%a3%d8%b3%d9%84%d9%88%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%a2%d8%a8-%d8%b9%d9%86%d8%af%d9%85%d8%a7-%d9%8a%d9%82%d9%88%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%a2%d8%a8%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%88%d9%86/feed/ 0
وجهة النظر الكتابية عن الإنسان https://zehngadid.org/2025/02/16/%d9%88%d8%ac%d9%87%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%b8%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8%d9%8a%d8%a9-%d8%b9%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%86%d8%b3%d8%a7%d9%86/ https://zehngadid.org/2025/02/16/%d9%88%d8%ac%d9%87%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%b8%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8%d9%8a%d8%a9-%d8%b9%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%86%d8%b3%d8%a7%d9%86/#respond Sun, 16 Feb 2025 09:59:39 +0000 https://zehngadid.org/?p=2205  

خلق الله العالم بكلمته من العدم. فخلق الإنسان على صورته وشبهه لمجده، وجعله تاج للخلقية كلها. ليمكن للإنسان أن يكون له شركة مع الله وأن يعبده ويخدمه.

خُلق الإنسان بفعل شخصي مباشر من الله بعيدًا عن عملية التطور العضوي (تكوين 1 : 27، 2 : 7، 21 – 22، 5 : 1، 2، 9 : 6، مزمور 100 : 3، جامعة 7 : 29، متى 19 : 4). وهذا العمل الخلاّق كان الفعل المشترك للثالوث المقدّس: الآب، الابن، والروح القدس (تكوين 1 : 26 – 27)

تحدث الكتاب المقدّس عن آدم وحواء على أنهما بشر، ومنح الله كليهما روح (2 : 7). ويسجل لنا سفر التكوين الدليل على أن هذين الكائنين كانا متقين الرب، بمعنى أنهما كانا قادرين على التمييز بين الاختيار الخطأ والصواب كما نرى في الاختبار الذي تعرضا له من الله (16 – 17). فلديهما طبيعة غير مادية كانت قادرة على التواصل مع الله (1 : 28 – 30)

إن الكتاب المقدّس ككل يؤيد وجه النظر أن الله خلق الإنسان بطبيعتين أحدهما مادية والأخرى غير مادية. (5 : 1 – 2، 6 : 7 ، تثنية 4 : 32، مزمور 104 : 30، إشعياء 45 : 12، كورنثوس الأولى 11 : 9). فقد “خُلق” و”تكون” من تراب الأرض (تكوين 1 : 26، 2 : 22، 3 : 19، 6 : 6 – 7، أيوب 4 : 19، 33 : 6، مزمور 100 : 3، 103: 14، جامعة 3 : 20، 12 : 7، تيطس الأولى 2 : 3). ثم نفخ الله في آدم نسمة حياة وأصبح الرجل “نفسًا حيه” (تكوين 1 : 20 – 21، 24، 2 : 19). لقد شكل الله جسم الإنسان بحيث دمج روحه (6 : 17، 7 : 21 – 22، مزمور 104 : 29) ونفسه (تكوين 2 : 15، 4 : 4، 5 : 24، 6 : 9)

إن قصتّي الخلق بسفر التكوين تؤكدان وتتعرضان لجوانب مختلفة. فيصور لنا الأصحاح الأول قصة خلق الإنسان وعلاقته مع البيئة، بينما في الأصحاح الثاني يصور لنا خلق الإنسان في ضوء علاقته بالخالق. وكذلك الأصحاح الثاني (2: 7) يكمل الأول (1 : 26 – 27)

 

 

 

 

الوَحدانية

يعلمنا الكتاب المقدّس بوضوح أن الجنس البشري أجمع قد جاء من أب واحد وأم واحدة (1 : 27 – 28، 2 : 7 ، 22 ، 3 : 20، 9 : 19). فالجميع أولاد لأب واحد له طبيعة واحدة عامة. ويتخذ الرسول بولس هذه الحقيقة على أنها حقيقة مسلّم بها في اعتقاده وايمانه باتحاد أعضاء الجنس البشري في السقوط الأول وبخلاص هؤلاء من يؤمنون بالمسيح (رومية5 : 12 – 19، كورنثوس الأولى 15 : 21 – 22، عبرانيين 2 : 16). وهذه الحقيقة تمثل مسئولية الإنسان تجاه أقرانه (تكوين 4 : 9 ، أعمال الرسل 17 : 26).

 

علينا أن نرى وحدة الإنسان في مضمون الطبيعة الجنسية. ففي المرتين التي يقول فيهما الله “لنعمل الإنسان” (تكوين 1 : 26) “ذكرًا وأنثى خلقهما ” (27) تؤيد فكرة أن الإنسان غير مكتمل سواء كان ذكر أو أنثى ولا ينبغي أن يكون أحدهما بمعزل عن الآخر. فالإثنين معًا يشكلا الجنس البشري. فالرجل وحده أو المرأة وحدها لن يتمكنا من تكوين الجنس البشري.

تكوين 2 : 21 – 23 يؤيد هذه النظرية في أن خلق الله لحواء لم يكن من تراب الأرض، ولكن من ضلع إُخذ من آدم. فلم ينفخ الله بنسمة حياة في أنف حواء. بل أُخذت من آدم بحكم طبيعتها غير المادية وكذلك بحكم طبيعتها الجسدية (كورنثوس الأولى 11 : 8)

الجزء المادي: الجسد

خُلق الجسد من تراب الأرض (تكوين 2 : 7 ، 3 : 19). واسم “آدم” تعني “تربة حمراء صالحة للزراعة”. ولأن الإنسان خُلق من التراب فجسده يحتاج لعناصر موجودة في التربة لبقائه على قيد الحياة. ونحن نحصل على هذه العناصر من الغذاء. وعندما يموت شخص، يعود جسده للتراب لحالته الطبيعية في انتظار قيامته (تكوين 3 : 19 ، يوحنا 5 : 28 – 29).

وبالرغم من أن بولس ميز بين جسد الإنسان والحيوان (كورنثوس الأولى 15 : 39)، فكلاهما قد تحرك بنفس الوسيلة: بالروح (تكوين 35 : 18 ، متى 26 : 38، لوقا 12 : 20) والنفس (تكوين 7 : 22 ، مزمور 104 : 29، لوقا 8 : 55، يعقوب 2 : 26). ولذلك عندما تغادر الروح هذه الأجساد المتحركة،يموت الجسد ويعودللتراب وتعود روح الإنسان ونفسه للخالق الله (حرفيًا في العهد القديمSheoul هو مكان الموتى الذين رحلوا، ومنذ العهد الجديد يُعرف بالجنة حيث يسكن الله). الذي دمجهما معًا منذ البدء (تكوين 2 : 7 ، جامعة 12 : 7، أيوب 34 : 14 – 15).

ومنذ خطيئة آدم، أصبحت طبيعة الأجساد البشرية فاسدة وفانية (رومية 8 : 10 ، كورنثوس الأولى 15 : 53). وهذا يعني أن هذه الأجساد معرضة للشيخوخة، الضعف، الانحطاط، المرض وبالفعل الموت (أعداد 42 – 44). يشرح بولس الرسول أن مبدأ الخطية ساكن في الجسد ويحفزه مثله مثل الأجزاء الأخرى من طبيعة الإنسان ليفعل الشر (رومية 7 : 17 – 18، 23 : 3 – 9، غلاطية 5 : 19 – 21). إن مبدأ الخطية يسيطر على حياة البشر الذين لم ينالوا الخلاص ويستغل طبيعتهم البشرية لفعل الشر (يوحنا 8 : 34، رومية 3 : 9، 6 : 16، غلاطية 5 : 19 – 21، أفسس 2 : 2 – 3، يوحنا الأولى 3 : 8).

وحيث أن الجسد هو الوسيلة الوحيدة التي يعبر بها البشر عن أنفسهم، فإن الأشخاص الذين يسكنهم روح الله يمجدوه من خلال أجسادهم في هذا العالم (كورنثوس الأولى 10 : 31). وحتى بالرغم من انتظار الجسد للخلاص الأخير (التمجيد: روميه 8 : 23)، فإن أجساد هؤلاء من يسكنهم روح الله (عدد 16) لا تستخدم كأدوات للتعبير عن الخطية. حتى في الأجساد غير المفدية وغير المخلّصة، يمكن للمسيحيين أن يعيشوا حياة القداسة لأنهم ماتوا عن الخطية وسلطانها عليهم (6 : 2) وأخضعوا ذواتهم كأدوات في يد الله للتقوى (أعداد 6 – 7، 11 – 13 ، 12 : 1 – 2). ولأن روح الله يسكن في المؤمنين، فإن أجسادهم مدعوة لتكون “هيكل الروح القدس” (كورنثوس الأولى 6 : 19). ولهذا يقول بولس الرسول “مجدوا الله بأجسادكم” (عدد 20)

ولأن الجسد هو “هيكل الروح القدس” لا يجب أن ننظر له على أنه عدو لنا كما تعلّم الفلسفة الوثنية. بل بالحري، علينا أن نعتني بأجسادنا بينما ننمو، ونتعلم، وأن نخضعها لله لتحقيق أغراض الروح القدس (رومية 6 : 16 – 19، 13 : 14، كورنثوس الأولى 9 : 26 – 27، أفسس 5 : 28 – 29، تسالونيكي الأولى 4 : 3 – 7).

وحيث أن صحتنا الجسدية تؤثر بصورة مباشرة على نوعية حياتنا وخدمتنا، فمن الضروري أن نحافظ على صحتنا الجسدية وحيويتها عن طريق التغذية السليمة والحصول على الراحة التي نكون في حاجة لها (متى 6 : 31، لوقا 8 : 55، أعمال الرسل 27 : 33 – 35). إن إماتة الجسد من خلال عقاب الجسد وقمعه (الإنكار والإهمال) كما كان متبع في العصور المظلمة هو تشويه لتعاليم الذات كما تعلمناها من النص الكتابي. بالحري هي تنبع من الفكر الوثني الذي يعتبر أن الجسد شرير بطبيعته وبذلك يصبح تهديدًا للروح الراقية الجميلة. ولكن النص الكتابي يوضح أن هناك بعض الأوقات فيها يتطلب الواجب الروحي أو الأزمة أن نسدد احتياجاتنا الجسدية (متى 4 : 1 – 4، أعمال الرسل 13 : 2 – 3)

وهذه الأجساد ستتخلص وتتحرر من الفساد الذي فيها ومبادئ الخطية الراسخة بها عندما يعود يسوع المسيح لكنيسته (فيلبي 3:  20 – 21). وفي هذا الوقت ستتحول هذه الأجساد لأجساد “روحانية” “طاهرة ونقية” تستعد للحياة الأبدية (كورنثوس الأولى 15 : 44 – 55، تسالونيكي الأولى 4 : 16 – 17، رؤيا 21 – 22). ولهذا ستصبح مثل جسد المسيح الممجد (فيلبي 3 : 20 – 21) الذي يعني أنها ستكون بلا ضعف، خطية أو أي نوع من المحدودية. وعندما نصل لهذا الحد، سنمتلك نوعية جسده ” وَلكِنْ نَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا أُظْهِرَ نَكُونُ مِثْلَهُ، لأَنَّنَا سَنَرَاهُ كَمَا هُوَ”. (يوحنا الأولى 3 : 2)

وكذلك فإن أجسادنا مماثلة لجسد أبونا آدم الخاطئ وبالتالي تعبر عن صفات آدم الخاطئة والملامح الوراثية لأجدادنا وأسلافنا.

الإنسان كذكر وأنثى

في الفصل الأول من سفر التكوين لدينا تعليق مختصر ورائع عن معنى الجنس البشري. تبدأ الرواية بروعة عندما جبل الله الكون للوجود بكلمته الخلاّقة. وأن هذا الكون الذي خلقه الله كان “حسنًا، وحسنًا جدًا” (تكوين 1 : 31)

علاقة التشابه

إن البشر هم قمة مخلوقات الله. فخلق البشر ينفرد ويتميز عن كل الكائنات الأخرى لأنهم على صورة الله. أنظر كيف تتشابه طبيعة الجنس البشري مع صورة الله:

“فخلق الله الانسان على صورته على صورة الله خلقه ذكرا و انثى خلقهم” (عدد 27)

وكما يبدو الأمر غريبًا، فإن جنسنا، ذكوريتنا وأنوثتنا، ترتبط إلى حد ما بخلقنا على صورة الله. فالجنس في جوهره، ليس شيئًا نفعله بقدر ما هو يعبر عن كينونتنا. فالله خلقنا مخلوقات جنسية.

إن كارل بارت اللاهوتي السويسري كان أول وأعظم اللاهوتيين الذي ساعدنا على أن نرى انطباق هذا الاعتراف بالنص الكتابي أن الجنس البشري مرتكزًا على صورة الله. وما فعله ساعدنا على فهم أن العلاقة ترتكز على ما تعنيه عبارة “على صورة الله” وأن العلاقة بين الذكر والأنثى هي تعبير إنساني عن علاقتنا بالله.

فإن الجنس البشري، ذكوريتنا وأنوثتنا، ليس هو ترتيب بالصدفة للجنس البشري، وليس مجرد طريقة ملائمة للحفاظ على الجنس البشري. بل بالحري فهي في قلب ومركز إنسانيتا الحقيقية. فنحن نتواجد كإناث وذكور في علاقاتنا. وميولنا الجنسية وقدرتنا على أن نحب ونُحب مرتبطة تمامًا بخلقنا على صورة الله. يا له من رأي رائع عن الجنس البشر.

 

 

خلق الإنسان

أمر (تكلم) الله بخلق جميع المخلوقات ماعدا الكائنات البشرية. ليخلق الله آدم، جلب الله التراب من الأرض ونفخ فيه نسمة الحياة:

“وجبل الرب الاله ادم ترابا من الارض ونفخ في انفه نسمة حياة فصار ادم نفسا حية” (تكوين 2 : 7)

فالإنسان مخلوق من التراب ومن نفخة الله: التراب & نفخة الله = الإنسان. وصف موسى الإنسان (عدد 7) على أنه” نفسًا حية” (NIV) “مخلوق حي” (ESV) ، “روح” (KJV). وعندما وصف سليمان موت الإنسان “فَيَرْجعُ التُّرَابُ إِلَى الأَرْضِ كَمَا كَانَ، وَتَرْجعُ الرُّوحُ إِلَى اللهِ الَّذِي أَعْطَاهَا”. (جامعة12 : 7) وهذا يفسر فجور وضلال روح الإنسان.

فالإنسان كــ “نفس حية” أو “روح” يشمل كل ذاته. وهذا يعني أن جسده عبارة عن جزء يعبر عن كينونته أكثر من كونه شيء يمتلكه (كما يعلم اليونانيون). فلذلك الإنسان ليس له جسد، لكنه جسد. وبنفس الوسيلة فالإنسان ليس له روح، بل هو روح. والإنسان ليس لديه نفس، بل هو نفس. فالإنسان مخلوق موحد من: جسد وروح (إذا جاءت الروح كجزء من النفس كما هو في الفكر العبري). إذًا فما يؤثر في الجسد بعمق يؤثر في الروح أيضًا والعكس صحيح.

الترابط

إن اتحاد التراب الأرضي والنفخة المقدّسة يعطينا واحد من أعظم صفات الطبيعة البشرية المتميزة. فكما هو الحال بالنسبة لآدم، لم يأمر الله بخلق حواء مثل بقية المخلوقات كما لو كانت جزء من الحقيقة الغير بشريه. ولأنها لم تُصنع من التراب وتُنفخ فيها نسمة حياة مثل آدم، فهي لم تكن مخلوق غير مرتبط بالرجل. فخلق حواء يُظهر ارتباطها الوثيق بالرجل لأنها صُنعت من جزء منه. واستخدم الله ضلع آدم ليؤكد على ترابطهم.

يوضح موسى ذلك حيث “قال الإنسان”

“هذِهِ الآنَ عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي. هذِهِ تُدْعَى امْرَأَةً لأَنَّهَا مِنِ امْرِءٍ أُخِذَتْ” (تكوين 2 : 23)

وبدلاً من الوحدة الذاتية، فقد تداخل كلاهما، وارتبطا، واندمجا. لاحظ احتياج آدم لشريك:

“قال الرب الإله لَيْسَ جَيِّدًا أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ، فَأَصْنَعَ لَهُ مُعِينًا نَظِيرَهُ” (عدد 18)

الشركة

نرى هنا أن الجنس خُلق بالأصل لإنهاء العزلة والوحدة. وهذا يعكس شيء قائم في أشخاص الإله الثالوث: شركة الأب، الابن والروح القدس. وبالرغم من أن ليس هناك تعبير جسدي أو جنسي في الأشخاص الإلهية، حيث أنها أرواح (ماعدا الله الابن الذي هو إله وإنسان: الله – الإنسان)، فهم مرتبطين ببعضهم البعض بطريقة مُحبة (يوحنا 17). وهذا الاحتياج للتعبير الجنسي في جزء من الألوهية يظهر أن التعبير التناسلي للجنس ليس بالطبيعة ضروري للكمال والامتلاء. على أية حال، في السماء الكاملة، لن يكون هناك تعبير تناسلي عن الجنس. ولكن ستكون هناك شراكة كاملة متكاملة.

 

مخلوق خاص (مميز)

يذكر الكتاب المقدّس أن مُعين آدم لم يكن من ضمن أحد المخلوقات التي خلقها الله:

“وَجَبَلَ الرَّبُّ الإِلهُ مِنَ الأَرْضِ كُلَّ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ وَكُلَّ طُيُورِ السَّمَاءِ، فَأَحْضَرَهَا إِلَى آدَمَ لِيَرَى مَاذَا يَدْعُوهَا، وَكُلُّ مَا دَعَا بِهِ آدَمُ ذَاتَ نَفْسٍ حَيَّةٍ فَهُوَ اسْمُهَا.
20 فَدَعَا آدَمُ بِأَسْمَاءٍ جَمِيعَ الْبَهَائِمِ وَطُيُورَ السَّمَاءِ وَجَمِيعَ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ. وَأَمَّا لِنَفْسِهِ فَلَمْ يَجِدْ مُعِينًا نَظِيرَهُ” (تكوين 2 : 19 – 20)

ثم ذكر لنا الكتاب المقدّس قصة الخلق الخاص للمرأة، حواء

“فَأَوْقَعَ الرَّبُّ الإِلهُ سُبَاتًا عَلَى آدَمَ فَنَامَ، فَأَخَذَ وَاحِدَةً مِنْ أَضْلاَعِهِ وَمَلأَ مَكَانَهَا لَحْمًا.
22 وَبَنَى الرَّبُّ الإِلهُ الضِّلْعَ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ آدَمَ امْرَأَةً وَأَحْضَرَهَا إِلَى آدَمَ” (أعداد 21 – 22)

وعند هذا الحد يؤكد آدم الرجل على عطية الله له:

فَقَالَ آدَمُ: «هذِهِ الآنَ عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي. هذِهِ تُدْعَى امْرَأَةً لأَنَّهَا مِنِ امْرِءٍ أُخِذَتْ” (عدد 23)

في اللغة السومرية، أحد لغات بلاد ما بين النهرين، فإن كلمة “ضلع” تعني “الحياة”. ويقصد شيء من هذا القبيل: أتت المرأة للعالم من حياة آدم. فالحياة توّلد حياة. وبالتالي أصبحت المرأة هي المانحة للحياة لأنه مُنحت نعمة الإنجاب.

كلمة “مُعين” في اللغة العبرية تعني “مساعد مناسب” (حرفيًا “نظيره”). وتكمن الفكرة في أن “المساعد المناسب” سيجلب التوازن في حياة الذكر. يمكن فهم هذا الأمر عن طريق الوسيلة القديمة التي تًستخدم فيها الأثقال لتحقيق التوازن. أحد الكفتين بدون الأثقال يكون غير متوازن. وفقط عند استخدام الأثقال “كلاهما مقابل الآخر” يتحقق التوازن. وخلق الإنسان غير متوازنًا حتى قبل السقوط. واحتاج إلى المرأة لتجلب التوازن الذي يريده الله.

وقال متى هنري، ليظهر الترابط بين الرجال والمرأة:

“لم تُخلق المرأة من أحد عظام رأس آدم حتى يمكنها السيطرة عليه، ولم تُخلق من أحد عظام قدمه ليمكنه سحقها، بل خُلقت من واحد من عظام جنبه، لكي يشاركا الحياة معًا في حماية واهتمام ورعاية متبادلة.”

 

 

 

تكوين الإنسان

تكوين الإنسان النفسي

اتفق الجميع على أن الإنسان لديه طبيعة مادية وأخرى غير مادية. طبيعته المادية تتمثل في جسده، وتتمثل طبيعته غير المادية في الروح والنفس. ويطرأ السؤال: هل الإنسان مخلوق ثنائي أم ثلاثي الطبيعة؟ هل الروح والنفس هما واحد ونفس الشيء، أم يجب علينا أن نميز بينهما؟ هناك من يؤمنون أن الروح والنفس هما واحد ونفس الشيء يطلق عليهم أصحاب النظرية الثنائية، ومن يدعون أنهما ليسا نفس الشيء يطلق عليهم أصحاب النظرية الثلاثية.

النظرية الثنائية

يقول الباحث اللاهوتيسترونج:

“إن الجزء غير المادي من الإنسان، ينظر له على أنه حياة فردية شخصية واعية، قادرة على امتلاك وتحريك الأعضاء الجسدية ويطلق عليه Psuche ، وينظر اليه على أنه عامل عقلاني وأخلاقي، عرضة للتأثير الإلهي والسكنى به، ونفس هذا الجزء الغير مادي يطلق عليه Pneuma. وهي تعني طبيعة الإنسان المشابهة لله، وقادرة على تقبل والحفاظ على الروح القدس، والـ Psuche هي طبيعة الإنسان المتجهة نحو الأرضيات، وملامسة لعالم الحواس. Pneuma هي الجزء الأعلى من شخصية الإنسان، بحكم ارتباطها بالواقع الروحي والقدرة على الاستمرار في هذه العلاقة: Psuche هي الجزء الأعلى من الإنسان والمرتبط بالجسد، بحكم ارتباطه بهذه العلاقة. إذًا فكينونة الإنسان ليست ثلاثية بل ثنائية، ويكون الجزء الغير مادي به، في حين يمتلك قوة ثنائية، لكنه موحد ومتحد في تكوينه.1

1- نفخ الله في الإنسان روح حية (تكوين 2 : 7). وفي أيوب 27: 3 ، 33 : 18 “حياة” و “روح” يبدو إنها استخدمت بالتبادل (33 : 18). في بعض الأوقات تستخدم كلمة “روح” لتعني وترادف حياة الإنسان (متى 16 : 26).

2- إن مصطلح “روح” و”نفس” تستخدم بالتبادل في بعض المراجع (تكوين 41 : 8، 42 : 6، يوحنا 12 : 27.، 13 : 21، متى 6 : 25، 20 : 28، 27 : 50، لوقا 1 : 46 – 47، عبرانيين 12 : 23 ورؤيا 6 : 10)

يوصف الموت على أنه تسليم الروح (تكوين 35 : 18، ملوك الأول 17 : 21، أعمال الرسل 15 : 26) وتسليم النفس (مزمور 31 : 5 ، لوقا 23 : 46).

3- تُنسب “الروح” مثل “النفس” للخليقة البدائية (جامعة 3 : 21، رؤيا 16 : 3). وعلى أية حال فإن مبدأ الحياة  في الوحوش (روح أونفس) يعتقد أنه غير عقلاني فاني، وفي الإنسان يكون عقلاني وخالد.

4- تُنسب الروح ليهوه (عاموس 6 : 8، أرميا 9 : 9، إشعياء 42 : 1، 53 : 10 – 12، عبرانيين 10 : 38)

5- يُنسب المكان الأسمى في الدين إلي الروح (مرقس 12 : 30، لوقا 1 : 46، عبرانيين 6 : 18 – 19، رسالة يعقوب 1 : 21)

6- الجسد والروح (أو النفس) يعرف عنهما أنهما يشكلا الإنسان ككل (متى 10 : 28، كورنثوس الأولى 5 : 3، يوحنا الثانية 2) وعند فقد الروح تُفقد معها كل الأشياء (متى 16 : 26، مرقس 8 : 36 – 37).

يشهد (يعترف) الوعي أن هناك عنصرين في تكوين الإنسان: جزء مادي وآخر غير مادي. ولكن لا أحد يمكنه التمييز بين الروح والنفس.

النظرية الثلاثية

تتبنى هذه النظرية تكوين الإنسان من ثلاثة عناصر: الجسد، الروح والنفس. والجسد هو الجزء المادي من تشكيلنا، والروح هي مبدأ حياة الحيوان، والنفس هي مبدأ حياتنا العقلانية. والبعض أضاف لذلك الجزء الأخير والحياة “الخالدة”. وعلى أية حال، يمكن أن يكون ذلك جزء غير رئيسي من النظرية. وهؤلاء من يتبنون هذه النظرية المتطرفة يعتقدون أنه بموت الجسد يرجع إلى الأرض، وتتوقف الروح عن الحياة، وتبقى النفس وحدها لتتحد بالجسد عند القيامة.

1-في المقام الأول، تكوين 2 : 7 لم يذكر أن الله خلق الإنسان كمخلوق ثنائي الطبيعة. فالصيغة العبرية تتحدث عن الجمع “وَجَبَلَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ تُرَابًا مِنَ الأَرْضِ، وَنَفَخَ فِي أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ. فَصَارَ آدَمُ نَفْسًا حَيَّةً”. ولم يذكر أن الإنسان أصبح روح وجسد، بل بالحري أن الله “َنَفَخَ فِي أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ. فَصَارَ آدَمُ نَفْسًا حَيَّةً”. أن الحياة التي منحها لله صُنعت من الطين وكانت النتيجة أن الإنسان أصبح روحًا.

2- يعتقد بولس الرسول أن الجسد، الروح والنفس هي ثلاث أجزاء منفصلة لطبيعة الإنسان (تسالونيكي الأولى 5 : 23). نفس الشيء يُذكر في الكلمة الموجهة “وخارقة إلى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ، ومميزة أفكار القلب ونياته” (عبرانيين 4 : 12)

3- هذه النظرية التي تتبنى تكوين الإنسان من ثلاث جوانب تنطبق كذلك على تقسيم النفس البشرية إلي “طبيعي” “جسدي” و”روحي” (كورنثوس الأولى 2 : 14 – 3 : 4). وتشير هذه النصوص إلى الثلاثية. ولكن أليس من المحتمل أنها تشمل الإنسان ككل بصفة عامة؟ قال يسوع للشاب ” تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ”(مرقس 12 : 3)، ولكن لا أحد يمكنه أن يبني أربعة تصنيفات لطبيعة الإنسان بناء على هذه الحالة. فعبرانيين 4 : 12 لا يتحدث عن انفصال الروح عن النفس، ولكن يتحدث عن الانفصال ذاته والذي يشمل هذه النقطة.

ومن المحتمل، انه علينا أن نفكر أن الطبيعة غير المادية تتكون من نسبة مرتفعة وأخرى منخفضة (عبرانيين 4 : 12). فخيال وذاكرة وفهم الإنسان ينتمي للروح، وتنتمي قوة المنطق، الضمير، والإرادة الحرة للنفس. هذا التنوع والاختلاف عن النظرية الثلاثية التقليدية يجعل من المحتمل التوقف عن الجدال مع أصحاب النظرية الثنائية. وبالتالي تشرح كيف أن بعض المسيحيون “جسديين” وآخرين “روحيين”. وتتفق أيضًا مع التعاليم التي تقول أن الجسد الحالي هو “جسد الروح” وأن جسد القيامة سيكون “جسد روحي” (كورنثوس الأولى 15 : 44). وبمعنى آخر، فإن طبيعة الإنسان الغير مادية يُنظر لها على أنها طبيعة واحدة، لكنها تتكون من جزئين. في بعض الأحيان يمكن التمييز بين الأجزاء بوضوح، وفي بعض الأوقات الأخرى، ومن خلال التشبيه تستخدم للتعبير عن كيان الإنسان ككل.

تشكيل الإنسان الأخلاقي

يشير تشكيل الإنسان الأخلاقي لتلك القوى التي ترشده لأفعال الخير أو الشر. هذه القوى هي العقل، الإحساس أو المشاعر والإرادة، مشتركة مع القدرة العجيبة على التمييز والتجاوب والتي نطلق عليها الوعي.

العقل

العقل يمكّن الإنسان من التمييز بين ما هو صواب وما هو خطأ، هو تلك الإمكانية التي يمكن أن تتأثر بفعل ما أو اختيار مجموعة أفعال.

المشاعر أو الإحساس

تخاطب المشاعر العقل لفعل نفس الشيء أو غيره، فهي تضع القيمة في إطار الفعل.

الإرادة

إن مصطلح “الإرادة” يستخدم بمعنى ثنائي:

الميل

يشار للإرادة في ضوء الشعور بميل أو إعمال العقل. نتحدث الآن عن ميل محدد، اتجاه أو رغبة قد يتبعها الإنسان. وبالطبع، تشمل أفعال الفرد ولكن يجب أن يتماشى ذلك مع الاتجاه العام أو الممارسة التي يميل لها الفرد.

الإرادة

الإرادة هي تدريب هذه القوة للقدرة على التصرف في مواقف معينة. هي الخيار الفعلي، ونهاية لفعل ما في ذهن الشخص.

لا يقوم الإنسان بفعل أخلاقي دون تشغيل الإرادة. قد ينبهر العقل بفعل معين، وتضع المشاعر القيمة لإتباع فعل أو آخر، ولكن الفعل لا يكتمل حتى تأتي الإرادة. وهذا ما يميز الإنسان عن الحيوان. فالإنسان يمكنه التفكير بموضوعيه، ويزن الأمور والظروف، ويطيع ضميره ويتصرف في ضوء الظروف المتاحة والمعروفة. مما يجعل منه كائنًا أخلاقيًا.

القلب

إن كلمة “قلب” هي أكثر المصطلحات شمولاً في النص الكتابي للتعبير عن الأجزاء الغير جسدية ووظائف الإنسان. فهي تستخدم للتعبير عن الروح، النفس، العقل، الضمير، وكينونة الإنسان الداخلية. وهناك القليل جدًا من المراجع تصف فيها هذه الكلمة الأعضاء الجسدية (صموئيل الثاني 18 : 14، ملوك الثاني 9 : 24، مزمور 45 : 5)

هذه الكلمة (بالعبريةLebأوLebab) استُخدمت 850 مرة في العهد القديم بالمفاهيم التالية:

  • مركز الطاقة الجسدية (مزمور 22 : 14، إشعياء 1 : 5)
  • مركز الرغبة (أمثال 6 : 25)
  • مركز المزاج أو الاضطراب (خروج 4 : 21، صموئيل الثاني 17 : 10، ملوك الأول 8 : 23، 11 : 3، 12 : 27، حزقيال 21 : 7)
  • مركز الإرادة (صموئيل الثاني 7 : 27، ملوك الثاني 12 : 4)
  • مركز التفكير (تكوين 6 : 5)
  • مركز الإدراك (تثنية 29 : 4)
  • مركز الفهم (ملوك الأول 3 : 9، أمثال 28 : 26)
  • مركز الذات (تكوين 17 : 17، ملوك الأول 8 : 47 أو “ذواتهم” جامعة 2 : 1)
  • مركز الوعي (صموئيل الأول 24 : 5، صموئيل الثاني 24 : 10)

وفي العهد الجديد تُذكر كلمة “قلب” (GK. Kardia) حوالي 155 مرة ولها دلالات ومعاني مشابهة لاستخدام العهد القديم:

  • مركز الحياة الجسدية والطاقة (يعقوب 5 : 5)
  • مركز المشاعر (يوحنا 14 : 1، 16 : 6، أعمال الرسل 2 : 26، كورنثوس الثانية 2 : 4)
  • مركز الإرادة (أعمال 11 : 23، كورنثوس الثانية 9 : 7)
  • مركز الرغبات (رومية 10 : 1)
  • مركز التفكير (متى 11 : 29، 13 : 15، بطرس الأولى 1 : 22)
  • مركز المنطق (لوقا 12 : 45)
  • مركز العقل (أعمال 7 : 23، كورنثوس الأولى 2 : 9)
  • مركز الذات (متى 15 : 8، رومية 6 : 17، 10 : 10)
  • مركز الضمير (يوحنا الأولى 3 : 20 – 21)

ويُصوّر القلب عادة على أنه مركز السيطرة والتحكم في حياة الإنسان (أمثال 4 : 23، متى 6 : 21، 12 : 35، مرقس 7 : 21 – 23). أي مبدأ (سواء الله، الشيطان، أو الخطيئة) يتحكم في القلب يعبر عن نفسه في حياة الإنسان ذاتها. فالقلب في حد ذاته ليس لديه مواصفات أخلاقية.

  • كون الإنسان فاسد بطبعه، فقلب الأشخاص الغير مُخلّصين يميل تجاه الخطية (أرميا 17 : 9، 18 : 12)
  • وعندما تطهرنا بدماء المسيح، يميل قلب الإنسان المُخلّص تجاه الصلاح (أعمال الرسل 15 : 9، تيطس الثانية 2 : 22، عبرانيين 10 : 22، بطرس الأولى 1 : 22)
  • من القلب ينبع كلا من الضمير الخيّر والشرير (مزمور 119 : 11، أعمال الرسل 5 : 3، رومية 5 : 5، كولوسي 3 : 15 ، 16، أفسس 3 : 17، رؤيا 17 : 17)
  • القلب محكوم بالخطية (متى 12 : 34، 35، مرقس 7 : 21 – 23، لوقا 8 : 15)

عندما يشير الكتاب المقدّس للروح القدس على أنه “أعطي عربون الروح في قلوبنا” (كورنثوس الثانية 1 : 22، غلاطية 4 : 6) وهذا يعني أنه قد مُنح لنا عند الخلاص، والآن يسكن فينا (يوحنا 14 : 16-17، يوحنا الأولى 3 : 24). إن حقيقة الإشارة لله على أنه “فاحص القلوب” توضح أنه يعرف كل شيء عنا، وبالأخص أفكارنا، وأغراضنا، ودوافعنا، ورغباتنا، ومشاعرنا الداخلية (رومية 8 : 27) “وَلكِنَّ الَّذِي يَفْحَصُ الْقُلُوبَ” تعني أنه يختبر حياتنا من الداخل (تسالونيكي الأولى 2 : 4) ، وأن “نؤمن بقلوبنا” يعني أن نختبر الإيمان الخلاصي بكل كياننا الداخلي، عقلنا، مشاعرنا وإرادتنا (متى 15 : 8، رومية 6 : 17، 10 : 10). وكذلك “العمل من القلب” تعني القيام بفعل ما بكل ما في كيان الإنسان (كولوسي 3 : 23، مرقس 12 : 30، متى 15 : 8)

 

 

 

المعدة

بالإضافة لمعناها الجسدي، فإن كلمة “معدة” (بالعبرية beten) في العهد القديم تمثل مركز المشاعر (يعقوب 20 : 20، مزمور 31 : 9) والفكر (يعقوب 15 : 35) وذات الإنسان (عدد 2). وفي العهد الجديد تعني الكلمة (GK Koilia) ذات الإنسان الداخلية (يوحنا 7 : 38) أو الذات (رومية 16 : 18). وبصفة عامة تشير للعضو الجسدي (لوقا 15 : 16)

الأحشاء

أحيانًا، تشير للعضو الجسدي، ولكن في أغلب الأحيان لها معاني جسدية وروحية. ففي العهد القديم الأحشاء (بالعبرية meim) هي مركز المشاعر (أشعياء16 : 11، أرميا 31 : 20، نشيد الأنشاد 5: 4، مراثي أرميا 1 : 20). وفي العهد الجديد تعني الكلمة (GK splagchna) مركز المشاعر )كورنثوس الثانية 6 : 12، فيلبي 1 : 8، 2 : 1، كولوسي 3 : 12، فليمون 7) والذات (فليمون 12، 20)

الكلية

في العهد القديم تشير كلمة “الكلية” (بالعبرية leylayoth) إلى مركز المشاعر (أمثال 23 : 16)، العقل (مزمور 16 : 7)، الذات الداخلية بأفكارها، أغراضها، دوافعها (مزمور 7 : 9، 25 : 2، أرميا 11 : 20، 12 : 2، 20 : 12) والضمير (مزمور 73 : 21). وفي العهد الجديد وردت هذه الكلمة فقط (GK nephros) بمعنى الذات الداخلية بكل أفكارها، أغراضها، ودوافعها (رؤيا 2 : 23).

الأفعال الأخلاقية

الإنسان من خلال عقله يفكر فيما يجب عليه فعله في موقف معين. فإراداته على أي حال، يجب أن تترجم لفعل لإتمام هذا الفعل. وفي كثير من الأحيان تكون قوى الإنسان المنطقية والعقلانية غير كافية بمفردها لتحرك الإرادة، ومن هنا يأتي دور مشاعر الإنسان. فلن يفكر فقط فيما ينبغي عليه فعله، ولكنه سيبدأ في حب فعل ما وكراهية فعل آخر.

ولهذا، فإن المشاعر التي ترتبط جدًا بالإرادة توظف وتستخدم كقوة لتحويل الإرادة لفعل. من الممكن في بعض الأحيان أن تلعب المشاعر دور كبير في هذا الأمر بحيث أن قوى التفكير والمنطق تُترك جانبًا ويتم السيطرة على الإرادة بالمشاعر. وفي هذه الحالات فقد فعل الإنسان ما يرغب به، وليس بالضرورة ما فكر فيه واعتقد أنه الفعل الأفضل.  وعندما تعمل الإرادة في تناغم مع العقل والمشاعر ينتج عنها الفعل الأخلاقي.

 

الضمير

إن مصطلح “الضمير” (Gr suneidesis) لم يرد أبدًا في العهد القديم، ولكنه ظهر ثلاثين مرة في العهد الجديد. وهو مشتق من المعنى اليوناني “المعرفة المصاحبة” أو “المعرفة المساعدة” (بالذات). إنها الشهادة التي تُحمل لسلوك الإنسان من خلال الوعي. والقدرة التي من خلالها نفهم مشيئة الله. وبالتالي فهو يحكم حياتنا. وهو مراقب أخلاقي يعرف اتجاهاتنا وأفعالنا الأخلاقية المرتبطة بالمعايير الأخلاقية أو القانون الذي يُعرف على أنه ذاتنا الحقيقية، ولهذا له السلطان علينا. لذلك فهو الشعور بالبراءة (كورنثوس الثانية 4 : 2، 5 : 11) أو الشعور بالذنب أمام الله (العبرانيين 10 : 2). أنه الضمير الذي يأمرنا بالأفعال الحسنة ويدين الأفعال السيئة ليحفزنا على فعل الأولى وتفادي الأخيرة (رومية2 : 15، 9 : 1، 10 : 25 – 27، 5:13، كورنثوس الثانية 1 : 12)

وظائف الضمير

التمييز

أن العمل الرئيسي للضمير هو عمل تمييزي حيث أنه يوضح إذا ما كانت أفعال الإنسان وأحواله تتفق مع المعايير الأخلاقية.

والمعيار هو قانون أو قاعدة للسلوك الذي يتبناه الإنسان لنفسه. والضمير هو من يحكم إذا ما كان الإنسان يتفق أو لا يتفق مع هذا المعيار. وهو سيقرر دائمًا بصورة صائبة بما يتوافق مع الإنسان، ومن هذا المنطلق يكون الضمير معصوم ومُنبه. فللضمير القدرة على التمييز وسوف يتخذ القرار في ضوء المعايير التي تُمنح له.

التوبيخ

الضمير يوبخ أيضًا حيث أنه يوضح ويميز الأفعال والحالات التي يكون فيها إجبار واضطرار. بمعنى أن الضمير يقنع ويؤثر على وعي الفرد بأنه إما تصرف تصرفًا صائبًا أو عليه أن يتصرف بطريقة صائبة بعد توصله لقرار معين.

يحكم الضمير بناء على المعايير المعطاة له. إذا كان المعيار الأخلاقي الذي تقبله العقل غير كامل، فإن قرارات الضمير، رغم كونها عادلة إلى حد ما، قد تكون غير عادلة بالمرة.

إن المعيار الوحيد الصادق للضمير هو كلمة الله كما يفسرها الروح القدس. وعندما يحكم طبقًا للمعايير الأخرى فبالتالي ستكون قراراته غير معصومة من الخطأ، ولكن عندما يحكم طبقًا للنصوص الكتابية المقدّسة، فبالتالي تكون أحكامه معصومة من الخطأ.

 

الحالة الأصلية للإنسان

يصف النص الكتابي حالة الإنسان الأصلية (الأولى) من خلال جملة “على صورة الله وشبهه” (تكوين 1 : 26 – 27، 5 : 1، 9 : 6، كورنثوس الأولى 11 : 7، يعقوب 3 : 9). لا يبدو هناك أي اختلاف بين الكلمتين العبريتين “صورة” و “شبه”. يُعرّف العلماء العبريين Brown, Driver and Briggs الأولى على أنها “الصورة، الشبه” والأخيرة على أنها “الشبه والتشابه”2

الصورة

الصورة تعني “ظل أو إطار الشكل، بينما يشير الشبه إلى تشابه هذا الظل مع الشكل” ولكن هذا يجعل لهما معنى متشابه. مما تتكون هذه “الصورة و الشبه”؟

كان تشابه روحي

فالإنسان يشبه الله روحيًا في أن الله الذي هو روح يتواصل مع روح لإنسان (رومية 8 : 15 – 16، كرونثوس الأولى 2 : 10 – 16)، ويشرح اللاهوتي Hodge:

“أن الله روح، وكذلك روح الإنسان. والصفات الرئيسية للروح هي العقل، الضمير، والإرادة. والروح هي كيان عقلاني، أخلاقي وبالتالي يكون حرًا. وبخلق الإنسان على صورته، لذلك فقد منحه الله هذه الصفات التي تنتمي لطبيعته الخاصة كروح. ولذلك فالإنسان مميز عن سائر مخلوقات العالم، وارتفع فوقهم جميعًا بصورة فائقة. فهو خُلق على صورة الله ذاته، ولذلك قادر على التواصل مع خالقه. فالتوافق في الطبيعة بين الإنسان والله…هو شرط ضروري لقدرتنا على معرفة الله، وبالتالي يكون أساس طبيعتنا المتدينة. وإذا لم نكن مثل الله، لم يكن بإمكاننا أن نعرفه. وكنا سنصبح مثل الحيوانات التي تفنى”3

ومن خلال التقديس أصبح الإنسان “وَلَبِسْتُمُ الْجَدِيدَ الَّذِي يَتَجَدَّدُ لِلْمَعْرِفَةِ حَسَبَ صُورَةِ خَالِقِهِ” (كولوسي 3 : 10). وهذا التجديد يبدأ في التغيير، ولكنه يستمر في التقديس. وهذا التشابه مع الله غير قابل للانتهاء (لا ينتهي)، وحيث أنه يشكل قدرة الإنسان على الفداء، فهو يعطي قيمة للحياة حتى لتلك التي لم تتغير وتتجدد (تكوين 9 : 61، كورنثوس الأولى 11 : 7 ، يعقوب 3 : 9). وعلى أية حال، يعتقد أصحاب نظرية التطور أن الإنسان الأول هو خطوة أولى تفوق البهيمية.

كان تشابه أخلاقي

إن هذا “التشابه مع الله” هو توافق اخلاقي مع الله. بمعنى أن الإنسان كان مسايرًا لقوى أفعال الخير والشر.

هذا التشابه بين الإنسان والله يتضح في النص الكتابي. إذا كان في تجديد الإنسان الجديد ” وَتَلْبَسُوا الإِنْسَانَ الْجَدِيدَ الْمَخْلُوقَ بِحَسَبِ اللهِ فِي الْبِرِّ وَقَدَاسَةِ الْحَقِّ”  (أفسس 4 : 24) فمن المعقول أن نستنتج أن الإنسان في الأصل كان لديه كلا من القداسة والطهارة. فالنص في تكوين 1 ، 2 يحمل هذا المعني. وفي هذه الحالة وحدها كان من الممكن للإنسان أن يتشارك ويتواصل مع الله القدوس الذي لا يسر أو يحتمل للشر (عبرانيين 1 : 13). ويؤكد سفر الجامعة 7 : 29 ذاكرًا “أَنَّ اللهَ صَنَعَ الإِنْسَانَ مُسْتَقِيمًا”. ومن هذا يمكننا أن نستنتج أيضًا في تكوين 1 : 31 “و رأى الله كل ما عمله فاذا هو حسن جدا”. وذلك يشمل الإنسان، ولم يكن ذلك حقيقيًا لو كان الإنسان غير كامل أخلاقيًا.

القداسة أسمى من البراءة. فليس كافيًا أن نقول إن الإنسان خُلق في حالة من البراءة. وكان من الممكن أن يكون ذلك حقيقيًا، إذا كان حُرم من التقييم الأخلاقي. ولكن الإنسان لم يخلق فقط بريئًا، ولكنه خُلق ليكون مقدسًا. فشرط التجديد هو استعادة الإنسان لحالته الأصلية. ويوصف صلاحه على أنه “مجدد” كما في أفسس 4 : 21، و “قداسة الحق”  في أفسس 4 : 24. وهذه هي الشخصية المثالية الايجابية وليس فقط البريئة.

يمكن تعريف القداسة الأصلية على إنها الميل تجاه ما يحبه الإنسان ويريده والتي يصاحبهما قوة الإختيار. وهي تتميز عن القداسة التي اختبرها القديسون، على أنها محبة بديهية وبراءة طفولية تختلف عن القداسة التي نمت وصُقلت بعدم الاستسلام للإغراءات.

كان تشابه اجتماعي

لله طبيعة اجتماعية، لذلك فقد منح الإنسان طبيعة اجتماعية. وبالتالي يبحث الإنسان عن الرفقة.

ففي المقام الأول وجد شركته في الله نفسه “وسمعا صوت الرب الإله ماشيا في الجنة عند هبوب ريح النهار” (تكوين 3 : 8) وتحدث مع الله خالقه. لقد خلق الله الإنسان لذاته، ووجد الإنسان رضا كامل في الشركة مع إلهه وربه.

ثانيًا، منحه الله شركة بشرية. فقد خلق المرأة حيث قال ” لَيْسَ جَيِّدًا أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ، فَأَصْنَعَ لَهُ مُعِينًا نَظِيرَهُ” (تكوين 2 : 18). وليجعل هذه الشركة حميمة، خلق المرأة من أحد عظام الرجل. وعرف آدم أن حواء عظم من عظامه، ولحم من لحمه، لذلك دعاها “امرأة” بسبب هذه العلاقة الحميمة بينهما “لِذلِكَ يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيَكُونَانِ جَسَدًا وَاحِدًا” (أعداد 23 ، 24)

لذلك من الواضح أن الله قد خلق الإنسان بطبيعة اجتماعية، لأن له طبيعة اجتماعية. ومن الواضح أن الله وفر له كل ما يحتاجه ليصبح اجتماعيًا. فحب البشر والاهتمامات الاجتماعية تنبع مباشرة من هذا العنصر في طبيعة الانسان الاجتماعية والتي لم يفقدها تمامًا عند سقوطه (رغم أنها قد تشوهت أو تلوثت).

 

 

 

ملخّص

لقد رأينا أن الإنسان يأتي على قمة خليقة الله ” أحمدك من أجل أني قد امتزت عجبا”(مزمور 139 : 14). ولأن الإنسان خلُق على صورة الله وشبهه، فهناك إلى حد ما تشابه مع الله. إن صورة الله في البشرية تشكل هذه الصفات الإلهية التي تجعل من العبادة، التفاعل الشخصي، العمل شيئًا ممكنًا. وجزء من هذا التشابه يشمل دعوة البشرية لحكم الأرض والسيطرة عليها. فنحن مدعوين لنملأ الأرض ونتجه نحوها بينما نعكس شخصية الله الذي بصلاحه يحكم هذا الكون بالعدل واللطف.

روحيًا يشابه الإنسان الله حيث أن الله الروح يتواصل مع روح الإنسان (رومية 8 : 15 – 16، كورنثوس الأولى 2 : 10 – 16). وهناك تشابه أخلاقي في هذا الإنسان، فمثل الله، يتخذ قرارات أخلاقية. وهناك تشابه عقلاني في الإنسان، فهو مثل الله يفكر ويعمل بالمنطق. وكذلك تشابه عاطفي مع الله، فهو يختبر كل أنواع المشاعر مثل الله. هناك تشابه إرادي مع الله، حيث يختبر ارادته من خلال قراراته واختياراته مثل الله. تشابه اجتماعي، فالإنسان مخلوق اجتماعي يحيا من خلال العلاقات تمامًا مثل الله. نجد تشابه جسدي عندما تجسد الله الكلمة آخذًا صورة إنسان (كولوسي 2 : 9، عبرانيين 10 : 5 – 10) “صائرًا في شبه الناس” (فيلبّي 2 : 7)

انحرف الإنسان عن طبيعته التي ولد بها حتى قبل أن يفعل الخطية (مزمور 51 : 5) بسبب معصية آدم الذي يمثل البشرية (رومية 5 : 12 – 16، كورنثوس الأولى 15 : 21، 11). ولأننا جميعًا أبناء آدم، فقد انفصلنا عن الخالق وكنا مستحقين للعقاب المقدّس الإلهي (أفسس 2 : 3) والذي نتج عنه الموت الروحي والجسدي. إن خطيئتنا هي التي فصلتنا عن الله الذي لا يقدر أن يحتمل الخطية أو أن يشترك (يتواصل) مع المخلوقات المخطئة (إشعياء 59 : 2، عبرانيين 12 : 14).  كوننا قد انحرفنا داخليًا، فقد مات الإنسان كعقاب له على الخطايا (أفسس 2 : 1- 5، كولوسي 2 : 13) وبدون النعمة لم يكن بمقدوره العودة لله (كورنثوس الأولى 2 : 14 ، غلاطية 2 : 16، 3 : 10 – 11، 22، أفسس 2 : 4 – 9)

منح يسوع المسيح الخلاص لكل البشر. وهؤلاء من تابوا وآمنوا به تبرروا على حساب دمه المسفوك، وولدوا ثانية من الروح القدس، وأصبحوا أولاد الله. فالخلاص بالنعمة وحدها من خلال الإيمان الذي يحافظ على الأعمال الصالحة. فنحن لم نخلص بالنعمة والأعمال الحسنة (الأعمال الصالحة)، ولكن من خلال الإيمان الطيب (الإيمان الحي) الذي يُظهر نفسه من خلال الأعمال الصالحة (أفسس 2 : 10، غلاطية 5 : 6)

تقدير الذات

يُعرّف الكثير تقدير الذات على أنه “الشعور بالقيمة بسبب المهارات، الانجازات، الحالة، الموارد المالية، أو المظهر”. وهذا النوع من تقدير الذات يمكن أن يؤدي بالشخص للشعور بالاستقلالية والغرور والانهماك في الاعجاب المتزايد بالذات، والتي تقلل من سعينا للتقرب لله. تخبرنا رسالة يعقوب 4 : 6 أن “يقاوم الله المستكبرين أما المتواضعون فيعطهم نعمة” إذا اعتمدنا فقط على مصادرنا الأرضية، فبالتأكيد سينتابنا الشعور بالقيمة المرتكز على الغرور. أخبرنا يسوع “انتم أيضًا متى فعلتم كل ما أمرتم به فقولوا أننا عبيد بطّالون لأننا إنما عملنا ما كان يجب علينا” (لوقا 17 : 10)

وهذا لا يعني أن على المسيحيين أن تنتابهم روح الدونيّة. أنها تعني فقط أن إحساسنا بكوننا أشخاص ماهرين لا يجب أن يعتمد على ما نفعل، بقدر ما يعتمد على من نحن في المسيح. نحتاج أن نتواضع أمامه، وهو سوف يكرّمنا. ويذّكرنا مزمور 16 : 2 “قلت للرب انت سيدي. خيري لا شيء غيرك”. يحقق المسيحيون قيمتهم الذاتية من خلال العلاقة الصحيحة مع الله. ونعرف قيمتنا بسبب الثمن الغالي الذي دفعه الله فينا من خلال دماء ابنه، يسوع المسيح.

وبمفهوم ما، فإن الشعور بالدونيّة يتعارض مع التكبر والغرور. وفي مفهوم آخر يكون الشعور بالدونية شكل من أشكال الغرور. بعض الناس لديها الشعور بالدونيّة لآنه لديهم الرغبة أن يشعر الناس بالشفقة عليهم ومن ثم يتنبهوا لوجودهم، ويعملون على راحتهم. وقد يكون لسان حال الشعور بالدونية “أنظر إلىّ” تمامًا مثل الغرور. يأخذ هذا الاتجاه طريقين مختلفين لتوصيل نفس الرسالة والمعنى، أي الانشغال بالذات، الهوس بالذات، والأنانية. بدلاً من هذا نكون غير أنانيين، نموت عن ذواتنا، ونعكس أي انتباه يأتي لنا للإله العظيم خالقنا وجابلنا.

يقول الكتاب المقدّس أنه الله أعطانا القيمة والاستحقاق عندما اشترانا لنصبح أولاده (أفسس 1 : 14). ولهذا السبب، يستحق هو وحده الإكرام والتسبيح. وعندما يكون لدينا تقدير للذات على أساس صحي سليم، فسوف نقيمّ أنفسنا بصورة لا تجعلنا ننشغل بالخطيئة التي تستعبدنا. وبدلاً من هذا، علينا أن نسلك باتضاع، منشغلين بالآخرين أكثر من أنفسنا (فيلبي 2: 3). وتحذرنا رومية12 : 3 ” فَإِنِّي أَقُولُ بِالنِّعْمَةِ الْمُعْطَاةِ لِي، لِكُلِّ مَنْ هُوَ بَيْنَكُمْ: أَنْ لاَ يَرْتَئِيَ فَوْقَ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَرْتَئِيَ، بَلْ يَرْتَئِيَ إِلَى التَّعَقُّلِ، كَمَا قَسَمَ اللهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِقْدَارًا مِنَ الإِيمَانِ”

 

]]>
https://zehngadid.org/2025/02/16/%d9%88%d8%ac%d9%87%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%b8%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8%d9%8a%d8%a9-%d8%b9%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%86%d8%b3%d8%a7%d9%86/feed/ 0
رجاء لحياتك التعيسة https://zehngadid.org/2025/02/13/%d8%b1%d8%ac%d8%a7%d8%a1-%d9%84%d8%ad%d9%8a%d8%a7%d8%aa%d9%83-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b9%d9%8a%d8%b3%d8%a9/ https://zehngadid.org/2025/02/13/%d8%b1%d8%ac%d8%a7%d8%a1-%d9%84%d8%ad%d9%8a%d8%a7%d8%aa%d9%83-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b9%d9%8a%d8%b3%d8%a9/#respond Thu, 13 Feb 2025 11:33:55 +0000 https://zehngadid.org/?p=2201  

إننا لا نبحث عن خيبة الأمل، لكنها ستجدنا، عاجلاً أو آجلاً.

 

جاءتنا هذه الزائرة غير المرغوبة فيها منذ سنوات عندما تسببت عاصفة من التشهير في تخريب عائلتنا وخدمتنا. دمرت هذه الافتراءات السمعة الطيبة، وتسببت في قطع الشركة المسيحية، وأضاعت سنين من الخدمة المثمرة. بدا الأمر كأن حياة طويلة في خدمة الله ضاعت سُدى، وغرقت في اليأس. وعلى مدى السنوات العديدة التالية كنت أصلي متمنية تغيير الأحوال إلى الخير. لكن مع استمرار الاتهامات الزائفة في التزايد والتدمير، تساءلت عما إذا كان الأمر يستحق الصلاة بما إن الله لا يبدو أنه يجيب.

 

لكن الله كان يجيب صلواتي. حتى لو لم أدرك هذا في البداية، كان الخير الذي تمنيته يحدث في قلبي. بينما لم يكن الله يغير ظروفي، كان يستخدم ظروفي ليغيرني أنا. من خلال دراسة لسفر الجامعة، حررني الله بنعمته من يأسي وساعدني على إيجاد السلام والفرح وسط العاصفة التي كنا نمر بها.

 

معنية بعناء رديء

فاجأتني ظروفنا المؤلمة لكن ما كان يجب أن أتفاجأ بهذا القدر. فنحن لم نكن نعيش شيئًا غير عادي أو فريدًا من نوعه. لقد سبق وقال الله أن هذه هي الحياة. ويقول لنا عنها سفر الجامعة 13:1 “عَنَاءٌ رَدِيءٌ جَعَلَهَا اللهُ لِبَنِي الْبَشَرِ لِيَعْنُوا فِيهِ”. ربما لم تكن هذه الآية هي التي وضعت تحتها خطًا في كتابك المقدس. لكن إذا فكرنا فيها قليلاً، فإن هذا النص الموحى به من الله سيغير وجهة نظرنا بشأن مصاعب الحياة وهمومها.

 

يخبرنا سفر الجامعة أن كل شخص في هذه الحياة سيكون “معنيًا” بـ “عناء رديء”. نحن معشر النساء نعرف ما هو العناء أو المشغولية. فنحن مشغولات كل يوم بشيء ما: المدرسة، والأصدقاء، والالتزامات الأسرية، والمهام المنزلية، ومسئوليات العمل، والتزامات الكنيسة، وخدمة المجتمع، وتستمر القائمة. ومع ذلك، لا تتوقع الكثيرات منا أن تكن مشغولات بعناء رديء. لكن سفر الجامعة يوضح أن “العناء الرديء” هو حدث منتظم في جدول أعباء الحياة لهذا يجب أن نكون مستعدات له.

 

عندما نتوقع “عناءً رديئًا” لن نتفاجأ أو نصاب بالخذلان عند حدوثه. لكن إذا تجاهلنا حقيقة قدومه، سنشعر بالاستياء منه في كل مرة. والاستياء من عنائنا الرديء ومقاومته سيحجبان رؤيتنا لمن يعطينا هذا العناء في المقام الأول.

 

الله، المُعطي

إذا كان الجامعة 13:1 يعلمنا فقط أننا سننشغل بعناء رديء، لشعرنا جميعًا باليأس. لكن شكرًا لله لأن هذه الآية تحتوي أيضًا على هذه الكلمات “جَعَلَهَا اللهُ”. الله هو المعطي لكل تجربة مؤلمة ومحيرة في هذه الحياة. يا لها من كلمات حلوة ومعزية. مهما كانت ضيقاتنا ـ إملأ الفراغ ـ فالله هو الذي أعطانا إياها.

 

كنتُ بحاجة إلى تقبل هذه الحقيقة في ظروفي الصعبة التي مررت بها. عانيت كثيرًا من المرارة تجاه المخطئين في حق أسرتي. لكن عندما بدأت الاعتراف بأن الله في النهاية هو المعطي لعنائي الرديء، استطعت وقتها إنزال عينيّ من على الآخرين والتوبة عن شعوري بالمرارة. قال ذات مرة الواعظ “توماس واتسون”: “أيًا كان من يأتي لنا ببلوى، فإن الله هو الذي يرسلها”.

معرفة أن الله يرسل لنا المحنة تغير كل شيء. بدلاً من الشعور بالمرارة والضيق من مشكلتنا، يمكننا قبولها بكل تواضع. هذا لأننا نعرف المُرسل. إنه صالح ومُحسن (مزمور 68:119). يعد بألا يتركنا أو يهملنا (عبرانيين 5:13). لن يدعنا نُجرب بما يفوق قدرتنا على المقاومة (1 كورنثوس 13:10). يتعهد بأن يكون عونًا لنا (مزمور 1:46) وأن يعزينا في كل ضيقنا (2 كورنثوس 3:1ـ4). ويجعل كل أمورنا الرديئة تعمل معًا لخيرنا (رومية 28:8).

 

الإيمان مقابل محاولة الفهم

صحيح أنه يمكننا أن نثق أن الله يعد للخير وسط أوقاتنا الصعبة إلا أننا لا نستوعب هذا دائمًا. مرات ومرات، عندما أعتقد أنني أرى أخيرًا الخير الذي يوجده الله في ظروفنا المُحبطة، ينهار كل شيء. ماذا يفعل الله؟ هكذا أسأل نفسي محاولة فهم الأمور. كلما حاولت الفهم، كلما زاد إحباطي. لمرة أخرى، وجدت العون في سفر الجامعة. نقرأ في جامعة 11:3 “وَأَيْضًا جَعَلَ الأَبَدِيَّةَ فِي قَلْبِهِمِ، الَّتِي بِلاَهَا لاَ يُدْرِكُ الإِنْسَانُ الْعَمَلَ الَّذِي يَعْمَلُهُ اللهُ مِنَ الْبِدَايَةِ إِلَى النِّهَايَةِ”.

 

نكتشف من هذه الآية أن الله يعطينا الرغبة في معرفة ما يفعل: جَعَلَ الأَبَدِيَّةَ فِي قَلْبِهِمِ”. لكنه أيضًا يحِد من فهمنا: “لاَ يُدْرِكُ الإِنْسَانُ الْعَمَلَ الَّذِي يَعْمَلُهُ اللهُ”. بمعنى آخر، لقد رتب الله شوقنا الشديد للفهم وعدم قدرتنا على تحقيقه.

 

الآن، لا يجب أن نستنتج من هذا أن الله غير منطقي وقاس. على العكس، الله يعلمنا أن نثق به. صحيح أننا قد لا نكون قادرين على أن نتبين ما يفعله الله بالضبط، إلا أنه يمكننا أن نتعلم أن نثق به بصفة عامة. كما قال “تشارلز سبرجن” ذات مرة: “المؤمن… يثق (بالله) بينما لا يستطيع أن يفهمه”. ومن بين كل الأسباب التي تجعلنا نثق بإلهنا، لا يوجد سبب أكثر مجدًا وضمانًا من هذا: اَلَّذِي لَمْ يُشْفِقْ عَلَى ابْنِهِ، بَلْ بَذَلَهُ لأَجْلِنَا أَجْمَعِينَ، كَيْفَ لاَ يَهَبُنَا أَيْضًا مَعَهُ كُلَّ شَيْءٍ؟” (رومية 32:8).

 

الاتكال على الله وحده

نعتقد في بعض الأحيان أننا نتكل على الله في حين أننا لا نتكل عليه في الواقع. هذا ما حدث معي. مع استمرار الهجمات الافترائية أدركت أنني لا أستند على الله، بل كنت أنتظر رجاءً من نتيجة معينة. وعندما كانت لا تتحقق النتيجة المرجوة، كنت أصاب باليأس. كان يجب أن أضع ثقتي في الله، بغض النظر عن النتيجة. يعود الكثير من بؤسنا في الضيق إلى وضع اتكالنا في غير محله، أي في شيء أو شخص آخر غير الله نفسه. لكن الثقة الهادئة في الله وحده تولد استقرارًا وفرحًا وسط كل ظروف الحياة الرديئة.

 

ينبغي أن نثق في الله مثل “سارة” وغيرها من النّساءُ القِدّيساتُ المُتّكِلاتُ على اللهِ”، النساء التي أشاد بهن الرسول “بطرس” ووضعهن كأمثلة لنقتدي بهن (1 بطرس 5:3). نعرف من قرائتنا للعهد القديم أن خيبة الأمل كانت تطارد هذه النساء، لكنهن لم تتفاجئن بالزيارة بل عرفن أن الله هو الذي أعطى “عناءهن الرديء”. وآمن بصلاحه وجوده المتحكم في كل شيء حتى عندما لم يكن للحياة أي معنى. لم تتكلن على الظروف المتغيرة بل وضعن كل ثقتهن في الله وحده. ونحن، بنعمة الله، يمكننا أن نفعل نفس الشيء، مهما كانت مشغولياتنا بظروف الحياة السيئة.

 

 

 

 

 

 

 

بقلم

“كارولاين ماهاني”

 

تم ترجمة المقال بالتعاون مع هيئة      Desiring God

 

يمكنك قراءة المقال باللغة الإنجليزية من خلال الضغط على الرابط التالي:

https://www.desiringgod.org/articles/hope-for-your-unhappy-life

 

]]>
https://zehngadid.org/2025/02/13/%d8%b1%d8%ac%d8%a7%d8%a1-%d9%84%d8%ad%d9%8a%d8%a7%d8%aa%d9%83-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b9%d9%8a%d8%b3%d8%a9/feed/ 0
لماذا يجد المؤمنون صعوبة في أن يحبّوا؟ https://zehngadid.org/2025/01/30/%d9%84%d9%85%d8%a7%d8%b0%d8%a7-%d9%8a%d8%ac%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a4%d9%85%d9%86%d9%88%d9%86-%d8%b5%d8%b9%d9%88%d8%a8%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a3%d9%86-%d9%8a%d8%ad%d8%a8%d9%91%d9%88%d8%a7%d8%9f/ https://zehngadid.org/2025/01/30/%d9%84%d9%85%d8%a7%d8%b0%d8%a7-%d9%8a%d8%ac%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a4%d9%85%d9%86%d9%88%d9%86-%d8%b5%d8%b9%d9%88%d8%a8%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a3%d9%86-%d9%8a%d8%ad%d8%a8%d9%91%d9%88%d8%a7%d8%9f/#respond Thu, 30 Jan 2025 15:39:24 +0000 https://zehngadid.org/?p=2191  

لماذا يجد المؤمنون صعوبة كبيرة في أن يحبوا بعضهم البعض؟ أنا لا أسأل هذا السؤال باعتباري ناقد آخر لإخفاقات الكنيسة ـ فأنا أواجه مشاكل كافية في التعامل مع سجل قلة المحبة البارز أمام عينيّ. وبالطبع، فإن لهذا السؤال عدة إجابات مختلفة ـ بل أكثر بكثير في الواقع، بما أن كل منا لديه أسباب متعددة عن الصعوبة التي نجدها لنحب الله والآخرين كما ينبغي.

 

إننا لا نندهش من أن البشرية بأكملها تجد نوع المحبة الموصوف في 1 كورنثوس 13 صعبًا جدًا. البشر خطاة ساقطون؛ لذا يستحيل على أناس خطاة منفصلين عن المسيح أن “يحتملوا كل شيء، ويصدقوا كل شيء، ويرجوا كل شيء، ويصبروا على كل شيء” كما تفعل المحبة.

 

لكن ما يمكن أن يدهشنا بحق هو أن المؤمنين يجدون صعوبة مع المحبة. كيف يحدث هذا ونحن الذين وُلدنا ثانية، ونلنا قلبًا جديدًا، ولدينا الروح القدس الذي يمدنا بالقوة لا نزال نجد صعوبة كبيرة في أن نحب الله بكل كياننا، ونحب قريبنا كأنفسنا، ونحب إخوتنا المؤمنين كما أحبنا الرب؟ ألا يجب أن يكون الأمر أسهل مما نجده؟

 

كل من العهد الجديد وألفي سنة من تاريخ الكنيسة يقول لا. أحد أسباب هذا هو أن الروح القدس لم يُعط لنا ليحولنا بطريقة سحرية إلى أناس يحبون “الرب يسوع”. إنه أعطي لنا كمعزي (يوحنا 26:14) ليعلمنا كيف نتبع راعينا العظيم طوال الطريق الصعب والمضني للتحول إلى أشخاص يحبون مثل “الرب يسوع”. الروح القدس يجعل من الممكن لنا أن نحب كما أحب الرب، وهو أمر مستحيل بدونه. لكنه لا يقدم لنا طرقًا مختصرة سهلة لتكون محبتنا مثل محبة الله.

 

نير هين، طريق صعب

ما كل هذا الحديث عن “الطريق الصعب والمضني للتحول”؟ ألم يقل الرب “تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ” و”لأَنَّ نِيرِي هَيِّنٌ وَحِمْلِي خَفِيفٌ” (متى 28:11ـ30). نعم، فعل هذا. لكنه قال أيضًا: “مَا أَضْيَقَ الْبَابَ وَأَكْرَبَ الطَّرِيقَ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الْحَيَاةِ، وَقَلِيلُونَ هُمُ الَّذِينَ يَجِدُونَهُ!” (متى 14:7). لا يتناقض هذان الإعلانين؛ إنهما بُعدان مختلفان لما تعنيه التوبة والإيمان بالإنجيل.

 

عندما يتعلق الأمر ببُعد مصالحتنا مع الله، يقوم الرب بالمهمة الثقيلة المستحيلة المطلوبة “إِذْ مَحَا الصَّكَّ الَّذِي عَلَيْنَا فِي الْفَرَائِضِ، الَّذِي كَانَ ضِدًّا لَنَا” (كولوسي 14:2). وبهذا المعنى، يكون نير الرب هينًا: دفع الدين بالكامل عنا. الحِمل الخفيف الوحيد المطلوب منا هو التوبة والإيمان بالإنجيل.

 

لكن عندما يتعلق الأمر ببُعد تشكيل الله لنا على صورة ابنه (رومية 29:8)، والتغيير“إِلَى تِلْكَ الصُّورَةِ عَيْنِهَا، مِنْ مَجْدٍ إِلَى مَجْدٍ” (2 كورنثوس 18:3)، يكون الطريق الذي يؤدي إلى الحياة صعبًا. التوبة والإيمان بالإنجيل، في هذا السياق، يعنيان لنا أن نتعلم السير في “إطاعة الإيمان” (رومية 5:1) ـ أي نتعلم السلوك “بِالرُّوحِ فَلاَ تُكَمِّلُوا شَهْوَةَ الْجَسَدِ” (غلاطية 16:5)، والسلوك “كَمَا يَحِقُّ لِلرَّبِّ، فِي كُلِّ رِضىً” (كولوسي 10:1).

 

إن تعلمنا للسير في طريق المسيح هو عمل النعمة الإلهية فينا مثل تعلمنا الإيمان في “الرب يسوع” من أجل مغفرة خطايانا. لكنه يتطلب منا أن نعيش إيماننا في المسيح بطاعته على عكس الرغبات الخاطئة التي لا تزال كائنة في أعضائنا (رومية 23:7).

 

من المفترض أن يكون صعبًا

وفقًا للعهد الجديد، تعلم السير في طاعة الإيمان يبدو كالتالي:

  • أن ننكر أنفسنا، ونحمل صليبنا، ونتبع “الرب يسوع” (متى 24:16).
  • أن نميت ما هو أرضي فينا (كولوسي 5:3)، وألا نسمح للخطية أن تسود على أجسادنا المائتة لكي نطيعها في شهواتها (رومية 12: 6).
  • أن نموت كل يوم عن الخطية، وعن أولوياتنا الشخصية، وحتى عن حرياتنا المسيحية بدافع محبتنا للرب ولإخوتنا وأخواتنا في الإيمان، ولغير المؤمنين (1 كورنثوس 31:15).
  • ألا نعمل شيئًا بتحزب أو بعُجب، بل بتواضع حاسبين بعضنا البعض أفضل من أنفسنا (فيلبي 3:2).
  • أن نلبس أحشاء رأفات ولطفًا وتواضعًا ووداعة وطول أناة، محتملين بعضنا البعض، ومسامحين بعضنا البعض إن كان لأحد على أحد شكوى، كما غفر لنا المسيح (كولوسي 12:3 ـ 13).
  • ألا نجازي أحدًا عن شر بشر، بل كل حين نتبع الخير بعضنا لبعض وللجميع (1 تسالونيكي 15:5).
  • أن نفرح كل حين، ونصلي بلا انقطاع، ونشكر في كل شيء (1 تسالونيكي 16:5 ـ 18).
  • أن نحب أعداءنا ونصلي لأجل الذين يسيئون إلينا ويضطهدوننا (متى 44:5).
  • أن نصارع الرؤساء والسلاطين على ظلمة هذا الدهر، وأجناد الشر الروحية (أفسس 12:6).

 

وهذه مجرد عينة. لكنها عينة ضخمة بدرجة كافية لتعطينا فكرة عن عدم قدرة البشر على إطاعة الوصايا العظمى ـ لأن هذه كلها تعبيرات عن محبة الله وجيراننا والمؤمنين الآخرين. كل من يأخذ هذه الأوامر بجدية يدرك أن طريق المحبة المُغير الذي يقود إلى الحياة شاق للغاية. من المفترض أن يكون شاقًا.

 

لكن لماذا يجب أن يكون الطريق شاقًا كما هو؟ هناك طريقة أجاب الرب بها على هذا السؤال.

 

عند الله فقط كل شيء مستطاع

أتتذكرون قصة الشاب الغني الواردة في متى 19؟ عندما أُجبر على الاختيار، لم يستطع التخلي عن ثروته من أجل الله، مما يبين أنه أحب ثروته أكثر من الله، وأن ثروته كانت إلهه. لما رأى الرب الرجل ينصرف قال: “إِنَّ مُرُورَ جَمَل مِنْ ثَقْب إِبْرَةٍ أَيْسَرُ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ غَنِيٌّ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ!. أتتذكرون ماذا كان رد التلاميذ؟ سألوا: “إِذًا مَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْلُصَ؟” عندما رأوا أن الرب طرح الموضوع، خطرت على بالهم فكرة: لا أحد يستطيع أن يصل إلى هذا المستوى. وهذا بالضبط قصد الرب: “هذَا عِنْدَ النَّاسِ غَيْرُ مُسْتَطَاعٍ، وَلكِنْ عِنْدَ اللهِ كُلُّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ” (متى 26:19)

 

يجب علينا كلنا، نحن التلاميذ، أن ندرك هذا. رغم جمال وروعة وصية الرب بالمحبة بالمعنى التجريدي، فإننا لا يمكننا تنفيذها ـ ولن ننفذها ـ بقوتنا الذاتية. إنه أمر مستحيل. جسدنا ببساطة ضعيف جدًا وخطيتنا الساكنة فينا قوية جدًا.

 

هذا أمر يحتمل التكرار. من المستحيل أن نحب مثل “الرب يسوع” دون أن يزودنا الروح القدس بالقوة الكافية. لأن الاجتهاد في محبة الله والآخرين مثل “الرب يسوع” يكشف كل أثر ـ نجس وخاطيء وأناني ـ للخطية الساكنة فينا ويتصدى له، فإنه يتطلب منا أن نميت يوميًا ما هو أرضي فينا وأن ننكر أنفسنا بانتظام من أجل الرب وخير الآخرين.

 

لن نسير بانتظام وباستمرار في هذا الطريق الصعب إلا إن كنا بالروح “نَاظِرِينَ مَجْدَ الرَّبِّ”، ونرى كل المصاعب كـ“خِفَّةَ ضِيقَتِنَا الْوَقْتِيَّةَ” التي تغيرنا من مجد إلى مجد و“تُنْشِئُ لَنَا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ ثِقَلَ مَجْـدٍ أَبَدِيًّا” (2 كورنثوس 18:3؛ 17:4). لن نسلك هذا الطريق الصعب إلا إذا رأينا أن العيش حسب الجسد يؤدي إلى الموت، لكن إماتة أعمال الجسد بقوة الروح تؤدي إلى الحياة (رومية 13:8)، بمعنى آخر اختيار الطريق الصعب هو اختيار الحياة الأفضل (يوحنا 10:10).

 

“اتْبَعْنِي أَنْتَ”

هذا لا يرد على عدد كبير من الأسئلة التي تحيرنا ونحن على طريق المحبة. الكثير منها قد لا يبدو منطقيًا عندما ننظر إليها من منظورنا المحدود جدًا. أعرف. لقد فكرت في أسئلة مثلها لفترة طويلة.

 

عندما أصاب بالإحباط الشديد وأنتقد إخفاقات الكنيسة في المحبة، فإن شيئًا ما قاله الرب لـ”بطرس” كثيرًا ما يساعدني على إعادة التركيز على سجل عدم المحبة الخاص بي، أي فشلي في المحبة التي أنا مسئول عنها بشكل أساسي ويمكنني، بقوة الروح، القيام بشيء حيالها. عندما أعلن الرب لـ”بطرس” عن الطريقة غير السارة التي كان سيموت بها، سأل “بطرس”: “هل ينبغي على “يوحنا” أن يموت ميتة غير سارة ايضًا؟” أجابه الرب: “ليس لك شأن بالطريقة التي أختارها أن يموت بها “يوحنا”. اتْبَعْنِي أَنْتَ” (يوحنا 21:21ـ22)

 

يحيك الله العديد من الأغراض الغامضة في الطريقة التي نظم بها الواقع، وما زلت أتعلم أن تصوراتي غير موثوق بها عندما يتعلق الأمر بفك شفراتها. أكون حكيمًا إذا استمعت لأقوال “بولس”: “إِذًا لاَ تَحْكُمُوا فِي شَيْءٍ قَبْلَ الْوَقْتِ، حَتَّى يَأْتِيَ الرَّبُّ الَّذِي سَيُنِيرُ خَفَايَا الظَّلاَمِ وَيُظْهِرُ آرَاءَ الْقُلُوبِ” (1 كورنثوس 5:4). أكون حكيمًا إذا استمعت لكلمات الرب “اتْبَعْنِي أَنْتَ”.

 

إن دعوتنا الأساسية اليوم كمؤمنين هي أن نتبع “الرب يسوع” بقوة روحه طوال الطريق الصعب للمحبة المضحية بالذات التي تمجد الله والتي تقود إلى حياة أفضل أبدية ومجيدة. لسنا مسئولين عن عن شهادة الكنيسة بأكملها، أو حتى عن كنيستنا المحلية.

 

لكن إذا كنا على استعداد لإنكار انفسنا وحمل صليبنا واتباع “يسوع” ـ رغم أننا جميعًا نحب هذا الجانب من المجد ـ فسنختبر بدرجة متزايدة نتيجة ثمر المحبة المولود من الروح: “بِهذَا يَعْرِفُ الْجَمِيعُ أَنَّكُمْ تَلاَمِيذِي: إِنْ كَانَ لَكُمْ حُبٌّ بَعْضًا لِبَعْضٍ” (يوحنا 35:13).

 

 

بقلم

“جون بلوم”

 

تم ترجمة المقال بالتعاون مع هيئة      Desiring God

 

يمكنك قراءة المقال باللغة الإنجليزية من خلال الضغط على الرابط التالي:

https://www.desiringgod.org/articles/why-do-christians-struggle-to-love

]]>
https://zehngadid.org/2025/01/30/%d9%84%d9%85%d8%a7%d8%b0%d8%a7-%d9%8a%d8%ac%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a4%d9%85%d9%86%d9%88%d9%86-%d8%b5%d8%b9%d9%88%d8%a8%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a3%d9%86-%d9%8a%d8%ad%d8%a8%d9%91%d9%88%d8%a7%d8%9f/feed/ 0
لا منازل صغيرة بدون أمهات صغيرات https://zehngadid.org/2025/01/16/%d9%84%d8%a7-%d9%85%d9%86%d8%a7%d8%b2%d9%84-%d8%b5%d8%ba%d9%8a%d8%b1%d8%a9-%d8%a8%d8%af%d9%88%d9%86-%d8%a3%d9%85%d9%87%d8%a7%d8%aa-%d8%b5%d8%ba%d9%8a%d8%b1%d8%a7%d8%aa/ https://zehngadid.org/2025/01/16/%d9%84%d8%a7-%d9%85%d9%86%d8%a7%d8%b2%d9%84-%d8%b5%d8%ba%d9%8a%d8%b1%d8%a9-%d8%a8%d8%af%d9%88%d9%86-%d8%a3%d9%85%d9%87%d8%a7%d8%aa-%d8%b5%d8%ba%d9%8a%d8%b1%d8%a7%d8%aa/#respond Thu, 16 Jan 2025 10:06:33 +0000 https://zehngadid.org/?p=2184  

يجب أن نتذكر طوال حياتنا أنه في نظر الله لا يوجد أشخاص صغار أو أماكن صغيرة. (The Lord’s Work in the Lord’s Way & No Little People, 90)

 

هكذا قال “فرانسيس شيفر”، القس الأمريكي وعالم اللاهوت الذي عاش في القرن العشرين. ربما لا يحتاج أحد إلى هذه التذكرة أكثر من الأمهات، اللواتي تتمركز حياتهن، بالمعنى الحرفي للكلمة، حول أشخاص صغار في أماكن صغيرة.

 

بالطبع لا يشجعنا “شيفر” على إنكار ما تراه أعيننا بوضوح. فالطفل الذي لم يولد بعد يبدأ بحجم لا يتجاوز اصغر البذور، وتمضي الشهور قبل أن تنمو بطوننا بما يكفي للظهور. والأطفال الرضع يكاد يكونوا ملحوظين ونحن نحملهم وننقلهم بكل هدوء من وإلى الفراش وكرسي الرضاعة.

 

في النهاية يكبر الرضع ليصبحوا أطفالاً صغارًا، والصغار يصبحون “أطفالاً كبارًا”. لكن يبدو أن الأمهات يقضين المزيد والمزيد من الوقت في الأماكن الصغيرة: المخازن، وغرف الغسيل، والسيارات. كما نهتم بالأشخاص الصغار في الأماكن الصغيرة، نميل إلى الشعور بأننا صغار.

 

لكن “شيفر” يذكرنا بأن نرى كما يرى الله. كل أشخاصنا الصغار، وكل أماكننا الصغيرة، بالتأكيد هي صغيرة، لكن الله خلقها. ويتسلط عليها. أعطاها الله لنا. وبالتالي، فإن الله ، وليس العالم، هو الذي يحدد قيمة وفائدة أطفالنا، وبيوتنا، والأمومة نفسها.

 

عدسات عالمية

نميل إلى أن نرى الصِغر كشيء لا قيمة له. يعبر “شيفر” بشكل جيد عن الصراع الداخلي قائلاً: “من الرائع أن تكون مسيحيًا مؤمنًا، لكنني شخص صغير جدًا، محدود في المواهب ـ أو الطاقة أو القوة النفسية أو المعرفة ـ بحيث ما أقوم به ليس مهمًا” (63). من المؤكد أن الأمهات تشعر بهذا. نريد أن نشعر بأهميتنا، لكننا “مجرد أمهات”. إن وظيفتنا غير مدفوعة الأجر هي أن يتشاجر معنا طفل صغير في محل البقالة. نشعر بالضآلة، وهكذا تبدو حياتنا غير مهمة على الإطلاق.

 

لكن من الأفضل أن نسأل أنفسنا، من خلال عدسة مَن ننظر إلى الأمومة؟ إنه العالم، وليس كلمة الله، الذي يرى الصِغر كشيء لا قيمة له. شعار المجتمع اليوم هو “الأكبر هو الأفضل”، لكن الله قال منذ آلاف السنوات: “لأَنَّهُ لَيْسَ كَمَا يَنْظُرُ الإِنْسَانُ” (1 صموئيل 7:16). كما قال “شيفر:

 

“نميل كلنا إلى التركيز على الأعمال الكبيرة والأماكن الكبيرة، لكن كل هذا التركيز هو من الجسد. التفكير بهذه الطريقة هو ببساطة تذكر الأنا القديمة، التي لم تتجدد، الأنانية، المتمركزة حول الذات. هذا السلوك، المأخوذ من العالم، أكثر خطورة من التسليات أو الممارسات الجسدية على المسيحي . إنه الجسد” (74).

 

يبين لنا “شيفر” أن مشكلتنا ليست في الصِغر وعدم التقدير، لكن في الخطية والمغريات. طرق العالم لتمجيد الذات والتقليل من شأن الأطفال تدفع جسدنا إلى احتقار التضحية بالذات المتضمنة في رعاية الأطفال (خاصة الصغار منهم).

 

عندما نشتاق إلى شيء أكبر مما تستطيع الأمومة أن توفره، لا بد أن نتذكر أن العيان الذي يرى الأكبر على أنه الأفضل “لَيْسَ مِنَ الآبِ بَلْ مِنَ الْعَالَمِ” (1 يوحنا 16:2). رؤية الله عن الأمومة مختلفة عن رؤيتنا وأعظم منها. إنه يحب أن يواسي أمهات الأطفال الصغار في عالم يقلل من قيمة الطفل، لا بنفخنا، لكن بإشباعنا بمجده وجذبنا أكثر إلى طرقه.

 

له كل العظمة

على عكس طرق العالم، لا يعمل الله على إشعار الأمهات بأهميتهن حتى يشعرن بالتحسن. بل يعمل على إظهار عظمته وروعته لنا لأنه صنعنا، ولأنه يحبنا، ولأنه يعرف ما هو الأفضل لنا. والأفضل للأمهات الصغيرات هو أن يجدن ارتياحهن واكتفاءهن في إله صالح وعظيم ومجيد.

 

وبنعمته ستتناقص حسرتنا على “صغرنا” تدريجيًا. وسنعلن بأعلى صوت مع “داود”: “لَكَ يَا رَبُّ الْعَظَمَةُ وَالْجَبَرُوتُ وَالْجَلاَلُ وَالْبَهَاءُ وَالْمَجْدُ، لأَنَّ لَكَ كُلَّ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ” (1 أخبار الأيام 11:29). نحن فعلاً صغار، لكن الله عظيم.

 

ونحن ننتمي له. إنه يُسر باستخدام أناسًا عديمي القيمة لتحقيق مقاصده المجيدة. يمكن لعظمته أن تغير حياتنا المتواضعة، إذا سمحنا بهذا. يقول “شيفر”: “كل ما أنا عليه يجب أن يصبح كل ما عليه الله. عندئذ يمكنني أن أصبح نافعًا في يدي الله. تؤكد كلمة الله على أن الكثير يمكن أن يأتي من القليل لو القليل مكرس فعلاً لله” (72). بمعنى آخر، شعورنا حيال فائدتنا لا يعني كثيرًا، كل ما يهم هو ما يقوله الله عن كيف يريد أن يستخدمنا.

 

صغار لكن نافعين

خذوا “مريم” مثلاً. نعرفها على أنها أم “يسوع”، لكن قبل ظهور الملاك “جبرائيل” لها، كانت فتاة فقيرة مخطوبة لرجل فقير، تعيش في بلدة صغيرة. بمعنى آخر، كانت صغيرة، لكنها وثقت بالله. رغم أنها كانت عذراء، إلا أنها آمنت بأنها ستلد الابن الذي وعد به الله. قبل أن تصبح أشهر أم في التاريخ، كانت قد علقت لافتة فوق حياتها الصغيرة تقول: “هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ” (لوقا 38:1).

 

أيتها الأمهات الصغيرات، هل نرى أنفسنا، أولاً وقبل كل شيء، كخادمات للرب؟ هل نتوق إلى أن تتحكم كلمته ومشيئته في حياتنا؟ وحين نفعل هذا، مهما كانت حياتنا غير ملحوظة للآخرين، فإن الله يستخدمنا. كما يقول “شيفر” (وحياة “مريم” تبين هذا بكل وضوح)

 

“الأشخاص الذين يمدحهم “الرب يسوع” لن يكونوا دائمًا هم من يتولون القيادة في هذه الحياة. سيكون هناك أشخاص كثيرون كانوا كأعواد خشب ظلوا قريبين من الله وصامتين أمامه واستخدمهم بقوة في مكان يبدو صغيرًا في نظر الناس” (90)

 

نحن لسنا أمهات “يسوع”، لكننا أمهات لأطفال هو خلقهم وأعطاهم لنا، أطفال بعقول وقلوب قادرة على معرفته ومحبته إلى الأبد.

 

نهاية واحدة لكل صِغرنا

هل نجد شبعنا في إلهنا العظيم؟ عندما نشبع منه، سوف يستخدمنا ـ في بيوتنا وبين جيراننا وغير ذلك. وكما يقول “شيفر”:

 

“هناك شيء واحد مهم ـ أن نكون مكرسين في المكان الذي يضعنا فيه الله، في كل وقت. أولئك الذين يرون أنفسهم صغارًا في أماكن صغيرة، إذا كانوا أمناءً للمسيح ويعيشون تحت سلطانه طوال حياتهم، قد يغيرون، بنعمة الله، جيلنا”(90)

 

هذا هو السبب الجوهري لعدم وجود أشخاص صغيرة وأماكن صغيرة بالنسبة لـ”شيفر”. في نظر الله، لا يوجد “أشخاص صغيرة وأشخاص كبيرة بالمعنى الروحي الحقيقي، بل فقط مكرسين وغير مكرسين” (72ـ73). إما أن دم المسيح يغطينا أو لا يغطينا. إما أن روحه يعمل فينا، أو لا يعمل. إما أن مجده يُفرحنا، أو لا يُفرحنا.

 

وفي أي وقت يدخل فيه المؤمنون غرفة ما، سواء كانت المكتب البيضاوي أو حضانة المولودين حديثًا، يُعد الله للعمل في ذلك المكان من خلالهم. يُسر الله بأن يستخدم الصِغر لأغراضه المجيدة، أي يجعل نفسه يبدو صالحًا وعظيمًا ومجيدًا فينا. “لأَنَّ مِنْهُ وَبِهِ وَلَهُ كُلَّ الأَشْيَاءِ. لَهُ الْمَجْدُ إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ.” (رو 11: 36).

 

يمكن لمقاصد الله العظيمة من وراء صِغرنا أن تحجب أي ضآلة ظاهرية. أعجب شيء هو أنه يمكن أن يأتي خير كثير من الأمهات الصغيرات الراضيات بحياتهن والمكرسات بالكامل لإلهنا العجيب. في النهاية، فإن عملنا اليومي هو بكل تأكيد أكثر من تغيير حفاضات، والتعامل مع مشاحنات الأطفال، والتوصيل بالسيارة. إننا نجتهد للتمتع بالله وتمجيده إلى جانب الأسرة والأصدقاء والجيران، الآن وإلى الأبد.

 

لا شيء أبدي يمكن أن تكون قيمته قليلة، لكننا ننسى في بعض الأحيان.

 

 

 

 

 

بقلم

“تانر سوانسون”

 

تم ترجمة المقال بالتعاون مع هيئة      Desiring God

 

يمكنك قراءة المقال باللغة الإنجليزية من خلال الضغط على الرابط التالي:

https://www.desiringgod.org/articles/no-little-moms-no-little-homes

]]>
https://zehngadid.org/2025/01/16/%d9%84%d8%a7-%d9%85%d9%86%d8%a7%d8%b2%d9%84-%d8%b5%d8%ba%d9%8a%d8%b1%d8%a9-%d8%a8%d8%af%d9%88%d9%86-%d8%a3%d9%85%d9%87%d8%a7%d8%aa-%d8%b5%d8%ba%d9%8a%d8%b1%d8%a7%d8%aa/feed/ 0
نصائح للزوجات اليائسات https://zehngadid.org/2024/12/19/%d9%86%d8%b5%d8%a7%d8%a6%d8%ad-%d9%84%d9%84%d8%b2%d9%88%d8%ac%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%8a%d8%a7%d8%a6%d8%b3%d8%a7%d8%aa/ https://zehngadid.org/2024/12/19/%d9%86%d8%b5%d8%a7%d8%a6%d8%ad-%d9%84%d9%84%d8%b2%d9%88%d8%ac%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%8a%d8%a7%d8%a6%d8%b3%d8%a7%d8%aa/#respond Thu, 19 Dec 2024 00:36:57 +0000 https://zehngadid.org/?p=2159  

نعلم كلنا أن الزواج أمر صعب. نكتشف هذا في الأسبوع الثاني. ولكن هناك أنواع مختلفة من الصعوبة. هناك الصعب والمبشر بالخير، وهناك الصعب والميئوس منه. الزواج الأكثر صعوبة هو بالطبع الزواج الصعب وأطرافه متباعدون و لا يدعو كثيرًا إلى التغيير. في بعض هذه الحالات، قد لا يكون هناك خيانة صريحة أو قسوة في المعاملة أو خطايا ظاهرة يراها الأبناء. لكن يكون… مخيبًا للآمال، وفاقدًا للحيوية، ومهجورًا.

 

لجعل الأمر أكثر صعوبة، قد تشهد زيجات تبدو سعيدة، أو على الأقل أفضل من زواجك. فترى أزواجًا يستمتعون ببعضهم البعض. قد تتسلل الغيرة إلى قلبك في تلك الأوقات، لكن نادرًا ما تنتهي بالشماتة. بل بدلاً من ذلك، تتركك هذه التذكيرات أكثر تباعدًا عن الآخرين.

 

ولجعل الأمر أكثر صعوبة أيضًا، لا يحظى زواجك بالكثير من الاهتمام، بل الزيجات الفاشلة هي التي تحظى به، والتي تعاني لكن تتزايد. لكن الزيجات المُحبِطة لا تحظى بالاهتمام. اعتبري هذا تذكيرًا بأن هناك من يتذكرك بعض الشيء.

 

ماذا يمكنني أن أفعل؟

قد تشعرين بأنه لم ينفع أي شيء رغم أنك جربت كل شيء. ومع ذلك يظل هذا صحيحًا: يمكن لشخص واحد أن يحدث فارقًا في العلاقة.

 

يقول الرب: “مَنْ آمَنَ بِي، كَمَا قَالَ الْكِتَابُ، تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ” (يوحنا 38:7). بمعنى آخر، أنت خيمة ماشية على قدميها، والروح الذي يسكن فيك سيكون ماءً حيًا في مكان مقفر. هذا مؤثر جدًا في الواقع. كتب الرسول “بولس” عن زوجات غير المؤمنين اللاتي توافقن على العيش معهم. قال أن الزوجات مقدسات وأن القداسة تنتشر (1 كورنثوس 14:7). يمكن لله أن يستخدم قداستك في المسيح لتوطيد عمل المسيح في الآخرين.

 

لاحظي كيف يقاوم هذا الميل نحو اليأس. أحد الأسباب التي تجعلنا نفقد الأمل في الزواج هو أنه لا يوجد شيء آخر يمكننا القيام به، لذا نستسلم ونحاول بناء حياة أكثر استقلالية. لكن عندما نثق أن الروح سيستخدمنا، نصبح أكثر مرونة وإبداعًا والتزامًا.

 

تجنب الصمت والإحباط

فكري الآن في الميول التي برزت داخلك. هل تميلين إلى الصمت، أم إلى الكلمات المنطوية على الإحباط، أم إلى كليهما؟ الصمت ليس استراتيجية دينية. رغم أن هناك أوقاتًا نقرر فيها عدم الكلام، إلا أنه ليس حلاً طويل الأمد في أي علاقة. الحياة مع الله مليئة بالكلام، ونحن نقتدي بطرق الله في علاقاتنا اليومية.

 

الكلام الذي يُقال بإحباط فشله مضمون. إنه طبيعي ولكنه نادرًا ما يكون روحيًا أو نافعًا. يفرق ولا يشجع. يحتقر الآخر ولا يدعمه.

 

الهدف بالطبع هو الكلام الحكيم الذي سيجعلك متعلمًا مدى الحياة. إننا لن نبلغ أبدًا الدرجة التي نتقن فيها التكلم بحكمة. الحكمة هي البحث عن كنز يحتوي دائمًا على المزيد. كلما بحثنا أكثر، كلما اكتشفنا المزيد.

 

أساس الحكمة مخافة الرب (أمثال 10:9)، مما يعني أننا نقف مذهولين من محبته لنا وننمو لنكون سامعين متواضعين أمامه (على سبيل المثال، مزمور 7:5). وبينما نسمع، نلاحظ طرقه المميزة معنا. إنه لطيف، وصبور، وحذر في كلامه. عندما نقرأ في سفر الأمثال، نلاحظ أيضًا أن كلامه منمق ليكون هادفًا وجذابًا. إن كلامه، باختصار، كلام طيب.

 

حتى توبيخاته جيدة. كل كلامه يدعونا إلى الاقتراب كما يقترب هو إلينا، وينتظر استجابتنا. يتكلم إلينا، ويريدنا

أن نتكلم إليه. طريق الحكمة هو أن تستمتع بكلامه إليك وتتلذذ بالاستماع إليه. ثم تجلب هذه الثقافة إلى كل علاقاتك. علينا أن نعامل الآخرين كما عوملنا.

 

البحث عن الحكمة والإبداع

هذه المهمة أي التكلم بحكمة مهمة روحية بدون شك. قد تتمتعين بالعديد من القدرات الطبيعية التي تجلبيها إلى علاقاتك، لكن الحكمة شيء مختلف. إنها عطية من الروح. لذا العمل الموضوع أمامك له شقان. أولاً، ترغبين في سماع أقوال الله الحكيمة والصالحة والمُحبة لك والاستمتاع بها. ثم تطلبين منه شيئًا تحتاج إليه بشدة وهو الوحيد القادر على إعطائه لك. اطلبي كلمات لبقة ومنمقة تُفَّاحٌ مِنْ ذَهَبٍ فِي مَصُوغٍ مِنْ فِضَّةٍ” (أمثال 11:25).

 

ثم تصبحين مبدعة.

 

“ذُهلت مؤخرًا من صلاح أقوال الله لنا وصليت كثيرًا كي أنمو في الطريقة التي أتكلم بها إلى الآخرين…”

 

(يريد زوجك التحدث عن شيء ما “لاحقًا”). “نعم، أنا أيضًا أجد صعوبة في التكلم عن هذه الأمور. لكنها مهمة للغاية. أيمكننا تخصيص بعض الوقت صباح السبت؟”

 

“ربما يجلب كلانا الكثير من والدينا في أحاديثنا. كيف رأيتني أفعل هذا؟”

 

“عانيت اليوم كثيرًا من (الأولاد، الشكوى، صحتى…). أيمكنك الصلاة من أجلي؟”

 

“كنت أفكر في أشياء أود أن أعرفها عنك. أحب أن أعرف شيئًا واحدًا استمتعت به اليوم، وشيئًا واحدًا كان صعبًا. أيمكننا أن نتبادل القصص عن يومنا؟”

 

عندما تعيشين علاقة محبطة، تكونين غير متأكدة من كيف تتكلمين عنها مع أصدقائك أو تطلبين الصلاة من أجلها. إليكِ طريقة لطلب الصلاة: يمكنك أن تطلبي من الآخرين الصلاة كي تكوني ماهرة في سماع كلمات الله الطيبة لك حتى يمكنك أن تنقليها للآخرين.

 

تعلمي من اختلافاتكما

كثيرًا ما تنشأ خيبات الأمل من الاختلافات التي توجد بينك وبين زوجك. ربما كنت في الماضي ترين نقاط التشابه بينكما، أو كيف كانت اختلافاتكما مكملة بعضها لبعض. الآن لا ترين إلا الاختلافات. فمثلاً، قد ترغبين في الحديث؛ وهو يريد تجنب النزاع. تريدين أن تشاركي في نشاط ما؛ وهو يفضل المهام والأنشطة الفردية. تتمنين أن تعرفيه ويعرفك؛ وهو يبدو أنه غير مهتم بأن يعرفك أو أن تعرفيه. كقاعدة عامة، الاختلافات تؤدي إلى الإحباط إلا إذا تفهمتي تلك الاختلافات. كلما فهمتي زوجك أكثر، كلما زاد صبرك.

 

مناقشة نوع الثقافة التي نعيشها في سنواتنا الأولى في البيت هي دائمًا وسيلة مفيدة لفهم الاختلافات. قد تكون أسهل من التحدث عن العلاقة الزوجية. الخطر الرئيسي يكمن في نقد أسرة الطرف الآخر.

 

الفئة الثانية التي عليكِ فهمها هي الطرق التي تم بها تشكيل عقليكما. الغرض هنا ليس التحدث عن الخطايا بل عن أنماط الشخصية أو القدرات الذهنية. قد يكون لديكِ نموذج أولي يمكنك تقديمه له. على سبيل المثال، ” كنت أفكر فينا وكيف نفكر، كأي زوجين، بطرق فريدة. يبدو أنك تفكر كبنّاء أو مهندس، يرى مشكلة ما ويجد حلاً لها. هذا يجعلني أتخيل أن عندما أريد أن أتكلم، يمكنك أن تعتقد بسهولة أن الأمر يخص مشكلة ما، مشكلة ليس لها حل واضح. هل هذا يبدو معقولاً؟” الفكرة الأساسية لهذا النهج هي أن زوجك لديه أسبابه لردود أفعاله التي هي أكثر من كونه خاطئًا.

 

خطوات صغيرة

يجد الإحباط المزمن صعوبة كبيرة في رؤية الخطوات الصغيرة المتجهة في الاتجاه الصحيح. إذا كانت تلك الخطوات تتواجد في الماضي، فإنك سرعان ما تراجعتي عنها لذا توقفتي عن البحث عنها. لكن تذكّري أن المسيح يعمل فيكِ، وعمله سيؤثر على من حولك. تذكري أيضًا أن عمل الروح قوي لكنه قد يكون خفيًا في بعض الأحيان. سنفشل في رؤية عمله عندما نتوقف عن البحث عنه. أبقِ عينيكِ مفتوحتين واضعةِ هذا في الاعتبار. ابحثي عن طريقة واحدة يعمل بها الروح فيكِ وعن طريقة واحدة يعمل بها الروح في علاقاتك. عندما ترين شيئًا فمن الجدير أن تذكريه.

 

هذه الأفكار ليست جديدة. لكن قد تسلط بعض الضوء على حقائق تعرفينها لكنها بهتت. بهذا المعنى، تكون جزءًا من تلك الخطوة الصغيرة من رؤية الروح يعمل بالطريقة اللطيفة التي يذكرنا بها بالأشياء الحقيقية والصالحة.

 

بقلم

“إد ويلش”

 

تم ترجمة المقال بالتعاون مع هيئة      Desiring God

 

يمكنك قراءة المقال باللغة الإنجليزية من خلال الضغط على الرابط التالي:

https://www.desiringgod.org/articles/will-my-marriage-ever-be-more

 

]]>
https://zehngadid.org/2024/12/19/%d9%86%d8%b5%d8%a7%d8%a6%d8%ad-%d9%84%d9%84%d8%b2%d9%88%d8%ac%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%8a%d8%a7%d8%a6%d8%b3%d8%a7%d8%aa/feed/ 0
المقاصد المسيحية لبداية عام جديد هي: نعمة مُحِبة، عمل باجتهاد، وسرور. https://zehngadid.org/2024/12/12/%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%82%d8%a7%d8%b5%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d9%8a%d8%ad%d9%8a%d8%a9-%d9%84%d8%a8%d8%af%d8%a7%d9%8a%d8%a9-%d8%b9%d8%a7%d9%85-%d8%ac%d8%af%d9%8a%d8%af-%d9%87%d9%8a-%d9%86%d8%b9/ https://zehngadid.org/2024/12/12/%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%82%d8%a7%d8%b5%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d9%8a%d8%ad%d9%8a%d8%a9-%d9%84%d8%a8%d8%af%d8%a7%d9%8a%d8%a9-%d8%b9%d8%a7%d9%85-%d8%ac%d8%af%d9%8a%d8%af-%d9%87%d9%8a-%d9%86%d8%b9/#respond Thu, 12 Dec 2024 05:17:16 +0000 https://zehngadid.org/?p=2162  

بناءً على مجال عملك، قد تكون الأيام القليلة التي تلي عيد الميلاد، هي أكثر الأيام مشقَّة واجتهاد في العام.

يستفيد البعض بوقت إجازتهم الأخيرة قبل نهاية العام، آخرون يجتهدون بأقصى ما يستطيعون لتحقيق أهدافهم قبل نهاية العام، كلنا نعيش هذا الوقت المُربك بين نهاية عام وبداية عام جديد، ومع يوم عيد الميلاد نترك خلفنا عامًا مضى ونتطلع لعامٍ جديد، وكأن هذا الوقت بمثابة إعادة ضبط للنفس قبل العام الجديد.

بحسب التقويم الغربي، قد يبدو هذا الأسبوع غريبًا بعض الشيء! حيث نجد هنا توازي مثير للاهتمام بخصوص الحياة المسيحية التي نعيشها لعقود، عندما يستمر سرورنا بالأمس (بالاحتفال بعيد الميلاد) في الحاضر الذي نعيشه، ثم يدفعنا (هذا السرور) لاتخاذ عهودًا أو قرارات لأجل الغد.

ما بين احتفالي عيد الميلاد والعام الجديد

بالنسبة للمؤمنين المسيحيين، الابتهاج بيوم عيد الميلاد ليس هو سبب السرور في حد ذاته، ولكن لأنه يذكِّرنا على مدار أيام العام جميعها، بأن ميلاد المسيح حدث بالفعل، وهو حدث حقيقي تمامًا، يجب أن نفرح به فيكل يوم من أيام السنة، وفي كل لحظة من اليوم، كما كان قبل ألفي عام، حين جاء المسيح، الله نفسه، في شخص ابنه، وعاش بيننا كواحدٍ منا، ثم مات وقام وصعد. فرحة عيد الميلاد ليست يومًا واحدًا ضمن 365 يومًا في التقويم، ينتهي في منتصف الليل، مسرَّة عيد الميلاد حقيقة ثابتة ومؤكدة بالنسبة للمسيحي، اليوم كما في الأمس.

نحن مدعوون للاستمرار في مواصلة حياتنا، لأن التاريخ وحياتنا في هذا العصر لم ينتهيا بعد، لقد تمَّ الحدث الحاسم في مجيء المسيح، ولا يزال هناك عمل يتعيَّن القيام به، فينا ومن خلالنا، مازالت هناك أيام جديدة آتية وسنوات جديدة آتية، والله يدعونا لأن نبني حياتنا- وسني حياتنا التي لانعرف عنه اشيئًا بعد- على أساس الابتهاج بعيد الميلاد، حتى يصير عيد الميلاد العظيم، غير القابل للتغيير، الذي حدث في الماضي، حاضرًا نعيشه، ونعيش مستقبلًا مختلفًا بسببه.

هذا الأسبوع من العام، هو واحد من البركات البسيطة ولكنها غير ظاهرة من العهد الجديد، هذه البركة تصاحب الابتهاج بعيد الميلاد، وبعد أن ينتهي تكون حافزًا للعمل في الأيام القادمة التي تنتظرنا بعده. هي بركة من السهل التغاضي عنها أو عدم ملاحظتها، لأنها مختبئة في منتصف الرسالة، بدلاً من ظهورها بوضوح في نهاية الرسالة:

“وَرَبُّنَا نَفْسُهُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ، وَاللهُ أَبُونَا الَّذِي أَحَبَّنَا وَأَعْطَانَا عَزَاءً أَبَدِيًّا وَرَجَاءً صَالِحًا بِالنِّعْمَةِ، يُعَزِّي قُلُوبَكُمْ وَيُثَبِّتُكُمْ فِي كُلِّ كَلاَمٍ وَعَمَل صَالِحٍ” (2كورنثوس 2: 16-17)، لاحظ هنا كيف أن العمل الإلهي الحاسم في الماضي، يغذي ويحرك الحاضر لتنشيط حياة جديدة –حياتنا نحن- وإنتاج قوة جديدة للأزمنة القادمة، هذا ما سنتاوله بالتفصيل:

الآب أحبنا وأعطانا

بالرغم من أن البركة تفيض على كل المستقبل –والحياة التي لم نحياها بعد- لم يسع بولس إلا أن يتدَّرب على أن يعيش على ما أنجزه وأتمُّه الله بالفعل في الماضي، السمو الإلهي-الذي يميِّز الإيمان المسيحي عن كل ما يسَّمى بالدين- لا يكمن في الفرائض والأعمال التي علينا أن نؤديها، بل في الأعمال العظيمة غير القابلة للتغيير التي تمت في الماضي. بالنسبة للمؤمنين المسيحيين، الماضي ليس مجرد ماضي، بل ماضي يكشف عن ماهيَّة الله، وهذا هو قوة الحاضر.

بولس كان لديه طلبةً خاصةً تجعله يصلي لأمر ربنا يسوع المسيح نفسه سيفعله من أجلنا في الوقت الحاضر، لكنه يريدنا أن نعرف أن المسيح لن يفعل ذلك في تعارض مع إرادة الآب، بل يعمل هو والآب في تناغم. وعندما يذكر “الله أبونا”، يتدرب بولس أن يعيش على عمل الله الذي تمَّم عمله وإنجازه، وهو غير قابل للتغيير: “لقد أحبنا وأعطانا عزاءً أبديًا ورجاءً صالحًا بالنعمة”.

مكانتنا أمام الله ليست بسبب أعمالنا، بل بسبب ما عمله الله. قبل أن يدعوك بوقتٍ طويل، أَحبك وأَظهر ذلك قبل ما يقرب من ألفي عام من ميلادك “وَلكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا” (رومية 5: 8)،الإيمان المسيحي يمنحناعطية لا تقدر بثمن “لأَنَّهُ بِقُرْبَانٍ وَاحِدٍ قَدْ أَكْمَلَ إِلَى الأَبَدِ الْمُقَدَّسِينَ” (عبرانيين 14:10)، من فوق الصليب أعلن يسوع “قد أُكمِل” (يوحنا 19:30)، بإتمام عمل يسوع وحده، نستطيع أن نصل إلى علاقة مع الله بالإيمان وحده، وليس بأي عمل من جانبنا.

سرور أبدي ورجاء ثابت

يذكر بولس هنا عمليَّن محدديَّن، عملهما المسيحلأجلنا: السرور الأبدي (“التعزية” كما تعني باليونانية) والرجاء الصالح. إن السرور الذي لنا، هو بالنعمة  في المسيح، لذلك فهو لا يزول لأنه ليس مؤقتًا أو هشًّا أو رخيصًا، بل حقيقي وقوي ولا ينتهي أبدًا. مصدره ليس فينا أو متقلبًا مثلنا، بل مضمونًا، لأنه خارجنا، مصدره في المسيح نفسه، وهو ليس متقلبًا بل أمينًا للمنتهى.

والرجاء الذي لنا بالنعمة (في المسيح)، ليس رجاءً شريرًا، أو يُحتمل أن يكون كاذبًا. بل رجاء راسخ وصالح، وسيبقيه الله صالحًا، لن يخيب أبدًا. في عالم يعجُّ بالآمال الهزيلة، والفارغة، والخادعة، والشريرة.

لذلك، يشدِّد بولس على عمل الآب-وهو عملمع ابنهيسوع  ومن خلاله- أن الله الآبأحبنا وبذل (ابنه) لأجلنا، وهذه النعمة التي تمت في المسيح في الماضي،نعيش في آثارهافي الحاضربوضوح.

يسوع يعطي الفرح والقوة

يصلي بولس من أجل عمل المسيح فينا في الحاضر، وليس بأعمالنا نحن، سنصل إلى هذه النقطة التي عندها يجب أن يكون لنا أعمالًا صالحة بقوة الإيمان، لكن لا تتعجَّل حدوث ذلك بسرعة كبيرة، بل تراجع واترك الله يقود.

مثلما يعمل يسوع الابن والله الآب في الماضي، لكن في المرة السابقة كان التركيز على عمل الآب في الماضي، كذلك، سيكون التركيز الآن على عمل الابن يسوعفي الوقت الحاضر، ولذلك يصلي بولس، أن المسيح نفسه يفرِّح قلوبكم ويقوِّيها.

السرور الذي يملىء به المسيح قلوبنا، لم يكن في الماضي فقط. بل موجودًا في حاضرنا أيضًا،يسوع مازال يفعل هذا الآن من أجل شعبه، يفعل ذلك اليوم، وسيفعله غدًا، لأن مشيئته هي أن يفرِّح قلوبنا. ولا يجعلنا سعداء فقط –رغم كونه شيئًا رائعًا- ويتركنا ضعفاء، بليُفرِّح ويُقوي (“يؤسس” كما تعني في اليونانية)، يجعل قلوبنا قوية، أي على استعداد للعمل والثمر.

هذه صلاة رائعة، ليتنا نصليها: أن يغرس فينا المسيح السرور والقوة، أن يمدُّنا المسيح نفسه بالقوة لكي نتقوى ونعزم ونفعل ما دعانا الله أن نفعله.

المسيح نفسه كسند لنا في الشدائد، كان قديمًا ملازمًا للرسول بولس “وَأَنَا أَشْكُرُ الْمَسِيحَ يَسُوعَ رَبَّنَا الَّذِي قَوَّانِي” (1تيموثاوس 1: 12)، لذا يقول إن يسوع أعطاه القوة. ويشهد أنه عندما وقف وحيدًا، أن “َالرَّبَّ وَقَفَ مَعِي وَقَوَّانِي” (2 تيموثاوس 4: 17)، لذلك يقول بولس لتيموثاوس، “فَتَقَوَّ أَنْتَ يَا ابْنِي بِالنِّعْمَةِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ” (2 تيموثاوس 2: 1)، ويقول لنا جميعًا، “تَقَوُّوْا فِي الرَّبِّ وَفِي شِدَّةِ قُوَّتِهِ” (أفسس 6: 10)، وبالطبع، يعلن بولس ذلك في الآية التيلا تُنسى في (فيلبي 4:13) “أَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ الَّذِي يُقَوِّينِي”،بل وحتى يتحدث الرسول بولس عن قوة المسيح في تعبه “الأَمْرُ الَّذِي لأَجْلِهِ أَتْعَبُ أَيْضًا مُجَاهِدًا، بِحَسَبِ عَمَلِهِ الَّذِي يَعْمَلُ فِيَّ بِقُوَّةٍ.” (كولوسي 1: 29).

الله المتجسِّد، الملك القائم من بين الأموت، هو نفسه يمنح القوة لشعبه ليعملوا ما دعاهم للقيام به. هو جالسٌ على العرشعن يمين الآب،وليس صامتًا. بل على استعداد لأن يُبهج روحك ويقوي جسدك. والآن كيف يفيدنا ذلك؟

لدينا الآن نوعان من التعزية (الابتهاج): السرور الأبدي الذي أعطاه لنا الآب في المسيح. وعطية السرور في الوقت الحاضر، التي لنا في المسيح من المسيح نفسه، والآن، أخيرًا، يأتي عملنا، ودورنا، ودعوتنا، وعزمنا “في كل عمل وكل كلمة صالحة.”

اعمل كبروتستانتي!

تشكل أفعال المسيح والآب في الماضي والحاضر مقياسًا رائعًا لأخلاقيات العمل المسيحي للعام الجديد. وتشكل النعمة الإلهية الأساس، وتمنحنا القوة التي بها نستطيع أننسلك الآن في الإيمان، من خلال كلمات أفواهنا، وأعمال أيدينا، مدعومين ومتقوين بهذه النعمة “فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ” (متى 16:5).

قد نسمي هذا “أخلاقيات العمل البروتستانتية”. لكن للأسف،أساء البعض فهم هذا المصطلح ظنًا منهم أن البروتستانتين يعملون بجد لأنهم ينظرون إلى النجاح على أنه علامة على كونهم مختاري الله! هذا سوء فهم خطير. والفهم السليم “لأخلاقيات العمل البروتستانتية” الحقيقية، إذا كنا سنشير إلى ذلك، هو تناغم واتفاق أعمالنا مع عمل الله (العمل السابق والأساسي الذي عمله من خلال المسيح لأجلنا)، بما في ذلك المسرة والقوة التي تمنح النشاط والشغف لشعبه، ليكونوا مستعدين لكل عمل صالح من أجل خير الآخرين.

بالكلام والأفعال على مدى الأيام

بعبارة أخرى، لأننا تبررنا أمام الله فقط بالإيمان بالمسيح، فلنا ضمانًا أبديًا يكفي لنبذل حياتنا من أجل الإيمان بالمسيح. أصبح لنا ضمان السماء فماذا بعد؟ دعونا نغيِّر الأمور على الأرض، عمل المسيح النهائي والكامل لتبريرنا، يحررنا لنكون في حالة تقديس مستمر ونقدم أعمال محبة لخدمة الآخرين،عندما نعرف أن ضمان نفوسنا في المسيح ، وقوتنا من روحه، سنعرف كيف نتحدث جيدًا عنه وكيف نفعل الخير في العالم، بدلاً من التركيز على نفوسنا ومحاولة إصلاحها باستمرار أمام الله.

الإيمان بالمسيح بالتأكيد لا يجعل الناس كسالى،عوضًا عن ذلك، يحول الناس الكسالى إلى أناس جادين في عملهم. يجعلنا الإنجيل بقوة الروح “غَيُورون فِي أَعْمَال حَسَنَةٍ” (تيطس 2: 14)، أولئك الذين نالوا الخلاص في المسيح “لاَ بِأَعْمَال فِي بِرّ عَمِلْنَاهَا نَحْنُ، بَلْ بِمُقْتَضَى رَحْمَتِهِ” (تيطس 3: 5) قد تحرروا أخيرًا، ومنحهم الله قوةًلكي “يَكُونُوا مُسْتَعِدِّينَ لِكُلِّ عَمَل صَالِحٍ” و”لِكَيْ يَهْتَمَّ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ أَنْ يُمَارِسُوا أَعْمَالاً حَسَنَةً” (تيطس 3 ، 1 ، 8 ، 14).

ليت المسيح يهبنا أن تسير الأمور هكذا في العام المُقبل. ليت عيد ميلاد المسيحالذي تحقق قبل ألفي عام، وهو حقيقي اليوم كما كان دائمًا –أن يكون مصدر مسرة وضمان لنا- حتى يرسلنا بالرجاء وبالقوة لمواجهة الغد المجهول في العام القادم  وكل حياتنا القادمة.

 

بقلم/ ديفيد ماتييز

 

 

تم ترجمة المقال بالتعاون مع هيئة      Desiring God

 

يمكنك قراءة المقال باللغة الإنجليزية من خلال الضغط على الرابط التالي:

https://www.desiringgod.org/articles/grace-loving-hard-working-and-happy

]]>
https://zehngadid.org/2024/12/12/%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%82%d8%a7%d8%b5%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d9%8a%d8%ad%d9%8a%d8%a9-%d9%84%d8%a8%d8%af%d8%a7%d9%8a%d8%a9-%d8%b9%d8%a7%d9%85-%d8%ac%d8%af%d9%8a%d8%af-%d9%87%d9%8a-%d9%86%d8%b9/feed/ 0